أن ترد إحدى اللغتين بصاحبتها ، لأنها ليست أحق بذلك من الأخرى ، لكن غاية مالك فى ذلك : أن تتخيّر إحداهما ، فتقوّيها على أختها ، وتعتقد أن أقوى القياسين أقبل لها ، وأشد أنسا بها ، فأما ردّ إحداهما بالأخرى فلا ، ألا ترى إلى قوله صلّى الله عليه وسلّم : «نزل القرآن بسبع لغات كلها شاف كاف» (١) ، هذا إن كانت اللغتان فى [الاستعمال و](٢) القياس سواء ومتقاربتين.
فإن (٣) قلّت إحداهما جدا ، وكثرت الأخرى جدا ، أخذت بأوسعهما رواية ، وأقواهما قياسا ، ألا ترى أنك لا تقول : «المال لك» ولا «مررت بك» قياسا على قول قضاعة : المال له ، ومررت به ، ولا أكرمتكش ، قياسا على قول من قال : مررت بكش (٤)
فالواجب فى مثل ذلك : استعمال ما هو أقوى وأشيع ، ومع ذلك لو استعمله إنسان لم يكن مخطئا لكلام العرب ، فإن الناطق على قياس لغة من لغات العرب : مصيب غير مخطىء ، لكنه يكون مخطئا لأجود اللغتين ، فإن احتاج لذلك فى شعر أو سجع فإنه غير ملوم ، ولا منكر عليه ، انتهى.
وفى شرح التسهيل لأبى حيان : كل ما كان لغة لقبيلة قيس عليه.
__________________
(١) من حديث طويل رواه البخارى فى كتاب فضائل القرآن.
(٢) أورد ابن جنى هذه الكلمة فى الخصائص ، وانظر : ج ٢ ص ١٠.
(٣) فى الأصل : فأن.
(٤) مثل ذلك يسمى بالكشكشة وسيأتى تفصيل لذلك عند الحديث عما رجحت به لغة قريش على غيرها.