أقول : ويظهر من التذكرة في أواخر المطلب الخامس من باب الاعتكاف ، جواز الخروج لكلّ القُرُبات عندنا (١) ، وهو مشعر بدعوى الإجماع.
وفي رواية ميمون السابقة إشارة إلى أنّ كلّ ما كان ثوابه عظيماً أو أعظم من الاعتكاف جاز الخروج له (٢) ، والرواية وإن كانت ضعيفة (٣) ، ولكن ورودها في الفقيه وعمل الأصحاب على مقتضاها يؤيّد العمل بها.
مع أنّ لنا أن نقول : إنّ النسبة بين ما دلّ على المنع عن الخروج ، وما دلّ على رجحان تلك الطاعات والعبادات وإن كانت مستلزمة للخروج عن المقام عموم من وجه ، ولم يثبت كون أخبار المنع أخصّ مطلقاً حتّى يلزم تقديمه ؛ لاحتمال أن يكون المراد من المذكورات في الاستثناء المثال ، لا الخصوصية ، غاية الأمر حصول الاحتمال في المخصص من أجل هذا الاحتمال ، ولا حجية في العام المخصص بالمجمل.
ولكن ذلك يحتاج إلى التدرّب واستقراء كلماتهم ، وملاحظة فتاويهم في إخراج ما ليس بداخل في المستثنى.
فكلّما ثبتت أفضليته من الاعتكاف ، فهو مرجح للخروج له ، وما لم تثبت أفضليته ، فما ثبتت مرجوحيّته بالنسبة إلى الاعتكاف فيرجح المنع ، وما تساوى فيه الأمران فيقع الإشكال من جهة أصالة البراءة ، وأصالة عدم تحقّق الاعتكاف المطلوب ، ولعلّ ترجيح أصل البراءة أولى ، ما لم يخرج الاعتكاف عن هيئته بحيث يصحّ سلب اسم الاعتكاف عنه.
وهذه قاعدة كلية ، فيكون كلّ ما ذكره الأصحاب على سبيل التنصيص ، إما من قبيل المثال ، أو لعدم ثبوت أفضلية غيرها عندهم ، أو لأجل ورودها بالخصوص في النصوص ، ونحن أيضاً نقتفي أثرهم في ذكرها مفصّلاً.
__________________
(١) التذكرة ٦ : ٣١٠.
(٢) الفقيه ٢ : ١٢٣ ح ٥٣٨ ، الوسائل ٧ : ٤٠٩ أبواب الاعتكاف ب ٧ ح ٤.
(٣) بالإرسال وجهالة الراوي وضعف الطريق ، راجع معجم رجال الحديث ١٩ : ١١٤ الرقم ١٢٩٤٤.