الأصول كما يتقدم الطلب الفعل ، وجعلوا الأفعال الواقعة عن غير طلب إنما تفجأ حروفها الأصول ، أو ما ضارع الأصول ، نحو خرج وأكرم.
وكذلك جعلوا تكرير العين دالا على تكرير الفعل نحو فرّح وكسّر ، فجعلوا قوة اللفظ لقوة المعنى ، وخصوا بذلك العين لأنها أقوى من الفاء واللام ، إذ هى واسطة لهما ومكنوفة بهما ، فصارا كأنهما سياج لها ، ومبذولان للعوارض دونها ، ولذلك تجد الإعلال بالحذف فيهما دونها (١).
ومن ذلك قولهم : الخضم لأكل الرّطب ، والقضم لأكل اليابس ، فاختاروا الخاء لرخاوتها للرطب ، والقاف لصلابتها لليابس (٢).
والنّضح للماء ونحوه ، والنّضخ أقوى منه ، فجعلوا الحاء لرقتها للماء الخفيف والخاء لغلظها لما هو أقوى.
ومن ذلك قولهم : القد طولا ، والقط عرضا ، لأن الطاء أحصر (٣) للصوت وأسرع قطعا له من الدال المستطيلة ، فجعلوها (٤) لقطع العرض لقربه وسرعته ، والدال المستطيلة لما طال من الأثر ، وهو قطعه طولا ، وهذا الباب واسع جدا لا يمكن استقصاؤه.
__________________
(١) بتلخيص عن الخصائص ج ٢ ص ١٥٥.
(٢) قال ابن جنى بعد هذه العبارة : «حذوا لمسموع الأصوات على محسوس الأحداث» ، وانظر المرجع السابق ج ٢ ص ١٥٨.
(٣) فى الأصل : أخصر ، والصواب ما ذكرنا ، وهو مطابق لما ذكره ابن جنى فى الخصائص ، وانظر ج ٢ ص ١٥٨.
(٤) الضمير فى جعلوها يعود على «الطاء».