الكتاب الأول : فى السماع
وأعنى به : ما ثبت فى كلام من يوثق بفصاحته ، فشمل كلام الله تعالى ، وهو القرآن ، وكلام نبيه صلّى الله عليه وسلّم ، وكلام العرب ، قبل بعثته ، وفى زمنه ، وبعده إلى أن فسدت الألسنة بكثرة المولدين ، نظما ونثرا ، عن مسلم أو كافر ، فهذه ثلاثة أنواع لا بد فى كل منها من الثبوت.
أما القرآن فكلما ورد أنه قرىء به : جاز الاحتجاج به فى العربية سواء كان متواترا ، أم آحادا ، أم شاذا ، وقد أطبق الناس على الاحتجاج بالقراآت الشاذة فى العربية ، إذا لم تخالف قياسا معروفا ، بل ولو خالفته يحتج بها ، فى مثل ذلك الحرف بعينه ، وإن لم يجز القياس عليه ، كما يحتج بالمجمع على وروده ومخالفته القياس فى ذلك الوارد بعينه ، ولا يقاس عليه نحو استحوذ ويأبى ، وما ذكرته من الاحتجاج بالقراءة الشاذة ، لا أعلم فيه خلافا بين النحاة ، وإن اختلف فى الاحتجاج بها فى الفقه (١) ، ومن ثم احتج على جواز إدخال لام الأمر على المضارع المبدوء بتاء الخطاب بقراءة (فبذلك فلتفرحوا) (٢) ، كما احتج على إدخالها على المبدوء بالنون بالقراءة المتواترة (وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ)(٣) واحتج على صحة قول من قال إن «الله» أصله «لاه» بما قرىء شاذا (وهو الذى فى السماء لا ه وفى الأرض لا ه) (٤).
__________________
(١) كان الأولى أن يقول : إذا جاز الاحتجاج بالقراآت الشاذة فى الفقه جاز الاحتجاج بها فى النحو ، وذلك لأن الحكم الشرعى مبنى على التثبت من صحة اللفظ.
(٢) الآية رقم ٥٨ من سورة يونس.
(٣) الآية رقم ١٢ من سورة العنكبوت ، وانظر شرح الأشمونى ج ٤ ص ٣ والمسألة رقم ٧٧ من الانصاف.
(٤) الآية رقم ٨٤ من سورة الزخرف.