[الفرع] الخامس
[علة امتناع الأخذ عن أهل المدر]
قال ابن جنى : علة (١) امتناع الأخذ عن أهل المدر (٢) ، كما يؤخذ عن أهل الوبر ، ما عرض للغات الحاضرة وأهل المدر من الاختلال والفساد ، ولو علم أن أهل مدينة باقون على فصاحتهم لم يعرض للغتهم شىء من الفساد لوجب الأخذ عنهم ، كما يؤخذ عن أهل الوبر ، وكذلك لو فشا فى أهل الوبر ما شاع فى لغة أهل المدر من الخلل والفساد لوجب رفض لغتها.
قال : وعلى ذلك العمل فى وقتنا هذا لأنّا لا نكاد نرى بدويّا فصيحا ، وإذا كان قد روى أنه صلّى الله عليه وسلّم سمع رجلا يلحن فقال : «أرشدوا أخاكم فقد ضل» ، وسمع عمر (٣) رجلا يلحن ، وكذلك علىّ (٤) حتى حمله ذلك على وضع النحو ، إلى أن شاع أو استمر فساد الألسنة مشهورا ظاهرا ، فينبغى
__________________
(١) انظر المرجع السابق ج ٢ ص ٥.
(٢) قال فى اللسان : قال عامر للنبى صلّى الله عليه وسلّم : «لنا الوبر ولكم المدر» إنما عنى بالمدر : المدن أو الحضر ، وعنى بالوبر : الأخبية لأن أبنية البادية بالوبر.
(٣) رووا أن أحد ولاة عمر كتب إليه كتابا لحن فيه ، فكتب إليه عمر : «أن قنع كاتبك سوطا» ، والمراد بأحد الولاة : أبو موسى الاشعرى ، وانظر الخصائص ج ٢ ص ٨.
(٤) روى من حديث على مع الاعرابى الذى أقرأه المقرىء : (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) بكسر اللام فى رسوله ، حتى قال الاعرابى : «برئت من رسول الله» فأنكر ذلك على عليه السّلام ، ورسم لأبى الأسود من عمل النحو مار وانظر : المرجع السابق.