أحدهما : أن الرواة جوزوا النقل بالمعنى ، فتجد قصة واحدة قد جرت فى زمانه صلّى الله عليه وسلّم لم تنقل بتلك الألفاظ جميعها ، نحو ما روى من قوله : «زوّجتكما بما معك من القرآن» ، «ملّكتكها بما معك» ، «خذها بما معك» ، وغير ذلك من الألفاظ الواردة فى هذه القصة ، فنعلم يقينا أنه صلّى الله عليه وسلم لم يلفظ بجميع هذه الألفاظ ، بل لا نجزم بأنه قال بعضها ، إذ يحتمل أنه قال لفظا مرادفا لهذه الألفاظ غيرها ، فأتت الرواة بالمرادف ولم تأت بلفظه ، إذ المعنى هو المطلوب ، ولا سيما مع تقادم السماع ، وعدم ضبطه بالكتابة ، والاتكال على الحفظ ، والضابط منهم من ضبط المعنى ، وأما ضبط اللفظ فبعيد جدا لا سيما فى الأحاديث الطوال ، وقد قال سفيان الثورى : «إن قلت لكم : إنى أحدثكم كما سمعت فلا تصدقونى إنما هو المعنى» ، ومن نظر فى الحديث أدنى نظر ، علم العلم اليقين أنهم إنما يروون بالمعنى.
الأمر الثانى : أنه وقع اللحن كثيرا فيما روى من الحديث ، لأن كثيرا من الرواة كانوا غير عرب بالطبع ، ولا يعلمون لسان العرب بصناعة النحو ، فوقع اللحن فى كلامهم وهم لا يعلمون ذلك ، وقد وقع فى كلامهم وروايتهم غير الفصيح من لسان العرب ، ونعلم قطعا [من] غير شك أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان أفصح الناس ، فلم يكن ليتكلم إلا بأفصح اللغات ، وأحسن التراكيب ، وأشهرها وأجزلها ، وإذا تكلم بلغة غير لغته ، فإنما يتكلم بذلك مع أهل تلك اللغة على طريق الإعجاز ، وتعليم الله ذلك له من غير معلم.
والمصنف قد أكثر من الاستدلال بما ورد فى الأثر ، متعقبا بزعمه على النحويين وما أمعن النظر فى ذلك ، ولا صحب من له التمييز ، وقد قال لنا قاضى القضاة بدر الدين بن جماعة ـ وكان ممن أخذ عن ابن مالك ـ «قلت له : يا سيدى