تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٦٧

سورة البروج

٦٤١
٦٤٢

(٨٥) سورة البروج مكية

وآياتها ثنتان وعشرون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (١) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (٢) وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (٣) قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (٤) النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ (٥) إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ (٦) وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (٧) وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٨) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٩) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ (١٠) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (١١) إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (١٢) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٦) هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (١٧) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (١٨) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩) وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ (٢٠) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (٢٢))

٦٤٣
٦٤٤

[سورة البروج (١)]

سورة البروج مكية عددها «اثنتان (٢)» وعشرون آية كوفى (٣).

__________________

(١) معظم مقصود السورة :

القسم على أصحاب الأخدود ، وكمال ملك الله ، وبيان ثواب المؤمنين وعذاب الكافرين ، وما أعده الله للمطيع والعاصي ، والإشارة إلى هلاك فرعون وثمود.

(٢) فى أ : «اثنان».

(٣) فى المصحف : (٨٥) سورة البروج مكية وآياتها (٢٢) نزلت بعد سورة الشمس.

٦٤٥
٦٤٦

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

قوله : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ) ـ ١ ـ يقول والسماء ذات النجوم ، نظيرها فى («تَبارَكَ) (١) (الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً») يقول جعل فى السماء نجوما ، (وَجَعَلَ فِيها سِراجاً) وهي الشمس «وقما منيرا» (٢).

وقوله ـ تعالى ـ : (وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ) ـ ٢ ـ يقول هو يوم القيامة الذي وعد الله ـ عزوجل ـ أولياءه الجنة ، وأعداءه النار ، فذلك قوله : «واليوم الموعود» (٣).

(وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) ـ ٣ ـ يقول يوم النحر ، «والفطر (٤)» ، ويوم الجمعة ، فهذا قسم «إن بطشربك لشديد» (٥) ، قوله : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) ـ ٤ ـ وذلك أن يوسف بن «ذى (٦)» نواس من أهل نجران كان حفر «خدا (٧)» وأوقد فيه النار فمن تكلم منهم بالتوحيد أحرقه بالنار ، وذلك «أنه (٨)» كان قد آمن من قومه ثمانون رجلا وتسع نسوة فأمرهم أن يرتدوا عن الإسلام فأبوا فأخبرهم أنه سيعذبهم بالنار فرضوا

__________________

(١) كذا فى أ ، ف وكان الأنسب نظيرها فى «تبارك» (الفرقان) ، (تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً).

(٢) سورة الفرقان : ٦١.

(٣) فى أ : (قوله : «واليوم والموعود») ، وفى ف : (فذلك قوله : (وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ))

(٤) «الفطر» : ساقطة من أ : وهي من ف.

(٥) سورة البروج : ١٢.

(٦) فى أ ، ف : «ذا».

(٧) فى أ : «جرفا» ، وفى ف : «خدا».

(٨) فى أ : «أنه» ، وفى ف : «أنهم».

٦٤٧

لأمر الله ـ عزوجل ـ فأحرقهم كلهم ، فلم يزل ياقى واحدا بعد واحد فى النار حتى مرت امرأة ومعها صبي لها صغير يرضع فلما نظرت المرأة إلى ولدها أشفقت عليه ، فرجعت «فعرضوا (١)» عليها أن تكفر فأبت فضربوها حتى رجعت فلم تزل ترجع مرة ، وتشفق مرة ، حتى تكلم الصبى فقال لها : يا أماه [٢٣٥ ب] إن بين يديك نارا لا تطفأ أبدا ، فلما سمعت قول الطفل «أحضرت (٢)» حتى ألقت نفسها فى النار ، فجعل الله ـ عزوجل ـ أرواحهم فى الجنة ، وأوحى الله ـ تبارك وتعالى ـ إلى نبيه «محمد (٣)» ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) يوسف بن «ذى (٤)» نواس وأصحابه ، ثم ذكر مساوئهم فقال : (النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ) ـ ٥ ـ (إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ) ـ ٦ ـ يعنى أصحابه قعود على «شفة (٥)» الخد (وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ) ـ ٧ ـ قال كانوا يعرفون أن يوسف بن ذى نواس ليس يعذب «إلا بالإيمان (٦)». ثم قال يتعجب من سوء صنيعهم ، فقال : (وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ) يقول وأى ريبة رأوا منهم؟ «ما عذبهم (٧)» (إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ) فى نقمته (الْحَمِيدِ) (٨) ـ ٨ ـ «الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (٩)» (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من السر والعلانية (شَهِيدٌ) ـ ٩ ـ ، ثم قال : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ)

__________________

(١) فى أ : «فأعرضوا».

(٢) كذا فى أ ، ف ، والمعنى جاءت أو أحضرت نفسها.

(٣) فى أ ، وف : «محمدا».

(٤) فى أ ، ف : «ذا».

(٥) فى أ : «شبه» ، وفى ف : «شفة».

(٦) كذا فى أ ، ف ، والأنسب «إلا على الإيمان» : أى لا يعذب إلا المؤمنين حتى يتركوا إيمانهم.

(٧) كذا فى أ ، ف ، والأنسب : «ما عذبوهم».

(٨) فى أ ، ف : («الحميد» فى السموات)

(٩) (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : ساقط من أ ، ف.

٦٤٨

نظيرها فى سورة «والذاريات ذروا (١)» يقول : «يوم هم على النار يفتتون» (٢) يعنى يحرقون ، ثم قال : (ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا) من ذلك (فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ) ـ ١٠ ـ ، ثم قال : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) وشهدوا أن لا إله إلا الله فهو الصالحات ، نظيرها حين قال الله ـ عزوجل ـ «... إليه يصعد الكلم الطيب ...» (٣) فهو الحمد لله ، وسبحان الله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، يقول يصعد ذلك إليه كله بشهادة أن لا إله إلا الله ، ولو لا هذا ما ارتفع لابن آدم عمل أبدا ، ثم قال : (لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) يقول البساتين تجرى من تحتها الأنهار وهي العيون خالدين فيها ما دامت الجنة فهم دائمون أبدا ، ثم قال : (ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ) ـ ١١ ـ يقول هذا النجاء الكبير ، يقول من زحزح عن النار ، وأدخل الجنة فقد نجا نجاء عظيما ، ثم رجع إلى قسمه الذي كان أقسم فى أول السورة فقال : (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) ـ ١٢ ـ يقول إن عذاب ربك لشديد يقول إذا غضب بطش ، وإذا بطش أهلك ، ثم عظم الرب ـ عزوجل ـ نفسه فقال : (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) ـ ١٣ ـ يقول بدأ خلق النفس من نطفة ميتة ويحيه ، ثم يعيده يوم القيامة من ذلك التراب ، ثم قال : (وَهُوَ الْغَفُورُ) للذنوب الكبائر لمن تاب منها (الْوَدُودُ) ـ ١٤ ـ يقول الشكور للعمل الصالح القليل إذا رضوه ، يقول اشكر العمل اليسير حتى «أضاعفه (٤)» للواحد «عشرة (٥)» فصاعدا ، ثم عظم الرب ـ تبارك وتعالى ـ نفسه فقال : (ذُو الْعَرْشِ) فإنه ما خلق الله ـ عزوجل ـ خلقا أعظم من العرش لأن السموات «والأرض (٦)» قد «غابتا (٧)» تحت العرش [٢٣٦ أ]

__________________

(١) سورة الذاريات : ١.

(٢) الذاريات : ١٣.

(٣) سورة فاطر : ١٠.

(٤) فى أ ، ف : «أضعفه».

(٥) كذا فى أ ، فى والأنسب : «عشرا» ولعله لاحظ معنى : «الحسنة عشرة».

(٦) من ف ، وليست فى أ.

(٧) فى أ : «قد غابا» ، وفى ف : «قد غابتا».

٦٤٩

كالحلقة فى الأرض الفلاة ، ثم قال : (الْمَجِيدُ) ـ ١٥ ـ الجواد الكريم (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) ـ ١٦ ـ يقول ليس يريد شيئا إلا فعله ، يقول إن العبد يفرق من سيده أن يفعل ما يشاء ، والسيد يفرق من أميره الذي هو عليه ، والأمير يفرق من الملك ، والملك يفرق من الله ـ عزوجل ـ ، والله ـ عزوجل ـ لا يفرق من أحد أن يفعل (١). فذلك قوله ـ تعالى ـ : («فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ» هَلْ) يعنى قد (أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ) ـ ١٧ ـ فى القرآن (فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ) ـ ١٨ ـ قد عرفت ما فعل الله ـ عزوجل ـ بقوم فرعون ، حيث ساروا فى طلب موسى ـ عليه‌السلام ـ وبنى إسرائيل وكانوا ألف ألف وخمسمائة ألف ، فساقهم الله ـ تعالى ـ بآجالهم إلى البحر ، فغرقهم الله أجمعين فمن الذي جاء يخاصمني فيهم ، قال : «وثمود» وهم قوم صالح حيث عقروا الناقة وكذبوا صالحا ، «ثم (٢)» تمتعوا فى دارهم ثلاثة أيام ، فجاءهم العذاب يوم السبت غدوة حين نهضت الشمس ، «... فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ (٣) بِذَنْبِهِمْ (٤)» وجبريل ـ عليه‌السلام ـ الذي كان دمدم ، لأنه صرخ صرخة فوقع بيوتهم عليهم فسواها ، يقول فسوى البيوت على قبورهم ، لأنهم لما استيقنوا بالهلكة عمدوا فحفروا قبورا فى منازلهم ، وتحنطوا بالمر والصبر ، قال : «فسواها» (٥) يقول استوت على قبورهم ، قال فهل جاء أحد يخاصمني فيهم ، فذلك قوله : «ولا يخاف عقباها» (٦) قال فاحذروا يا أهل مكة فأنا المجيد الحق الذي ليس فوقى أحد ، ثم

__________________

(١) كذا فى أ ، ف ، والمعنى ، أن يفعل ما يشاء.

(٢) «ثم» : زيادة اقتضاها السياق.

(٣) أى رسول ربهم.

(٤) (بِذَنْبِهِمْ) : ساقطة من أ ، ف.

(٥) سورة الشمس : ١٤.

(٦) سورة الشمس : ١٥.

٦٥٠

استأنف فقال : (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ) ـ ١٩ ـ يقول لكن يا محمد الذين كفروا لا يؤمنون ، فلما قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ذلك ، وقرأ عليهم سأله رجل من جلسائه عن علم الله ـ عزوجل ـ فى عباده : «شيء (١)» بدا له من بعد ما خلقهم ، أو كان قبل أن يخلقوا؟ فأنزل الله ـ عزوجل ـ (وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ) (٢) ـ ٢٠ ـ (بَلْ هُوَ) يعنى لكن هو (قُرْآنٌ مَجِيدٌ) ـ ٢١ ـ يقول هو قرآن مجيد ، «يقول هو كتاب مجيد (٣)» (فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) ـ ٢٢ ـ قبل أن يخلقوا ، وأن الله ـ عزوجل ـ قد فرغ من علم عباده ، وعلم ما يعملون قبل أن يخلقهم ولم يجبرهم على المعصية.

__________________

(١) فى أ : «سائرا» ، وفى ف : «شيء» ، والأنسب : «هل هو شيء».

(٢) الآية (٢٠) ساقطة من أ ، ف مع تفسيرها ، وفى الجلالين : («محيط» لا عاصم لهم منه) ، وفى القرطبي : («محيط» لا يفوته كما لا يفوت المحاط المحيط)

(٣) «يقول هو كتاب مجيد» : من ف ، وفى أ : «يقول كان محكم» ، أقول وهي مصحفة.

٦٥١
٦٥٢

سورة الطّارق

٦٥٣
٦٥٤

(٨٦) سورة الطارق مكية

وآياتها سبع عشرة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ (١) وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ (٢) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (٣) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ (٤) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ (٧) إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ (٩) فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ (١٠) وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ (١٢) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (١٣) وَما هُوَ بِالْهَزْلِ (١٤) إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (١٥) وَأَكِيدُ كَيْداً (١٦) فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً (١٧))

٦٥٥
٦٥٦

[سورة الطارق (١)]

سورة الطارق مكية عددها «سبع عشرة (٢)» آية كوفى (٣).

__________________

(١) مقصود السورة :

القسم على حفظ أحوال الإنسان ، والحبر عن حاله فى الابتداء والانتهاء ، وكشف الأسرار فى يوم الجزاء» والقسم على أن كلمات القرآن جزل ، غير هزل. من غير امتراء ، والأمر بإمهال الكافرين ، فى قوله : (... أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) سورة الطارق : ١٧.

(٢) فى أ : «تسعة عشر».

(٣) فى المصحف : (٨٦) سورة الطارق مكية وآياتها (١٧) نزلت بعد سورة البلد.

تفسير مقاتل بن سليمان ج ٤ ـ م ٤٢

٦٥٧
٦٥٨

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ) ـ ١ ـ (وَما أَدْراكَ) يا محمد (مَا الطَّارِقُ) ـ ٢ ـ فسرها له؟ فقال : (النَّجْمُ الثَّاقِبُ) ـ ٣ ـ يعنى المضيء (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) ـ ٤ ـ وذلك أن الله ـ عزوجل ـ خلق [٢٣٦ ب] النجوم ثلاثة «نجوم (١)» يهتدى بها ، ونجوم رجوم للشياطين ، ونجوم مصابيح الأرض ، فأقسم الله ـ عزوجل ـ بها ، فقال : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ) ما من نفس «لَمَّا (٢) عَلَيْها حافِظٌ» من الملائكة يكتبون حسناته وسيئاته ، قال : فإن «لا (٣)» يصدق هذا الإنسان بالبعث (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ) ـ ٥ ـ قال : (خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ) ـ ٦ ـ ثم فسر الماء الدافق ، فقال : إنه خلق من ماء الرجل ، والمرأة «والتصق (٤)» بعضه على بعض فخلق منه (يَخْرُجُ) ذلك الماء (مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ) ـ ٧ ـ يقول من بين صلب الرجل وترائب المرأة ، والترائب موضع القلادة فأما ماء الرجل فإنه أبيض غليظ منه العصب والعظم ، «وأما (٥)» ماء المرأة فإنه أصفر رقيق منه اللحم والدم والشعر (إِنَّهُ) الرب ـ تبارك وتعالى ـ الذي خلقه من ماء دافق (عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ) (٦) ـ ٨ ـ قادر على أن يبعثه يوم القيامة (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ)

__________________

(١) فى أ : «نجوما» ، وفى ف : «نجم» ، وتكرر ذلك فى الاثنين الآخرين.

(٢) فى أ ، ف : «إلا» ، وفى الآية : «لما».

(٣) «لا» : ساقطة من أ ، وهي من ف.

(٤) فى أ ، ف : «التزق».

(٥) «وأما» : ساقط من أ ، ف.

(٦) (عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ) : ساقطة من أ ، ف.

٦٥٩

ـ ٩ ـ يوم تختبر السرائر كل سريرة من الذنوب عملها ابن آدم ، فلم يطلع عليها أحد إلا الله من الصوم ، والصلاة ، والاغتسال من الجنابة ، والري سرا فيخبره فيفتضح يومئذ صاحبه (فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ) : يمتنع من الله بقوته (وَلا) له (ناصِرٍ) ـ ١٠ ـ ينصره من الله ـ تعالى ـ ، ثم أقسم الله ـ تعالى ـ فقال : (وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ) ـ ١١ ـ ذات المطر (وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ) ـ ١٢ ـ بالنبات (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ) ـ ١٣ ـ يقول إن الذي وصفته فى هذه السورة لقول فصل ، يقول لهو قول الحق ، ثم قال : (وَما هُوَ بِالْهَزْلِ) ـ ١٤ ـ يقول وما هو باللعب ، ثم انقطع الكلام ، وأما قوله : (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً) ـ ١٥ ـ (وَأَكِيدُ كَيْداً) ـ ١٦ ـ (فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) ـ ١٧ ـ فإنهم لما رأوا النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قد أظهر الإيمان ، وآمن عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ ، فلما آمن عمر ، قال بعضهم لبعض : ما نرى أمر محمد إلا يزداد يوما بيوم ، ونحن فى نقصان لا شك ، لأنه والله يفوق جمعنا وجماعتنا ، ويكثر ونقل ولا شك ، إلا أنه سيغلبنا فيخرجنا من أرضنا ، ولكن قوموا بنا حتى نستشير فى أمره فدخلوا دار الندوة منهم عتبة بن ربيعة ، وأبو جهل بن هشام ، والوليد بن المغيرة ، وأبو البختري بن هشام ، وعمرو بن عمير بن مسعود الثقفي ، فلما دخلوا دخل معهم إبليس فى صورة رجل شيخ فنظروا إليه فقالوا : يا شيخ من أدخلك علينا؟ ومن أنت؟ قد علمت أنا قد دخلنا هاهنا فى أمر ما نريد أن يعلم به أحد. قال إبليس : إنى والله ، لست من أرض تهامة ، وإنى رجل من الأزد ، ويقال من نجد قدمت من اليمن ، وأنا أريد العراق ، فى طلب حاجة ، ولكني رأيتكم حسنة وجوهكم ، طيبة رائحتكم فأحببت أن أستريح وأسمع من أحاديثكم [٢٣٧ أ]. فقال بعضهم لبعض : لا بأس علينا منه إنه والله ، ليس من أرض تهامة. قالوا :

٦٦٠