تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٦٧

لك ، وإنما كانت موعدة وعدها أبو إبراهيم إياه أنه يؤمن فلما تبين له عند موته أنه عدو لله تبرأ منه حين مات على الشرك ، وحجب عنه الاستغفار ، ثم قال إبراهيم : (وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (١) ـ ٤ ـ (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) تقتر علينا بالرزق ، وتبسط لهم فى الرزق ، فنحتاج إليهم فيكون ذلك فتنة لنا (وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ـ ٥ ـ وفى قراءة ابن مسعود : «إنك أنت الغفور الرحيم» ، نظيرها فى آخر المائدة (٢).

قوله : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ) يعنى فى إبراهيم والذين معه (أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) فى الاقتداء بهم (لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) يقول لمن كان يخشى الله ، ويخشى البعث الذي فيه جزاء الأعمال (وَمَنْ يَتَوَلَ) يقول ومن يعرض عن الحق (فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُ) عن عباده (الْحَمِيدُ) ـ ٦ ـ فى سلطانه عنه خلقه.

قوله : (عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ «مِنْهُمْ») (٣) من كفار مكة (مَوَدَّةً) وذلك أن الله ـ تعالى ـ حين أخبر المؤمنين بعداوة كفار مكة والبراءة منهم ، وذكر لهم فعل إبراهيم والذين معه فى البراءة من قومهم ، فلما أخبر «ذلك (٤)» عادوا أقرباءهم وأرحامهم وأظهروا لهم العداوة ، وعلم الله شدة وجد

__________________

(١) من حاشية أ ، وليست فى أولا فى ف.

(٢) يشير إلى الآية ١١٨ من سورة المائدة وهي : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

(٣) فى أ : «من» ، وفى حاشية أ : الآية «منهم».

(٤) «ذلك» : كذلك فى أ ، ف ، والأنسب «بذلك».

٣٠١

المؤمنين فى ذلك ، فأنزل الله ـ تعالى ـ (عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً) فلما أسلم أهل مكة خالطهم المسلمون وناكحوهم ، وتزوج النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أم حبيبة بنت أبى سفيان فهذه المودة التي ذكر الله ـ تعالى ـ. يقول الله ـ تعالى ـ لنبيه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (وَاللهُ قَدِيرٌ) على المودة (وَاللهُ غَفُورٌ) لذنوب كفار مكة لمن تاب منهم وأسلم (رَحِيمٌ) ـ ٧ ـ بهم بعد الإسلام ، ثم رخص فى صلة الذين لم يناصبوا الحرب للمسلمين ، ولم يظاهروا عليهم المشركين ، فذلك قوله : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ) صلة (الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ) من مكة (مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ) يقول أن تصلوهم [١٩٤ أ] (وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) بالعدل يعنى توفوا إليهم بعهدهم (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) ـ ٨ ـ الذين يعدلون بين الناس ، نزلت فى خزاعة منهم هلال بن عويمر ، وبنى خزيمة وبنى مدلج منهم سراقة بن مالك ، وعبد يزيد بن عبد مناة ، والحارث بن عبد مناة ، ثم قال : (إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ) صلة (الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ) يعنى كفار مكة أخرجوا النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وأصحابه من مكة كراهية الإسلام (وَظاهَرُوا) يقول وعاونوا المشركين (عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ) بأن توالوهم (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ) منكم (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ـ ٩ ـ ثم نسخت براءة هاتين الآيتين ـ («... فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ...) (١) قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ)

__________________

(١) سورة التوبة : وتمامها (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) والمعنى أن هذه الآية من براءة نسخت هاتين الآيتين.

٣٠٢

وذلك أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ صالح أهل مكة يوم الحديبية ، وكتب بينه وبينهم كتابا فكان فى الكتاب أن من لحق أهل مكة من المسلمين ، فهو لهم ، ومن لحق منهم بالنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ رده عليهم ، وجاءت امرأة إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ اسمها سبيعة بنت الحارث الأسلمية ـ فى الموادعة ـ وكانت تحت صيفي بن الراهب من كفار مكة فجاء ، زوجها «يطلبها» (١) فقال للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : ردها علينا فإن بيننا وبينك شرطا. فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : إنما كان الشرط فى الرجال ، ولم يكن فى النساء ، فأنزل الله ـ تعالى ـ («إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ» فَامْتَحِنُوهُنَ) يعنى سبيعة فامتحنها النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقال : بالله ، ما أخرجك من قومك حدثا ، ولا كراهية لزوجك ، ولا بغضا له ، ولا خرجت إلا حرصا على الإسلام ورغبة فيه ، ولا تريدين غير ذلك؟ فهذه المحنة يقول الله ـ تعالى ـ («اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَ) (٢) (» فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ) من قبل المحنة يعنى سبيعة (فَلا تَرْجِعُوهُنَ) يعنى فلا تردوهن (إِلَى) أزواجهن (الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ) يقول لا تحل مؤمنة لكافر ، ولا كافر لمؤمنة. قال : (وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا) يقول أعطوا أزواجهم الكفار ما أنفقوا «عليهن (٣)» من المهر يعنى يرد المهر الذي يتزوجها من المسلمين ، فإن لم يتزوجها أحد من المسلمين فليس لزوجها الكافر شيئا (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ)

__________________

(١) فى أ : يطلقها ، ف : يطلبها.

(٢) (اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ) : ساقط من أ ، وفى البيضاوي : (فَامْتَحِنُوهُنَّ) فاختبروهن بما يغلب على ظنكم موافقة فلو بهن ألسنتهن فى الإيمان (اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ) فإنه المطلع على ما فى قلوبهن.

(٣) فى أ ، ف : «عليها» ، والأنسب «عليهن».

٣٠٣

يعنى ولا حرج عليكم (أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَ) يقول إذا أعطيتموهن (أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) يعنى بعقد الكوافر يقول لا تعتد بامرأتك الكافرة فإنها ليست لك بامرأة يقول هذا الذي يتزوج هذه المهاجرة ، وذلك أن المرأة الكافرة تكون فى موضع من قومها ، ولها أهل كثير فيمسكها إرادة أن يتعزز بأهلها وقومها من الناس ، «فتزوجها (١)» عمر بن الخطاب [١٩٤ ب] ويقال تزوجها «أبو السنابل (٢)» بن بعكك بن السباق بن عبد الدار بن قصى ، وفيه نزلت هذه الآية وفى أصحابه ، وكانت امرأة عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنها ـ بمكة واسمها قريبة بنت أبى أمية ، وهشام بن العاص بن وائل ، وامرأته هند بنت أبى جهل ، وعياض بن شداد الفهري وامرأته أم الحكم بنت أبى سفيان ، وشماس بن عثمان المخزومي وامرأته يربوع بنت عاتكة ، وعمرو بن عبد عمرو ـ وهو ذو اليدين ـ وامرأته هند بنت عبد العزى ، فتزوج امرأة عمر بن الخطاب أبو سفيان بن حرب ، فقال الله ـ تعالى ـ فى المحاطبة : (فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ...) إلى آخر الآية ، هذا محكم لم ينسخ ، ونسخت براءة النفقة (٣).

(وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ) (٤) يقول إن ذهبت امرأة أحدكم إلى الكفار فاسألوا الذي يتزوجها أن يرد مهرها على زوجها المسلم والنفقة ، ثم قال : (وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا) من المهر يقول إن جاءت امرأة من أهل مكة مهاجرة إليهم فليرد الذي يتزوجها

__________________

(١) الضمير فى «فتزوجها» يعود على سبيعة بنت الحارث الأسلمية» التي جاءت مسلمة إلى المدينة.

(٢) فى أ : «السايل» ، وفى ف : «أبو السنابل».

(٣) أى نسخت آية السيف فى براءة ، قوله ـ تعالى ـ : (وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا).

(٤) فى أفسر : (وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ) : ١١ ، قبل تفسير هذا قبل تفسير هذا الجزء وما يليه من الآية ١٠. وقد أعدت ترتيب الآيات ، وتفسيرها.

٣٠٤

مهرها على زوجها الأول ، فإن تزوجت إحدى المرأتين (١) «اللتان جاءتا» مسلمة ولحقت «بكم (٢)» ولم تتزوج الأخرى فليرد الذي تزوجها مهرها على زوجها وليس لزوج المرأة الأخرى مهر حتى تتزوج امرأته فإن لم يعط كفار مكة المهر طائعين فإذا ظهرتم عليهم فخذوا منهم المهر وإن كرهوا ، كان هذا لأهل مكة خاصة موادعة ، فذلك قوله : (ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ) يعنى بين المسلمين والكافرين فى أمر النفقة (وَاللهُ عَلِيمٌ) بخلقه (حَكِيمٌ) ـ ١٠ ـ فى أمره حين حكم النفقة ، ثم نسخ هذا كله آية السيف فى براءة (٣) ، غير هذين الحرفين (لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) ثم قال فى النفقة : (وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ) وهي أم الحكم بنت أبى سفيان تركت زوجها عياض بن غنم بن شداد القرشي ثم الفهري من بنى عامر بن لؤي ثم أتت الطائف فتزوجت رجلا من ثقيف (٤).

(وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ) يعنى أحد من أزواجكم (إِلَى الْكُفَّارِ) يعنى إن لحقت امرأة مؤمنة إلى الكفار يعنى كفار الحرب الذين ليس بينكم وبينهم عهد وزوجها مسلم (فَعاقَبْتُمْ) يقول فإن غنمتم ، وأعقبكم الله مالا مالا (فَآتُوا) وأعطوا (الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا) يعنى المهر ما أصبتم من الغنيمة قبل أن تخمس الخمس ، ثم يرفع الخمس ثم تقسم الغنيمة بعد

__________________

(١) اسم الموصول هنا الفرد أى المرأة المتزوجة. والمناسب أن يكون مثنى للمرأتين «جاءتا وتزوجت أحداهما.

(٢) فى ف : «بهم» ، وفى أ : به : والعبارة فى كلتيهما ضعيفة ولا تسير على المنهج اللغوي السليم.

(٣) سورة التوبة : ٥.

(٤) (وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ) مع تفسيرها السابق : من أ ، وفى غير هذا الموضع فقد فسر هذا الجزء من الآية ١١ قبل إتمام تفسير الآية (١٠) ، وهذا المقدار ليس فى ف.

تفسير مقاتل ج ٤ ـ م ٢٠

٣٠٥

الخمس بين المسلمين ، ثم قال : (وَاتَّقُوا اللهَ) ولا تعصوه فيما أمركم به (الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) ـ ١١ ـ يعنى بالله مصدقين ، وكل هؤلاء الآيات نسختها فى براءة آية السيف (١). (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً) وذلك يوم فتح مكة ، لما فرغ النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من بيعة الرجال [١٩٥ أ] وهو جالس على الصفا ، وعمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ أسفل منه ، فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أبايعكن «على أن لا تشركن بالله شيئا» وكانت هند بنت عتبة امرأة أبى سفيان منتقبة مع النساء فرفعت رأسها ، فقالت : والله ، إنك لتأخذ علينا أمرا ما رأيتك أخذته على الرجال ، فقد أعطيناكه. فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (وَلا يَسْرِقْنَ) فقالت. والله ، إنى لأصيب من مال أبى سفيان هنات ، فما أدرى أتحلهن لي أم لا؟ فقال أبو سفيان : نعم ، ما أصبت من شيء فيما مضى وفيما غير فهو لك حلال. فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : وإنك لهند بنت عتبة. فقالت : نعم ، فاعف عما سلف عفا الله عنك. ثم قال : (وَلا يَزْنِينَ) قالت : وهل تزنى الحرة؟ ثم قال : (وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَ) فقالت : ربيناهم صغارا وقتلتموهم كبارا ، فأنتم وهم أعلم ، فضحك عمر بن الخطاب حتى استلقى ، ويقال إن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ضحك من قولها ، ثم قال : (وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَ) والبهتان أن تقذف المرأة ولدا من غير زوجها على زوجها ، فتقول لزوجها هو منك وليس منه. قالت : والله إن البهتان لقبيح ، ولبعض التجاوز أمثل ، وما تأمر إلا بالرشد ومكارم

__________________

(١) سورة التوبة : ٥.

٣٠٦

الأخلاق. ثم قال : (وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ) يعنى فى طاعة الله ـ تعالى ـ فيما نهى عنه النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عن النوح «وشد (١) الشعر» وتمزيق الثياب ، أو تخلو مع غريب فى حضر ، ولا تسافر فوق ثلاثة أيام إلا مع ذى محرم ونحو ذلك. قالت هند : ما جلسنا فى مجلسنا هذا ، وفى أنفسنا أن نعصيك فى شيء فأقر النسوة بما أخذ عليهن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، فذلك قوله : («فَبايِعْهُنَ (٢)» وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) لما كان فى الشرك (رَحِيمٌ) ـ ١٢ ـ فيما بقي.

قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ) يعنى اليهود نزلت فى عبد الله بن أبى ، «ومالك (٣)» بن «دخشم (٤)» كانت اليهود زينوا لهم ترك الإسلام فكان أناس من فقراء المسلمين يخبرون اليهود عن أخبار المسلمين «ليتواصلوا» (٥) بذلك «فيصيبون (٦)» من ثمارهم وطعامهم ، فنهى الله ـ عزوجل ـ عن ذلك ، ثم قال : (قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ) يعنى اليهود (كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ) ـ ١٣ ـ وذلك أن الكافر إذا دخل قبره أتاه ملك شديد الانتهار ، فأجلسه ثم يسأله : من ربك؟ وما دينك؟ ومن رسولك؟

__________________

(١) زيادة اقتضاها السياق ، وفى أ ، ف : والشعر ولا يحمل إلا على معنى وإنشاد الشعر ، أى أى المهيج للحزن لكن يبعده ما جاء بعد ، من قوله : وتمزيق الثياب.

(٢) «فبايعهنّ» : ليست فى أ.

(٣) فى أ : «وملك» ، وفى ف : «ومالك».

(٤) فى أ : «جعشم» ، وفى ف : «دخشم».

(٥) كذا فى أ ، ف ، وهو تفاعل من الصلة.

(٦) فى أ : «فيطبون» ، وفى ف : «فيصيبون».

٣٠٧

فيقول : لا أدرى. فيقول الملك : أيعدك الله ، انظر يا عدو الله إلى منزلك من النار فينظر إليها ، ويدعو بالويل. ويقول له الملك : هذا لك ، يا عدو الله ، فلو كنت آمنت [١٩٥ ب] بربك لدخلت الجنة. ثم فينظر إليها فيقول : لمن هذا؟ فيقول له الملك : هذا لمن آمن بالله. فيكون حسرة عليه ، وينقطع رجاءه منها ويعلم عند ذلك أنه لاحظ له فيها ، «وييأس (١)» من خير الجنة ، فذلك قوله لكفار أهل الدنيا الأحياء منهم : قد يئسوا من نعيم الآخرة ، بأنهم كذبوا بالثواب والعقاب وهم أيضا آيسون من الجنة كما أيس هذا الكافر من أصحاب القبور حين عاينوا منازلهم من النار فى الآخرة.

__________________

(١) فى أ : «ويئس».

٣٠٨

سورة الصّفّ

٣٠٩
٣١٠

(٦١) سورة الصف مدنية

وآياتها أربع عشرة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ (٢) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ (٣) إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (٤) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٥) وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (٦) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٧) يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (٨) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ

٣١١

آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (١٠) تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢) وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ (١٤))

٣١٢

[سورة الصف (١)]

سورة الصف مكية عددها «أربع عشرة (٢)» آية (٣).

__________________

(١) معظم مقصود السورة :

عتاب الذين يقولون أقوالا لا يعملون بمقتضاها ، وتشريف صفوف الغزاة والمصلين ، والتنبيه على جفاء بنى إسرائيل ، وإظهار دين المصطفى على سائر الأديان وبيان التجارة الرابحة مع الرحيم الرحمن» والبشارة ينصر أهل الإيمان ، على أهل الكفر والخذلان ، وغلبة بنى إسرائيل على أعدائهم ذوى العدوان فى قوله : (... فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ) سورة الصف : ١٤.

(٢) فى أ : «أربعة وعشرون» ، والصواب : «أربع عشرة».

(٣) فى المصحف : (٦١) سورة الصف مدنية. وآياتها ٤ نزلت بعد سورة التغابن.

وفى كتاب بصائر ذوى التمييز فى لطائف الكتاب العزيز الفيروزآبادى : السورة مكية بالاتفاق ، وتسمى سورة الصف لقوله : (... يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا ...) : ٤.

٣١٣
٣١٤

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(سَبَّحَ لِلَّهِ) يعنى ذكر الله (ما فِي السَّماواتِ) من الملائكة (وَما فِي الْأَرْضِ) من شيء من الخلق غير كفار الجن والإنس (وَهُوَ الْعَزِيزُ) فى ملكه (الْحَكِيمُ) ـ ١ ـ فى أمره (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) ـ ٢ ـ ، ثم قال : (كَبُرَ مَقْتاً) (١) يعني عظم بغضا (عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) ـ ٣ ـ يعظهم بذلك ، وذلك أن المؤمنين قالوا : لو نعلم أى الأعمال أحب إلى الله لعملناه ، فأنزل الله ـ تعالى ـ (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ) يعني فى طاعته (صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) ـ ٤ ـ يعني «ملتصق (٢)» بعضه فى بعض فى الصف فأخبرهم الله بأحب الأعمال إليه بعد الإيمان فكرهوا القتال ، فوعظهم الله وأدبهم فقال : (لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) نزلت هذه الآية فى الأنصار فى الأوس والخزرج منهم عبد الله بن رواحة وغيره. (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ) وهم مؤمنون ، وهم الأسباط اثنا عشر سبطا (يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي) قالوا : إنه آدر نظيرها فى الأحزاب قوله : «... لا تكونوا كالذين آذوا موسى ...» (٣) ،

__________________

(١) فى أ ، ف ، ترتيب الآيات كالآتى ١ ، ٢ ، ٤ ، ٣ ، وقد أعدت ترتيب الآيات كما وردت فى المصحف.

(٢) «ملتصق» : وردت بالأصل بالزاي «ملتزق».

(٣) سورة الأحزاب : ٦٩ ، وتمامها : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً).

٣١٥

ثم رجع إلى مخاطبة موسى فقال : (وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زاغُوا) يقول مالوا عن الحق وعدلوا عنه (أَزاغَ اللهُ) يعني أمال الله (قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لا يَهْدِي) إلى دينه من الضلالة (الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) ـ ٥ ـ يعني العاصين (وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَ) يعني الذي قبلي (مِنَ التَّوْراةِ «وَمُبَشِّراً) (١) (» بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) بالسريانية فارقليطا (فَلَمَّا جاءَهُمْ) عيسى (بِالْبَيِّناتِ) يعني بالعجائب التي كان يصنعها (قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) ـ ٦ ـ الذي يصنع عيسى سحر بين ، قوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ) يقول فلا أحد أظلم منه يعني اليهود (مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) حين زعموا أنه ساحر (وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ) يعني اليهود (وَاللهُ لا يَهْدِي) من الضلالة إلى دينه (الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ـ ٧ ـ يعني فى علمه ، قوله : (يُرِيدُونَ) [١٩٦ أ] (لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ) يعني دين الله (بِأَفْواهِهِمْ) يعني بألسنتهم وهم اليهود والنصارى حين كتموا أمر محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ودينه فى التوراة والإنجيل (وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ) يعني مظهر دينه (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) ـ ٨ ـ يعني اليهود والنصارى ، ثم قال : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ) محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِ) يعني الإسلام لأن كل دين باطل غير دين الإسلام ، يعني دين محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) يعني الأديان كلها ، ففعل ـ الله تعالى ـ ذلك وأظهر دين محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ على أهل كل دين ، حين قتلهم وأذلهم فأدوا إليه الجزية مثل قوله :

__________________

(١) فى أ : «ومبشركم» ، وفى حاشية أ ، الآية «ومبشرا».

٣١٦

«... فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا طاهرين» (١) (وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) ـ ٩ ـ من العرب يعني كفار قريش ، لما نزلت هذه الآية «إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص» (٢) قال بعضهم : يا رسول الله ، فما لنا من الأجر إذا جاهدنا فى سبيل الله ، فأنزل الله ـ تعالى ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) ـ ١٠ ـ يعني وجيع فقال المسلمون : والله ، لو علمنا ما هذه التجارة لأعطينا فيها الأموال والأولاد والأهلين فبين الله لهم ما هذه التجارة؟ يعني التوحيد ـ ، قال : فأنزل الله تعالى : (تُؤْمِنُونَ بِاللهِ) يعني تصدقون بتوحيد بالله (وَرَسُولِهِ) محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه نبى ورسول (وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) يعني فى طاعة الله (بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ) يعني الإيمان والجهاد (خَيْرٌ لَكُمْ) من غيره (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ـ ١١ ـ فإذا فعلتم ذلك (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً) يعني حسنة فى منازل الجنة (فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ) ، وجنة عدن قصبة الجنان وهي أشرف الجنان (ذلِكَ) الثواب هو (الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ـ ١٢ ـ (وَأُخْرى تُحِبُّونَها) (٣) ولكم «سوى (٤)» الجنة أيضا عدة فى الدنيا (نَصْرٌ مِنَ اللهِ) على عدوكم إذا جاهدتم (وَفَتْحٌ قَرِيبٌ) يعني ونصر عاجل فى الدنيا (وَبَشِّرِ) بالنصر يا محمد (الْمُؤْمِنِينَ) ـ ١٣ ـ

__________________

(١) سورة الصف : ١٤.

(٢) سورة الصف : ٣.

(٣) (وَأُخْرى تُحِبُّونَها) : ساقطة من أ.

(٤) فى أ : «سوا» ، وفى حاشية أ : يحتمل أنها «سواء» يعني وسط. وهذه الحاشية خطأ ، لأنها «سوى» بمعنى «غير» ، فالله يقول (وَأُخْرى تُحِبُّونَها) ، أى شيء آخر سوى دخول الجنة تحبونه ـ هو النصر.

٣١٧

فى الدنيا ، وبالجنة فى الآخرة فحمد القوم ربهم حين بشرهم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بهذا ، قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ) يعني صيروا أنصار الله ، يقول : من قاتل فى سهيل الله ، يريد بقتاله أن تعلو كلمة الله ، وهي لا إله إلا الله وأن يعبد الله لا يشرك به شيئا ، فقد نصر الله ـ تعالى ـ يقول : انصروا محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كما نصر الحواريون عيسى بن مريم ـ عليه‌السلام ـ وكانوا أقل منكم ، وذلك أن عيسى ـ عليه‌السلام ـ مر بهم وهم ببيت المقدس ، وهم يقصرون الثياب ، والحواريون بالنبطية مبيضو الثياب ، فدعاهم إلى الله [١٩٦ ب] فأجابوه ، فذلك قوله : («كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ) (١) (» مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) يقول مع الله ، يقول من يمنعني من الله (قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) وهم الذين أجابوا عيسى ـ عليه‌السلام ـ (فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ) بعيسى ـ عليه‌السلام ـ (وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ) ثم انقطع الكلام (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا) يقول قوينا الذين آمنوا بمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ) ـ ١٤ ـ بمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ على أهل الأديان قوله : (... فَلَمَّا جاءَهُمْ) عيسى («بِالْبَيِّناتِ) (٢) ...» يعني ما كان يخلق من الطين ، ويبرئ الأكمه والأبرص ، ويحيى الموتى ، قالت اليهود هذا الذي يصنع عيسى سحر مبين يعني بين.

__________________

(١) «كما قال عيسى بن مريم للحواريين» : ساقط من أ.

(٢) سورة الصف : ٦.

٣١٨

سورة الجمعة

٣١٩
٣٢٠