تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٦٧

سورة الفجر

٦٨١
٦٨٢

(٨٩) سورة الفجر مكية

وآياتها ثلاثون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(وَالْفَجْرِ (١) وَلَيالٍ عَشْرٍ (٢) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (٣) وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ (٤) هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (٥) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ (٦) إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ (٧) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ (٨) وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ (٩) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ (١٠) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (١١) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ (١٢) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ (١٣) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ (١٤) فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥) وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (١٦) كَلاَّ بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (١٧) وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (١٨) وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا (١٩) وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا (٢٠) كَلاَّ إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (٢١) وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى (٢٣) يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ

٦٨٣

لِحَياتِي (٢٤) فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ (٢٥) وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ (٢٦) يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠))

٦٨٤

[سورة الفجر (١)]

سورة الفجر مكية عددها ثلاثون آية كوفى (٢)

__________________

(١) معظم مقصود السورة :

تشريف العيد وعرفة ، وعشر المحرم ، والإشارة إلى هلاك عاد ، وثمود ، وأضرابهم ، وتفاوت حال الإنسان فى النعمة ، وحرصه على جمع الدنيا ، والمال الكثير ، وبيان حال الأرض فى القيامة ، ومجيء الملائكة وتأسف الإنسان يومئذ على التقصير ، والعصيان ، وأن مرجع المؤمن عند الموت إلى الرحمة ، والرضوان ، ونعيم الجنان فى قوله : (وَادْخُلِي جَنَّتِي) سورة الفجر : ٣٠.

(٢) فى المصحف : (٨٩) سورة الفجر مكية وآياتها (٣٠) نزلت بعد سورة الليل.

٦٨٥
٦٨٦

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(وَالْفَجْرِ) ـ ١ ـ يعنى غداة جمع يوم النحر (١) (وَلَيالٍ عَشْرٍ) ـ ٢ ـ فهي عشر ليال قبل الأضحى ، وأما سماها الله ـ عزوجل ـ ليال عشر لأنها تسعة أيام وعشر ليال (وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) ـ ٣ ـ أما الشفع : فهو آدم وحواء ـ عليهما‌السلام ـ ، وأما الوتر فهو الله ـ عزوجل ـ (وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) ـ ٤ ـ يعنى إذا أقبل ، وهي ليلة الأضحى ، فأقسم الله بيوم النحر ، والعشر ، وبآدم وحواء ، وأقسم بنفسه ، فلما فرغ منها قال : (هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) ـ ٥ ـ يعنى إن فى ذلك القسم كفاية لذي اللب ، يعنى ذا عقل ، فيعرف عظم هذا القسم ، فأقسم الله «إن ربك لبالمرصاد» (٢).

وأما قوله : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ) ـ ٦ ـ يعنى بقوم هود ، وإنما سماهم قوم هود ، لأن أباهم كان اسمه ابن «سمل (٣)» بن لملك بن سام بن نوح مثل ما تقول العرب ربيعة ومضر وخزاعة وسليم [٢٣٩ أ] وكذلك عاد وثمود ، ثم ذكر قبيلة من قوم عاد ، فقال : (إِرَمَ) وهي قبيلة من قبائلهم اسمها إرم ، ثم قال : (ذاتِ الْعِمادِ) ـ ٧ ـ يعنى ذات الأساطين وهي أساطين «الرهبانيين (٤)» التي تكون فى الفيافي والرمال ، فشبه الله ـ عزوجل ـ طولهم

__________________

(١) فسر الفجر بفجر عرفة ، أو النحر (البيضاوي) ، ومعنى غداة جمع أى صبيحة اليوم التالي ليوم عرفات ، وهو يوم النحر ، وسمى يوم عرفات : جمع لاجتماع الناس فيه على جبل عرفات.

(٢) سورة الفجر : ١٤.

(٣) فى أ : «سمك» ، وفى ف : «سمك» ، أقول : وقد سماهم الله قوم هود لأن هودا أرسل إليهم.

(٤) فى أ : «الرهبانيين» ، وفى ف : «الرهابين».

٦٨٧

إذ كانوا قياما فى البرية «بأنه (١)» مثل العماد ، وكان طول أحدهم ثمانية عشر ذراعا ويقال اثنى «عشر (٢)» ذراعا فى السماء مثل أعظم أسطوانة تكون ، قال : (الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ) ـ ٨ ـ يقول ما خلق الله ـ عزوجل ـ مثل قوم عاد فى الآدميين ، ولا مثل «إرم (٣)» فى قوم عاد ، ثم ذكر ثمود فقال : (وَثَمُودَ) وهو أبوهم ، وبذلك سماهم ، وهم قوم صالح ، فقال : (الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ) ـ ٩ ـ يقول الذين نقبوا الصخر «بالوادي (٤)» وذلك أنهم كانوا يعمدون إلى أعظم جبل «فيثقبونه (٥)» فيجعلونه بيتا ، ويجعلون بابه منها ، وغلقه منها (٦) ، فذلك قوله : «تختون من الجبار بيوتا فارهين» (٧) ثم ذكر فرعون واسمه مصعب بن جبر ، ويقال الوليد بن مصعب فقال : (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ) ـ ١٠ ـ وذلك أنه أوثق الماشطة على أربع قوائم مستلقية ، ثم سرح عليها الحيات والعقارب ، فلم يزلن يلسعنها ويلدغنها (٨) ، ويدخلون من «قبلها (٩)» ويخرجون من فيها حتى ذابت كما يذوب الرصاص لأنها تكلمت بالتوحيد ، وذلك أنها كانت تمشط هيجل بنت فرعون ، فوقع المشط من يدها فقالت : باسم الله «وخيبة (١٠)» لمن كفر بالله فقالت «ابنة (١١)» فرعون. وأى إله هذا الذي

__________________

(١) «بأنه» : ليست فى أ.

(٢) فى أ : «عشرة».

(٣) فى أ : «الإرم» ، وفى ف : «أرم».

(٤) فى أ ، ف : «بالواد».

(٥) فى أ : «فيثقبونها».

(٦) كذا فى أ ، ف : أعاد ، الضمير مؤنثا على الجبل.

(٧) سورة الشعراء : ١٤٩.

(٨) فى أ ، ف : زيادة : «العقارب».

(٩) فى أ : «فيها» ، وفى ف : «قبلها».

(١٠) فى أ : «رحصة» ، وفى ف : وخينة.

(١١) فى أ ، ف : «ابنت».

٦٨٨

تذكرين؟ قالت : إله موسى. فذهبت ، فأخبرت أباها ، فكان من أمرها ما كان ، فذلك قوله : (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ) يقول إنه أوثق امرأة على أربع قوائم من أجل أنها عرفتني ، ثم جمع «عادا (١)» وثمود وفرعون ، فقال (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ) ـ ١١ ـ يعنى الذين عملوا فيها بالمعاصي (فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ) ـ ١٢ ـ يقول فأكثروا فيها المعاصي ، فلما كثرت معصيتهم («فَصَبَ) (٢) (» عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ) ـ ١٣ ـ يعنى نقمته «وكانت (٣)» نقمته عذابا ، ثم رجع إلى قسمه الأول ، فقال : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) ـ ١٤ ـ يعنى بالصراط ، وذلك أن جهنم عليها سبع قناطر ، كل قنطرة مسيرة سبعين عاما ، على كل قنطرة ملائكة قيام ، وجوههم مثل الجمر ، وأعينهم مثل البرق ، «بأيديهم (٤)» «المحاسر (٥)» «والمحاجن (٦)» والكلاليب يسألون فى أول قنطرة عن الإيمان ، وفى الثانية ، يسألون عن الصلوات الحمس ، وفى الثالثة ، يسألون عن الزكاة ، وفى الرابعة ، يسألون عن صوم رمضان ، وفى الخامسة ، يسألون عن حج البيت ، وفى السادسة ، يسألون عن العمرة ، وفى السابعة ، يسألون عن مظالم الناس ، فذلك قوله : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) ، وأما قوله : (فَأَمَّا الْإِنْسانُ) [٢٣٩ ب] (إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ) ـ ١٥ ـ نزلت الآية فى أمية بن خلف الجمحي ، وعبد الله بن نفيل ، أتاه يأمره بالمعروف ، وينهاه عن المنكر ، ويذكره

__________________

(١) فى أ : «عاد» ، وفى ف : «عادا».

(٢) فى أ : «فصب» ، وفى ف : «صب».

(٣) فى أ : «وكان».

(٤) فى أ : «بأوائلهم» ، وفى حاشية أ : «لعله بأيديهم» ، وفى ف : «بأيديهم».

(٥) فى أ : «المحاسر» ، وفى ف : «المحاسك».

(٦) فى أ : «المحاجر» ، وفى ف : «المحاجن».

تفسير مقاتل بن سليمان ج ٤ ـ م ٤٤.

٦٨٩

ذلك ، فقال له أمية بن خلف : ويحك أليس الله يقول : «(ذلك (١)) بأن الله (مولى (٢)) الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم (٣)» قال عبد الله بن نفيل : نعم. قال : فماله أغنانى وأفقرك؟ قال : كذلك أراد الله. قال أمية : بل أغنانى الله لكرامتي عليه ، وأفقرك لهوانك عليه. قال عبد الله بن خطل عند ذلك : لخليق أن يكون الله «فعل (٤)» ذلك ، فأنزل الله ـ تعالى ـ («فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ ، فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ» وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ) ـ ١٦ ـ قال (٥) : يقول كلا ما أغنيت هذا الغنى لكرامته ، ولا أفقرت هذا الفقير لهوانه على ، ولكن كذلك أردت أن أحسن إلى هذا الغنى فى الدنيا ، وأهون على هذا الفقير حسابه يوم القيامة ، ثم قال فى سورة أخرى : «فإن مع العسر يسرا ، إن مع العسر يسرا» (٦) يقول ليس من شدة إلا بعدها رخاء ، ولا رخاء إلا بعده شدة ، ثم انقطع الكلام ، ثم ذكر أمية بن خلف الجمحي ، وذكر مساوئه فقال : (كَلَّا) ما الأمر كما قال أمية بن خلف (بَلْ) يعنى لكن (لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) ـ ١٧ ـ (وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) ـ ١٨ ـ لأنهم لا يرجون بها الآخرة (وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا) ـ ١٩ ـ يعنى تأكلون الميراث أكلا شديدا (وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا) ـ ٢٠ ـ ويجمعون المال جمعا كثيرا ، وهي بلغة مالك بن كنانة ، ثم قال : (كَلَّا) ما يؤمنون بالآخرة وهو وعيد ، وأما قوله : (إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا) ـ ٢١ ـ يعنى إذا تركت فاستوت الجبال مع الأرض الممدودة ، ثم قال :

__________________

(١) (ذلك) : ساقطة من ف ، أ.

(٢) فى أ : (ولى) ، ف : (مولى)

(٣) سورة محمد : ١١.

(٤) فى أ : «يقل» ، وفى ف : «فعل».

(٥) (قال) المفسر أو قال مقاتل ، (يقول) أى يقول الله.

(٦) سورة الشرح : ٥ ـ ٦.

٦٩٠

(وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) ـ ٢٢ ـ وذلك أنه تنشق السموات والأرض ، فتنزل ملائكة كل سماء ، وتقوم ملائكة كل سماء على حدة ، فيجيء الله ـ تبارك وتعالى ـ كما قال : «هَلْ (يَنْظُرُونَ) (١) إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ ... (٢)» ، وكما قال : «هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ (٣) ...» «قياما صفوفا (٤)» ، قال : (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) يجاء بها «من (٥)» مسيرة خمسمائة عام ، عليها «سبعون ألف زمام (٦)» على كل زمام سبعون ألف ملك ، متعلقون بها يحبسونها عن الخلائق ، وجوههم مثل الجمر ، وأعينهم مثل البرق ، فإذا تكلم أحدهم «تناثرت (٧)» من فيه النار بيد كل ملك منهم مرزبة ، عليها ألفان وسبعون رأسا كأمثال الجبال ، «وهي (٨)» أخف فى «يده (٩)» من الريش ، ولها «سبعة (١٠)» رءوس كرءوس الأفاعى ، وأعينهم زرق ، «تنظر (١١)» إلى الخلائق من شدة الغضب تريد أن تنفلت على الخلائق من غضب الله ـ عزوجل ـ ، ويجاء بها حتى تقام على ساق العرش ، ثم قال : (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ) يعنى أمية بن خلف الجمحي إذا عاين الغار والملائكة ، ثم قال : (وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى)

__________________

(١) «ينظرون» : ساقطة من أ ، وهي من ف.

(٢) سورة الأنعام : ١٥٨.

(٣) سورة البقرة : ٢١٠.

(٤) فى أ : «قيام صفوف» ، وفى ف : «قياما صفوفا».

(٥) «من» : ليست فى إ ، ف.

(٦) «عليها سبعون ألف زمام» : من ف ، وليست فى أ.

(٧) فى أ : «تناثر» ، وفى ف : «تناثرت».

(٨) فى أ : «هي» ، وفى ف : «وهي».

(٩) فى أ : «يده» ، وفى ف «أيديهم».

(١٠) فى أ ، ف : «سبع».

(١١) فى أ : وفى ف : «نظرت تنظر» ، وأقول والضمير راجع إلى جهنم.

٦٩١

ـ ٢٣ ـ يعنى ومن أين [٢٤٠] له التذكرة فى الآخرة؟ وقد كفر بها فى الدنيا ، ثم قال يخبر عن حالهم ، وما يقولون فى الآخرة إذا عاينوا النار ، فقال : (يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي) ـ ٢٤ ـ فى الدنيا لآخرتي يقول الله ـ تعالى ـ : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ) أى لا يعذب كعذاب الله (أَحَدٌ) ـ ٢٥ ـ يعنى ليس أعظم من الله ـ تعالى ـ سلطانه على قدر عظمته ، وعذابه مثل سلطانه ، ثم قال : (وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ) ـ ٢٦ ـ يعنى ولا يوثق كوثاق الله ـ عزوجل ـ أحد ، قوله : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) ـ ٢٧ ـ يعنى المطمئنة بالإيمان (ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً) لعملك (مَرْضِيَّةً) ـ ٢٨ ـ بما أعطاك الله ـ عزوجل ـ من الخير والجزاء (فَادْخُلِي فِي عِبادِي) ـ ٢٩ ـ يعنى فى رحمتي (وَادْخُلِي) من رحمتي فى (جَنَّتِي) ـ ٣٠ ـ نظيرها فى «طس (١)» النمل قول سليمان بن داود ـ عليهما‌السلام ـ «... وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين» (٢) نزلت هذه الآية فى حبيب بن عدى الذي صلبه أهل مكة ، وجعلوا وجهه نحو المدينة ، فقال : اللهم إن كان لي عندك «خير (٣)» فحول وجهى نحو «قبلتها (٤)» فحول الله ـ عزوجل ـ وجهه نحو هذه القبلة من غير أن يحوله أحد ، «فلم يستطع أن يحوله عنها أحد (٥)».

__________________

(١) سورة النمل : ٣.

(٢) سورة النمل : ١٩.

(٣) فى أ ، ف : «خيرا».

(٤) فى أ : «قبلتك» ، وفى ف : «قبلتها» ، والمعنى نحو قبلة المدينة.

(٥) من ف ، وفى أ : «فلم يستطع أحد أن يحوله عنها أحد».

٦٩٢

حدثنا عبد الله بن ثابت ، قال : حدثني أبى ، قال : حدثنا الهذيل ، قال : حدثنا مقاتل بن سليمان ، عن عطاء بن أبى رباح ، عن عبد الله بن عباس ، عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : خلق الله السماء الدنيا من «ماء حرج مكفوف (١)» ، والثانية من حديد ، والثالثة من فضة ، والرابعة من شبه ، والخامسة من ذهب ، والسادسة من ياقوتة حمراء ، والسابعة من نور عليها ملائكة من نور قيام صفا صفا ، فذلك قوله : «والصافات صفا» (٢) فهم أهل السماء السابعة.

__________________

(١) فى أ : «من موج مكفوف» ، وفى ف : «من ماء حرج مكفوف».

(٢) سورة الصافات : ١.

٦٩٣
٦٩٤

سورة البلد

٦٩٥
٦٩٦

(٩٠) سورة البلد مكية

وآياتها عشرون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ (١) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ (٢) وَوالِدٍ وَما وَلَدَ (٣) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ (٤) أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (٥) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً (٦) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (٧) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (٨) وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ (٩) وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (١٠) فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (١١) وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢) فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ (١٥) أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ (١٦) ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (١٧) أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (١٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ (١٩) عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ (٢٠))

٦٩٧
٦٩٨

[سورة البلد (١)]

سورة البلد مكية عددها عشرون آية كوفى (٢).

__________________

(١) معظم مقصود السورة :

تشريف مكة بحكم القسم بها ، وشدة حال المكذب ، والخبر عن سره وعلانيته ، والمنة عليه بالنعم المختلفة ، وتهويل عقبة الصراط ، وبيان النجاة منها ، ومدح المؤمنين ، وصبرهم على البلاء ، ورحمة بعضهم بعضا ، وخلود الكفار فى النار ، فى قوله : (عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ) سورة البلد : ٢٠.

(٢) فى المصحف : (٩٠) سورة البلد مكية وآياتها (٢٠) نزلت بعد سورة ق.

٦٩٩
٧٠٠