تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٦٧

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

قوله تعالى : (الْحَاقَّةُ) ـ ١ ـ (مَا الْحَاقَّةُ) ـ ٢ ـ ثم بين ما الحاقة يعنى الساعة التي فيها حقائق الأعمال ، يقول يحق للمؤمنين عملهم ، ويحق للكافرين عملهم ، ثم قال للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ) ـ ٣ ـ تعظيما لها لشدتها ، ثم قال : هي القارعة ، والساعة التي (كَذَّبَتْ) بها (ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ) ـ ٤ ـ ، نظيرها فى سورة القارعة (١) وإنما سميت القارعة لأن الله ـ عزوجل ـ يقرع أعداءه بالعذاب ، ثم أخبر الله ـ تعالى ـ عن عاد وثمود فقال : (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) ـ ٥ ـ يقول عذبوا بطغيانهم ، والطغيان حملهم على تكذيب صالح النبي ـ صلى الله عليه (٢) ـ (وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا) يعنى عذبوا (بِرِيحٍ صَرْصَرٍ) يعنى باردة (عاتِيَةٍ) ـ ٦ ـ شديدة عتت على خزانها بغير رأفة ولا رحمة (سَخَّرَها) يعنى سلطها (عَلَيْهِمْ) الرب ـ تبارك وتعالى ـ (سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً) فهي كاملة دائمة لا تفتر عنهم فيهن ، يعذبهم بالريح كل يوم حتى «أفنت (٣)» أرواحهم يوم الثامن (فَتَرَى) يا محمد (الْقَوْمَ فِيها) يعنى فى تلك

__________________

(١) يشير إلى الآيات الأولى من سورة القارعة ، فى قوله تعالى : (الْقارِعَةُ ، مَا الْقارِعَةُ ، وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ).

(٢) فى الجلالين : «بالطاغية» بالصيحة المجاوزة للحد فى الشدة.

(٣) فى أ : «أعزبت» ، وفى ف : «أفنت».

٤٢١

الأيام (صَرْعى) يعنى موتى يعنى أمواتا وكان طول كل رجل منهم اثنى عشر ذراعا ، ثم شبههم بالنخل فقال : (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ) فذكر النخل لطولهم (خاوِيَةٍ) ـ ٧ ـ «يعنى أصول نخل بالية (١)» التي ليست لها رءوس ، «وبقيت (٢)» أصولها وذهبت أعناقها (فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ) ـ ٨ ـ يقول لم تبق منهم أحدا (وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ) يعنى ومن معه (وَالْمُؤْتَفِكاتُ) يعنى والمكذبات (بِالْخاطِئَةِ) ـ ٩ ـ يعنى قريات لوط الأربعة ، واسمها سدوم وعامورا وصابورا ودامورا ، (فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ) يعنى لوطا (فَأَخَذَهُمْ) الله (أَخْذَةً رابِيَةً) ـ ١٠ ـ يعنى شديدة ربت عليهم [٢٠٧ أ] فى الشدة أشد من معاصيهم التي عملوها (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ) وارتفع فوق كل شيء أربعين ذراعا (حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ) ـ ١١ ـ يعنى السفينة يقول حملنا الآباء وأنتم فى أصلابهم فى السفينة (لِنَجْعَلَها لَكُمْ) يعنى لكي نجعلها لكم يعنى ، فى هلاك قوم نوح لكم يا معشر الأبناء (تَذْكِرَةً) يعنى عظة وتذكرة يعنى وعبرة لكم ولمن بعدكم من الناس (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) ـ ١٢ ـ يعنى حافظة لما سمعت فانتفعت بما سمعت من الموعظة (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ) ـ ١٣ ـ لا تثنى يعنى نفخة الآخرة (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ) يقول حمل ما على الأرض من ماء أو شجر أو شيء (وَ) حملت (الْجِبالُ) من أماكنها فضربت على الأرض (فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً) ـ ١٤ ـ يعنى فكسرتا كسرة واحدة فاستوت بما عليها مثل الأديم الممدود (فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) ـ ١٥ ـ وقعت الصيحة الآخرة يعنى النفخة الآخرة (وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ)

__________________

(١) فى أ : «يعنى نخل خاوية» والمثبت من ف.

(٢) فى أ : «ونبتت» ، وفى ف : «وبقيت».

٤٢٢

ـ ١٦ ـ (وَالْمَلَكُ) يقول انفجرت السماء لنزول الرب (١) ـ تبارك وتعالى ـ وما فيها من الملائكة (عَلى أَرْجائِها) يعنى نواحيها وأطرافها وهي السماء الدنيا (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ) على رءوسهم (يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) (٢) ـ ١٧ ـ «أجزاء (٣)» من الكروبيين لا يعلم كثرتهم أحد إلا الله ـ عزوجل ـ (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ) على الله فيحاسبكم بأعمالكم (لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ) ـ ١٨ ـ يقول لا يخفى الصالح منكم ، ولا الطالح إذا عرضتم (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) يقول يعطيه ملكه الذي كان يكتب عمله فى صحيفة بيضاء منشورة ، نزلت هذه الآية فى أبى سلمة بن عبد الأسود المخزومي ، وكان اسم أم أبى سلمة برة بنت عبد المطلب (فَيَقُولُ هاؤُمُ) يعنى هاكم (اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) ـ ١٩ ـ (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) ـ ٢٠ ـ (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) ـ ٢١ ـ يقول فى عيش يرضاه فى الجنة فهو (فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) ـ ٢٢ ـ يعنى رفيعة فى الغرف (قُطُوفُها دانِيَةٌ) ـ ٢٣ ـ يعنى ثمرتها قريبة بعضها من بعض يأخذ منها إن شاء جالسا ، وإن شاء متكئا (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ) بما عملتم (فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ) ـ ٢٤ ـ فى الدنيا (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ) يقول يعطيه ملكه الذي كان يكتب عمله فى الدنيا نزلت هذه الآية فى الأسود بن عبد الأسود المخزومي قتله حمزة بن عبد المطلب على الحوض ببدر (فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي) فيتمنى فى الآخرة «يا ليتني» (لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ) ـ ٢٥ ـ (وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ)

__________________

(١) هذا يشعر بالتجسيم الذي روى عن مقاتل هنا وفى أماكن أخرى من تفسيره ، وانظر الموضوع كاملا فى دراسة هذا التفسير ، تحت عنوان ، مقاتل وعلم الكلام.

(٢) فى الجلالين : «ثمانية» من الملائكة أو صفوفهم.

(٣) «أجزاء» كذا فى أ ، ف ، ولعلها محرفة عن «أملاك».

٤٢٣

ـ ٢٦ ـ (يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ) ـ ٢٧ ـ فيتمنى الموت (ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ) ـ ٢٨ ـ من النار (هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ) ـ ٢٩ ـ يقول ضلت عنى يومئذ حجتي حين شهدت عليه الجوارح بالشرك يقول الله لخزنة جهنم (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ) ـ ٣٠ ـ يعنى غلوا يديه إلى عنقه (ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ) ـ ٣١ ـ يعنى الباب السادس من جهنم [٢٠٧ ب] فصلوه (ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً) بالذراع الأول (فَاسْلُكُوهُ) ـ ٣٢ ـ فأدخلوه «فيه (١)». قال : قال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : كل ذراع منها بذراع الرجل الطويل من الخلق الأول ، ولو أن حلقة منها وضعت على ذروة جبل لذاب كما يذوب الرصاص فكيف يا بن آدم وهي عليك وحدك. ا ه.

قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ) يعنى لا يصدق بالله (الْعَظِيمِ) ـ ٣٣ ـ بأنه واحد لا شريك له (وَلا يَحُضُ) نفسه (عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) ـ ٣٤ ـ يقول كان لا يطعم المسكين فى الدنيا (٢) وفى قوله ، فى قولة ابن مسعود (٣) (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ) فى الآخرة (هاهُنا حَمِيمٌ) ـ ٣٥ ـ يعنى قريب يشفع له (وَلا) وليس له (طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) ـ ٣٦ ـ يعنى الذي يسيل من القيح والدم من أهل النار يعنى فليس له شراب إلا من حميم من عين من أصل الجحيم (لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ) ـ ٣٧ ـ يعنى المجرمين (فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ) ـ ٣٨ ـ من الخلق (وَما لا تُبْصِرُونَ) ـ ٣٩ ـ «من الخلق (٤)»

__________________

(١) كذا فى أ ، ف ، والضمير عائد على الجحيم.

(٢) تفسير آيتي ٣٣ ، ٣٤ من ف ، وليس فى أ.

(٣) المعنى أن ابن مسعود يقول. إن تفسير الآية : «أنه كان لا يحض الناس ولا يدعوهم إلى إطعام بقوله».

(٤) فى أ : «الحلق» ، بالحاء.

٤٢٤

وذلك أن الوليد بن المغيرة قال : إن محمدا ساحر. فقال أبو جهل بن هشام : بل هو مجنون. فقال عقبة بن أبى معيط : بل هو شاعر. وقال النضر : كاهن وقال أبى : كذاب. فبرأه الله من قولهم فأقسم الله ـ تعالى ـ بالخلق (إِنَّهُ) (١) إن هذا القرآن (لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) ـ ٤٠ ـ على الله يعنى جبريل ـ عليه‌السلام ـ عن قول الله ـ تعالى ـ (وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ) لقول عتبة ، وقول أبى جهل ، (قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ) ـ ٤١ ـ يعنى قليلا ما تصدقون بالقرآن ، يعنى بالقليل أنهم لا يؤمنون ، ثم قال : (وَلا) هو يعنى القرآن (بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) ـ ٤٢ ـ فتعتبرون فأكذبهم الله فقال : بل القرآن (تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) ـ ٤٣ ـ (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا) محمد شيئا منه (بَعْضَ الْأَقاوِيلِ) ـ ٤٤ ـ يعنى من تلقاء نفسه ما لم نقل (لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) ـ ٤٥ ـ يقول لانتقمنا منه بالحق كقوله : («... تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ) (٢) ...» يعنى من قبل الحق ، «بأنكم (٣)» على الحق ، (ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) ـ ٤٦ ـ يعنى عرق يكون فى القلب وهو نياط القلب ، وإذا انقطع مات صاحبه (فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) ـ ٤٧ ـ ليس أحد منكم يحجز الرب ـ عزوجل ـ عن ذلك (وَإِنَّهُ) (٤) وإن هذا القرآن (لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) ـ ٤٨ ـ (وَإِنَّا لَنَعْلَمُ) يا أهل مكة (أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ) ـ ٤٩ ـ (وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ)

__________________

(١) «إنه» : ساقطة من أ.

(٢) سورة الصافات : ٢٨ وهي : (قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ).

(٣) فى أ : «بأنكم» ، وفى ف : «فإنكم».

(٤) (وَإِنَّهُ) : ساقطة من أ.

٤٢٥

ـ ٥٠ ـ يوم القيامة (وَإِنَّهُ) وإن هذا القرآن (لَحَقُّ الْيَقِينِ) ـ ٥١ ـ أنه من الله ـ تعالى ـ (فَسَبِّحْ) يا محمد يعنى التوحيد (بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) ـ ٥٢ ـ يقول اذكر اسم ربك يعنى التوحيد. ثم قال «العظيم» يعنى الرب العظيم فلا أكبر منه (١).

__________________

(١) انتهى تفسير السورة فى ف ، وفى أذكر قصة من خرافات بنى إسرائيل فى أعقاب السورة ، ضربنا عنها صفحا ، وتابعنا ف ، فى ذلك التحقيق.

٤٢٦

سورة المعارج

٤٢٧
٤٢٨

(٧٠) سورة المعارج مكية

وآياتها اربع واربعون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ (١) لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ (٢) مِنَ اللهِ ذِي الْمَعارِجِ (٣) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ

٤٢٩

خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (٤) فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً (٥) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (٦) وَنَراهُ قَرِيباً (٧) يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ (٨) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ (٩) وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً (١٠) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (١١) وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (١٢) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (١٣) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ (١٤) كَلاَّ إِنَّها لَظى (١٥) نَزَّاعَةً لِلشَّوى (١٦) تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (١٧) وَجَمَعَ فَأَوْعى (١٨) إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (١٩) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (٢٠) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (٢١) إِلاَّ الْمُصَلِّينَ (٢٢) الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (٢٣) وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (٢٥) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (٢٦) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٢٧) إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (٢٨) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (٢٩) إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٣٠) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (٣١) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (٣٢) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (٣٣) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (٣٤) أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (٣٥) فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (٣٦)

٤٣٠

عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ (٣٧) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (٣٨) كَلاَّ إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (٣٩) فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (٤٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٤١) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٤٢) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (٤٣) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (٤٤))

٤٣١
٤٣٢

[سورة المعارج (١)]

سورة المعارج مكية عددها «أربع (٢)» وأربعون آية (٣) كوفى.

__________________

(١) مقصود السورة :

بيان جرأة الكافر فى استعجال العذاب ، وطول القيامة وهو لها وشغل الخلائق فى ذلك اليوم المهيب ، واختلاف حال الناس فى الخير والشر ، ومحافظة المؤمنين على خصال الخير ، وطمع الكفار فى غير مطمع ، وذل الكافرين فى يوم القيامة فى قوله : (... تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ...) سورة المعارج : ٤٤

(٢) فى أ : «أربعة» ، والصواب ما أثبت.

(٣) فى المصحف : (٧٠) سورة المعارج مكية وآياتها ٤٤ نزلت بعد سورة الحافة.

تفسير مقاتل بن سليمان ج ٤ ـ م ٢٨.

٤٣٣
٤٣٤

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) ـ ١ ـ نزلت فى النضر بن الحارث بن علقمة ابن كلدة القرشي من بنى عبد الدار بن قصى ، وذلك أنه قال : اللهم إن كان ما يقول محمد هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة السماء أو ائتنا بعذاب أليم. فقتل يوم بدر فقال الله ـ عزوجل ـ : هذا العذاب الذي سأل النضر ابن الحارث فى الدنيا «هو (١)» (لِلْكافِرينَ) فى الآخرة (لَيْسَ لَهُ دافِعٌ) ـ ٢ ـ (مِنَ اللهِ) يقول لا يدفع عنهم أحد «حين (٢)» يقع بهم العذاب (٣).

ثم عظم الرب ـ تبارك وتعالى ـ نفسه فقال : «من الله» (ذِي الْمَعارِجِ) ـ ٣ ـ يعنى ذا الدرجات يعنى السموات والعرش فوقهم والله ـ تعالى ـ على العرش (٤). كقوله : «... ومعارج عليها يظهرون» (تَعْرُجُ) يعنى تصعد (الْمَلائِكَةُ) من سماء إلى سماء العرش (وَالرُّوحُ) يعنى جبريل ـ عليه‌السلام ـ (إِلَيْهِ) فى الدنيا برزق السموات السبع. «ثم أخير (٦)» الله ـ عزوجل ـ عن ذلك العذاب متى يقع بها فقال : (فِي يَوْمٍ) (٧) (كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ)

__________________

(١) فى أ : «فهو».

(٢) فى أ : «حتى».

(٣) فى أ : فسر أول الآية (٣) ، ثم فسر (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) من آية ٤ ، ثم عاد فأكمل تفسير الآية (٣) ، وقد صوبت هذا الخطأ.

(٤) وهذا من تجسيم مقاتل ، وانظر مقدمتي فى باب : مقاتل وعلم الكلام.

(٥) سورة الزخرف : ٣٤.

(٦) فى أ : «فأخبر».

(٧) قال فى الجلالين : (فى يوم) متعلق بمحذوف أى يقع العذاب بهم فى يوم القيامة.

٤٣٥

ـ ٤ ـ فيها تقديم ، وطول ذلك اليوم كأدنى صلاتهم يقول لو ولى حساب الخلائق وعرضهم غيرى لم يفرغ منه إلا فى مقدار خمسين ألف سنة فإذا أخذ الله ـ تعالى ـ فى عرضهم يفرغ الله منه على مقدار نصف يوم من أيام الدنيا فلا ينتصف النهار حتى يستقر أهل الجنة فى الجنة ، وأهل النار فى النار ، وهذه الآية نزلت فيهم «أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا» (١) يقول ليس مقيلهم «كمقيل» أهل النار (فَاصْبِرْ) يا محمد (صَبْراً جَمِيلاً) ـ ٥ ـ يعزى نبيه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ صبرا لا جزع فيه تكذيبهم إياك بأن العذاب غير كائن ، ثم قال : (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ) يعنى كفار مكة (بَعِيداً) ـ ٦ ـ يعنى العذاب أنه غير كائن (وَنَراهُ قَرِيباً) ـ ٧ ـ أنه كائن ، ثم أخبر متى يقع بهم العذاب؟ فقال : يقع بهم العذاب (يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ) ـ ٨ ـ من الخوف ، يعنى أسود غليظا كدردي الزيت بعد الشدة والقوة (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ) ـ ٩ ـ فشبهها فى اللين والوهن «بالصوف (٢)» المنفوش بعد القوة [٢٠٩ أ] وذلك أوهن ما يكون من الصوف (وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً) (٣) ـ ١٠ ـ «يعنى قريب قريبا (٤)» ، يقول لا يسأل الرجل قرابته ، ولا «يكلمه (٥)» من شدة الأهوال (يُبَصَّرُونَهُمْ) يقول يعرفونهم ولا يكلمونهم ، وذلك قوله : فهم لا يتساءلون («خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ) (٦) ...» خافضة أبصارهم ذليلة عند معاينة النار

__________________

(١) سورة الفرقان : ٢٤.

(٢) فى أ : «كالصوف».

(٣) (وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً) : ساقطة من أ.

(٤) فى أ : «يعنى قريب قريبا» ، وفى ف : «يعنى قريبا قريبا».

(٥) «بكلمة» : كذا فى أ ، ف.

(٦) سورة القلم : ٤٣.

٤٣٦

(يَوَدُّ الْمُجْرِمُ) يعنى الكافر (لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ) يوم القيامة (بِبَنِيهِ) ـ ١١ ـ (وَصاحِبَتِهِ) يعنى امرأته (وَأَخِيهِ) ـ ١٢ ـ (وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ) ـ ١٣ ـ يعنى رهطه وفخذه الأدنى الذي يساوى إليهم (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) من شيء (ثُمَّ يُنْجِيهِ) ـ ١٤ ـ يقول الله ـ تعالى ـ : (كَلَّا) لا ينجيه ذلك لو افتدى بهذا كله ، ثم استأنف فقال : (إِنَّها لَظى) ـ ١٥ ـ يعنى بلظى استطالتها وقدرتها عليهم يعنى النار (نَزَّاعَةً لِلشَّوى) ـ ١٦ ـ يقول تنزع النار الهامة ، والأطراف فلا تبقى (تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ) يعنى تدعو النار يوم القيامة تقول : إلى أهلى فهذا دعاؤها لمن أدبر عن الإيمان (وَتَوَلَّى) ـ ١٧ ـ يقول وأعرض عنه إلى الكفر ، قوله : («وَجَمَعَ) (١) (» فَأَوْعى) ـ ١٨ ـ يعنى فأكثر من المال وأمسك فلم يؤد حق الله فيه (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً) ـ ١٩ ـ يعنى ضجرا فهو أمية بن خلف الجمحي ، ثم نعته فقال : (إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ) يقول إذا أصابه (جَزُوعاً) ـ ٢٠ ـ (وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ) يعنى المال (مَنُوعاً) ـ ٢١ ـ فمنع وبخل بحق الله ـ تعالى ـ ، ثم استأنف فقال : (إِلَّا الْمُصَلِّينَ) ـ ٢٢ ـ فليسوا كذلك ، ثم نعتهم الله ـ تعالى ـ فقال : (الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ) يعنى الصلوات الخمس (دائِمُونَ) ـ ٢٣ ـ بالليل والنهار لا يدعونها (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ) ـ ٢٤ ـ يعنى مفروض (لِلسَّائِلِ) يعنى المسكين (وَالْمَحْرُومِ) ـ ٢٥ ـ يعنى الفقير الذي لا سهم له فى الخمس ولا الفيء (وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) ـ ٢٦ ـ يعنى به الحساب بأنه كائن (وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) ـ ٢٧ ـ يعنى وجلين أن يصيبهم (إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ) ـ ٢٨ ـ

__________________

(١) «جمع» : ساقطة من أ.

٤٣٧

يقول لا يأمنون العذاب من الشفقة والخوف (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) ـ ٢٩ ـ عن الفواحش ، ثم استثنى فقال : (إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) يعنى به الولائد (فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) ـ ٣٠ ـ يعنى لا يلامون على الحلال (فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ) بعد أزواجه وولائده ما لا يحل له وهو الزنا (فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) ـ ٣١ ـ يعنى المعتدين فى دينهم (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ) ـ ٣٢ ـ يعنى يؤدون الأمانة ويوفون بالعهد ، ثم قال : «راعون» يرعونه ويتعاهدونه كما يرعى الراعي الشفيق غنمه عن مواقع [٢٠٩ ب] الهلكة (وَالَّذِينَ هُمْ «بِشَهاداتِهِمْ) (١) (» قائِمُونَ) ـ ٣٣ ـ يعنى يقومون بها بالحق لا يمنعونها ولا يكتمونها إذا دعوا إليها (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ) الخمس (يُحافِظُونَ) ـ ٣٤ ـ عليها فى مواقيتها (أُولئِكَ) الذين هذه أعمالهم (فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ) ـ ٣٥ ـ يعنى يكرمون فيها (فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ) ـ ٣٦ ـ يعنى مقبلين ، نزلت هذه الآية فى المستهزئين من قريش ، والمطعمين فى غزوة بدر مقبلين : ينظرون عن يمين النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ («عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ) (٢) (» عِزِينَ) ـ ٣٧ ـ يعنى حلقا حلقا جلوسا لا يدنون من النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فينتفعون بمجلسه ، ثم قال : (أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ) يعنى قريشا (أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ) ـ ٣٨ ـ كل واحد منهم يقول إن لي فى الجنة حقا ، يقول ذلك استهزاء يقول أعطى منها ما يعطى المؤمنون يقول الله ـ تعالى ـ (كَلَّا)

__________________

(١) فى أ : بشهادتهم ، وهي كذلك فى رسم المصحف بزيادة علامة المد بعد الدال.

(٢) (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ) : ساقطة من أ ، ف.

٤٣٨

لا يدخلها ، ثم استأنف فقال : لما كذبوا بالغيب (إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ) ـ ٣٩ ـ خلقوا من نطفة ، ثم من علقة ، ثم من مضغة ، ثم قال : (فَلا أُقْسِمُ) يقول أقسم (بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) وهو مائة وثمانون مشرقا ، ومائة وثمانون مغربا فى كل منزلة تطلع يومين فى السنة ، تطلع يومين فى السنة ، تطلع فيها الشمس وتغرب فيها ، فأقسم الله ـ تعالى ـ بالمشارق والمغارب فقال : (إِنَّا لَقادِرُونَ) ـ ٤٠ ـ (عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ) يعنى على أن نأتى بحلق أمثل منهم ، وأطوع لله منهم ، وأرضى منهم ، ثم قال (وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) ـ ٤١ ـ يعنى وما نحن بمعجزين إن أردنا ذلك (فَذَرْهُمْ) خل عنهم يا محمد (يَخُوضُوا) فى الباطل (وَيَلْعَبُوا) يعنى ويلهوا فى دنياهم (حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ) فى الآخرة (الَّذِي يُوعَدُونَ) ـ ٤٢ ـ العذاب ، ثم أخبر عن ذلك اليوم الذي «يعذب (١)» فيه كفار مكة فقال ـ تبارك اسمه ـ : (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ) يعنى القبور (سِراعاً) إلى الصوت (كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ) ـ ٤٣ ـ يقول كأنهم إلى علم يسعون إليه قد نصب لهم (خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ) يعنى خافضة أبصارهم ذليلة عند معاينة النار (تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) يعنى تغشاهم مذلة ، يقول (ذلِكَ) الذي ذكر من أمر القيامة (الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) ـ ٤٤ ـ فيه فى الدنيا العذاب ، وذلك أن الله أوعدهم فى الدنيا على ألسنة الرسل أن العذاب كائن ، «لما كذب (٢)» كفار مكة النبي ـ

__________________

(١) فى أ : «يعذبون» :

(٢) فى ف : «لما كذب به».

٤٣٩

صلى الله عليه «وسلم (١) ـ» ، فقال الله ـ عزوجل ـ : «فذرهم» يعنى قريشا يعنى فخل (٢) عنهم (يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) العذاب فيه.

__________________

(١) فى أ ، ف : «وسلم ـ بالعذاب».

(٢) اللفظ من ف والعبارة قلقة فى جميع النسخ.

٤٤٠