تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٦٧

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) ـ ١ ـ الويل واد فى جهنم بعده مسيرة سبعين سنة ، فيه تسعون ألف شعب ، فى كل شعب سبعون ألف شق ، فى كل شق سبعون ألف مغار ، فى كل مغار سبعون ألف قصر ، فى كل قصر سبعون ألف تابوت من حديد ، وفى التابوت سبعون ألف شجرة ، فى كل شجرة سبعون ألف غصن من نار ، فى كل غصن سبعون ألف ثمرة ، فى كل ثمرة دودة طولها سبعون ذراعا ، تحت كل شجرة سبعون ألف ثعبان «وسبعون ألف عقرب ، فأما الثعابين (١)» فطولهن مسيرة شهر فى الغلظ مثل الجبال ، وأنيابها مثل النخل ، وعقاربها مثل البغال الدهم لها ثلاثمائة وستون فقار ، فى كل فقار قلة سم ، وذلك أن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حين خرج إلى المدينة ، وكان بسوق الجاهلية لهم كيلين وميزانين «معلومة (٢)» لا يعاب عليهم فيها فكان الرجل إذا اشترى اشترى بالكيل الزائد ، وإذا باعه باعه بالناقص ، وكانوا يريحون بين الكيلين وبين الميزانين ، «فلما قدم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣)» المدينة قال لهم : ويل لكم مما تصنعون. فأنزل الله ـ تعالى ـ التصديق على لسانه

__________________

(١) ما بين القوسين «...» من ف ، وهي ساقطة من أ.

(٢) «معلومة» : كذا فى أ ، ف ، والأنسب : «معلومين».

(٣) فى أ : «فلما خرج قدم المدينة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ» ، والمثبت من ف.

٦٢١

فقال : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) ثم ذكر مساوئهم فقال : (الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ) ـ ٢ ـ (وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) ـ ٣ ـ يعنى ينقصون ، ثم خوفهم فقال : (أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ) الذين يفعلون هذا [٢٣٢] (أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ) ـ ٤ ـ (لِيَوْمٍ عَظِيمٍ) ـ ٥ ـ (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) ـ ٦ ـ فهو مقدار ثلاثمائة عام إذا أخرجوا من قبورهم فهم يجولون بعضهم إلى بعض قياما ينظرون ، ثم خوفهم أيضا فقال : (كَلَّا) وهي وعيد مثل ما يقول الإنسان : والله ، يحلف بربه والله ـ عزوجل ـ لا يقول والله ، ولكنه يقول : «كلا» (إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ) ـ ٧ ـ يعنى أعمال المشركين مكتوبة مختومة بالشر ، موضوعة تحت الأرض السفلى ، تحت خد إبليس ، لأنه أطاعه ، وعصى ربه ، فذلك قوله : (وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ) ـ ٨ ـ تعظيما لها ، قال : (كِتابٌ مَرْقُومٌ) ـ ٩ ـ ، ووعدهم أيضا فقال (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) ـ ١٠ ـ بالبعث (الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) ـ ١١ ـ يعنى بيوم الحساب الذي فيه جزاء الأعمال ، قال : (وَما يُكَذِّبُ بِهِ) بالحساب (إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ) ـ ١٢ ـ يقول معتد بربه «حيث (١)» شك فى نعمته ، وتعبد غيره «فهو (٢)» المعتدى «أثيم» قلبه (إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا) يعنى القرآن (قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ـ ١٣ ـ يعنى به كتاب الأولين ، مثل كتاب رستم واسفندباز ، نزلت هذه الآية فى النضر ابن الحارث «بن علقمة قدم الحيرة (٣)» فكتب حديث رستم واسفندباز فلما

__________________

(١) فى أ : «خبيث» ، وفى ف : «حبث».

(٢) فى أ : «فهذا» ، وفى ف : «فهو».

(٣) «ابن علقمة قدم الحيرة» : ساقط من أ ، وهو من ف.

٦٢٢

قدم (١) قال : ما يحدثكم محمد؟ قالوا : حدثنا عن القرون الأولى. قال : وأنا أحدثكم بمثل ما يحدثكم به محمد أيضا. فأنزل الله ـ عزوجل ـ وفيه («وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً) (٢) ...» ، فذلك قوله : (إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ، ثم وعدهم فقال : (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) ـ ١٤ ـ يقول طبعنا على قلوبهم ، «فهم لا يبصرون إلى مساوتهم (٣)» «فيقلعون (٤)» عنها ، ثم أوعدهم فقال : (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) ـ ١٥ ـ لأن أهل الجنة يرونه عيانا لا يحجبهم عنه ، ويكلمهم ، وأما الكافر فإنه يقام خلف الحجاب «فلا يكلمهم (٥)» الله ـ تعالى ـ ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم حتى يأمر بهم إلى النار (ثُمَّ إِنَّهُمْ) يعنى إذا حجبوا عن ربهم (لَصالُوا الْجَحِيمِ) ـ ١٦ ـ (ثُمَّ يُقالُ) لهم (هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) ـ ١٧ ـ وذلك أن أهل النار «يقول (٦)» لهم مالك خازن النار هذه : («... النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) (٧)» ، «أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون ، اصلوها فاصبروا أولا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون» (٨) ، فذلك قوله : (ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) ، ثم أوعدهم فقال : (كَلَّا) ثم انقطع الكلام ، ثم رجع إلى قوله فى :

__________________

(١) كذا فى أ ، ف : والمعنى «فلما قدم من الحيرة إلى مكة».

(٢) سورة لقمان : ٦.

(٣) كذا فى أ ، ف ، وكان الأنسب : «فهم لا يبصرون مساوئهم».

(٤) فى أ : «فيقطعون» ، وفى ف : «فيقلعون».

(٥) كذا فى أ ، ف : والأنسب : «فلا يكلمه». لأن الحديث عن المفرد ، ولكنه ضمن الكافر معنى الجنس فأرجع ضمير الجمع عليه.

(٦) فى أ : «قال».

(٧) سورة سبأ : ٤٢.

(٨) سورة الطور : ١٥ ـ ١٦.

٦٢٣

(وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) فقال (إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ) ـ ١٨ ـ لفي ساق العرش يعنى أعمال المؤمنين وحسناتهم (وَما أَدْراكَ) [٢٣٢ ب] (ما عِلِّيُّونَ) ـ ١٩ ـ تعظيما لها فقال : (كِتابٌ مَرْقُومٌ) ـ ٢٠ ـ يعنى كتاب من كتب الخير مختوم ختم بالرحمة مكتوب عند الله ـ عزوجل ـ (يَشْهَدُهُ) يشهد ذلك (الْمُقَرَّبُونَ) ـ ٢١ ـ وهم الملائكة من كل سماء سبعة أملاك من مقربي أهل كل سماء يشيعون ذلك العمل الذي يرضاه الله حتى ثبوته عند الله ـ جل وعز ـ ثم يرجع كل ملك إلى مكانه ، «ثم ذكر (١)» الأبرار فقال : (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ) ـ ٢٢ ـ يعنى نعيم الجنة ، ثم بين ذلك النعيم فقال : (عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ) ـ ٢٣ ـ إلى ذلك النعيم وهي السرر والحجال فإذا كان «سريرا (٢)» ولم يكن عليه حجلة فهو السرير حينئذ ، وإذا كانت الحجلة ولم يكن فيها سرير فهي الحجلة ، فإذا اجتمع السرير والحجلة فهي الأرائك يعنى هؤلاء جلوس ينظرون إلى ذلك النعيم ، يقول : (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) ـ ٢٤ ـ لأنه يعلق فى وجهه النور من الفرح والنعيم فلا يخفى عليك إذا نظرت إليهم فرحون ، ثم قال : (يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ) ـ ٢٥ ـ وهو الخمر الأبيض إذا انتهى طيبه (خِتامُهُ مِسْكٌ) إذا شرب وفرغ ونزع الإناء من فيه وجد طعم المسك (وَفِي ذلِكَ) يعنى وفى ذلك الطيب وفى الجنة (فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ) ـ ٢٦ ـ يعنى فليتنازع المتنازعون ، وفيه فليرغب الراغبون ، ثم قال : (وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ) ـ ٢٧ ـ (عَيْناً) من جنة عدن فتنصب عليهم انصبابا فذلك قوله

__________________

(١) فى أ : «ثم أيضا».

(٢) فى أ : «سرير» ، وفى ، ف : «سريرا».

٦٢٤

(يَشْرَبُ) (١) «بِهَا» (الْمُقَرَّبُونَ) ـ ٢٨ ـ يقول يشربون به الخمر من ذلك الماء وهم أهل جنة عدن ، وهي أربعة جنان وهي قصبة الجنة ، ماء تسنيم يخرج من جنة عدن ، والكوثر ، والسلسبيل ، ثم انقطع الكلام ، قوله (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ) ـ ٢٩ ـ نزلت هذه الآية فى ـ على بن أبى طالب ـ وأصحابه وذلك أنهم كانوا يمرون كل يوم على المنافقين واليهود وهم ذاهبون إلى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فإذا رأوهم سخروا منهم وتغامزوا فى أمرهم ، «وضحكوا (٢)» منهم وإذا رجعوا إلى أصحابهم ، ضحكوا منهم ، وذلك أن عبد الله بن نتيل لقى بدعة بن الأقرع فقال : أشعرت أنا رأينا اليوم الأصلع فضحكنا منه؟ قال : كيف؟ قال لأنه يمشى بين أيديهم ، وهم خلفه لا يجاوزونه ، كأنه هو الذي يدلهم على الطريق ، فسمع بذلك أبو بكر الصديق ـ رضى الله عنه ـ فشق عليه وعلى أصحابه فتركوا ذلك الطريق وأخذوا طريقا آخر ، فأنزل الله ـ عزوجل ـ فيهم «إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ» (وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ) ـ ٣٠ ـ (وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا «فَكِهِينَ») (٣) ـ ٣١ ـ يعنى عبد الله بن نتيل ، يعنى [٢٣٣ أ] إذا رجعوا إلى قومهم رجعوا معجبين بما هم عليه من الضلالة بما فعلوا بعلى وأصحابه ـ رحمهم‌الله.

«(وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ) ـ ٣٢ ـ (وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ) (٤)» ـ ٣٣ ـ.

__________________

(١) «بها» : ساقطة من أ.

(٢) فى أ : «ويضحكون».

(٣) فى أ : «فاكهين».

(٤) الآية ٣٢ ، ٣٣ ساقطتان من أ ، ف مع تفسيرهما.

تفسير مقاتل بن سليمان ج ٤ ـ م ٤٠.

٦٢٥

ثم أخبر بجزائهم على الله فقال : (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ) ـ ٣٤ ـ (عَلَى الْأَرائِكِ) والأرائك السرير فى الحجلة ، يقول جلوس فى الحجلة يضحكون من أعدائهم ، وذلك أن لكل رجل من أهل الجنة ثلمة ، ينظرون إلى أعداء الله كيف يعذبون؟ فإذا نظروا إلى أهل النار وما يلقون هم من رحمة الله ـ عزوجل ـ وعرفوا أن الله قد أكرمهم ، فهم ضاحكون من أهل النار ، ويكلمونهم حتى يطبق على أهل النار أبوابها فى «عمد (١)» من حديد من نار كأمثال الجبال فإذا أطبقت عليهم «انسدت (٢)» تلك الكوى فيمحو الله أسماءهم «ويخرجهم (٣)» من قلوب المؤمنين ، فذلك قوله : (يَنْظُرُونَ) ـ ٣٥ ـ (هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ) ـ ٣٦ ـ «يعنى ينظرون من الكوى (٤)» فإذا رأوهم يعذبون قالوا والله قد ثوب الكفار ما كانوا يفعلون (٥).

__________________

(١) فى أ : «عمد» ، وفى ف : «عماد».

(٢) فى أ : «أسندت» ، وفى ف : «انسدت».

(٣) فى أ ، ف : «وأخرجهم».

(٤) فى ف : «هل».

(٥) فى ف : زيادة : «يعنى ينظرون ، فى الكوى».

٦٢٦

سورة الانشقاق

٦٢٧
٦٢٨

(٨٤) سورة الانشقاق مكية

وآياتها خمس وعشرون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ (١) وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ (٢) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (٣) وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ (٤) وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ (٥) يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ (٦) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ (٧) فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (٨) وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً (٩) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ (١٠) فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً (١١) وَيَصْلى سَعِيراً (١٢) إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً (١٣) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (١٤) بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً (١٥) فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (١٦) وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ (١٧) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (١٨) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (١٩) فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٢٠) وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (٢١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (٢٢) وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ (٢٣) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢٤) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٢٥))

٦٢٩
٦٣٠

[سورة الانشقاق (١)]

سورة الانشقاق مكية عددها «خمس وعشرون (٢)» آية كوفى (٣).

__________________

(١) مقصود السورة :

بيان حال الأرض والسماء فى طاعة الخالق ـ تعالى ـ وإخراج الأموات للبعث ، والاشتغال بالبر والإحسان وبيان سهولة الحساب للمطيعين والإخبار عن قرحهم بنعيم الجنان ، وبكاء العاصين والكافرين ، وويلهم بالثبوت فى دركات النيران ، والقسم بتشقق القمر ، واطلاع الحق على الإصرار والإعلان وجزاء المطيعين من غير امتنان ، فى قوله : (... فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) سورة الانشقاق : ٢٥.

(٢) فى أ : «خمس وأربعون».

(٣) فى المصحف : (٨٤) سورة الانشقاق مكية وآياتها (٢٥) ، نزلت بعد سورة الانفطار.

٦٣١
٦٣٢

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

قوله : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) ـ ١ ـ يقول انشقت لنزول رب العزة والملائكة فإنها تنشق حتى يرى «طرفاها (١)» ، ثم ترى خلقا باليا ، وذلك أن أخوين من بنى أمية «أحدهما اسمه عبد الله بن عبد الأسد ، والآخر اسمه الأسود (٢) ابن عبد الأسد».

أحدهما مؤمن بالله واسمه عبد الله ، وأما الآخر فاسمه الأسود وهو الكافر ، فقال لأخيه عبد الله : آمنت بمحمد؟ قال : نعم. قال : ويحك إن محمدا يزعم ، إذا متنا وكنا ترابا ، فإنا لمبعوثون فى الآخرة ، ويزعم أن الدنيا تنقطع ، فأخبرنى ما حال الأرض يومئذ فأنزل الله ـ عزوجل ـ «إذا السماء انشقت» ، (وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ) ـ ٢ ـ يقول انشقت وسمعت لربها وأطاعت ، وكان بحق لها ذلك (وَ) (٣) (إِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ) ـ ٣ ـ مثل الأديم الممدود (وَأَلْقَتْ ما فِيها) من الحيوان (وَتَخَلَّتْ) ـ ٤ ـ (وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ) ـ ٥ ـ

__________________

(١) فى أ : «طرفيها» ، وفى ف : «طرفاها».

(٢) من ف ، وفى أ : «أحدهما اسمه عبد الله بن عبد الأسود ، والآخر اسمه الأسود ابن عبد الأسود».

(٣) الآيات ٣ ، ٤ ، ٥ ساقطة من أ.

والسورة بها أخطاء فى أ ، وكذلك تصويرها مهتز فى (أ) أيضا ، وقد اعتمدت على ف (فيض الله) ، ح ، (حميدية) ، م (أمانة) ، ل (كوبريلى) فى تحقيقها.

٦٣٣

يقول سمعت لربها وأطاعت وكان بحق لها ذلك ، ثم قال : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ) يعنى بالإنسان الأسود بن عبد الأسد (إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً) إنك ساع إلى ربك سعيا (فَمُلاقِيهِ) ـ ٦ ـ بعملك ، ثم قال : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) ـ ٧ ـ وهو عبد الله بن عبد الأسد ويكنى أبا سلمة (فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً) ـ ٨ ـ يقول باليسير ، بأن الله «لا يغير (١)» حسناته ولا يفضحه ، وذلك أن الله ـ عزوجل ـ إذا جمع الخلائق يوم القيامة ، فإنهم يموج بعضهم فى بعض ، مقدار ثلاثمائة سنة ، حتى إذا استوى الرب ـ جل وعز ـ على كرسيه ليحاسب خلقه ، فإذا جاء الرب ـ تبارك وتعالى ـ والملائكة صفا صفا ، فينظرون إلى الجنة «وإلى النار (٢)» «ويجاء بالنار (٣)» من مسيرة خمسمائة عام ، عليها تسعون ألف زمام ، فى كل زمام سبعون ألف ملك ، متعلق يحبسونها عن الخلائق ، طول عنق أحدهم مسيرة سنة ، وغلظها مسيرة سنة ، ما بين منكبى أحدهم مسيرة خمسين سنة ، وجوههم مثل الجمر ، وأعينهم مثل البرق ، إذا تكلم أحدهم ، تناثرت من فيه النار ، بيد كل واحد منهم مرزبة ، عليها ثلاثمائة وستون رأسا ، كأمثال الجبال ، هي أخف بيده من الريشة ، فيجيئون بها فيسوقونها حتى تقام عن يسار العرش ، ويجاء بالجنة يزفونها كما تزف العروس إلى زوجها حتى تقام عن يمين العرش فإذا ما عاين الخلائق النار وما أعد الله لأهلها ، ونظروا إلى ربهم وسكتوا ، فانقطعت عند ذلك أصواتهم فلا يتكلم

__________________

(١) كذا فى ف ، والمعنى لا يضيع.

(٢) كذا فى ف ، ح ، والأولى : «فينطلقون إلى النار».

(٣) فى ف : «حتى يجيئون بها».

٦٣٤

أحد منهم من «فرق (١)» الله وعظمته ولما يرون من العجائب من الملائكة ومن حملة العرش ، ومن أهل السموات ومن جهنم ومن خزنتها ، فانقطعت أصواتهم عند ذلك ، «وترتعد (٢)» مفاصلهم فإذا علم الله ما أصاب أولياءه من الخوف ، وبلغت القلوب الحناجر ، فيقوم مناد عن يمين العرش ، فينادى : «يا عباد ، لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون» (٣) فيرفع عند ذلك الإنس والجن كلهم رءوسهم والمؤمنون والكفار لأنهم عباده كلهم ، ثم ينادى فى الثانية : «الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين» (٤) فيرفع المؤمنون رءوسهم ، وينكس أهل الأديان كلهم رءوسهم ، والناس سكوت مقدار أربعين عاما فذلك قوله : «هذا يوم لا ينطقون ، ولا يؤذن لهم فيعتذرون» (٥).

وقوله : «... لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا» (٦) وقال لا إله إلا الله : فذلك الصواب ، وقوله : «... وخشت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا» (٧) فلا يجيبهم الله ولا يكلمهم ولا يتكلمون هم مقدار أربعين سنة ، يقول بعد ذلك لملك من الملائكة وهو جبريل ـ عليه‌السلام ـ ناد الرسل وابدأ «بالأمى (٨)» قال فيقوم الملك فينادى عند ذلك ، أين (النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ)؟ (٩) فنقول

__________________

(١) فرق : خوف ، والمعنى من خوف الله.

(٢) فى ف : «وترعد».

(٣) سورة الزخرف : ٦٨.

(٤) سورة الزخرف : ٦٩.

(٥) سورة المرسلات : ٣٥ ـ ٤٦.

(٦) سورة النبأ : ٣٨.

(٧) سورة طه : ١٠٨.

(٨) فى ف : «بالعربي» ، وفى ح : «بالأمى».

(٩) فى ف : «النبيون» ، وفى ح : (النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ).

٦٣٥

الأنبياء عند ذلك كلنا نبيون وأميون فبين بين ، فيقول النبي العربي الأمى الحرمي ، فيقوم عند ذلك رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فيرفع صوته بالدعاء ، فيقول : كم من ذنب قد عملتموه ونسيتموه وقد أحصاه الله ، رب لا تفضح أمتى. قال : فلا يزال يدنو من الله ـ تعالى ـ حتى يقوم بين يديه ، أقرب خلقه إليه ، فيحمد الله ويثنى عليه ، ويذكر من الثناء على الله ـ تعالى ـ والحمد ، حتى تعجب الملائكة منه والخلائق ، فيقول الله ـ عزوجل ـ : قد «رضيت (١)» عنك يا محمد ، اذهب فناد أمتك ، فينادى ، وأول ما يدعو يدعو من أمته عبد الله بن عبد الأسود «أبا سلمة (٢)» ، فلا يزال يدنو فيقربه الله ـ عزوجل ـ منه فيحاسبه حسابا يسيرا ، واليسير الذي لا يأخذه بالذنب الذي عمله ولا يغضب الله ـ عزوجل ـ عليه ، فيجعل سيئاته داخل صحيفته وحسناته ظاهر صحيفته ، فيوضع على رأسه التاج من ذهب عليه تسعون ألف ذؤابة ، كل ذؤابة درة تساوى مال المشرق والمغرب ويلبس سبعين حلة من الإستبرق والسندس فالذي يلي جسده حريرة بيضاء ، فذلك قوله : «... ولباسهم فيها حرير» (٣) ويسور «بثلاث (٤)» أسورة ، سوار من فضة ، وسوار من ذهب ، وسوار من لؤلؤ ، ويوضع إكليل مكلل بالدر والياقوت وقد تلألأ فى وجهه ، من نور ذلك ، فيرجع إلى إخوانه من المؤمنين ، فينظرون إليه وهو «جاء (٥)»

__________________

(١) فى ف : «ماضيت» ، وفى ح : «رضيت».

(٢) فى أ ، ف : «أبو سلمة».

(٣) سورة الحج : ٢٣.

(٤) فى أ ، ف : «بثلاثة».

(٥) فى أ : «جائي» ، وفى ف : «جاء».

٦٣٦

من عند الله فتقول الملائكة «والناس (١)» والجن والله لقد أكرم الله هذا ، لقد أعطى الله لهذا ، فينظرون إلى كتابه فإذا سيئاته باطن صحيفته ، وإذا حسناته ظاهر كتابه ، فتقول عند ذلك الملائكة ما كان أذنب هذا الآدمي ذنبا قط! والله ، لقد اتقى الله هذا العبد ، فحق أن يكرم مثل هذا العبد ، وهم لا يشعرون أن سيئاته باطن كتابه ، وذلك لمن أراد الله ـ تعالى ـ أن يكرمه ولا يفضحه ، قال فيأتي إخوانه من المسلمين فلا يعرفونه ، فيقول : أتعرفونى؟ فيقولون كلهم : لا ، والله. فيقول : إنما برحت الساعة ، وقد نسيتموني فيقول : أنا أبو سلمة ، أبشروا بمثله يا معشر الإخوان ، لقد حاسبني ربى حسابا يسيرا ، وأكرمنى ، فذلك قوله : («فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً» وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ) يقول إلى قومه (مَسْرُوراً) ـ ٩ ـ ، فيعطى كتابه بيمينه «... فيقول هاؤم اقرءوا كتابية ، إني ظننت أني ملاق حسابيه» (٢) إلى آخر القصة ، ثم ينادى مناد «بالأسود ابن عبد الأسد (٣)» «أخى (٤)» عبد الله المؤمن فيريد الشقي أن يدنو ، فينتهرونه ، ويشق صدره حتى يخرج قلبه من وراء ظهره من بين كتفيه ، «ويعطى (٥)» كتابه ، ويجعل كل حسنة عملها فى دهره فى باطن صحيفته ، لأنه لم يؤمن بالإيمان ، وتجعل سيئاته ظاهر صحيفته ، ويحجب عن الله ـ عزوجل ـ فلا يراه ، ولكن ينادى مناد من عند العرش يذكره مساوئه ، فكلما ذكر مساوئه

__________________

(١) فى أ ، ف : «الناس» ، أقول قال ـ تعالى ـ : (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) سورة الناس : ٦.

(٢) سورة الحاقة : ١٩ ـ ٢٠.

(٣) فى أ : «بالأسود بن عبد الأسود» ، وفى ف : «بالأسود بن عبد الله بن الأسد».

(٤) فى أ : «أخو» ، وفى ف : «أخى».

(٥) فى أ : «فيعطيه».

٦٣٧

قال : أنا أعرف هذا ، لعنه الله ، فتجيء اللعنة من عند الله ـ عزوجل ـ ، حتى تقع عليه ، فيلطخ باللعنة ، فيصير جسده مسيرة شهر فى طول مسيرة ثلاثة أيام ولياليهن ، ورأسه مثل الأقرع ، وهو جبل عظيم بالشام وأنيابه مثل أحد ، وحدقتاه مثل جبل [٢٣٤ ب] حراء ، الذي بمكة ، ومنخره مثل «الووقين (١)» وهما جبلان ، وشعره فى الكثرة مثل الأجمة ، وفى الطول مثل القصب ، وفى الغلظ مثل الرماح ، «ويوضع (٢)» على رأسه تاج من نار ، ويلبس جبة من نحاس ذائب ، ويقلد «حجرا (٣)» من كبريت ، مثل الجبل «تشتعل (٤)» فيه النار ، وتغل يداه إلى عنقه ، ويسود وجهه ، وهو أشد سوادا من القبر ، فى ليلة مظلمة ، وتزرق عيناه : فيرجع إلى إخوانه ، فأول ما يرونه يفزع منه الخلائق حتى «يمسكوا (٥)» على آنافهم من شدة نتنه ، فيقولون : لقد أهان الله هذا العبد ، لقد أخزى الله هذا العبد ، فينظرون إلى كتابه ، فإذا سيئاته ظاهرة وليس له من الحسنات شيء. يقولون : أما كان لهذا العبد فى الله ـ عزوجل ـ حاجة ، «ولا خافه (٦)» يوما قط ، ولا ساعة ، فحق «لهذا (٧)» العبد ، إذ «أخزاه (٨)» الله وعذبه ، «فتلعنه الملائكة أجمعون (٩)» ، «فإذا رجع إلى الموقف لم يعرفه أصحابه (١٠) ،

__________________

(١) الورقين : مثنية ورق وهو اسم لجبل.

وفى أ : «مثل الورقان وهما جبلان» ، وفيه خطأ نحوي فإن الورقين مثنى مضاف إليه مجرور بالباء

(٢) فى أ : «فيوضع».

(٣) فى أ : «حجر».

(٤) فى أ : «تشعل».

(٥) فى أ : «يمسكون».

(٦) فى أ : «لا حاجة» ، وفى ف : «ولا خافه».

(٧) فى أ : «هذا» ، وفى ف : «لهذا».

(٨) فى أ : «أخزاه» ، وفى ف : «جزاء».

(٩) «فتلعنه الملائكة أجمعون» : من ف ، وليست فى أ.

(١٠) «فإذا رجع إلى الموقف لم يعرفه أصحابه» : من ف ، وليست فى أ.

٦٣٨

فيقول : أما تعرفوني؟ قالوا : لا والله ، فيقول : أنا الأسود بن عبد «الأسد (١)» ، فينادى بأعلى صوته فيقول : «... يا ليتني لم أوت كتابيه ، ولم أدر ما حسابيه ، يا ليتها كانت القاضية ، ما أغنى عني ماليه» (٢).

يقول يا ليت كان الموت أن أموت فأستريح من هذا البلاء ، هلك عنى حجتي اليوم ، ثم يقول الويل ، فيبشر أخوه المؤمنين ، ويبشر هذا الكفار ، فذلك قوله ـ تعالى ـ : (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ) ـ ١٠ ـ (فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً) ـ ١١ ـ (وَيَصْلى سَعِيراً) ـ ١٢ ـ يقول يدعو بالويل ويدخل النار ، يقول : (إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً) ـ ١٣ ـ يقول فى قومه كريما ، قال فيذله الله ـ عزوجل ـ يوم القيامة ، قال : (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) ـ ١٤ ـ يقول أن لن يبعث ، الله ـ تعالى ـ : (بَلى «إِنَ) (٣) (» رَبَّهُ كانَ) يقول الذي خلقه (بِهِ بَصِيراً) ـ ١٥ ـ إنه شهيد لعمله ، ثم أقسم الرب ـ عزوجل ـ فقال : (فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ) ـ ١٦ ـ فأما الشفق فهو الضوء الذي يكون بعد غروب الشمس إلى أن تغيب ، قال : (وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ) ـ ١٧ ـ يقول «ما ساق (٤)» من الظلمة (وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ) ـ ١٨ ـ فى ليلة «ثلاث عشرة ، وأربع عشرة ، وخمس عشرة (٥)» ، فهن البيض ، فهو يستوي فى الشهر ثلاث ليال يشتد ضوءه ، ويجتمع من «ثلاث عشرة (٦)» ، فأقسم الله

__________________

(١) فى أ : «الأسود» ، وفى ف : «الأسد».

(٢) سورة الحاقة : ٢٥ ـ ٢٨.

(٣) فى أ : «أنه».

(٤) فى أ ، ف : «ساق».

(٥) فى أ : «ليلة ثلاثة عشر ، وأربعة عشر ، وخمسة عشر».

(٦) فى أ ، ف : «ثلاثة عشر».

٦٣٩

ـ عزوجل ـ بالشفق ، والليل وما وسق ، والقمر إذا اتسق (لَتَرْكَبُنَ) : هذا العبد (طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) ـ ١٩ ـ يقول حالا بعد حال يقول خلقا من نطفة ، ثم صارت النطفة علقة ، ثم صارت العلقة مضغة ، ثم صارت إنسانا ميتا ، فى بطن أمه ، حتى نفخ فيه الروح ، ثم صار إنسانا حيا ، ثم أخرجه الله ـ تعالى ـ من بطن أمه ، فكان طفلا ، ثم يبلغ أشده ، ثم شاخ وكبر ، ثم مات ولبث فى قبره [٢٣٥ أ] حتى صار ترابا ، ثم أنشأه الله ـ عزوجل ـ بعد ذلك يوم القيامة ، قال : (فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) ـ ٢٠ ـ بالبعث. «وقد كانوا من قبل هذا الذي وصفته (١)» (وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ) ـ ٢١ ـ وذلك أن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قرأ ذات يوم «... واسجد واقترب» (٢) فسجد وسجد المؤمنون معه ، وكانت قريش يصفقون فوق رؤوسهم ويصفرون وكان الذي يصفر قريب القرابة من رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، فذلك قوله «وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية» (٣) فلما سجد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لم يسجدوا وسخروا منه ، وكان إذا قرأ آذوه بالصفير والتصفيق ، فأنزل الله ـ عزوجل ـ (فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ، وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ) ثم قال : (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا) يقول لكن الذين كفروا (يُكَذِّبُونَ) ـ ٢٢ ـ (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ) ـ ٢٣ ـ يقول بما يجمعون عليه من الإثم والفسوق (فَبَشِّرْهُمْ) يا محمد (بِعَذابٍ أَلِيمٍ) ـ ٢٤ ـ يقول عذاب وجيع لأهل مكة كلهم ، ثم استثنى لعلم قد سبق فقال : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) ـ ٢٥ ـ.

__________________

(١) فى أ : وكانوا من قبل هذا الذي وصفته ، والمثبت من ف.

(٢) سورة العلق : ٣٥.

(٣) سورة الأنفال : ٣٥.

٦٤٠