وإن كانت إحدى اللفظتين أكثر فى كلامه من الأخرى ، فأخلق (١) الأمر به أن تكون القليلة الاستعمال هى الطارئة عليه ، والكثيرة هى الأولى الأصلية.
ويجوز أن تكونا معا لغتين له ولقبيلته ، وإنما قلّت إحداهما فى استعماله لضعفها فى نفسه. وشذوذها عن قياسه.
وإذا كثر على المعنى الواحد ألفاظ مختلفة ، فسمعت فى لغة إنسان فعلى ما ذكرناه كما جاء عنهم فى أسماء الأسد ، والسيف ، والخمر ، وغير ذلك ، وكما تنحرف (٢) الصيغة واللفظ واحد ، كقولهم : رغوة اللبن ، ورغوته ، ورغوته ، ورغاوته (٣) ، كذلك مثلنا
وكذلك قولهم : جئته من عل ، ومن على ، ومن علا ، ومن علوّ ، من علو ، ومن علو ، ومن عال ، ومن معال ، فكل ذلك لغات لجماعات قد تجتمع لإنسان واحد.
قال الأصمعى : اختلف رجلان فى الصقر ، فقال أحدهما : بالصاد ، وقال الآخر : بالسين ، فتراضيا بأول وارد عليهما ، فحكيا ما هما فيه ، فقال : لا أقول كما قلتما إنما هو الزقر (٤)
__________________
(١) فى الخصائص ج ١ ص ٣٧٢ قال ابن جنى : «فأخلق الحالين به فى ذلك أن تكون القليلة فى الاستعمال هى المفادة ، والكثيرة هى الأولى الأصلية».
(٢) فى الأصل : تتحرف
(٣) فى المرجع السابق ج ١ ص ٣٧٣ أضاف : رغاوته ورغاوته بكسر الراء وضمها
(٤) قال ابن جنى بعد هذه القصة : «أفلا ترى إلى كل واحد من الثلاثة ، كيف أفاد فى هذه الحال إلى لغته لغتين أخريين معها ، وهكذا تتداخل اللغات» ، وانظر الخصائص ج ١ ص ٣٧٤.