تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٦٧

سورة الملك

٣٨١
٣٨٢

(٦٧) سورة الملك مكية

وآياتها ثلاثون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (٢) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ (٣) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ (٤) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ (٥) وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٦) إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (٧) تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨) قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (٩) وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ (١٠) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ (١١) إِنَّ الَّذِينَ

٣٨٣

يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١٢) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١٣) أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (١٥) أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ (١٦) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (١٧) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (١٨) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (١٩) أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إِنِ الْكافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ (٢٠) أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (٢١) أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٢) قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٢٣) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا

٣٨٤

نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٦) فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (٢٧) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٨) قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ (٣٠))

٣٨٥
٣٨٦

[سورة الملك (١)]

سورة الملك مكية عددها ثلاثون آيه (٢).

__________________

(١) معظم مقصود السورة.

بيان استحقاق الله الملك ، وخلق والحياة والموت للتجربة ، والنظر إلى السموات للعبرة ، اشتعال النجوم والكواكب للزينة ، وما أعد للمنكرين : من العذاب والعقوبة ، وما وعدته المتقين : من الثواب ، والكرامة وتأخير العذاب عن المستحقين بالفضل والرحمة ، وحفظ الطيور فى الهواء بكمال القدرة واتصال الرزق إلى الخلوقة ، بالنوال والمنعة وبين حال آهل الضلالة ، والهداية ، وتعجل الكفار بمجيء ، القيامة ، وتهديد المشركين بزوال النعمة بقوله : (... فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ). سورة الملك : ٣٠.

ولها فى القرآن والسنن سبعة أسماء سورة الملك لمفتتحها ، والمنجية ، لأنها تنجى قارئها من العذاب المانعة لأنها تمنع قارئها من عذاب القبر ـ وهذا الأمم فى التوراة ـ والدافعة لأنها تدفع بلاء الدنيا وعذاب الاخرة من قارئها : والشافعة لأنا تشفع فى القيامة لقارئها ، والمجادلة لأنها يجادل منكرا ونكيرا فتناظرهما كيلا يؤذيا قارئها ، السابع المخلصة لأنها تخاصم زبانية جهنم ، لئلا يكون لهم يد على قارئها.

(٢) فى الصحف ، (٦٧) سورة الملك مكية وآياتها ٣٠ نزلت بعد سورة الطور.

٣٨٧
٣٨٨

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

قوله : (تَبارَكَ) يعنى افتعل البركة (الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) أراده (قَدِيرٌ) ـ ١ ـ (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ) فيميت الأحياء ويحيى الموتى من نطفة ، ثم علقة ، ثم ينفخ فيه الروح ، فيصير حيا ، قوله ـ تعالى ـ : (لِيَبْلُوَكُمْ) يعنى ليختبركم بها (أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً).

حدثنا عبد الله بن ثابت قال : حدثني أبى قال : حدثني أبى قال : حدثنا أبو صالح قال : أخبرنى مقاتل بن سليمان «عن الضحاك بن مزاحم (١)» ، عن عبد الله ابن عباس قال : «أيكم» أتم للفريضة (وَهُوَ الْعَزِيزُ) فى ملكه ، فى نقمته لمن عصاه ، (الْغَفُورُ) ـ ٢ ـ لذنوب المؤمنين.

ثم أخبر عن خلقه ليعرف بتوحيده فقال : (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ) فى يومين (طِباقاً) بعضها فوق بعض بين كل سماءين مسيرة خمسمائة سنة وغلظ كل سماء مسيرة خمسمائة سنة ، قوله : (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) يقول ما ترى ابن آدم فى خلق السموات من عيب (فَارْجِعِ الْبَصَرَ) يعنى أعد البصر ثانية إلى السماوات (هَلْ تَرى) ابن آدم فى السموات (مِنْ فُطُورٍ) ـ ٣ ـ يعنى «من فروج (٢)» (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) يقول [٢٠٣ ب] أعد البصر الثانية (يَنْقَلِبْ) يعنى يرجع (إِلَيْكَ) ابن آدم (الْبَصَرُ خاسِئاً) يعنى

__________________

(١) فى أ : «عن الضحاك عن ابن مزاحم».

(٢) فى أ : «من فرج» ، وفى ف : «من فروج».

٣٨٩

إذا اشتد البصر يقع فيه الماء : «خاسئا» يعنى صاغرا (وَهُوَ حَسِيرٌ) ـ ٤ ـ يعنى كالا منقطعا لا يرى فيها عيبا ولا فطورا.

قوله : (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا) لأنها أدنى السموات وأقربها من الأرض من غيرها (بِمَصابِيحَ) وحفظا يعنى الكواكب (وَجَعَلْناها) يعنى الكواكب (رُجُوماً) يعنى رميا (لِلشَّياطِينِ) يعنى إذا ارتقوا إلى السماء (وَأَعْتَدْنا لَهُمْ) يعنى للشياطين (عَذابَ السَّعِيرِ) ـ ٥ ـ يعنى الوقود (وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ) وأعتدنا للذين كفروا بتوحيد الله ، لهم فى الآخرة (عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) ـ ٦ ـ حيث يصيرون إليها ، قوله : (إِذا أُلْقُوا فِيها) يعنى فى جهنم اختطفتهم الخزنة بالكلاليب (سَمِعُوا لَها شَهِيقاً) يعنى مثل نهيق الحمار (وَهِيَ تَفُورُ) ـ ٧ ـ يعنى تغلى (تَكادُ تَمَيَّزُ) تفرق جهنم عليهم (مِنَ الْغَيْظِ) على الكفار تأخذهم ، ثم قال : (كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ) يعنى زمرة (١) اختطفتهم (٢) الخزنة بالكلاليب ، يعنى مشركي العرب واليهود والنصارى والمجوس ... وغيرهم (سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها) خزان جهنم (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) ـ ٨ ـ يعنى رسول وهو محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (قالُوا) للخزنة : (بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا) بالنذير يعنى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (وَقُلْنا) (٣) للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) يعنى ما أرسل الله من أحد يعنى من نبى ، وقالوا للرسول ، محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، ما بعث الله من رسول (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ) يعنى إلا فى شقاق (كَبِيرٍ)

__________________

(١) محرفة فى أ.

(٢) فى أزيادة : «تلفتهم».

(٣) فى أ : «وقالوا» ، وفى حاشية أ : الآية «وقلنا».

٣٩٠

ـ ٩ ـ (وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ) المواعظ (ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ) ـ ١٠ ـ يقول الله ـ تعالى ـ : (فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ) يعنى بتكذيبهم الرسل (فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ) ـ ١١ ـ يعنى الوقود ، ثم أخبر الله ـ تعالى ـ عن المؤمنين ، وما أعد لهم فى الآخرة فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) ولم يروه ، فآمنوا (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) لذنوبهم (وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) ـ ١٢ ـ يعنى جزاء كبيرا فى الجنة (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ) فى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى القلوب (أَوِ اجْهَرُوا بِهِ) يعنى أو تكلموا به علانية يعنى به كفار مكة (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) ـ ١٣ ـ يعنى بما فى القلوب ، ثم قال : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ) يقول أنا خلقت السر فى القلوب ، ألا أكون عالما بما أخلق من السر فى القلوب (وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) ـ ١٤ ـ يعنى لطف علمه بما فى القلوب ، خبير بما «فيها (١)» من السر والوسوسة ، قوله : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً) يقول أثبتها بالجبال لئلا تزول بأهلها (فَامْشُوا) يعنى فمروا (فِي مَناكِبِها) يعنى فى نواحيها وجوانيها آمنين كيف شئتم (وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) الحلال (وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) ـ ١٥ ـ يقول إلى الله [٢٠٤ أ] تبعثون من قبوركم أحياء بعد الموت ، ثم خوف كفار مكة فقال : (أَأَمِنْتُمْ) عقوبة (مَنْ فِي السَّماءِ) يعنى الرب ـ تبارك وتعالى ـ نفسه لأنه فى السماء العليا (أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ) ـ ١٦ ـ يعنى فإذا هي تدور بكم إلى الأرض السفلى ، مثل قوله : «يوم تمور السماء مورا» (٣) ، ثم قال :

__________________

(١) فى أ ، ف : والضمير يعود على القلب. والأنسب : فيها ، ليعود على القلوب المذكور قبله.

(٢) سورة الطور : ٩.

٣٩١

(«أَمْ) (١) (» أَمِنْتُمْ) عقوبة (مَنْ فِي السَّماءِ) يعنى الرب ـ عزوجل ـ (أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً) يعنى الحجارة من السماء كما فعل بمن كان قبلكم من كفار العرب الخالية قوم لوط وغيره (٢) (فَسَتَعْلَمُونَ) يا أهل مكة عند نزول العذاب (كَيْفَ نَذِيرِ) ـ ١٧ ـ يقول كيف عذابي (وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يعنى قبل كفار مكة من الأمم الخالية رسلهم فعذبناهم (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) ، ـ ١٨ ـ يعنى تغييرى وإنكارى «ألم يجدوا (٣)» العذاب حقا ، يخوف كفار مكة ، ثم وعظهم ليعتبروا فى صنع الله فيوحدونه ، فقال : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ) يعنى الأجنحة (وَيَقْبِضْنَ) الأجنحة «حين (٤)» يردن أن يقعن (ما يُمْسِكُهُنَ) عند القبض والبسط (إِلَّا الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ) من خلقه (بَصِيرٌ) ـ ١٩ ـ ، ثم خوفهم فقال : (أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ) يعنى حزب (لَكُمْ) يا أهل مكة ، يعنى «فهابوه (٥)» (يَنْصُرُكُمْ) يقول يمنعكم (مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ) إذا نزل بكم العذاب (إِنِ) يعنى ما (الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ) ـ ٢٠ ـ يقول فى باطل ، الذي ليس بشيء ، ثم قال يخوفهم ليعتبروا : («أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ) (٦) من المطر من الآلهة غيرى (إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ) عنكم فهاتوا المطر يقول الله ـ تعالى ـ أنا الرزاق ،

__________________

(١) «أم» : ساقطة من أ.

(٢) معنى وغيره : أى وغير قوم لوط من أقوام الأنبياء ، وكان الأنسب : «وغيرهم».

(٣) فى الأصل : «أليس وجدوا».

(٤) فى أ : «حتى» ، والأنسب : «حين».

(٥) فى ف : «فهانوه» ، وفى أ : «فهابوه».

(٦) (أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ) : ساقطة من أ ، مع تفسيرها.

٣٩٢

قال : (بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ) يعنى تمادوا فى الكفر (وَنُفُورٍ) ـ ٢١ ـ يعنى تباعد من الإيمان قوله : (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ) يعنى الكافر يمشى ضالا فى الكفر أعمى القلب ، يعنى أبا جهل بن هشام ، (أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا) يعنى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «مؤمنا مهتديا ، نقى القلب (١)» (عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ـ ٢٢ ـ يعنى طريق الإسلام (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ) يعنى خلقكم (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) يعنى القلوب (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) ـ ٢٣ ـ يعنى بالقليل ، «أنهم قوم (٢)» لا يعقلون ، «فيشكروا (٣)» رب هذه النعم البينة فى حسن خلقهم «فيوحدونه (٤)» (قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ) يعنى خلقكم فى الأرض (وَإِلَيْهِ) يعنى إلى الله (تُحْشَرُونَ) ـ ٢٤ ـ فى الآخرة فيجزيكم بأعمالكم ، قوله : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) يقول متى هذا الذي توعدنا به فأنزل الله ـ عزوجل ـ («وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ» إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ـ ٢٥ ـ بأن العذاب نازل بنا فى الدنيا ، يقول الله ـ تعالى ـ لنبيه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (قُلْ) لكفار مكة : (إِنَّمَا الْعِلْمُ) يعنى علم نزول العذاب بكم ببدر (عِنْدَ اللهِ) وليس بيدي (وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ) بالعذاب (مُبِينٌ) ـ ٢٦ ـ ، قوله : (فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً) يعنى النار والعذاب فى الآخرة [٢٠٤ ب] قريبا (سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعنى سيئ لذلك

__________________

(١) فى أ : «مؤمن مهتدى القلب» ، وفى ف : «مؤمنا مهتديا نقى القلب».

(٢) فى أ : «فهؤلاء» ، وفى ف : (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ).

(٣) فى أ : ف : «فيشكرون».

(٤) كذا فى أ ، ف.

٣٩٣

وجوههم (وَقِيلَ) لهم يعنى قالت لهم الخزنة : (هذَا) العذاب (الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ) ـ ٢٧ ـ يعنى تمترون فى الدنيا (قُلْ) الكفار مكة يا محمد : (أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ) يقول إن عذبني الله (وَمَنْ مَعِيَ) من المؤمنين (أَوْ رَحِمَنا) فلم يعذبنا ، وأنعم علينا (فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ) يقول فمن يؤمنكم أنتم (مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) (١) ـ ٢٨ ـ يعنى وجيع (قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ) الذي يفعل ذلك (آمَنَّا بِهِ) يقول صدقنا بتوحيده إن شاء أهلكنا أو عذبنا (وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا) يعنى بالله وثقنا حين قالوا للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «إن أنتم إلا فى ضلال مبين» فرد عليهم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (فَسَتَعْلَمُونَ) عند نزول العذاب (مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ـ ٢٩ ـ يعنى باطل ليس بشيء أنحن أم أنتم نظيرها فى طه ، (٢) ثم قال لأهل مكة : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً) يعنى ماء زمزم وغيره «غورا» يعنى غار فى الأرض فذهب فلم تقدروا عليه (فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) ـ ٣٠ ـ يعنى ظاهرا (٣) تناله الدلاء.

__________________

(١) فى أ : العذاب.

(٢) سورة طه : ١٣٥.

(٣) فى أ : «طاهرا» بدون إعجام ، والأنسب «ظاهرا».

٣٩٤

سورة القلم

٣٩٥
٣٩٦

(٦٨) سورة القلم مكية

وآياتها؟؟؟ وخمسون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (١) ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (٣) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤) فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (٥) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (٦) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٧) فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (٨) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (٩) وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ (١٠) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (١١) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ (١٣) أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ (١٤) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٥)

٣٩٧

سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (١٦) إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ (١٧) وَلا يَسْتَثْنُونَ (١٨) فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ (١٩) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (٢٠) فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (٢١) أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (٢٢) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ (٢٣) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (٢٤) وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ (٢٥) فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (٢٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٢٧) قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ (٢٨) قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٢٩) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (٣٠) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ (٣١) عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ (٣٢) كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٣٣) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٣٤) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦) أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (٣٧) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ (٣٨) أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ (٣٩) سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ (٤٠) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ

٣٩٨

فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (٤١) يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ (٤٣) فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (٤٤) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (٤٥) أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٦) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤٧) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨) لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (٤٩) فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٥٠) وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (٥١) وَما هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٥٢))

٣٩٩
٤٠٠