تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٦٧

[سورة المرسلات (١)]

سورة المرسلات مكية عددها خمسون آية (٢)

__________________

(١) مقصود السورة :

القسم يوقع القيامة ، والخبر عن إهلاك القرون الماضية ، والمنة على الخلائق بإيجادهم فى الابتداء وإدخال المكذبين النار وصعوبة عقوبة الحق إياهم وأنواع كرامة المؤمنين فى الجنة ، والشكاية من الكفار بإعراضهم عن القرآن فى قوله : (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) سورة المرسلات : ٥٠.

(٢) فى المصحف : (٧٧) سورة المرسلات مكية إلا آية ٤٨ فمدنية وآياتها ٥٠ نزلت بعد سورة الهمزة.

٥٤١
٥٤٢

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

قوله : (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً) ـ ١ ـ يقول الملائكة وأرسلوا بالمعروف ، ثم قال : (فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً) (١) ـ ٢ ـ وهي الرياح ، وأما قوله : (وَالنَّاشِراتِ نَشْراً) ـ ٣ ـ وهي أعمال بنى آدم تنشر يوم القيامة ، أما قوله : (فَالْفارِقاتِ فَرْقاً) ـ ٤ ـ فهو القرآن فرق بين الحق والباطل ، وأما قوله : (فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً) ـ ٥ ـ فهو جبريل ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وحده يلقى الذكر على ألسنة الأنبياء والرسل ، وهو («فَالتَّالِياتِ ذِكْراً) «(٢)»» قوله : (عُذْراً أَوْ نُذْراً) ـ ٦ ـ يقول عذرا من الله ، ونذرا إلى خلقه قال : (إِنَّما تُوعَدُونَ) من أمر الساعة (لَواقِعٌ) ـ ٧ ـ يعنى لكائن ، ثم ما يكون فى ذلك اليوم أنه لكائن («وَإِنَّ الدِّينَ) (٣) (لَواقِعٌ) (٤)» يقول وأن الحساب لكائن ، قوله : (فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ) ـ ٨ ـ بعد الضوء والبياض إلى السواد ، وأما قوله : (وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ) ـ ٩ ـ يقول انفرجت عن نزول من فيها من الملائكة ، ورب العزة لحساب الخلائق ، (وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ) ـ ١٠ ـ يقول من أصلها حتى استوت بالأرض ، كما كانت أول مرة ، وأما قوله : (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ) ـ ١١ ـ يقول جمعت ، ثم رجع [٢٢٣ ب] إلى الساعة فى التقديم ، فقال :

__________________

(١ ، ٢) سورة الصافات : ٣.

(٣) فى أ ، ف ، وردت هذه الآية على أنها آية من هذه السورة وهي آية من سورة أخرى.

(٤) سورة الذاريات : ٦.

٥٤٣

(لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ) ـ ١٢ ـ يقول لأى يوم أجلها يعنى الساعة يوم القيامة ، وجمع الملائكة ، قال ـ تعالى ـ : (لِيَوْمِ الْفَصْلِ) ـ ١٣ ـ يعنى يوم القضاء (وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ) ـ ١٤ ـ ما هو (١)؟ تعظيما لشدتها فكذبوا بذلك اليوم يقول الله ـ تعالى ـ فأوعدهم («وَيْلٌ) (٢) (» يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) ـ ١٥ ـ بالبعث فقال : يا محمد (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ) ـ ١٦ ـ الذين كذبوا بيوم القيامة أهلكتهم بالصيحة والخسف والمسخ والفرق والعدو (ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ) ـ ١٧ ـ بالأولين بالهلاك يعنى العذاب يعنى كفار مكة لما كذبوا بمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ) ـ ١٨ ـ يقول هكذا نفعل بالمجرمين يعنى الكفار الظلمة ، يخوف كفار مكة لئلا يكذبوا بمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أى فاحذروا ، يا أهل مكة ، أن نفعل بكم كما فعلنا بالقرون الأولى ، ثم قال : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) ـ ١٩ ـ بالبعث ، ثم بين لهم بده خلق أنفسهم لئلا يكذبوا بالبعث ، «وليعتبروا (٣)» فقال : يا معشر المكذبين ، (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) ـ ٢٠ ـ يقول ماء ضعيف «وهو (٤)» النطفة (فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ) ـ ٢١ ـ يعنى الماء يتمكن فى الرحم (إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ) ـ ٢٢ ـ يعنى تسعة أشهر (فَقَدَرْنا) الصبى فى رحم أمه تسعة أشهر ، ودون ذلك أو فوق ذلك فقال الله ـ عزوجل ـ (فَنِعْمَ الْقادِرُونَ) ـ ٢٣ ـ ، ثم قال : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) ـ ٢٤ ـ قال : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً) ـ ٢٥ ـ (أَحْياءً وَأَمْواتاً) ـ ٢٦ ـ يقول أليس قد جعل

__________________

(١) هذا من التجسيم المذموم عند مقاتل.

(٢) فى أ : «فويل».

(٣) فى أ : «فيعتبروا».

(٤) فى أ : «وهي».

٥٤٤

لكم الأرض كفاتا لكم ، تدفنون فيها ، أمواتكم وتبثون عليها أحياءكم ، وتسكنون عليها فقد كفت الموتى والأحياء ، فقال : (وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ) «وهي (١)» جبال راسخة فى الأرض أوتادا ، ثم قال : (وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً) ـ ٢٧ ـ يقول ماء حلوا (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) ـ ٢٨ ـ بالبعث وقد علموا أن الله ـ تعالى ـ قد خلق هذه الأشياء كلها ، قوله : (انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) ـ ٢٩ ـ فى الدنيا أنه غير كائن وهي النار وذلك أنه إذا انطلق أهل النار وهي تهمهم ، زفرت جهنم زفرة واحدة فيخرج عنق فيحيط بأهلها ، ثم تزفر زفرة أخرى فيخرج عنق لها من نار وتحيط بهم ، ثم تزفر الثالثة فيخرج عنق فيحيط بالآخرين فتصير حولهم سرادق من نار فيخرج دخان من جهنم فيقوم فوقهم ، فيظن أهلها أنه ظل وأنه سينفعهم من «هذه (٢)» النار ، فينطلقون كلهم بأجمعهم فيستظلون تحتها ، فيجدونها أشد حرا من السرادق ، فذلك قوله : (انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) وهو شعب بجهنم ، أنهم كذبوا الرسل فى الدنيا بأن العذاب فى الآخرة ليس بكائن ، فتقول لهم الملائكة الخزان «انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون» (٣) ، (انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي) [٢٢٤ أ] (ثَلاثِ شُعَبٍ) ـ ٣٠ ـ لأنها تنقطع ثلاث قطع ، قوله : (لا ظَلِيلٍ) يقول لا بارد (وَلا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ) ـ ٣١ ـ يقول من ذلك السرادق الذي قد أحاط حولهم ، ثم ذكر ذلك الظل فقال : (إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ) ـ ٣٢ ـ وهو أصول الشجر يكون فى البرية ، فإذا جاء الشتاء قطعت

__________________

(١) فى أ : «وهو».

(٢) فى أ : «ذلك».

(٣) سورة المرسلات : ٢٩.

تفسير مقال بن سليمان ج ٤ ـ م ٣٥.

٥٤٥

أغصانها فتبقى أصولها ، «فيحرقها البرد فتسود (١)» فتراها فى البرية كأمثال الجمال إذا أنيخت فى البرية فذلك قوله : («إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ» كَأَنَّهُ «جِمالَتٌ» صُفْرٌ) (٢) ـ ٣٣ ـ يقول كأنها جمال سوداء إذا رأيتها من مكان بعيد (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) ـ ٣٤ ـ بالبعث ، ثم ذكر الويل متى يكون؟ فقال : (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ) ـ ٣٥ ـ (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ) فى الكلام (فَيَعْتَذِرُونَ) ـ ٣٦ ـ فقال أن تعتذروا ، (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) ـ ٣٧ ـ بالبعث ، ثم قال إن : (هذا) الويل (يَوْمُ الْفَصْلِ) وهو يوم القيامة وهو يوم الدين (جَمَعْناكُمْ) يا معشر أهل مكة ، وسائر الناس ممن بعدكم (وَالْأَوَّلِينَ) ـ ٣٨ ـ الذين كذبوا بالبعث من قبلكم من الأمم الخالية (فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ) ـ ٣٩ ـ يقول إن كان لكم مكر فامكروا (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) ـ ٤٠ ـ بالبعث ، قوله : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ) يعنى به الموحدين (فِي ظِلالٍ «وَعُيُونٍ») (٣) ـ ٤١ ـ يعنى فى جنات يقول فى البساتين ، ونعيم فهو اللباس الذي يلبسون من سندس وإستبرق والحرير والنساء (وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ) ـ ٤٢ ـ (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ـ ٤٣ ـ من الحسنات فى دار الدنيا ، ثم يا محمد (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) ـ ٤٤ ـ يقول هكذا نجزى المحسنين من أمتك بأعمالهم فى الجنة ، ثم قال الله ـ تعالى ـ لكفار مكة : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) ـ ٤٥ ـ بالبعث (كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ) ـ ٤٦ ـ فيحل بكم ما أحل بالذين من

__________________

(١) فى أ : «فيحرقه البرد فتسواد» ، وفى ف : «فتحرقها البرد فيسود».

(٢) فى أ ، ف : «جمالة».

(٣) فى أ ، ف : «ونعيم».

٥٤٦

قبلكم من العذاب (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) ـ ٤٧ ـ ، قال : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ) ـ ٤٨ ـ يعنى الصلوات الخمس ، قالوا : لا نصلى إلا أن «يكون (١)» بين أيدينا أوثانا (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) ـ ٤٩ ـ بالبعث ، قال : (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) ـ ٥٠ ـ يعنى بالقرآن.

__________________

(١) فى أ : «كان» ، وفى ف : «يكون».

٥٤٧
٥٤٨

سورة النّبإ

٥٤٩
٥٥٠

(٧٨) سورة النبأ مكية

وآياتها اربعون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(عَمَّ يَتَساءَلُونَ (١) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (٢) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (٣) كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (٤) ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (٥) أَلَمْ نَجْعَلِ

٥٥١

الْأَرْضَ مِهاداً (٦) وَالْجِبالَ أَوْتاداً (٧) وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً (٨) وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً (٩) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً (١٠) وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً (١١) وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً (١٢) وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً (١٣) وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً (١٤) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً (١٥) وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً (١٦) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً (١٧) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً (١٨) وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً (١٩) وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً (٢٠) إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً (٢١) لِلطَّاغِينَ مَآباً (٢٢) لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً (٢٣) لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً (٢٤) إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً (٢٥) جَزاءً وِفاقاً (٢٦) إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً (٢٧) وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً (٢٨) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً (٢٩) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذاباً (٣٠) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً (٣١) حَدائِقَ وَأَعْناباً (٣٢) وَكَواعِبَ أَتْراباً (٣٣) وَكَأْساً دِهاقاً (٣٤) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً (٣٥) جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً (٣٦) رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ

٥٥٢

خِطاباً (٣٧) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً (٣٨) ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً (٣٩) إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً (٤٠))

٥٥٣
٥٥٤

[سورة النبأ (١)]

سورة النبأ مكية عددها أربعون آية كوفى (٢).

__________________

(١) معظم مقصود السورة :

ذكر القيامة : وخلق الأرض والسماء : وبيان نفع الغيث ، وكيفية النشر والبعث ، وعذاب العاصين وثواب المطيعين من المؤمنين ، وقيام الملائكة فى القيامة مع المؤمنين ، وتمنى الكفار المحال فى قوله : (... يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) سورة النبأ : ٤٠

(٢) فى المصحف : (٧٨) سورة النبأ مكية وآياتها (٤٠) نزلت بعد سورة المعارج.

٥٥٥
٥٥٦

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(عَمَّ يَتَساءَلُونَ) ـ ١ ـ (عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) ـ ٢ ـ استفهام للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عن أى شيء يتساءلون نزلت فى أبى لبابة وأصحابه ، وذلك أن كفار مكة كانوا يجتمعون عند رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ويسمعون حديثه فإذا حدثهم خالفوا قوله ، واستهزءوا منه وسخروا ، [٢٢٤ ب] فأنزل الله ـ تعالى ـ «... أن إذا سمعتم» (١) يا محمد «آيات الله يكفر بها ويستهزا بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره ...» (٢).

فكان رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يحدث المؤمنين ، فإذا رأى رجلا من المشركين كف عن الحديث حتى يذهب ، ثم أقبلوا بجماعتهم فقالوا : يا محمد أبخلت بما كنت تحدثنا؟ لو أنك حدثتنا عن القرون الأولى «فإن حديثك عجب (٣)». قال : لا ، والله لا أحدثكم بعد يومى هذا وربى قد نهاني «عنه (٤)». فأنزل الله ـ تعالى ـ (عَمَّ يَتَساءَلُونَ ، عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) يعنى القرآن كقوله : «قل هو نبأ عظيم» (٥) لأنه كلام الله ـ تعالى ـ قال : (الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) ـ ٣ ـ

__________________

(١) فى أ : «وإذا رأيت» ، وفى ف : «أن إذا سمعت».

(٢) سورة النساء : ١٤٠.

(٣) فى أ : «وإن حديثك عجب» ، وفى ف : «فإن حديثك عجب».

(٤) فى أ : «عنها».

(٥) سورة ص : ٦٧.

٥٥٧

يقول لم يسألون عن القرآن وهم يخالفونه ، ولا يؤمنون به؟ فصدق بعضهم به ، وكفر بعضهم به ، فاختلفوا فيه ، ثم خوفهم الوعيد فقال : (كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) ـ ٤ ـ إذا قتلوا ببدر وتوفتهم الملائكة ظالمي أنفسهم ، يضربون وجوههم وأدبارهم ، ثم قال : (ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) ـ ٥ ـ وعيد على أثر وعيد نزلت فى حين من أحياء العرب يعنى عبد مناف بن قصى ، وبنى سهم ابن عمرو بن هصيص بن كعب ، نظيرها فى «ألهاكم التكاثر (١)» ثم ذكر صنعه ليعتبروا إذا بعثوا يوم القيامة «وقد كذبوا بالقيامة والبعث (٢)» فعظم الرب نفسه ـ تبارك وتعالى ـ فقال : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً) ـ ٦ ـ يعنى فراشا ، وأيضا بساطا مسيرة خمسمائة عام (وَالْجِبالَ أَوْتاداً) ـ ٧ ـ على الأرض لئلا تزول بأهلها ، «فاستقرت (٣)» «وخلق (٤)» الجبال بعد خلق الأرض ، ثم قال : (وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً) ـ ٨ ـ يعنى أصنافا ذكورا وإناثا ، سودا وبيضا وحمرا وأدما ، ولغات شتى ، فذلك قوله : (وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً) «فهذا (٥)» كله عظمته ، ثم ذكر نعمته فقال : (وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً) (٦) ـ ٩ ـ يقول إذا دخل الليل أدرككم النوم فتستريحون ، ولو لا النوم ما استرحتم أبدا من الحرص وطلب المعيشة ، فذلك قوله : «سباتا» لأنه يسبت والنائم مسبوت كأنه ميت

__________________

(١) سورة التكاثر : ١ ، ويشير إلى قوله ـ تعالى ـ فى سورة التكاثر : ٢ ـ ٤ (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ، ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) : ٣ ، ٤.

(٢) فى أ : «فكذبوه بالقيامة والبعث».

(٣) فى أ : «واستقرت» ، وفى ف : «فاستقرت».

(٤) فى أ : «وخلقنا» ، وفى ف : «وخلق».

(٥) فى أ : «فهذه» ، وفى ف : «فهذا».

(٦) تفسير هذه ، الآية ، وهو ساقط من أ.

٥٥٨

لا يعقل ، (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً) (١) ـ ١٠ ـ يعنى سكنا ، كقوله : «... هن لباس لكم ... (٢)» يعنى سكنا لكم «فألبسكم (٣)» ظلمته على خير وشر كثير ، ثم قال : (وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً) ـ ١١ ـ لكي تنتشروا لمعيشتكم فهذان نعمتان من نعم الله عليكم ، ثم ذكر ملكه وجبروته وارتفاعه فقال : (وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً) ـ ١٢ ـ يعنى بالسبع السموات وغلظ كل سماء مسيرة عام ، وبين كل سماءين مثل ذلك نظيرها فى المؤمنين («... خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ) (٤) ...» فذلك [٣٢٥ أ] قوله : «شدادا» قال : وهي فوقكم يا بنى آدم فاحذروا ، «لا تخر عليكم إن عصيتم (٥)» ثم قال : (وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً) ـ ١٣ ـ يعنى الشمس «وحرها (٦)» مضيئا ، يقول جعل فيها «نورا (٧)» وحرا ، ثم ذكر نعمه فقال : (وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً) ـ ١٤ ـ يعنى مطرا كثيرا منصبا يتبع بعضه بعضا ، وذلك أن الله ـ عزوجل ـ يرسل الرياح «فتأخذ (٨)» الماء من سماء الدنيا من بحر الأرزاق ، ولا تقوم الساعة ما دام «به (٩)» قطرة ماء ، فذلك قوله : «وفي السماء رزقكم وما توعدون» (١٠) قال تجيء الريح فتثير سحابا «فتلحقه (١١)»

__________________

(١) (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً) : ساقط من أ.

(٢) سورة البقرة : ١٨٧.

(٣) فى أ : «فألبستم» ، وفى ف : «فألبسكم».

(٤) سورة المؤمنون : ١٧ وقد وردت بالأصل : «جعلنا فوقكم سبع طرائق.

(٥) كذا فى أ ، ف ، والأنسب : حتى «لا تخر عليكم أن عصيتم».

(٦) فى أ : «وحرها» ، وفى ف : «وحدها».

(٧) فى أ : «بردا» ، وفى ف : «نورا».

(٨) فى أ : «تأخذ» ، وفى ف : «فتأخذ».

(٩) فى أ : «بها» ، وفى ف : «به».

(١٠) سورة الذاريات : ٢٢.

(١١) فى أ : «سلحة» ، وفى ف : «فنلحقه».

٥٥٩

ثم تمطر وتخرج الريح والمطر جميعا من خلل السحاب ، قال : (لِنُخْرِجَ بِهِ) يعنى بالمطر (حَبًّا) يعنى بالحبوب كل شيء يزرع ويحصد من البر والشعير والسمسم ونحوها من الحبوب ، قال : (وَنَباتاً) ـ ١٥ ـ يعنى كل شيء ينبت فى الجبال والصحارى من الشجر والكلأ فذلك النبات ، وهي تنبت عاما بعام من قبل نفسها ، (وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً) ـ ١٦ ـ يعنى وبساتين ملتفة بعضها إلى بعض من كثرة الشجر ، فقال : (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ) يعنى يوم القضاء ـ وهو يوم القيامة ـ بين الخلائق (كانَ مِيقاتاً) ـ ١٧ ـ يعنى كان ميقات الكافر ، وذلك أنهم كانوا يقولون : «... متى هذا الوعد إن كنتم صادقين» (١) فأنزل الله ـ عزوجل ـ يخبرهم بأن ميقات ذلك اليوم كائن يوم الفصل ـ يا معشر الكفار ـ فتجازون ما وعدكم على ألسنة الرسل ، ثم أخبرهم أيضا فقال : (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) وذلك أن إسرافيل ـ عليه‌السلام ـ ينفخ فيها فيقول : أيتها العظام البالية ، وأيتها العروق المتقطعة ، وأيتها اللحوم المتمزقة ، وأيتها الأشعار الساقطة ، اجتمعن «لننفخ (٢)» فيكم أرواحكم ، ونجازيكم بأعمالكم ، ويديم «الملك (٣)» الصوت ، فتجتمع الأرواح كلها فى القرن ، والقرن طوله طول السموات والأرض ، فتخرج أرواحهم مثل النحل سود وبيض شقي وسعيد ، أرواح المؤمنين ، بيض كأمثال النحل من السماء إلى واد بدمشق يقال له الجابية ، وتخرج أرواح الكفار من الأرض السفلى سود إلى واد بحضرموت يقال له

__________________

(١) سورة يس : ٤٨.

(٢) فى أ : «لأنفخ» ، وفى ف : «لتنفخ».

(٣) فى أ : «تلك» ، وفى ف : «الملك».

٥٦٠