تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٦٧

سورة المدّثر

٤٨١
٤٨٢

(٧٤) سورة؟؟؟ مكية

وآياتها ستة وخمسون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (٤) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥) وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (٧) فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (٨) فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (٩) عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (١٠) ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (١١) وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً (١٢)

٤٨٣

وَبَنِينَ شُهُوداً (١٣) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (١٤) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (١٥) كَلاَّ إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً (١٦) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (١٧) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (٢٠) ثُمَّ نَظَرَ (٢١) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (٢٢) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (٢٣) فَقالَ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤) إِنْ هذا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ (٢٥) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (٢٦) وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ (٢٧) لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (٢٨) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (٢٩) عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ (٣٠) وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَما هِيَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْبَشَرِ (٣١) كَلاَّ وَالْقَمَرِ (٣٢) وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (٣٣) وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ (٣٤) إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ (٣٥) نَذِيراً لِلْبَشَرِ (٣٦) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (٣٧) كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمِينِ (٣٩) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١) ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢)

٤٨٤

قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦) حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (٤٧) فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨) فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (٤٩) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (٥٠) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (٥١) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً (٥٢) كَلاَّ بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ (٥٣) كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (٥٤) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (٥٥) وَما يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (٥٦))

٤٨٥
٤٨٦

[سورة المدثر (١)]

سورة المدثر مكية عددها «ست (٢)» وخمسون آية كوفى (٣).

__________________

(١) معظم مقصود السورة :

أمر النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بدعوة الخلق إلى الإيمان وتقرير صعوبة القيامة على الكفار وأهل العصيان وبيان عدد زبانية جهنم ، وأن كل واحد من الخلق وهن بالإساءة والإحسان ، وملامة الكفار على إعراضهم عن الإيمان ، وبيان أن الله ـ سبحانه ـ (... هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) سورة المدثر : ٥٦.

(٢) فى أ : «سنة» ، والصواب : «ست».

(٣) فى المصحف : (٧٤) سورة المدثر مكية وآياتها ٥٦ نزلت بعد سورة المزمل.

٤٨٧
٤٨٨

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) ـ ١ ـ يعنى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وذلك أن كفار مكة آذوه فانطلق إلى جبل حراء ليتوارى عنهم (١) فبينما هو يمشى ، إذ سمع مناديا يقول : يا محمد. فنظر يمينا وشمالا وإلى السماء ، فلم ير شيئا فمضى على وجهه ، فنودى الثانية : يا محمد. فنظر يمينا وشمالا ومن خلفه فلم ير شيئا إلا السماء ففزع ، وقال : لعل هذا شيطان يدعوني فمضى على وجهه [٢١٤ ب] فنودى فى قفاه : يا محمد ، يا محمد ، فنظر خلفه وعن يمينه وعن شماله ثم نظر إلى السماء ، فرأى مثل السرير بين السماء والأرض «وعليه (٢)» «دربوكة (٣)» قد غظت الأفق ، وعليه جبريل ـ عليه‌السلام ـ مثل النور المتوقد يتلألأ حتى كاد «أن (٤)» يغشى البصر ، ففزع فزعا شديدا ، ثم وقع مغشيا عليه ولبث ساعة ، ثم أفاق فقام يمشى وبه رعدة شديدة ورجلاه تصطكان راجعا حتى دخل على خديجة فدعا بماء فصبه عليه ، فقال : دثروني فدثروه بقطيفة حتى استدفأ ، فلما أفاق ، قال : لقد

__________________

(١) الثابت فى البخاري : (أول ما يدي. به ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من الوحى الرؤيا الصادقة فى النوم ، ثم حبب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء يتعبد فيه الليالي ذوات العدد حتى فاجأه الوحى وهو بغار حراء).

ومن الحديث نفهم أن الخلوة بغار حراء كانت التعبد لا التواري عن كفار مكة ، ثم كيف يتوارى عن كفار مكة ولم يكن نزل عليه جبريل بالوحي بعد ، وقد كان محببا إلى قومه قبل الرسالة؟

(٢) فى أ ، «وعليها» ، وفى ل : «وعليه».

(٣) كذا فى أ ، ف ، ولعل فيها تصحيفا.

(٤) «أن» : ساقطة من أ ، وهي من ل.

٤٨٩

أشققت على نفسي. قالت له خديجة : أبشر فو الله لا يسوؤك الله أبدا لأنك تصدق الحديث ، وتصل الرحم ، وتحمل الكل ، وتقرى الضيف ، وتعين على نوائب الخير. فأتاه جبريل ـ عليه‌السلام ـ وهو متقنع بالقطيفة فقال : يأيها المتدثر بقطيفته ، المتقنع فيها (قُمْ فَأَنْذِرْ) ـ ٢ ـ كفار مكة العذاب أن لم يوحدوا الله ـ تعالى ـ (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) ـ ٣ ـ يعنى فعظم ولا تعظمن كفار مكة فى نفسك فقام من مضجعه ذلك ، فقال : الله أكبر كبيرا ، فكبرت خديجة وخرجت وعلمت أنه قد أوحى إليه (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) ـ ٤ ـ يقول طهر بالتوبة من المعاصي وكانت العرب تقول للرجل إذا أذنب أنه دنس الثياب ، وإذا توقى (١) قالوا : إنه لطاهر الثياب (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) ـ ٥ ـ يعنى الأوثان ، يساف ونائلة وهما صنمان عند البيت يمسح وجوههما من مر بهما من كفار مكة فأمر الله ـ تبارك وتعالى ـ النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أن يجتنبهما ، ـ يعنى بالرجز أوثان لا تتحرك بمنزلة الإبل ـ يعنى داء يأخذها ذلك الداء فلا تتحرك من «وجع (٢)» الرجز فشبه الآلهة (٣) بها ـ ثم قال : (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) ـ ٦ ـ يقول «ولا تعط (٤)» عطية لتعطى أكثر من عطيتك (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) ـ ٧ ـ يعزى نبيه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ليصبر على الأذى والتكذيب من كفار مكة (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ) ـ ٨ ـ يعنى نفخ فى الصور ، والناقور

__________________

(١) أى جعل وقاية بينه وبين الذنوب.

(٢) فى أ : «الوجع».

(٣) الجملة فلقة فى تركيبها ، أما المعنى ، فهو استعارة الرجز ـ وهودا. بصيب الإبل فيمنعها من الحركة للآلهة التي لا تتحرك.

(٤) فى أ ، «ولا تعطى» ، والصوب ما أثبت.

٤٩٠

القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل (١) وهو الصور ، (فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ) ـ ٩ ـ يعنى مشقته وشدته ، ثم أخبر على من عسره فقال : (عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ) ـ ١٠ ـ يعنى غير هين ، ويهون ذلك على المؤمن كأدنى صلاته (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) ـ ١١ ـ يعنى الوليد بن المغيرة المخزومي كان يسمى الوحيد فى قومه ، وذلك أن الله ـ عزوجل ـ أنزل على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «حم ، تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم. غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير (٢).

فلما نزلت هذه الآية قام النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى المسجد الحرام فقرأها والوليد [٢١٥ أ] ابن المغيرة قريبا منه يستمع إلى قراءته ، فلما فطن ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أن الوليد بن المغيرة يستمع إلى قراءته أعاد النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يقرأ هذه الآية (حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ) فى ملكه ، «العليم» بخلقه ، (غافِرِ الذَّنْبِ) لمن تاب من الشرك ، (وَقابِلِ التَّوْبِ) لمن تاب من الشرك ، (شَدِيدِ الْعِقابِ) لمن لم يتب من الشرك ، (ذِي الطَّوْلِ) يعنى ذى الغنى «عمن لم يوحد (٣)» ، ثم وحد الرب نفسه حين لم يوحده كفار مكة ، فقال : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) يعنى مصير الخلائق فى الآخرة إليه فلما سمعها الوليد انطلق حتى أتى مجلس بنى مخزوم فقال : والله ، لقد سمعت من محمد كلاما آنفا ما هو من كلام الإنس ، ولا من كلام الجن ،

__________________

(١) الجملة من ف ، وفيها أخطاء فى أ.

(٢) سورة غافر : ١ ، ٣ ، ٣.

(٣) فى أ : «لمن لم يوحده».

٤٩١

وأن أسفله لمعرق ، وأن أعلاه لمونق ، وأن له لحلاوة ، وأن عليه لطلاوة ، وأنه ليعلو وما يعلى ، ثم انصرف إلى منزله ، فقالت قريش : لقد صبا الوليد ، والله ، لئن صبا لتصبون قريش كلها : وكان يقال للوليد ريحانة قريش ، فقال أبو جهل : أنا أكفيكموه ، فانطلق أبو جهل حتى دخل على الوليد ، فقعد إليه كشبه الحزين ، فقال له الوليد : ما لي أراك يا بن أخى حزينا؟ فقال أبو جهل : ما يمنعني أن لا أحزن وهذه قريش «يجمعون (١)» لك نفقة ليعينوك على كبرك ، ويزعمون أنك إنما زينت قول محمد لتصيب من فضل طعامه. فغضب الوليد عند ذلك ، «وقال (٢)» : أو ليس قد علمت قريش أنى من أكثرهم مالا وولدا ، وهل يشبع محمد وأصحابه من الطعام فيكون لهم فضل؟ فقال أبو جهل : فإنهم يزعمون أنك إنما زينت قول محمد من أجل ذلك ، فقام الوليد فانطلق مع أبى جهل ، حتى أتى مجلس قومه بنى مخزوم ، فقال : تزعمون أن محمدا «كاهن (٣)» ، فهل «سمعتموه (٤)» يخبر بما يكون فى غد؟ قالوا : اللهم لا. قال : وتزعمون أن محمدا «شاعر (٥)» فهل رأيتموه ينطق فيكم بشعر قط؟ قالوا : اللهم لا. قال : وتزعمون أن محمدا «كذاب (٦) ، فهل رأيتموه يكذب فيكم قط؟ قالوا : اللهم لا. وكان يسمى محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قبل النبوة الأمين ، فبرأه من هذه

__________________

(١) «يجمعون» : كذا فى أ ، ف : والأنسب «تجمع».

(٢) فى أ : «فقال».

(٣) فى أ : «كاهنا» ، وفى ف : «كاهن».

(٤) فى أ ، ف : «سمعتم» والمروي فى كتب السيرة : «سمعتموه».

(٥) فى أ : «شاعرا» ، والصواب : «شاعر».

(٦) فى أ : «كذابا» ، وفى ف : «كذاب».

٤٩٢

المقالة كلها ، فقالت قريش وما هو ، يا أبا المغيرة؟ فتفكر فى نفسه ما يقول «عن محمد (١)» ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ثم نظر فيما يقول «عنه (٢)» ، ثم عبس وجهه ، ويسر يعنى وكلح ، فذلك قوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ) ، ما يقول لمحمد ، فقدر له السحر ، يقول الله ـ تبارك وتعالى ـ : (فَقُتِلَ) يعنى لعن (كَيْفَ قَدَّرَ) لمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ السحر ، (ثُمَّ نَظَرَ ، ثُمَّ عَبَسَ) ، يقول ثم كلح (وَبَسَرَ) يعنى [٢١٥ ب] وتغير لونه يعنى أعرض عن الإيمان («وَاسْتَكْبَرَ) عنه (فَقالَ) الوليد لقومه : (إِنْ هذا) الذي يقول محمد) (٣) (إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) «فقال (٤)» له قومه وما السحر يا أبا المغيرة؟ وفرحوا فقال : شيء يكون ببابل إذا تعلمه الإنسان يفرق بين الاثنين ومحمد «يأثره (٥)» ولما يحذقه بعد وايم الله ، لقد أصاب فيه حاجته أما رأيتموه فرق بين فلان وبين أهله وبين فلان وبين «أبيه (٦)» ، وبين فلان وبين أخيه ، وبين فلان وبين مولاه ، فهذا الذي يقول محمد سحر يؤثر عن مسيلمة بن حبيب الحنفي الكذاب يقول يرويه عنه فذلك قوله : (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) يقول إن هذا الذي يقول محمد إلا قول البشر. قال الوليد بن المغيرة «عن يسار أبى فكيهة هو الذي يأتيه به من مسيلمة (٧)» الكذاب فجعل الله له سقر وهو الباب الخامس من جهنم ، فلما قال ذلك

__________________

(١) فى أ : «لمحمد».

(٢) فى أ : «له».

(٣) ما بين الأقواس (.....) من ف ، وليس فى أ.

(٤) فى أ : «يقول».

(٥) المعنى يرويه وينبع أثاره.

(٦) فى أ : «أهله» ، وفى ف : «أبيه».

(٧) فى أ : «ليسار أبى فكيهة هو الذي يأتيه به مسيلمة» ، والجملة مثبتة من ف.

٤٩٣

الوليد شق ذلك على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ما لم يشق عليه فيما قذف بغيره من الكذب فأنزل الله ـ تعالى ـ على نبيه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يعزيه ليصبر على تكذيبهم ، فقال : يا محمد «كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحرا أو مجنون» (١) وأنزل فى الوليد بن المغيرة (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) يقول خل بيني يا محمد وبين من خلقت وحيدا يقول حين لم يكن له مال ولا بنون ، يعنى خل بيني وبينه ، فأنا أتفرد بهلاكه ، وأما الوليد ، يعنى خلقته وحده ليس له شيء ، يقول ـ عزوجل ـ فأعطيته المال والولد ، فذلك قوله : (وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً) ـ ١٢ ـ يعنى بالمال بستانه الذي له بالطائف ، والممدود الذي لا يتقطع خيره شتاء ولا صيفا ، كقوله : «وظل ممدود» (٢) يعنى لا ينقطع (وَبَنِينَ شُهُوداً) ـ ١٣ ـ يعنى حضورا لا يغيبون أبدا عنه فى تجارة ولا غيرها لكثرة أموالهم بمكة وكلهم رجال منهم الوليد بن الوليد ، وخالد بن الوليد ، ـ وهو سيف الله أسلم بعد ذلك ـ وعمارة بن الوليد ، وهشام بن الوليد» والعاص بن الوليد ، وقيس بن الوليد ، وعبد شمس بن الوليد ، ثم قال : (وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً) ـ ١٤ ـ يقول بسطت له فى المال والولد والخير بسطا (ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ) ـ ١٥ ـ يقول ثم يرجو أن أزيده فى ماله وولده (كَلَّا) لا أزيده بل أقطع ذلك عنه وأهلكه ، ثم منعه الله المال فلم يعطه شيئا حتى افتقر وسأل الناس فأهلكه الله ـ تعالى ـ ومات فقيرا ، «فى المستهزئين (٣)» ، ثم نعت عمله الخبيث فقال :

__________________

(١) سورة الذاريات : ٥٢ ، وقد وردت بالأصل : «وما أرسلنا قبلك (مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ»).

(٢) سورة الواقعة : ٣٠.

(٣) «فى المستهزئين» : كذا فى أ ، ف.

٤٩٤

(إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً) ـ ١٦ ـ يعنى كان «عن (١)» آيات القرآن معرضا مجانبا له لا يؤمن بالقرآن ، ثم أخبر الله ـ تعالى ـ ما يصنع به فى الآخرة ، فقال : (سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً) ١٧ ـ [٢١٦ أ] يعنى سأكلفه أن يصعد على صخرة من النار ملساء فى الباب الخامس ، واسم ذلك الباب سقر ، فى تلك الصخرة كوى تخرج منها ريح وهي ريح حارة وهي التي ذكر الله ـ تعالى ـ «... عَذابَ (٢) السَّمُومِ (٣)» فإذا أصابته تلك الريح تناثر لحمه يقول الله ـ جل وعز ـ : (سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً) يقول سأغشى وجهه تلك الصخرة وهي جبل من نار طوله مسيرة سبعين سنة ، ويصعد به فيها على وجهه فإذا بلغ الكافر «أعلاها (٤)» انحط إلى أسفلها ، ثم يكلف أيضا صعودها ، ويخرج إليه من كوى تلك الصخرة ريح باردة من فوقها ومن تحتها تقطع تلك «الريح (٥)» لحمه وجلدة وجهه ، فكلما أصعد أصابته تلك الريح وإذا انحط ، «حتى ينتثر اللحم من العظم (٦)» ، ثم يشرب من عين آنية ، «التي (٧)» قد انتهى حرها فهذا دأبه أبدا ، ثم قال يعنى الوليد بن المغيرة (إِنَّهُ فَكَّرَ) فى أمر محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فزعم أنه ساحر ، وقال مثل ما قال فى التقديم (وَقَدَّرَ) ـ ١٨ ـ فى قوله : إن محمدا يفرق بين الاثنين (فَقُتِلَ) يقول فلعن (كَيْفَ قَدَّرَ) ـ ١٩ ـ السحر (ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) ـ ٢٠ ـ

__________________

(١) «عن» : زيادة اقتضاها السباق.

(٢) فى أ : «ريح» ، وفى ف : «عذاب».

(٣) سورة الطور : ٢٧ ، وتمامها : (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ).

(٤) فى أ ، ف : «إعلاء».

(٥) «الريح» : ساقطة من أ.

(٦) فى أ ، «حتى ينتثر العظم من اللحم» ، وفى ف : «حتى ينتثر اللحم من العظم».

(٧) فى أ : «الذي» ، وفى ف : «التي».

٤٩٥

يعنى ثم لعن لم كيف قدر السحر (ثُمَّ نَظَرَ) ـ ٢١ ـ فيما يقول لمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من السحر (ثُمَّ عَبَسَ) وجهه يعنى كلح كقوله : «عبس وتولى» (١) يعنى كلح فى وجه ابن أم مكتوم (وَبَسَرَ) ـ ٢٢ ـ يعنى وتغير لون وجهه («ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ) ـ ٢٣ ـ (فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) ـ ٢٤ ـ (إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ») (٢) ـ ٢٥ ـ (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ) ـ ٢٦ ـ يعنى الباب الخامس من جهنم ، ثم قال : (وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ) ـ ٢٧ ـ ، ثم أخبر الله عنها تعظيما لها ، لشدتها ليعذبه (٣) بها فقال : (لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ) ـ ٢٨ ـ يعنى لا تبقى النار إذا «رأتهم (٤)» حتى تأكلهم ولا تذرهم «إذا حلفوا (٥)» لها حتى تواقعهم (لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) ـ ٢٩ ـ محرقة للخلق (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) ـ ٣٠ ـ يقول فى النار من الملائكة تسعة عشر خزنتها يعنى مالكا ومن معه ثمانية عشر ملكا أعينهم كالبرق الخاطف. وأنيابهم كالصياصي ، يعنى مثل قرون البقر وأشعارهم تمس أقدامهم يخرج لهب النار من أفواههم ، ما بين منكبى أحدهم مسيرة سبعين سنة يسع كف أحدهم مثل ربيعة ومضر ، قد نزعت منهم الرأفة والرحمة غضابا يدفع أحدهم سبعين ألفا فيلقيهم حيث أراد من جهنم ، فيهوى أحدهم فى جهنم مسيرة أربعين سنة ، لا تضرهم النار لأن نورهم أشد

__________________

(١) سورة عبس : ١ ، وتسمى أيضا سورة الأعمى.

(٢) الآيات ٢٣ ، ٢٤ ، ٢٥ ، ساقطة من أ ، ف ، وقد سبق أن ورد تفسيرها فى أثناء الكلام عن تفسير الآية (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) : ١١ ، وفى أ ، ف تفسير (ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ) : ٢٢ وأتبعاها بقولهما ... حتى انتهى إلى قوله (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ) : ٢٦.

(٣) كذا فى أ ، ف.

(٤) فى أ ، ف : «رأتهم» ، وفى ل : «واقعتهم».

(٥) فى أ ، ف : «إذا خلقوا» ، وفى ل : «إذا حلفوا».

٤٩٦

من حر النار ، «ولو لا (١) ذلك» لم يطيقوا دخول النار طرفة عين فلما قال الله : عليها تسعة عشر قال أبو جهل ابن هشام : يا معشر قريش ، ما لمحمد من الجنود إلا تسعة عشر ، ويزعم أنهم خزنة جهنم يخوفكم [٢١٦ ب] بتسعة عشر وأنتم «ألدهم (٢)» أيعجز كل مائة منكم أن تبطش بواحد منهم ، «فيخرجوا (٣)» منها. وقال أبو الأشدين اسمه أسيد بن «كلدة (٤)» ابن خلف الجمحي : أنا أكفيكم سبعة عشر ، أحمل منهم عشرة على ظهري ، وسبعة على صدري ، واكفوني منهم اثنين ، وكان شديدا فسمى أبا الأشدين لشدته «بدلك (٥)» سمى وكنيته أبو الأعور ، قال الله ـ تعالى ـ : (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً) يعنى خزان النار (وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ) يعنى قلتهم (إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) حين قال أبو الأشدين وأبو جهل ما قالا فأنزل الله ـ تعالى ـ فى قول أبى جهل : ما لمحمد من الجنود إلا تسعة عشر ، (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) يقول ما يعلم كثرتهم أحد إلا الله وأنزل الله فى قول أبى الأشدين : أنا أكفيكم منهم سبعة عشر ، : («... عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ) (٦) ...» (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً) يعنى خزان النار (وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ) يعنى قلتهم (إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) يعنى أبا جهل وأبا الأشدين والمستهزئين من قريش ، (لِيَسْتَيْقِنَ) لكي يستيقن (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) يقول ليعلم «مؤمنو (٧)» أهل التوراة أن

__________________

(١) فى أ : «لو لا».

(٢) «ألدهم» : كذا فى أ ، ف

(٣) فى أ : «فيخرجوا» ، وفى ف : «فيخرجون».

(٤) فى أ : «كلام» ، وفى ف : «كلده».

(٥) فى أ : «لذلك» ، وفى ف : بذلك».

(٦) سورة التحريم : ٦.

(٧) فى أ : «مؤمنى» ، وفى ف «مؤمنو».

تفسير مقاتل بن سليمان ج ٤ ـ م ٣٢.

٤٩٧

الذي قال محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حق ، لأن عدة خزان جهنم فى التوراة تسعة عشر (وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً) يعنى تصديقا ولا يشكوا فى محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بما جاء به (وَلا يَرْتابَ) يقول ولكي لا يرتاب يعنى لكي لا يشك يقول لئلا يشك (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) يعنى أهل التوراة (وَ) لا يشك (الْمُؤْمِنُونَ) أن خزنة جهنم تسعة عشر (وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) يعنى الشك وهم اليهود من أهل المدينة (وَالْكافِرُونَ) من أهل مكة يعنى مشركي العرب (ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً) يعنى ذكره عدة خزنة جنهم ، يستقلونهم ، يقول الله ـ عزوجل ـ : (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ) بهذا المثل (مَنْ يَشاءُ) عن دينه (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) إلى دينه وأنزل فى قول أبى جهل ، وأبى الأشدين ما لمحمد من الجنود إلا تسعة عشر ، فقال الله ـ تعالى ـ : (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) من الكثرة حين استقلوهم فقال أبو جهل لقريش أيعجز ... مثل ما قال فى التقديم (١).

وقالوا ما قالوا ، ثم رجع إلى سقر (٢) ، فقال : (وَما هِيَ) يعنى سقر (إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ) ـ ٣١ ـ يعنى سقر تذكر وتفكر للعالم ، ثم أقسم الرب من أجل سقر فقال : (كَلَّا وَالْقَمَرِ) ـ ٣٢ ـ (وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ) (٣) ـ ٣٣ ـ يعنى إذا ذهبت (٤) ظلمته (وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ) ـ ٣٤ ـ يعنى ضوءه عن ظلمة الليل (إِنَّها) إن سقر (لَإِحْدَى الْكُبَرِ) ـ ٣٥ ـ من أبواب جهنم السبعة : جهنم

__________________

(١) أى فيما تقدم حيث قال ، أيعجز كل مائة منكم أن تبطش بواحد منهم.

(٢) أى إلى الحديث عن سقر ، وفى أ ، زيادة «فيها تقديم ، أى تقدم الحديث عنها».

(٣) فى أ ، «إذا» ، وفى المصحف : «إذ».

(٤) فى أ : «ذهب» ، والأنسب : «ذهبت».

٤٩٨

ولظى ، والحطمة ، والسعير ، وسقر [٢١٧ أ] والجحيم ، والهاوية (نَذِيراً) يعنى تذكرة (لِلْبَشَرِ) ـ ٣٦ ـ يعنى للعالمين (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ) فى الخير (أَوْ يَتَأَخَّرَ) ـ ٣٧ ـ منه إلى المعصية هذا تهديد ، كقوله («... فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) (١) ...» ، وكقوله («... اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) (٢) ...» (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) ـ ٣٨ ـ يقول كل كافر مرتهن بذنوبه فى النار ، ثم استثنى فقال : (إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ) ـ ٣٩ ـ الذين أعطوا كتبهم بأيمانهم ولا يرتهنون بذنوبهم فى النار ، ثم هم : (فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ) ـ ٤٠ ـ (عَنِ الْمُجْرِمِينَ) ـ ٤١ ـ فلما أخرج الله أهل التوحيد من النار ، قال المؤمنون لمن بقي فى النار : (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) ـ ٤٢ ـ يعنى ما جعلكم فى سقر يعنى ما حبسكم فى النار فأجابهم أهل النار عن أنفسهم ف (قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) ـ ٤٣ ـ فى الدنيا لله (وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) ـ ٤٤ ـ فى الدنيا (وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ) ـ ٤٥ ـ فى الدنيا فى الباطل والتكذيب «كما يخوض (٣)» كفار مكة (وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) ـ ٤٦ ـ يعنى بيوم الحساب أنه غير كائن (حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ) ـ ٤٧ ـ يعنى الموت بقول الله ـ تعالى ـ : (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) ـ ٤٨ ـ يعنى لا ينالهم يومئذ شفاعة الملائكة والنبيين ، (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) ـ ٤٩ ـ عن التذكرة يعنى عن القرآن معرضين ، نزلت هذه الآية فى كفار قريش حين أعرضوا ولم

__________________

(١) سورة الكهف : ٢٩.

(٢) سورة فصلت : ٤٠ وتمامها ، (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).

(٣) فى أ : «كما عرص» ، وفى ف : «كما يخوص».

٤٩٩

يؤمنوا ، ثم شبههم بالحمر الوحشية المذعورة ، فقال : (كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ) ـ ٥٠ ـ بتركهم القرآن إذا سمعوه فروا منه مثل الحمر (فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) ـ ٥١ ـ يعنى الرماة «وقالوا (١)» الأسد (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى) يقول يعطى (صُحُفاً مُنَشَّرَةً) ـ ٥٢ ـ فيها كتاب من الله ـ تعالى ـ ، وذلك أن كفار مكة قالوا للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، كان الرجل من بنى إسرائيل ذنبه وكفارة ذنبه «يصبح مكتوبا عند (٢) رأسه» ، فهلا ترينا مثل هؤلاء الآيات إن كنت رسولا كما تزعم ، فقال جبريل : إن شئت فعلنا بهم كفعلنا بنى إسرائيل ، وأخذناهم بما أخذنا «به (٣)» بنى إسرائيل ، فكره النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، وقالوا : ليصبح عند رأس كل رجل منا كتاب منشور من الله بأن آلهتنا باطل ، وأن الإله الذي فى السماء حق ، وأنك رسول ، وأن الذي جئت به حق ، وتجيء معك بملائكة يشهدون بذلك كقول بن أبى أمية فى سورة بنى إسرائيل (٤) يقول الله ـ تبارك وتعالى ـ : (كَلَّا) لا يؤمنون بالصحف التي أرادوها ، ثم استأنف فقال : (بَلْ) لكن (لا يَخافُونَ) عذاب

__________________

(١) فى أ : «وقل» ، وفى ف : «وقالوا».

(٢) «يصبح» : ساقطة من أ ، وفى ف : «يصبح وكفارة ذنبه مكتوبا عند رأسه».

(٣) «به» : ليست فى أ ، ولا فى ف.

(٤) يشير إلى الآيات ٩٠ ، ٩١ ، ٩٢ ، ٩٣ من سورة الإسراء وهي :

(وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً ، أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً ، أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً ، أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً).

٥٠٠