الكتاب الخامس : فى أدلة شتى
قال ابن الأنبارى : اعلم أن أنواع الاستدلال كثيرة لا تحصر (١)
[من أنواع الاستدلال : الاستدلال بالعكس]
منها : الاستدلال بالعكس ، كأن يقول : لو كان نصب الظرف فى خبر المبتدأ بالخلاف لكان ينبغى أن يكون الأول [أى المبتدأ] منصوبا ، لأن الخلاف لا يكون من واحد وإنما يكون من اثنين ، فلو كان الخلاف موجبا للنصب فى الثانى لكان موجبا للنصب فى الأول ، فلما لم يكن [الأول] منصوبا دل على أن الخلاف لا يكون موجبا للنصب فى الثانى (٢).
__________________
(١) انظر : لمع الأدلة ص ١٢٧ ولقد أدرج الأنبارى الاستدلال بالتقسيم ، والاستدلال ببيان العلة ، والاستدلال بالأصول تحت عنوان : «فى ذكر ما يلحق بالقياس».
(٢) فى هذه المسألة يقول الكوفيون : «إن الظرف فى مثل : «زيد أمامك» منصوب بالخلاف ؛ وذلك لأن خبر المبتدأ فى المعنى هو المبتدأ ؛ ألا ترى أنك إذا قلت «زيد قائم» كان قائم فى المعنى هو زيد ، فإذا قلت : «زيد أمامك» لم يكن أمامك فى المعنى هو زيد ، كما كان قائم فى المعنى هو زيد ، فلما كان مخالفا نصب على الخلاف ليفرقوا بينهما.
وأما البصريون فيقولون : إنه ينتصب بفعل مقدر تقديره استقر ونحوه.
ومنهم من قال : إنه منتصب بتقدير اسم فاعل أى مستقر أمامك.
وقالوا : إن الظرف انتصب بالعامل المقدر لأن الأصل : «فى أمامك» ، لأن أسماء الأمكنة والأزمة يراد بها معنى «فى» ، وحرف الجر لا بد له من شىء يتعلق به ؛ فلما حذف حرف الجر اتصل الفعل بالظرف فنصه ، فالفعل الذى هو «استقر» مقدر مع الظرف ، كما هو مقدر مع الحرف».