على الحجة والتعليل ، والارتفاع عن حضيض التقليد إلى يفاع (١) الاطلاع على الدليل ، فإن المخلد إلى التقليد لا يعرف وجه الخطأ من الصواب ، ولا ينفك فى أكثر الأمر عن عوارض الشك والارتياب».
فالأنبارى قد بين أن أصول النحو مشابهة أصول الفقه وموضوعة على غرارها ، وأن هناك ارتباطا قويا بين المسادتين ، وأن مادة أصول الفقه سابقة على مادة أصول النحو ، فعلماء النحو نظروا فى أصولهم إلى علماء أصول الفقه.
والأنبارى يذكر فوائد وضع هذا العلم فيقول : إنه يتم به تقرير الحكم وإثباته بالدليل الصحيح ، والحجة القوية ، والتعليل السليم.
ومن فوائده كذلك البعد عن التقليد ، لأن التقليد قد يوقع صاحبه فى الخطأ فلا يهتدى إلى الصواب ، والإنسان المقلد لم يقنع نفسه بما يقول ، فإذا تحدث كان شاكا ومرتابا فيما يقول.
ثم بعد وفاة الأنبارى بما يقرب من أربعة قرون جاء السيوطى فألف كتابه : «الاقتراح» الذى سنتناوله بالعرض والتحقيق والتعليق ، ولقد ورد فى مقدمة هذا الكتاب ـ كما سيأتى ـ عبارات أريد مناقشته فيها ، فقد تحدث عن الاقتراح ، فقال :
«لم تسمح قريحة بمثاله» وقال : «لم ينسج على منواله ناسج» وقال : «وبعد تمامه رأيت الكمال ابن الأنبارى قال فى كتابه «نزهة الألباء فى طبقات الأدباء» (٢) : علوم الأدب ثمانية : اللغة ، والنحو ، والتصريف ، والعروض ،
__________________
(١) اليفاع : كل شىء مرتفع ، والمراد هنا : قمة الاطلاع.
(٢) انظر : نزهة الألباء ص ٦١ ترجمة هشام بن السائب الكلبى.