من السلاطين عدة في قليل من المدة من ولده وغيره وقتل منهم من قتل وبقي منهم من بقي عصى إينال نائب حلب وهو كافلها إذ لم يكن من جملة محبي من تسلطن إذ ذاك ، فورد مرسوم شريف من قبل من تسلطن إذ ذاك بأن يرمى على إينال وهو بدار العدل من القلعة المنصورة بالمكاحل ويقبض عليه ويرفع إلى القلعة ، ففعلوا بعد أن كتب عليه جماعة من الطائعين منهم الغوري طلبا للقبض عليه. ثم ورد الخبر بسلطنة من كان إينال من محبيه ، فأطلق ، فلما أطلق أخذ في قتل جماعة ممن ركبوا عليه وقصد قتل الغوري ، فأحس به ، وكان حسين بن الميداني صاحبه فاحتال له وأخرجه من باب النصر ليلا وخرج معه وكان من أبطال الرجال ، فتوجه الغوري إلى حماة واختفى بها في بيت يهودي إلى أن قتلوا السلطان الآخر الذي كان يخشاه ، فتوجه إلى مصر فصار بها أميرا كبيرا ليس بعد السلطان في المرتبة أعلى منه ، ويعرف في اصطلاح الدولة الجركسية بأمير كبير ، فصار بعض المحدثين والرمالين يهنيه بالسلطنة ، فخرج إلى الصعيد ، وكان من عادة صاحب هذا المنصب أن يخرج إليه ، فقتلوا سلطانه في غيبته وأبرموا عليه في الجلوس على التخت ، فتحاشى خشية أن يقتلوه كما قتلوا غيره فقالوا سرا : اجلس إلى أن نستقر على من تختاره للسلطنة منا ، فعقدت له البيعة وجلس على التخت ، فأبى الله إلا أن يثبت في السلطنة ، فأخذ يتبع القرانصة وذوي الشوكة والقوة من أمراء الجراكسة فيقتلهم شيئا فشيئا ومن بعد منهم عنه كخير بك كافل حلب صار يخشى أن يدس إليه سما فيقتله به.
ثم فشا ظلمه بمصر وصار شيخ مشايخ الإسلام قاضي الشافعية بالديار المصرية زكريا الأنصاري يعرض بظلمه في الخطبة إذ كان يخطب والسلطان يستمع تحت منبره المرة بعد الأخرى ولا يبالي منه ، ثم حصل الإيذاء البالغ لشيخ الإسلام برهان الدين إبراهيم بن أبي شريف الشافعي ، وقد كان إذ ذاك عالم مصر ومدار الفتوى بها عليه بسبب الرجل الذي رمي بالزنا وأقربه بالتهديد والضرب ، ثم أنكر ، ثم أفتى بعصمة روحه وعدم رجمه ، فغضب عليه بسبب ذلك وعزله من مشيخة مدرسته التي جددها بالقاهرة وصلب الرجل على باب شيخ الإسلام حتى جزع الناس له واستعظموا هذا الأمر الشنيع مع مثله ، واستمر في منزله لا يخرج عنه والناس تقصده في أنواع العلوم إلى أن أخذ الله الغوري أخذا وبيلا وتوفي الشيخ بعده ولم يبرح في حال سلطنته في رفاهية من العيش وبلوغ الآمال من المأكل والمشرب والمنكح والمسمع والمحاضرة والمسامرة مع من كان جليسه وأنيسه قاضي القضاة عبد البر