سره ، فاتفق له ذات يوم أنه وقف بين يدي الشيخ غاضا لطرفه ، ساكتا ، واضعا يده فوق الصدر ، فسأله الشيخ : لم فعلت ذلك؟ فقال : طريق من كان بحضرة سلطان أن يغض طرفه ، أو بحضرة فقيه أن يكف لسانه ، أو بحضرة صوفي أن يوجه إليه قلبه ، وها أنا قد جمعت الثلاثة بين يديك لاستحقاقك مثل ذلك.
وقد أفتى صاحب الترجمة ودرّس بالجامع الأعظم بحلب وانتفع به الناس.
وما أحسن قول القاضي جابر متعرضا إليه وإلى البدر بن السيوفي رحمهمالله تعالى :
سللن سيوفا من جفون لقتلتي |
|
وأردفنها من هدبها بخناجر |
فقلت : أيفتى في دمي قلن لي : أجل |
|
أجاز السيوفي ذاك وابن الخناجري |
وكنت ممن أخذ حظه منه فقرأت عليه «نزهة الحسّاب» بالمدرسة الشرفية ، وأجاز لي أن أقرأها بحق قراءته لها على (العلامة الفرضي الحيسوب جمال الدين أبي النجا يوسف ابن علي بن محمد الإسعردي مولدا ، المقدسي منزلا ، الوفائي خرقة ، الشافعي ، صاحب المنظومة المسماة ب «بغية الرائض في علم الفرائض» بحق قراءته لها على) (١) مؤلفها الشهاب أحمد بن الهايم المصري ثم القدسي.
وكانت وفاته نهار عرفة من شهور سنة أربعين وتسعمائة بعد وفاة شيخنا الشهاب الهندي بأشهر معدودة ، فقلت في مرثيتهما معا حيث قلت :
ثوى شيخنا الهندي في رحب رمسه |
|
ففاضت دموعي من نواحي محاجري |
ومن بعده مات الإمام الخناجري |
|
وبان فكم من غصة في الحناجر |
ومن لطائفه أنه مر يوما على الطائفة القلندرية ، فتقدّم إليه أحدهم ليأخذ منه فتوحا فقال له : أنت جرار وأنا جرار والجرار لا يأخذ من الجرار شيئا.
وحضر عند جماعة في مأدبة ، فلما خرج من عندهم فبينما هو في الطريق إذ صادفه رجل راجع من جنازة بعض معارف الشيخ ، فقال له : أين كنتم؟ إشعارا منه بأنا لم نركم في الجنازة ولا المقبرة ، فقال له : كنا بين القبور ، فقيل له في ذلك فقال : كنا بين القبور الماشية.
__________________
(١) ما بين قوسين إضافة من «در الحبب» ليست في الأصل.