تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٦٧

(الْآخِرَةَ) ـ ٥٣ ـ (كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ) ـ ٥٤ ـ يعنى القرآن (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) ـ ٥٥ ـ يعنى فهمه يعنى القرآن ، ثم قال [٢١٧ ب] : (وَما يَذْكُرُونَ) يعنى وما يهتدون (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) ـ ٥٦ ـ يعنى الرب ـ تبارك وتعالى ـ نفسه ، يقول هو أهل أن يتقى ولا يعصى ، وهو أهل المغفرة لمن ينوب من المعاصي.

٥٠١
٥٠٢

سورة القيامة

٥٠٣
٥٠٤

(٧٥) سورة القيامة مكية

وآياتها أربعون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ (١) وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (٢) أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ (٣) بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ (٤) بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ (٥) يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ (٦) فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ (٧) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (٨) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (٩) يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (١٠) كَلاَّ لا وَزَرَ (١١) إِلى رَبِّكَ

٥٠٥

يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (١٢) يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ (١٣) بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤) وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ (١٥) لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (١٩) كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ (٢٠) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (٢١) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (٢٣) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ (٢٤) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ (٢٥) كَلاَّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ (٢٦) وَقِيلَ مَنْ راقٍ (٢٧) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ (٢٨) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (٢٩) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ (٣٠) فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (٣١) وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٣٢) ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (٣٣) أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٤) ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٥) أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً (٣٦) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى (٣٧) ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (٣٨) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣٩) أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى (٤٠))

٥٠٦

[سورة القيامة (١)]

«سورة القيامة» مكية عددها أربعون آية كوفى (٢).

__________________

(١) مقصود السورة :

بيان هول القيامة ، وهيبتها ، وبيان إثبات البعث وتأثير القيامة فى أعيان العالم ، وبيان جزاء الأعمال ، وآداب سماع الوحى والوعد باللقاء والرؤية والخير عن حال السكرة ، والرجوع إلى بيان برهان القيامة ، وتقرير القدرة على بعث الأموات فى قوله : (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) سورة القيامة ٤٠٤.

(٢) فى المصحف : (٧٥) سورة القيامة مكية وآياتها ٤٠ نزلت بعد سورة القارعة.

٥٠٧
٥٠٨

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

ما أقسم الله بالكافرين فى القرآن فى غير هذه السورة قوله ـ تعالى ـ (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) ـ ١ ـ نظيرها «واليوم الموعود» (١).

قال وكان أهل الجاهلية ، إذا أراد الرجل أن يقسم قال : «لا أقسم» (وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ) (٢) (اللَّوَّامَةِ) ـ ٢ ـ يقول «أقسم (٣)» بالنفس الكافرة التي تلوم نفسها فى الآخرة ، فتقول «... ياليتني قدمت لحياتي» (٤) ، «... يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله» (٥) يعنى فى أمر الله فى الدنيا (أَيَحْسَبُ) هذا (الْإِنْسانُ) يعنى عدى بن ربيعة بن أبى سلمة ختن الأخنس بن شريق وكان حليفا لبنى زهرة فكفر بالبعث ، وذلك أنه أتى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقال : يا محمد حدثني عن يوم القيامة متى يكون؟ وكيف أمرها وحالها؟ فأخبره النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بذلك. فقال : لو عاينت ذلك اليوم سأومن بك ، ثم «قال (٦)» : يا محمد ، أو يجمع الله العظام يوم القيامة؟ قال : نعم.

__________________

(١) سورة البروج : ٢.

(٢) هناك اضطراب شديد فى أ ، ف ، ل فى الجزء السابق من سورة القيامة وقد لجأت إلى طريقة النص المختار فى تحقيق هذه السورة.

(٣) فى أ ، ف : «لا أقسم» ، وفى ل : «أقسم».

(٤) سورة الفجر : ٢٤.

(٥) سورة الزمر : ٥٦.

(٦) فى أ : «فقال».

٥٠٩

فاستهزأ منه ، فأنزل الله ـ جل وعز ـ «لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ .. أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ» (أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) ـ ٣ ـ يقول أن لن نبعثه من بعد الموت ، فأقسم الله ـ تعالى ـ أن يبعثه كما كان ، ثم قال : (بَلى قادِرِينَ) يعنى كنا قادرين (عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) ـ ٤ ـ يعنى أصابعه ، يعنى على أن نلحق الأصابع بالراحة ونسويه حتى نجعله مثل خف البعير فلا ينتفع بها كما لا ينتفع البعير بها ما كان حيا ، نزلت هذه الآية فى عدى بن ربيعة والأخنس بن شريق ، ثم قال : (بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ) يعنى عدى بن ربيعة (لِيَفْجُرَ أَمامَهُ) ـ ٥ ـ يعنى تقديم المعصية وتأخير التوبة يوما بيوم يقول سأتوب ، حتى يموت على شر عمله ، وقد أهلك أمامه (يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ) ـ ٦ ـ يعنى يسأل عدى متى يوم القيامة؟ تكذيبا بها فأخبر الله ـ تعالى ـ عن ذلك اليوم فقال : (فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ) ـ ٧ ـ يقول إذا شخص البصر فلا يطرف مما يرى من العجائب «التي يراها (١)» مما كان يكفر بها فى الدنيا «أنه (٢)» غير كائن مثلها فى سورة «ق والقرآن المجيد (٣)» [٢١٨ أ] (وَخَسَفَ الْقَمَرُ) ـ ٨ ـ فذهب ضوءه (وَجُمِعَ) بين (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) ـ ٩ ـ «كالبقرتين المقرونتين» (٤) يوم القيامة قياما بين يدي «الخلائق (٥)» ، ثم ذكر «فقال (٦)» (يَقُولُ) هذا (الْإِنْسانُ) المكذب

__________________

(١) فى أ ، ف : «الذي يرى».

(٢) كذا فى أ ، ف ، والمراد : أن البعث.

(٣) سورة ق ٢٢ وتمامها : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ).

(٤) فى أ : «كالبقرتين المقرونتين» ، وفى ف : «كالبعيرين المقرونين».

(٥) فى أ : «الخالق» ، وفى ف : «الخلائق».

(٦) كذا فى أ ، ف : «ولعل فيها مفعولا محذوفا تقديره ثم ذكر المكذب فقال ، أو يكون أصلها ثم ذكر فقال».

٥١٠

بيوم القيامة (يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ) ـ ١٠ ـ يعنى أين المهرب حتى أحرز نفسي يقول الله ـ تبارك وتعالى ـ : (كَلَّا لا وَزَرَ) ـ ١١ ـ يعنى لا جبل «يحرزك (١)» ويسمى حمير الجبل وزر. ثم استأنف فقال : (إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ) ـ ١٢ ـ يعنى المنتهى يومئذ إلى الله ـ عزوجل ـ لا تجد عنه مرحلا (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ) لآخرته ، ثم قال : (وَ) ما (أَخَّرَ) ـ ١٣ ـ من خير أو شر بعد موته فى دنياه ، فاستن بها قوم بعده يقول الله ـ تعالى ـ : (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) ـ ١٤ ـ وذلك حين كتمت الألسن فى سورة الأنعام (٢) وختم الله عليها فى سورة «يس والقرآن الحكيم» ، فقال : «فنطقت الجوارح وشهدت على الألسن بالشرك فى هذه السورة ، فلا شاهد أفضل من نفسك ، فذلك قوله ـ تبارك وتعالى ـ : (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) يعنى جسده وجوارحه شاهدة عليه بعمله فذلك قوله ـ تبارك وتعالى ـ : «... كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا» (٤) يعنى شاهدا ، ثم

__________________

(١) فى أ : «يحوزك».

(٢) عله يشير إلى الآية ١٢٥ وتمامها : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) أو الآية ١٥٨ من سورة الأنعام وتمامها (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ)

(٣) سورة يس : ٦٥ وتمامها : (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ).

(٤) سورة الإسراء : ١٤ وتمامها : (اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً).

٥١١

قال (وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) ـ ١٥ ـ ولو أدلى بحجته لم تنفعه وكان جسده عليه شاهدا ، (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) ـ ١٦ ـ (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ) فى قلبك يا محمد (وَقُرْآنَهُ) ـ ١٧ ـ حتى نقريكه حتى تعلمه وتحفظه فى قلبك (فَإِذا قَرَأْناهُ) يقول فإذا تلوناه عليك يقول إذا تلا عليك جبريل ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) ـ ١٨ ـ يقول فاتبع ما فيه ، وذلك أن جبريل كان يأتى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بالوحي فإذا قرأه عليه ، تلاه النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قبل أن يفرغ جبريل من الوحى مخافة أن لا يحفظه فقال الله ـ تعالى ـ (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ) بتلاوته قبل أن يفرغ جبريل ـ صلى الله عليه ـ (لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ) فى قلبك (وَقُرْآنَهُ) عليك يعنى نقريكه حتى تحفظه (١) (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) ـ ١٩ ـ يعنى أن نبين لك حلاله وحرامه ، كما قال الله ـ تعالى (٢) ـ : «قد أفلح من تزكى ، وذكراصم ربه فصلى» (٣) ـ يقول الله ـ تعالى ـ فى هذه السورة (كَلَّا بَلْ) «لا تزكون (٤)» ولا تصلون و (تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ) ـ ٢٠ ـ يعنى كفار مكة ، تحبون الدنيا (وَتَذَرُونَ) عمل (الْآخِرَةَ) ـ ٢١ ـ يقول تختارون الحياة الدنيا على الآخرة فلا تطلبونها نظيرها فى «هل أتى على الإنسان» «تحبون العاجلة وتذرون الآخرة» (٥) ثم قال : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) ـ ٢٢ ـ يعنى «الحسن والبياض (٦)» ويعلوه النور

__________________

(١) الجملة قلقة فى أ ، ف ، وهي متصيدة منهما.

(٢) فى أ : كما قال الله ـ تعالى ـ : (قَدْ أَفْلَحَ).

(٣) سورة الأعلى : ١٤ ، ١٥.

(٤) فى أ : «تزكون» ، وفى ف : «لا تزكون».

(٥) النص فى سورة القيامة ، ٢٠ ، ٢١ ، وليس فى سورة «هل أتى على الإنسان».

(٦) كذا فى أ ، ف ، والأنسب «بالحسن والبياض».

٥١٢

(إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) ـ ٢٣ ـ يعنى ينظرون إلى الله ـ تعالى ـ معاينة ، ثم قال ـ جل وعز ـ [٢١٨ ب] : (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ) ـ ٢٤ ـ يعنى متغيرة اللون (تَظُنُ) يقول تعلم (أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ) ـ ٢٥ ـ يقول يفعل بها شر (كَلَّا) لا يؤمن بما ذكر فى أمر القيامة ، ثم قال : (إِذا بَلَغَتِ) الأنفس (التَّراقِيَ) ـ ٢٦ ـ يعنى الحلقوم (وَقِيلَ مَنْ راقٍ) ـ ٢٧ ـ (وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ) ـ ٢٨ ـ يعنى وعلم أنه قد يفارق الدنيا (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) ـ ٢٩ ـ يعنى التف أمر الدنيا بالآخرة فصار واحدا كلاهما ، ثم قال : (إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ) ـ ٣٠ ـ يعنى النهاية إلى الله فى الآخرة ليس عنها مرحل ، ثم قال : (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى) ـ ٣١ ـ يقول فلا صدق أبو جهل بالقرآن ولا صلى لله ـ تعالى ـ (وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) ـ ٣٢ ـ يقول ولكن كذب بالقرآن وتولى عن الإيمان يقول أعرض عن الإيمان (ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى) ـ ٣٣ ـ يقول يتبختر ، وكذلك بنو المغيرة بن عبد الله بن عمر المخزومي إذا مشى أحدهم يختال فى المشي (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) ـ ٣٤ ـ (ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) ـ ٣٥ ـ يعنى وعيدا على أثر وعيد وذلك أن أبا جهل تهدد النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بالقتل وأن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أخذ تلابيب أبى جهل بالبطحاء فدفع فى صدره ، فقال : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى ، ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) يعنى أبا جهل حين تهدد النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بالقتل ، فقال أبو جهل : إليك عنى فإنك لا تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بى شيئا ، لقد علمت قريش أنى أعز أهل البطحاء وأكرمها ، فبأى ذلك تخوفني يا بن أبى كبشة ، ثم انسل ذاهبا إلى منزله ، فذلك قوله : (ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى)

تفسير مقاتل بن سليمان ج ٤ ـ م ٣٣

٥١٣

فى التقديم (١) ، ثم قال : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) ـ ٣٦ ـ يعنى مهملا لا يحاسب بعمله يعنى أبا جهل إلى آخر السورة (٢) ، ثم قال : (أَلَمْ يَكُ) هذا الإنسان (نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ «يُمْنى») (٣) ـ ٣٧ ـ (ثُمَّ كانَ) بعد النطفة (عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى) ـ ٣٨ ـ الله خلقه (فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) (٤) ـ ٣٩ ـ (أَلَيْسَ ذلِكَ) يعنى أما ذلك (بِقادِرٍ) الذي بدأ خلق هذا الإنسان (عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) ـ ٤٠ ـ يعنى بقادر على البعث بعد الموت.

__________________

(١) أى المتقدم ذكره.

(٢) الآيات التالية إلى آخر السورة تعنى أبا جهل.

(٣) فى أ : «تمنى».

(٤) من حاشية أ ، وليست فى أ.

٥١٤

سورة الإنسان

٥١٥
٥١٦

(٧٦) سورة الإنسان مدنية

وآياتها إحدي وثلاثون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (١) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً (٢) إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (٣) إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيراً (٤) إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (٥) عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً (٦) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (٧) وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (٨) إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً (٩) إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً (١٠) فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (١١) وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (١٢) مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً (١٣) وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً (١٤) وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ

٥١٧

كانَتْ قَوارِيرَا (١٥) قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً (١٦) وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً (١٧) عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً (١٨) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً (١٩) وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (٢٠) عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً (٢١) إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً (٢٢) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً (٢٣) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (٢٤) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٢٥) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً (٢٦) إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً (٢٧) نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً (٢٨) إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (٢٩) وَما تَشاؤُنَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (٣٠) يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (٣١))

٥١٨

[سورة الإنسان (١)]

سورة الإنسان مكية «عددها إحدى وثلاثون آية» (٢).

__________________

(١) معظم مقصود السورة :

بيان مدة خلقة آدم ، وهداية الخلق لمصالحهم وذكر ثواب الأبرار ، فى دار القرار ، وذكر الله على الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وأمره بالصبر ، وقيام الليل ، والمنة على الخلق بأحكام خلقهم ، وإضافة كلية المشية إلى الله ، فى قوله : (يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ ...). سورة الإنسان : ٣١.

(٢) فى أ : «عددها أحد عشر آية» وهو خطأ ، ولم يذكر عدد الآيات فى ف.

وفى المصحف : (٧٦) سورة الإنسان مدنية وآياتها ٣١ نزلت بعد سورة الرحمن.

وللسورة ثلاثة أسماء : «هل أتى ...» ، لمفتتحها بها.

وسورة الإنسان ، لقوله : (عَلَى الْإِنْسانِ).

وسورة الدهر ، لقوله : (حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ).

٥١٩
٥٢٠