على ذهنه من العلاج جملة ، ويستحضر كتاب القانون ومن المعاني والبيان كثيرا. ولي كتابة الإنشاء بحلب ثم توقيع الدست ، وكان أرغون يقربه ويكرمه ، ثم ولي كتابة السر بحلب عوضا عن الشهاب بن القطب سنة ٣٩ ، ثم ولي كتابة السر بدمشق سنة ٤٧ ، وولي بها تدريس الشاميتين ومشيخة الشيوخ. وكان ينظم سريعا ويكتب خطا حسنا ، واستمر بيده تدريس الأسدية بحلب وقضاء العسكر إلى أن مات بدمشق وحصل لأولاده الإقطاعات من إمرة العشرة فما دونها ولمماليكه وإلزامه والرواتب الوافرة على الديوان والجامع ، واقتنى من الكتب النفيسة شيئا كثيرا إلى الغاية من الأملاك والبساتين المعظمة بدمشق وبلادها وحلب ومعاملاتها ما شاء الله. وبحث على فخر الدين بن خطيب جبرين «الكشاف» ، وقرأ على أمين الدين الأبهري نصف التذكرة للطوسي في الهيئة ، وقرأ عليه رسائل الأسطرلاب.
قال الصفدي : ذكر لي أنه أحضر على سنقر الزيني في الرابعة ، وكان مولده سنة بضع وسبعمائة ، قال : وهذا لا ينتظم ، فإن وفاة سنقر سنة ست ، قلت : فتحمل على أنه ولد في أول سنة ثلاث ، ويفرع على أن البضع من ثلاث إلى تسع. ولابن نباتة فيه مدائح كثيرة (وذكر هنا بيتين من نظم المترجم تعذر علي فهمهما فأضربت عنهما) (١).
قال الصفدي : كان محظوظا إلى الغاية ، ولم يكن فيه شر مع الاحتمال الكثير وكظم الغيظ. ونقل إلى كتابة سر حلب في سنة ستين ، ثم أعيد إلى كتابة السر بدمشق في سنة ٦٢ فباشرها إلى أن مات. قال : وبيني وبينه مكاتبات ومراجعات. قال : وكتب إلي في ليلة مطيرة :
وكأن القطر في ساجي الدجى |
|
لؤلؤ رصّع ثوبا أسودا |
وإذا ما قارب الأرض غدا |
|
فضة تشرق من بعد المدى |
قال الصفدي : كان من رجالات الدهر حزما وعزما وسياسة ودربة ، ينال مقاصده ولو كانت عند النعائم ، ويتناول الثريا قاعدا غير قائم. وكان وجيها عند النواب يثني عليه أصحاب السيوف والأقلام مع السكون والأخلاق الرضية. وكان لا يواجه أحدا بما يكره.
__________________
(١) البيتان هما اللذان سيردان بعد قليل : مشبب شب ... نقلا عن أبي ذر. وقد وردا في «الدرر الكامنة» تحقيق محمد سيد جاد الحق.