بالسيرة النبوية والدر المنظوم من كلام المعصوم ، وذكر أنه سمع الأولى منه سنة ستين ، وحصل وعاد إلى حلب وقد صار أحد أئمة الحنفية يستحضر الكشاف وتفقه على مذهبهم ، فشغل بها الطلبة وأفتى وأفاد ، إلى أن انتهت إليه رياسة الحنفية فيها مع الثروة ، وولاه تغري بردي تدريس جامعه بها ، ثم استدعاه الظاهر برقوق على البريد لما مات الشمس الطرابلسي ، وقال حينئذ : أنا الآن ابن خمس وسبعين ، فحضر من حلب في ربيع الآخر سنة ثمانمائة ونزل عند البدر الكلستاني كاتب السر إلى أن خلع عليه في العشرين منه بقضاء الحنفية ، وكانت مدة الفترة مئة وعشرة أيام ، فباشره مباشرة عجيبة ، فإنه قرب الفساق واستكثر من استبدال الأوقاف وقتل مسلما بنصراني ، بل اشتهر أنه كان يفتي بأكل الحشيش وبوجوه من الحيل في أكل الربا ، وأنه كان يقول : من نظر في كتاب البخاري تزندق ، ومع ذلك فلما مات الكلستاني في سنة إحدى استقر في تدريس الصر غتمشية مضافا للقضاء.
وقد أثنى عليه ابن حجر في علمه وأنه لم يكن محمودا في مباشرته.
وقال العيني : كان يتصدق على الفقراء في كل يوم بخمسة وعشرين درهما يصرف بها فلوسا لا يخل بذلك ، ولم يكن يقطع زكاة ماله مع بعض شح وطمع وتغفيل (هكذا ولعله وتقتير) ، وإنه أقام بحلب قريبا من ثلاثين سنة فكان يكتب في كل يوم على أكثر من خمسين فتوى بدون مطالعة لقوة استحضاره ، وإنه حصل بحلب مالا كثيرا فنهب أكثره في اللنكية. قال : وهو أحد مشايخي ، قرأت عليه من كتاب البزدوي مجالس متعددة في حلب سنة ثلاث وثمانين ، واختصر معاني الآثار للطحاوي سماه «المعتصر» (١) وصنف غيره. قال : وكان ظريفا لطيفا خفيفا جميل الصورة حسن اللحية مربوع القامة وإلى القصر أقرب. وكذا قال ابن خطيب الناصرية : إنه قرأ عليه السيرة والدر المذكورين وإنه كان
__________________
(١) أقول : طبع هذا الكتاب بمطبعة المعارف النظامية الكائنة في حيدر آباد دكن في الهند عاصمة مملكة دولة النظام ، وقد ذكرت المطبعة في إعلان خاص ما طبع فيها من الكتب ومن جملتها هذا الكتاب وقالت عنه ما نصه : المعتصر من المختصر من مشكل الآثار للطحاوي للقاضي أبي المحاسن يوسف بن موسى الحنفي ، لخص المؤلف هذا الكتاب من كتاب المختصر للقاضي أبي الوليد الباجي المالكي الذي اختصر به كتاب مشكل الآثار للعلامة الحافظ الإمام أبي جعفر الطحاوي الشهير ، ورد صاحب المعتصر على الإيرادات والاعتراضات التي في المختصر على الحافظ الطحاوي فجاء نفيسا في فنه مرغوبا للعلماء لا سيما للسادة الحنفية. طبع في مجلد واحد قطع كبير صفحاته ٤٧٥ ا ه. والكتاب على ما يظهر طبع بعد سنة ١٣٢٠ بقليل وإلى الآن لم يصلنا منه إلى الشهباء نسخة ولم نطلع عليه في غيرها من البلاد السورية.