تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٦٧

يناديهم : يا أهل النار ، فيقولون : لبيك ، فيقول : يا أهل البلاء ، فيقولون : لبيك. فيقول : («... أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها ، (فَالْيَوْمَ) (١) تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ ...) (٢)» يا أهل الفرش والوسائد والنعمة فى دار الدنيا ، كيف تجدون مس سقر؟ قالوا : يأتينا العذاب من كل مكان ، فهل إلى أن نموت ونستريح ، قال فيقول : وعزة ربى لا أزيدكم إلا عذابا ، قال فذلك قوله : (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) يعنى الشكر للنعيم الذي أعطاه الله ـ عزوجل ـ ، فلم يهتد ولم يشكر ، يعنى الكافر.

__________________

(١) فى أ ، ف : (اليوم) ، وفى المصحف : (فاليوم)

(٢) سورة الأحقاف : ٢٠.

٨٢١
٨٢٢

سورة العصر

٨٢٣
٨٢٤

(١٠٣) سورة العصر مكية

وآياتها ثلاث

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (٣))

٨٢٥
٨٢٦

[سورة العصر (١)]

سورة العصر مكية عددها ثلاث آيات كوفى (٢).

__________________

(١) مقصود السورة :

بيان خسران الكفار والفجار ، وذكر سعادة المؤمنين الأبرار ، وشرح حال المسلم الشكور الصبار فى قوله : (وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) سورة العصر : ٣.

(٢) فى المصحف : (١٠٣) سورة العصر مكية وآياتها (٣) نزلت بعد سورة الشرح.

٨٢٧
٨٢٨

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(وَالْعَصْرِ) ـ ١ ـ قسم ، أقسم الله ـ عزوجل ـ بعصر النهار ، وهو آخر ساعة من النهار ، وأيضا «العصر» سميت العصر حين «تصوبت (١)» الشمس للغروب وهو عصر النهار ، فأقسم الله ـ عزوجل ـ بصلاة العصر. (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) ـ ٢ ـ نزلت فى أبى لهب اسمه عبد العزى بن عبد المطلب يعنى أنه لفي ضلال أبدا حتى يدخل النار ، ثم استثنى فقال : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) فليسوا فى خسران ، ثم نعتهم فقال : (وَتَواصَوْا بِالْحَقِ) يعنى بتوحيد الله ـ عزوجل ـ (وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) ـ ٣ ـ يعنى «على (٢)» أمر الله ـ عزوجل ـ فمن فعل هذين كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، فليسوا من الخسران فى شيء ، ولكنهم فى الجنان مخلدون.

__________________

(١) فى أ : «تصوب» ، وفى ف : «تصوبت».

(٢) فى أ : «عن» ، وفى ف : «على».

٨٢٩
٨٣٠

سورة الهمزة

٨٣١
٨٣٢

(١٠٤) سورة الهمزة مكية

وآياتها تسع

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (١) الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ (٢) يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (٣) كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (٤) وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ (٥) نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ (٦) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (٧) إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (٨) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (٩))

٨٣٣
٨٣٤

[سورة الهمزة (١)]

سورة الهمزة مكية عددها «تسع (٢)» آيات كوفى (٣)

__________________

(١) معظم مقصود السورة :

عقوبة العياب المغتاب ، وذم جمع الدنيا ومنعها ، وبيان صعوبة العقوبة فى قوله : (فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ) سورة الهمزة : ٩.

(٢) فى أ : «سبع».

(٣) فى المصحف : (١٠٤) سورة الهمزة مكية وآياتها : ٩ ، نزلت بعد سورة القيامة.

٨٣٥
٨٣٦

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ) يعنى الطعان المغتاب الذي إذا غاب عنه الرجل اعتابه من خلفه (لُمَزَةٍ) ـ ١ ـ يعنى الطاغي إذا رآه طغى عليه فى وجهه ، نزلت فى الوليد ابن المغيرة المخزومي ، كان يغتاب النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إذا غاب ، وإذا رآه «طغى فى (١)» وجهه ، ثم نعته فقال : (الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ) ـ ٢ ـ يقول الذي «استعد (٢)» مالا [٢٥٠ ب] ليشتري به الخدم والحيوان ، يقول : (يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ) ـ ٣ ـ من الموت ، فلا يموت حتى يفنى ماله ، يقول الله ـ عزوجل ـ (كَلَّا) لا يخلده ماله وولده ، ثم استأنف فقال : (لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ) ـ ٤ ـ يقول ليتركن فى الحطمة (وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ) ـ ٥ ـ تعظيما لشدتها ، تحطم العظام ، وتأكل اللحم حتى «تهجم (٣)» على القلب ، ثم اخبر عنها فقال : (نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ) ـ ٦ ـ على أهلها لا تخمد ، ثم نعتها فقال : (الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) ـ ٧ ـ يقول تأكل اللحم والجلود حتى يخلص حرها إلى القلوب ، ثم تكسى لحما جديدا ، ثم تقبل عليه وتأكله حتى يصير إلى منزلته الأولى ، (إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ) ـ ٨ ـ يعنى مطبقة (فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ) ـ ٩ ـ يقول طبقت الأبواب ثم «شدت (٤)» بأوتاد

__________________

(١) «طغى فى» : كذا فى أ ، ف ، والمألوف : «طغى عليه».

(٢) «استعد» : كذا فى أ ، ف ، والمألوف «أعد» ، ومعنى استعد : طلب الأعداد.

(٣) فى أ : «تلحم» ، وفى ف : «تهجم».

(٤) فى أ : «شددت» ، وفى ف : «شدت».

٨٣٧

من حديد من نار حتى يرجع عليهم غمها وحرها ، فلا يفتح عليهم باب ، ولا يدخل عليهم روح ، ولا يخرج منها غم آخر الأبد ، وأيضا (لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) فأما «الهمزة» فالذي ينم الكلام إلى الناس وهو النمام ، وأما «اللمزة» فهو الذي يلقب الرجل بما يكره ، وهو الوليد بن المغيرة ، كان رجلا «نماما (١)» وكان يلقب الناس (٢) من التجبر (٣) والعظمة وكان يستهزئ بالناس ، وذلك أنه أنزل على رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. «ذرني ومن خلقت وحيدا ، وجعلت له مالا ممدودا» (٤) وكان له حديقتان ، حديقة بمكة وحديقة بالطائف ، وكان لا ينقطع خيره شتاء ولا صيفا ، فذلك قوله «... مالا ممدودا ، وبنين شهودا» (٥) يعنى أرباب البيوت ، وكان له سبعة بنين قال : «ومهدت له تمهيدا» (٦) يقول بسطت له فى المال كل البسط «ثم يطمع أن أزيد ، كلا إنه كان لآياتنا عنيدا» (٧) قال : والله ، لو قسمت مالي يمينا وشمالا على قريش ما دمت حيا ما فنى ، فكيف «تعدني (٨)» الفقر؟ قال أما والله ، إن الذي أعطاك ، قادر على أن يأخذه منك ، فوقع فى قلبه من ذلك شيء ثم عمد إلى ماله فعده ، ما كان من ذهب أو فضة أو أرض أو حديقة أو رقيق فعده وأحصاه ،

__________________

(١) «تماما» : كذا فى أ ، ف. وفى حاشية أ ، فى الأصل «تاما».

(٢) أى بالألقاب السيئة : وهو التنابز بالألقاب.

(٣) فى أ : «التحير» ، وفى ف : «التجبر».

(٤) سورة المدثر : ١١ ـ ١٢.

(٥) سورة المدثر : ١٢ ـ ١٣.

(٦) سورة المدثر : ١٤.

(٧) سورة المدثر : ١٥ ـ ١٦.

(٨) فى أ ، ف : «توعدني».

٨٣٨

فقال : يا محمد «تعدني (١)» الفقر والله «لو كان (٢)» هذا «خبزا (٣)» ما فنى فأنزل الله ـ عزوجل ـ (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ، الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ ، يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ ، كَلَّا) لا يخلده ، ثم استأنف فقال : (لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ ، وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ) تعظيما لها ، فقال : (إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ ، فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ) وذلك أن الشقي إذا دخل النار «طاف (٤)» به الملك فى أبوابها فى ألوان العذاب «وفتح (٥)» له باب الحطمة وهي باب من أبواب جهنم ، وهي نار تأكل النار من شدة حرها ، وما خمدت من يوم خلقها الله ـ عزوجل ـ إلى يوم يدخلها ، فإذا فتح ذلك الباب «وقعت (٦)» [٢٥١ أ] النار عليه فأحرقته ، فتحرق الجلد واللحم والعصب والعظم ولا تحرق القلب «ولا العين (٧)» وهو ما يعقل به ويبصر ، فذلك قوله ـ تعالى ـ : «التي تطلع على الأفئدة» (٨) «ثم تلا (٩)» ويأتيه الموت من كل مكان ، وما هو بميت ، يقول ليس فى جسده موضع شعرة إلا والموت يأتيه من ذلك المكان ، ثم قال : (إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ ، فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ) وذلك أنه إذا خرج الموحدون من الباب الأعلى وهي

__________________

(١) فى أ ، ف : «توعدني».

(٢) فى أ : «أن لو كان» ، وفى ف : «لو كان».

(٣) فى أ : «خبز» ، وفى ف : «خبزا».

(٤) فى أ : «أطاف» ، وفى ف : «طاف».

(٥) فى أ ، ف : «فتح» ، والأنسب : «وفتح».

(٦) فى أ : «وقعدت» ، وفى ف : «وقعت».

(٧) فى أ : «ولا العقل» ، وفى ف : «ولا العين».

(٨) فى أ : (تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) ، وفى ف : (الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ).

(٩) فى أ : «ثم قال» ، وفى ف : «ثم تلا» ، والمعنى : ثم قرأ الملك.

٨٣٩

جهنم ، قال أهل «تلك (١)» السبعة الأبواب وهي أسفل درك من النار لأهل الباب السادس ، (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) يقول ما أدخلكم فى سقر ، «قالوا لم نك من المصلين ، ولم نك نطعم المسكين ...» (٢) إلى آخر الآيات ، ثم يقولون تعالوا حتى نجزع ، فيجزعون حقبا من الدهر فلا ينفعهم شيئا ، ثم يقولون تعالوا حتى نصرخ فيصرخون حقبا من الدهر فلا يغنى عنهم شيئا ، ثم يقولون تعالوا حتى نصبر فلعل الله الله ـ عزوجل ـ إذا صبرنا «وسكتنا (٣)» أن يرحمنا فيصبرون حقبا من الدهر فلا يغنى عنهم شيئا فيقولون : «... سواء علينا أجزعنا أم صبرنا مالنا من محيص» (٤) ثم ينادون «أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون» (٥) فينادى رب العزة من فوق العرش «... اخسئوا فيها ولا تكلمون» (٦) فتصم آذانهم ويختم على قلوبهم وتغلق عليهم أبوابها «فيطبق كل واحدة على صاحبه (٧)». بمسامير من حديد من نار كأمثال الجبال ، فلا يلج فيها روح ، «ولا يخرج منها حر النار (٨)» ، ويأكلون من النار ولا يسمع فيها إلا الزفير والشهيق. «نسأل الله المعافاة منها بفضله وجوده ورحمته (٩)».

__________________

(١) فى أ : «تلك» ، وفى ف : «ذلك».

(٢) سورة المدثر : ٤٢ ـ ٤٤.

(٣) فى أ : «شيئا» ، وفى ف : «وسكتنا».

(٤) سورة إبراهيم : ٢١.

(٥) سورة المؤمنون : ١٠٧.

(٦) سورة المؤمنون : ١٠٨.

(٧) من ف ، وفى أ : «فيطبق كل باب صاحبه».

(٨) من أ ، وفى ف : «ولا يخرج منها».

(٩) «نسأل الله المعافاة منها بفضله وجوده ورحمته» : من أ ، وليس فى ف.

٨٤٠