وكقولهم : الحركات أنواع : صاعد عال ، ومنحدر سافل ، ومتوسط بينهما ، فإنه مأخوذ من صناعة الموسيقى ، انتهى.
وقال ابن الأنبارى فى أصوله (١) : اعلم أن إنكار القياس فى النحو لا يتحقق ، لأن النحو كله قياس ، ولهذا قيل فى حده : «النحو علم بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب» ، فمن أنكر القياس فقد أنكر النحو ، ولا يعلم أحد من العلماء أنكره ، لثبوته بالدلالة القاطعة ، وذلك أنا أجمعنا على أنه إذا قال العربى : كتب زيد ، فإنه يجوز أن يسند هذا الفعل إلى كل اسم مسمى يصح منه الكتابة ، نحو عمرو ، وبشر ، وأزدشير ، إلى ما لا يدخل تحت الحصر ، وإثبات ما لا يدخل تحت الحصر بطريق النقل محال.
وكذلك القول فى سائر العوامل الداخلة على الأسماء والأفعال ، الرافعة والناصبة والجارة والجازمة ، فإنه يجوز إدخال كل منها على ما لا يدخل تحت الحصر ، وذلك بالنقل متعذر ، فلو لم يجز القياس ، وقتصر على ما ورد فى النقل من الاستعمال ، لبقى كثير من المعانى لا يمكن التعبير عنها لعدم النقل ، وذلك مناف لحكمة الوضع ، فوجب أن يوضع وضعا قياسيا عقليا لا نقليا ، بخلاف اللغة ، فإنها وضعت وضعا نقليا ، لا عقليا ، فلا يجوز القياس فيها ، بل يقتصر على ما ورد به النقل ، ألا ترى أن القارورة سميت بذلك لاستقرار الشىء فيها ، ولا يسمى كل مستقر فيه قارورة ، وكذلك سميت الدار دارا لاستدارتها ، ولا يسمى كل مستدير دارا (٢) ، انتهى.
__________________
(١) انظر : الفصل الحادى عشر من لمع الادلة تحت عنوان «فى الرد على من أنكر القياس».
(٢) بعد هذه العبارة قال الانبارى : «فلو قلنا : إن النحو ثبت نقلا لا قياسا وعقلا ؛ لأدى ذلك إلى رفع الفرق بين اللغة والنحو ، والى التسوية بين المقيس والمنقول ، وذلك مخالف للمعقول» ، وانظر المرجع السابق.