والجر بحروفه ، والنصب بحروفه ، والجزم بحروفه ، وغير ذلك من التثنية ، والجمع ، والإضافة ، والنسب ، والتحقير ، وما يطول شرحه.
فهل يحسن بذى لب أن يعتقد أن هذا كله اتفاق وقع ، وتوارد اتجه؟
فإن قلت : فلعله شىء طبعوا عليه من غير اعتقاد لعلة ، ولا لقصد من القصود التى تنسبها إليهم ، بل لأن آخر منهم حذا على ما نهج للأول فقام به.
قيل : إن الله إنما هداهم لذلك وجبلهم عليه لأن فى طباعهم قبولا له ، وانطواء على صحة الوضع فيه ، ونراهم قد اجتمعوا على هذه اللغة ، وتواردوا عليها.
فإن قلت (١) : كيف تدّعى الاجتماع وهذا اختلافهم موجود ظاهر ، ألا ترى إلى الخلاف فى «ما» الحجازية والتميمية إلى غير ذلك؟
قيل : هذا القدر والخلاف لقلته محتقر غير محتفل به ، وإنما هو فى شىء من الفروع يسير ، فأما الأصول وما عليه العامة والجمهور : فلا خلاف فيه ، وأيضا فإن أهل كل واحدة من اللغتين عدد كثير ، وخلق عظيم ، وكل منهم محافظ على لغته ، لا يخالف شيئا منها ، فهل ذلك إلا لأنهم يحتاطون ، ويقتاسون ، ولا يفرطون ، ولا يخلطون؟
ومع هذا فليس شىء من مواضع الخلاف على قلته إلا وله وجه من القياس يؤخذ به ، ولو كانت هذه اللغة حشوا (٢) مكيلا ، وحثوا (٣) مهيلا : لكثر
__________________
(١) لقد تصرف السيوطى فى عبارة ابن جنى ، وانظر الخصائص ج ١ ص ٢٤٣ ـ ٢٤٤.
(٢) فى الأصل : حسوا ، وهو تحريف ، والحشو من الكلام : الفضل الذى لا يعتمد عليه ، وقال : حشوا مكيلا ؛ فوصف الحشو بالمكيل ؛ ليبين أنه ليس مما يتنافس فيه ؛ فيوزن كالذهب. و «حشوا» : مطابق لكلام ابن جنى فى الخصائص.
(٣) فى الأصل : حشوا ، وما ذكرناه مطابق لما جاء فى الخصائص ، والحشو : قال فى اللسان : حثوت التراب حثوا ، وأراد هنا ما يحشى ويثار كالتراب والرمل.