نزاعي إلى لقياك جاوز حده |
|
بحيث أخاف الانقلاب إلى الضد |
وقد أدركت البدر وحضرت بعض مجالسه وسمعت بعض مواعيده الحديثية المشتملة على استعمال أنواع العلوم واستعمال الأنغام بصوته الحسن الجهوري ولم تقدر لي القراءة عليه ، غير أني حضرت مع والدي بين يديه وسمعنا من لفظه الحديث المسلسل بالأولية وأجاز لنا أن نرويه عنه وجميع ما يجوز له وعنه روايته بشرطه.
وكان البدر طويل القامة نير الشيبة مهابا من رآه لا يشك في أنه من كبار العلماء وعظام النبلاء ، غير أنه فيما بلغني أنه كان يخضب لحيته بالسواد قديما ، فاتفق أنه وقع بينه وبين أركماس الجركسي كافل حلب شنآن بواسطة أنه أفتى لرجل بحل تزوج ابنة أخيه من الزنا على قاعدة مذهبه بعد هدية حافلة أهداها إليه ، فتزوجها وكانت فتواه على خلاف مراد أركماس ، فتوعده بالقتل إن دخل دار العدل. ثم إن أركماس عمل ذات يوم مأدبة أحضر فيها الخاص والعام من أهل حلب ، فحضر فيها الشيخ بنفسه من غير أن يدعوه إليها فقال له أركماس في الملأ العام : شفعني يا شيخ في لحيتك أو ما شاكل هذا الكلام ، فخجل منه ، فأخذ جدي الجمال الحنبلي يسوق شيئا من كتاب الشيب والخضاب لابن الجوزي مما يقتضي مشروعية الخضاب ، ولم يكن الشيخ وقف على هذا المؤلف ، فطلبه من جدي فأرسله إليه وانتسجت بينهم المودة الزائدة من يومئذ ، ثم كان تركه للخضاب من بعد ذلك الخطاب.
وكانت وفاته رحمهالله تعالى في ربيع الأول سنة خمس وعشرين عن نائبة ألمت به بغير حق من قبل زين العابدين ابن الفناري قاضي حلب كما يأتي في ترجمته.
وكان له إذ صلي عليه بالجامع الكبير مشهد عظيم ودفن بمقابر الحجاج ووضع تحت رأسه طاقية الشيخ الصالح الورع المنعقد علاء الدين علي بن يوسف بن صبر الدين الجبرتي التي وهبها له بوصية منه ، وكان الشيخ علاء الدين من أكابر المعتقدين بالقاهرة ، توفي بها في ذي القعدة سنة تسعمائة ، ومن خطه المبارك نقلت أن جده صبر الدين هكذا بالباء وإن تعارف الناس بصدر الدين بالدال ، ولما مضى عليه وهو بقبره عشرة أشهر واثنا عشر يوما رآه أحد ولديه في المنام وهو يشكو من سقوط لبن القبر على ضلعه فتوجه إليه ولده والحاج أبو بكر الحجار المعروف بابن الحصينة فنظرا فإذا هو قد سقط عليه ما ذكر.