قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

مجد البيان في تفسير القرآن

مجد البيان في تفسير القرآن

مجد البيان في تفسير القرآن

تحمیل

مجد البيان في تفسير القرآن

532/663
*

[في بيان حقيقة استهزاء الله سبحانه والمراد منه]

أقول : لمّا كان الاستهزاء والسخريّة من قبيل الباطل والجهل والعبث ، كما يشهد له ما حكاه سبحانه : (قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ)(١) وكان الله سبحانه منزّها عن مثل ذلك ، لزم أن يتصرّف في اللّفظ بما يخرجه عن الدخول تحت هذه العناوين ، إمّا بأن يراد منه جزاء الاستهزاء ، فيكون إطلاقا للفظ الاستهزاء على جزائه كما في قوله تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها)(٢) ، وقوله سبحانه : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ)(٣) ، كما هو المترائى من جملة من الروايات (٤) ؛ وإمّا بأن يراد منه إنزال الهوان والحقارة بهم ؛ لأنّ غرض المستهزء هو الخفّة والزراية بمن يهزء به ، وإدخال الهوان والحقارة عليه ، ويؤيّده الاشتقاق كما مرّ.

وقال بعضهم إنّه : «قد كثر التهكّم في كلام الله سبحانه بالكفرة ، والمراد به تحقير شأنهم وازدراء أمرهم ، والدلالة على أنّ مذاهبهم حقيقة بأن يسخر منها الساخرون ، ويضحك الضاحكون» (٥) وأن يكون المراد منه معاملة مشابهة في الصورة لما يفعله المستهزئ ، وذلك باجراء أحكام المسلمين عليهم ظاهرا مع التعريض بهم حتّى لا يخفى أمرهم على المخلصين في الدنيا ، وإظهار صورة النجاة لهم بحيث يتخيّلون أنّ به نجاتهم ، وحصول اليأس بعد الطلب والتعب في الآخرة بالتفصيل المتقدّم.

__________________

(١) البقرة / ٦٧.

(٢) الشورى / ٤٠.

(٣) البقرة / ١٩٤.

(٤) كالروايات المتقدمة في بيان حقيقة مخادعة الله مع المنافقين ، وأنها ليست إلّا جزاء لمخادعتهم اليه ، فراجع.

(٥) الكشاف ، ج ١ ، ص ٣٥.