وحالا ، وذلك النكرة بعد معرفة هى فى المعنى (١) هى ، نحو مررت بزيد رجل صالح ، ورجلا صالحا ، فإن علته : لجواز ما جاز لا لوجوبه ، انتهى.
فظهر بهذا الفرق بين العلة والسبب ، وأن ما كان موجبا يسمى : علة ، وما كان مجوّزا يسمى : سببا.
وقال فى موضع آخر : اعلم أن محصول مذهب أصحابنا ، ومنصرف أقوالهم مبنى على جواز تخصيص العلل ، فإنها وإن تقدمت علل الفقه ، فأكثرها يجرى مجرى التخفيف والفرق ، فلو تكلّف متكلّف نقضها لكان ذلك ممكنا ، وإن كان على غير قياس مستثقلا ، كما لو تكلف (٢) تصحيح فاء ميزان وميعاد ، ونصب الفاعل ، ورفع المفعول ، وليست كذلك علل المتكلمين ، لأنها لا قدرة على غيرها (٣) ، فإذن علل النحويين متأخرة عن علل المتكلمين ، متقدمة علل المتفقهين.
__________________
(١) عبارة ابن جنى فى الخصائص أوضح مما ذكر هنا حيث قال : «ومن علل الجواز أن تقع النكرة بعد المعرفة التى يتم الكلام بها ، وتلك النكرة هى المعرفة فى المعنى ، فتكون حينئذ مخيرا فى جعلك تلك النكرة ـ إن شئت ـ حالا ، وـ إن شئت ـ بدلا ، فتقول : «مررت بزيد رجل صالح» على البدل ، وإن شئت قلت : «مررت بزيد رجلا صالحا» على الحال ، أفلا ترى كيف كان وقوع النكرة عقيب المعرفة على هذا الوصف علة لجواز كل واحد من الأمرين لا علة لوجوبه» ، انظر ج ١ ص ١٦٥.
(٢) انظر الخصائص ج ١ ص ١٤٤ ، وعبارة ابن جنى «وإن كان على غير قياس ومستثقلا كما لو تكلفت» الخ.
(٣) أكمل ابن جنى استدلاله بقوله : «ألا ترى أن اجتماع السواد والبياض فى محل واحد ممتنع لا مستكره ، وكون الجسم متحركا ساكنا فى حال واحد فاسد