الواعظ المعروف في الديار الرومية بمنلا عرب.
وعظ بحلب في دولة كافلها خير بك الجركسي. وكان ذا وجاهة في وعظه كثير القدح في شاه إسماعيل صاحب تبريز وفي شيعته ، فصيحا بليغا منطيقا ذا علم وعمل.
واتفق له في مجلس وعظه أن حضره شيعي متسلح من أتباع الإلجي الذي بعثه شاه إسماعيل إلى الغوري صاحب مصر ، فتوجه إليه وعاد من عنده إلى حلب فهمّ بإشهار سيفه ليقتله ، فقتله الحلبيون وحرقوه ، فتغير الإلجي من ذلك وكاتب الغوري في ذلك ، فاضطرب له فإذا بعرض خير بك قد وصل إلى الباب الشريف متضمنا لما فيه إخماد نار كان قد أوقدها الإلجي في مكاتبته ، فأزال ما في خاطر الغوري من الغيظ على الشيخ ، ثم بدا له فأرسل مكاتبة تتضمن الأمر بخروجه من حلب ، فاجتمع به خير بك وكان يعتقده ويحبه وأوحى إليه ما وردت به المكاتبة ، فأمره خفية بالمهاجرة فهاجر إلى الديار الرومية.
ثم لما اضمحلت الدولة الجركسية قدم إلى حلب ووعظ بها على جاري عادته بعد أن سافر صحبة السلطان سليم بن عثمان عند توجهه إلى فتح تبريز وأخذ في الوعظ بها والقدح في الرافضة على أكمل وجه ، إلا أنه أخذ في النهي عن أخذ أموالهم ، فقيل له : قد كنت بالأمس تبيحها فما لك اليوم تنهى عن أخذها؟ فقال : لأن الخنكار قد أمنهم.
وكان للشيخ قوة حافظة لا نظير لها بحيث حكى لنا شيخنا الشهاب الأنطاكي أنه سأله عن حالته في الحفظ فذكر له أنه إذا مر على الكراسة الورق التي في مسطرة خمس وعشرين مرة واحدة فإنه يحفظها ويفهم مضمونها.
توفي ببروسا من الديار الرومية سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة حسبما أخبرني بذلك صاحبنا ولده الشيخ محيي الدين محمد حين قدم إلى حلب سنة اثنتين وخمسين وتسعماية من جانب أرض الحجاز.
وكان محدثا مفسرا جامعا لفضائل شتى سالكا لطريق السنة في إرخاء العذبة ، وكانت عذبته طولى (١) برميها وراء ظهره.
ومما بلغني أن جده الشيخ حمزة كان يقري الكشاف بحلب ، وكان إذا جرى ذكر
__________________
(١) في الأصل : طولها.