وكان في الدولة الجركسية دوادارا ثالثا عند خاله خير بك كافل حلب ومقربا عنده جدا ، ثم لما تولي كفالة القاهرة في الدولة العثمانية السليمية بقي عنده فلم يبرح عنه ، ثم صار ناظر الأموال السلطانية بالديار المصرية والأقطار الحجازية فساس الناس في جمعها وجمع للخزاين الشريفة الأموال العظام وأنشأ له أملاكا وأوقافا جمة ورأس بالقاهرة رياسة كاملة باهرة ، وصار يجتمع عنده أكابر العلماء كقاضي القضاة نور الدين الطرابلسي الحنفي وقاضي القضاة شهاب الدين الحنبلي ابن النجار وشيخ المحققين النور البحيري الشافعي في آخرين منهم الشيخ المعمر الشمس الدلجي ، قيل وكان يلاقيه إلى باب منزله وينزله بيده من على دابته وهو منحن عليها لكبره ويقبل يده مرات ، يجمعهم عنده كل خميس واثنين فيقرأ أحدهم شيئا من الحديث ويتكلمون عليه ما تيسر وهو بين أظهرهم ، إلا في الأشهر الثلاثة الحرم فإنهم كانوا يحضرون عنده كل يوم ، وكان يتفقدهم في الأعياد والمواسم والعطايا.
وكان له في كل سنة زكوات يفرقها على أربابها وخبز يفرق على أهل جامع الأزهر عشية كل يوم قدر خمسمائة رغيف ، وخبز يفرق على المسجونين بسجن القاهرة واهتمام بشأن الحلبيين إذا قدموا عليه.
وعمر هناك تربة ووقف عليها وقفا وقرر لها شيخا وعشرة أشخاص يكونون حرسيين مقيمين بمساكن فيها وجعل لهم خبزا وماء وجوامك ودفن بها النورين المذكورين. وأمره الشيخ نور الدين محيسن القاهري وهو من المعتقدين أن يدفنه عندهما عسى أن يكون له بهما ثلاثة أنوار ينتفع بها يوم القيامة ففعل.
وكان له بالباب العالي الإكرام والاحترام غيبة وحضورا. ولما عزل سليمان باشا كافل القاهرة استنهضه في أن يكون معه في أخذ الهند بالأمر السلطاني إذا حصل الإذن السلطاني فيه ، فوافقه ، ثم رافقه في التوجه إلى الباب العالي ، فلما عرض الحال وقع الإذن في ذلك وأعيد سليمان باشا إلى كفالة القاهرة ، فلما شرع في تهيئة أمور السفر إلى الهند بدا للأمير جانم أن لا يسافر معه ، فأرسل إلى أخيه الأمير إبراهيم وكان بالباب العالي دائما أن يشفع فيه ويصرفه عن هذه السفرة ، فشاع بالباب العالي ما أسره لأخيه. واتفق أن الأمير إبراهيم توفي إلى رحمة الله تعالى قبل بلوغ أخيه ما يبغيه فوصل إلى مسامع سليمان باشا ما أسره