تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٦٧

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

قوله : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) ـ ١ ـ يقول ألم نوسع لك صدرك بعد ما كان ضيقا لا يلج فيه الإيمان حتى هداه الله ـ عزوجل ـ وذلك «قوله (١)» : «ووجدك ضالا فهدي» (٢) ، وقوله : «ما كنت تدرى ما الكتاب ولا الإيمان» (٣) ، وذلك أن أربعمائة رجل «من أصحاب النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من أصحاب الصفة (٤)» كانوا قوما مسلمين «فإذا تصدقوا (٥) عليهم شيئا أكلوه» وتصدقوا ببعضه على المساكين وكانوا يأوون فى مسجد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، ولم يكن لهم بالمدينة قبيلة ، ولا عشيرة ، ثم إنهم خرجوا «محتسبين (٦)» يجاهدون المشركين وهم بنو سليم كان بينهم وبين المسلمين حرب فخرجوا يجاهدونهم ، فقتل منهم سبعون رجلا ، فشق ذلك على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وعلى المسلمين ، ثم إن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كان يدعو «عليهم (٧)» فى دبر كل صلاة الغداة (٨) «يقنت فيها (٩)» ويدعو عليهم «أن يهلكهم (١٠)» الله.

__________________

(١) «قوله» : من ف ، وليست فى أ.

(٢) سورة الضحى : ٧.

(٣) سورة الشورى : ٥٢.

(٤) من ف ، وفى أ : «من أصحاب الصفة من أصحاب النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ».

(٥) فى أ : «صدقوا» ، وفى ف : «تصدقوا» ، والأنسب «فإذا تصدق المسلمون عليهم بشيء».

(٦) فى أ : «مجيشين» ، وفى ف : «محتسبين».

(٧) فى أزيادة : «أى على بنى سليم ، الذين قتلوا أصحابه».

(٨) كذا فى أ ، ف : والمراد صلاة الصبح ، كان يدعو عليهم فى نهاية صلاة الصبح كل يوم.

(٩) فى ف : «قنت فيها».

(١٠) فى أ : «يديهم» ، وهو مخالف لما ثبت فى الصحيح ، والصواب ما ورد فى ف : «أن يهلكهم».

٧٤١

فقال الله ـ تعالى ـ : «ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أوب يعذبهم فإنهم ظالمون» (١) ثم عظم الرب ـ تعالى ـ نفسه فقال : «ولله ما في السماوات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم» (٢) فى تأخير العذاب عنهم ، لعلم قد سبق فيهم أن يسلموا ، «وأنزل (٣)» الله ـ عزوجل ـ (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) يعنى ألم نوسع لك صدرك ، يعنى بالإيمان يقول بالتوحيد حتى تقولها ، قول : (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) ، (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ) ـ ٢ ـ يقول وحططنا عنك ذنبك [٢٤٤ أ] (الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) ـ ٣ ـ يقول للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كان أثقل ظهرك فوضعناه عنك ، لقوله : «إنا فتحنا لك فتحا مبينا ، ليغفرلك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما» (٤) يا محمد (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) ـ ٤ ـ فى الناس علما ، كلما ذكر الله ـ تعالى ـ ذكر معه رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حتى فى خطبة النساء (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) ـ ٥ ـ (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) ـ ٦ ـ يقول إن مع الشدة الرخاء ، فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عند ذلك لن يغلب ـ إن شاء الله ـ عسر واحد يسرين أبدا ، ثم قال : (فَإِذا فَرَغْتَ) يا محمد من الصلاة المكتوبة بعد التشهد والقراءة والركوع والسجود ، وأبت جالس قبل أن تسلم (فَانْصَبْ) ـ ٧ ـ (وَإِلى رَبِّكَ) بالدعاء (فَارْغَبْ) ـ ٨ ـ إليه فى المسألة فنهاه عن القنوت فى صلاة الغداة (٥).

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٢٨.

(٢) سورة آل عمران : ١٢٩.

(٣) فى أ ، ف : «فأنزل».

(٤) سورة الفتح : ١ ـ ٢.

(٥) إلى هذا يذهب مقاتل ، ومن الفقهاء من ذهب إلى أن الله لم ينهه عن ذلك ، وذكر أن القنوت فى الصبح مشروع خصوصا فى الشدائد والنوازل.

٧٤٢

حدثنا عبد الله بن ثابت ، قال : حدثني أبى ، قال : حدثنا الهذيل ، قال : حدثنا مقاتل عن عطاء بن أبى رباح ، عن عبد الله بن عباس ، قال : فارقني خليلي على أربع خصال ، كان يؤذن مرتين ، ويقيم مرتين ، ويسلم مرتين ، حتى يستبين بياض خده الأيمن والأيسر ، وكان لا يقنت فى صلاة الغداة (١) ، وكان يسفر جدا (٢) ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

__________________

(١) ذهب الحنفية إلى أن القنوت فى صلاة الغداة لا يكون إلا فى النازلة.

(٢) يسفر جدا ، أى يؤخر صلاة الصبح حتى يسفر النهار ويتضح قال : (وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ) سورة المدثر : ٣٤.

٧٤٣
٧٤٤

سورة التّين

٧٤٥
٧٤٦

؟؟؟

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (١) وَطُورِ سِينِينَ (٢) وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (٣) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤) ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ (٥) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٦) فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (٧) أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ (٨))

٧٤٧
٧٤٨

[سورة التين (١)]

سورة التين مكية عددها «ثماني (٢)» آيات كوفى (٣)

__________________

(١) مقصود السورة :

القسم على حسن خلقة الإنسان ، ورجوع الكافر إلى النيران ، وإكرام المؤمنين بأعظم المثوبات الحسان ، وبيان أن الله حكيم وأحكم ، فى قوله : (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) سورة التين : ٨.

(٢) فى أ ، ف : «ثمان».

(٣) فى المصحف : (٩٥) سورة التين مكية وآياتها (٨) نزلت بعد سورة البروج.

٧٤٩
٧٥٠

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

قوله : (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) ـ ١ ـ أقسم الله ـ عزوجل ـ بالتين الذي يؤكل ، والزيتون الذي يخرج منه الزيت (وَطُورِ سِينِينَ) ـ ٢ ـ يعنى الجبل الحسن وهو بالنبطية ، وهو الجبل الذي كلم الله ـ تعالى ـ عليه موسى ـ عليه‌السلام ـ يوم أخذ التوراة ، وكل جبل لا يحمل الثمر لا يقال له سيناء (وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) ـ ٣ ـ يعنى مكة يأمن فيه كل خائف ، وكل أحد فى الجاهلية والإسلام ولا تقام فيه الحدود فأقسم الله ـ عزوجل ـ بهؤلاء الآيات الأربع ، فقال : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) ـ ٤ ـ يعنى يمشى على رجلين وغيره يمشى على أربع ، وأحسن التقويم الشباب وحسن الصورة ، (ثُمَّ رَدَدْناهُ) بعد الشباب والصورة الحسنة (أَسْفَلَ سافِلِينَ) ـ ٥ ـ يعنى من الصورة لأنه يسقط حاجباه ، ويذهب شبابه ، وعقله ، وقوته ، وصوته ، وصورته ، فلا يكون «شيئا (١)» أقبح منه ، وما خلق الله شيئا أحسن من الشباب ، ثم استثنى فقال : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) ـ ٦ ـ [٢٤٤ ب] يعنى غير منقوص ، لا يمن به عليهم ، يقول ليس الأجر فى «الهرم (٢)» إلا للمؤمنين ، وذلك أن المؤمن إذا كبر ومرض كتب له حسناته فى كبره وما كان يعمل فى شبابه وصحته لا ينقصه ، ولا يمن به عليه ، وأما الكافر

__________________

(١) فى أ : «شيء» ، وفى ف : «شيئا».

(٢) فى أ : «القوم» ، وفى ف : «الهرم».

٧٥١

فإنه إذا شاخ وكبر ختم له بالشرك ، ووجبت له النار فيموت والله ـ تبارك وتعالى ـ عليه غضبان والملائكة والسموات والأرض (١).

قوله : (فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ) يقول ما يكذبك ، أيها الإنسان ، يعنى عدى ابن ربيعة بالدين ، يعنى بالبعث بعد الصورة الحسنة والشباب ، وبعد الهرم ، وفيه نزلت هذه الآية ، يقول : يكذبك بالقيامة ، فيقول «الله (٢)» : الذي فعل ذلك به قادر على أن يبعثه فيحاسبه ، ثم قال : (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) ـ ٨ ـ على أن يحكم بينك وبين أهل مكة ، قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : بلى ، وأنا على ذلك من الشاهدين يا أحكم الحاكمين. يعنى يا أفصل الفاصلين ، يقول يفصل بينك يا محمد وبين أهل التكذيب ، وكل شيء فى القرآن (أَلَيْسَ اللهُ) يقول (أَنَا اللهُ).

حدثنا عبد الله ، حدثني أبى ، حدثنا الهذيل ، حدثنا مقاتل عن أبى عبيدة ، عن أنس بن مالك قال : من شاب رأسه فى الإسلام ، ولحيته كانت له بكل شعرة حسنة ، «وصارت (٣)» كل شعرة «فيه (٤)» نورا يوم القيامة.

حدثنا عبد الله ، قال : حدثني أبى ، قال : حدثنا الهذيل ، عن خالد الزيات ، عن من حدثه ، عن أنس بن مالك ، عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : المولود حتى يبلغ الحنث ، ما عمل من حسنة كتبت لوالديه ، وما عمل من سيئة لم تكتب عليه ، ولا على والديه ، فإذا بلغ الحنث وجرى عليه القلم أمر الملكان

__________________

(١) من أ ، وليست فى ف.

(٢) «الله» : زياد اقتضاها السياق.

(٣) فى أ : «وكانت» ، وفى ف : «وصارت».

(٤) فى أ : «فيه» ، وفى ف : «منه».

٧٥٢

اللذان معه أن يتحفظا وأن «يسددا (١)» فإذا بلغ أربعين سنة فى الإسلام أمنه الله ـ عزوجل ـ من البلايا الثلاث من الجنون والجذام والبرص ، فإذا بلغ الخمسين خفف عنه حسابه ، فإذا بلغ الستين رزقه الله ـ عزوجل ـ الإنابة إليه فإذا بلغ السبعين «أحبه (٢)» أهل السماء فإذا بلغ الثمانين كتب له حسناته ، وتجاوز عن سيئاته ، فإذا بلغ التسعين غفر له ما تقدم من ذنبه ، وما تأخر ، وشفع فى أهل بيته ، وسمى عند الله : أسير الله فى أرضه ، فإذا بلغ أرذل العمر («... لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً) (٣) ...» كتب له «مثل (٤)» ما كان يعمل فى صحته من الخير ، وإن عمل سيئة لم تكتب عليه.

__________________

(١) فى أ : «يسددا» ، وفى ف : «يتشددا».

(٢) فى أ : «حبه» ، وفى ف : «أحبه».

(٣) سورة الحج : ٥.

(٤) «مثل» : من أوليست فى ف.

تفسير مقاتل بن سليمان ج ٤ ـ م ٤٨

٧٥٣
٧٥٤

سورة العلق

٧٥٥
٧٥٦

(٩٦) سورة العلق مكية

وآياتها تسع عشرة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (٥) كَلاَّ إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (٧) إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى (٨) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (٩) عَبْداً إِذا صَلَّى (١٠) أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى (١١) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى (١٢) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٣) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى (١٤) كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (١٥) ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ (١٦) فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (١٨) كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (١٩))

٧٥٧
٧٥٨

[سورة العلق (١)]

سورة العلق مكية عددها «تسع عشرة (٢)» آية كوفى (٣).

__________________

(١) معظم مقصود السورة :

ابتداء فى جميع الأمور باسم الخالق الرب ـ تعالى ـ جلت عظمته ، والمنة على الخلق بتعليم الكتابة ، والحكمة ، والشكاية من أهل الضلالة ، وتهديد أهل الكفر والمعصية ، وتخويف الكفار بالعقوبة ، وبشارة الساجدين بالقربة فى قوله : (... وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) سورة العلق : ١٩.

(٢) فى أ : «تسعة عشر» والصواب ما أثبت.

(٣) فى المصحف : (٩٦) سورة العلق مكية وآياتها (١٩) وهي أول ما نزل من القرآن.

٧٥٩
٧٦٠