بقي هنا بحث : أشار إليه في المسالك ، قال : إنّ نذر الاعتكاف أو مطلق الاعتكاف الواجب لا يستلزم إيجاب الصوم ، وإن اقتضى فعله فيه ، فيجوز إيقاعه في صوم شهر رمضان وغيره ، وحينئذٍ لا يتم القول بالوجوب على الوليّ هنا بمجرد وجوب الاعتكاف ؛ إذ ليس هناك صوم واجب يدخل في عموم الأخبار المتقدّمة (١).
أقول : لا ريب أنّ وجوب إيقاع الاعتكاف في حال الصوم موجب لإتيان صوم لأجل الاعتكاف ؛ إذ لا يتم الواجب إلا به.
غاية الأمر أنّ صوم رمضان مثلاً مُسقط عن التكليف بهذه المقدمة ، فالصوم بمنزلة الطهور لا الصلاة ، فكما أنّ إيجاب الصلاة مستلزم لإيجاب الطهور ؛ لقوله عليهالسلام : «لا صلاة إلا بطهور» ومع هذا يكتفى بالطهور الحاصل قبل الصلاة لغير هذه الصلاة ، فكذلك فيما نحن فيه ، فمتى لم توجد طهارة وجبت الطهارة لأجل الصلاة ، فكذا في الاعتكاف.
فلا يمكن إنكار وجوب الصوم لأجل الاعتكاف من باب المقدمة ؛ إذ قد لا يتمّ الاعتكاف إلا بإنشاء صوم له ، وكذلك قضاء الولي قد لا يتم إلا بإنشاء الصوم ، وإن صح لو فعله في شهر رمضان ، ويتضح ذلك فيما لو كان المنذور معيناً في مثل العشر الأوائل في رجب الذي لم يتعلّق به وجوب آخر.
مع أنه يمكن أن يقال باجتماع الواجبين في شهر رمضان ، أعني وجوب المقدمة ، مع وجوب صوم رمضان ، كما لا تنافي بين وجوب صوم رمضان المنذور لأجل النذر وصوم رمضان جميعاً.
فتحقيق هذا البحث أن يقال : لا نُسلّم وجوب قضاء الصوم لأجل الاعتكاف الفائت ؛ لأن وجوبه للغير ومن باب المقدّمة ، أداءً كان أو قضاءً ، فوجوبه تابع لوجوب الاعتكاف كذلك ، فإذا لم يثبت الدليل على وجوب قضاء الاعتكاف بالخصوص ، فلم يثبت وجوب قضاء صوم له ، فكما أنه لا معنى لوجوب قضاء الوضوء على من يريد عدم قضاء الصلاة التي وجب الوضوء لها ، فلا معنى لوجوب قضاء الصوم للولي
__________________
(١) المسالك ٢ : ١١١.