تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٦٧

بتوحيد الله ـ تعالى ـ يعني مشركي العرب (مَأْواكُمُ النَّارُ) يعني مأوى المنافقين والمشركين النار (هِيَ مَوْلاكُمْ) يعني وليكم (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) ـ ١٥ ـ وذلك أنه يعطى كل مؤمن كافر فيقال : هذا فداؤك من النار ، فذلك قوله : (لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ) يعني من المنافقين ولا من الذين كفروا ، إنما تؤخذ الفدية من المؤمنين ، قوله : (أَلَمْ يَأْنِ) نزلت فى المنافقين بعد الهجرة «بستة» (١) أشهر وذلك أنهم سألوا سلمان الفارسي ذات يوم فقالوا : حدثنا عما فى التوراة ، فإن فيها العجائب فنزلت : (الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ ، إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ، نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ) (٢).

يخبرهم أن «القرآن أحسن من غيره» (٣) ، يعني أنفع لهم فكفوا عن سؤال سلمان ما شاء الله ، ثم عادوا فسألوا سلمان فقالوا : حدثنا عن التوراة فإن فيها العجائب ، فنزلت : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) يعني القرآن (ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ) (٤) فكفوا عن سؤال سلمان ما شاء الله ، ثم عادوا أيضا فسألوه ، فقالوا : حدثنا عما فى التوراة فإن فيها العجائب فأنزل الله ـ تعالى ـ («أَلَمْ يَأْنِ» لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ) يعني المنافقين يقول : «ألم ينل ويقال

__________________

(١) فى أ : «لسنة».

(٢) سورة يوسف : ١ ـ ٣.

وفى أ ، ذكر أن أول السورة : «الم» ، وصوابه : «الر».

(٣) فى أ : «أحسن من غيره» ، وفى ف : «أحسن حديث من غيره».

(٤) سورة الزمر : ٢٣.

تفسير مقاتل ج ٤ ـ م ١٦

٢٤١

لم يحن» (١) للذين أقروا باللسان وأقروا بالقرآن أن تخشع قلوبهم لذكر الله ، يقول أن ترق قلوبهم لذكر الله ـ عزوجل ـ وهو القرآن يعني إذا ذكر الله (وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِ) يعني القرآن يعني وعظهم فقال : (وَلا يَكُونُوا) [١٨٤ ب] (كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) فى القساوة (مِنْ قَبْلُ) من قبل أن يبعث النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ) يعني طول الأجل ، وخروج النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كان المنافقون «لا ترق» (٢) قلوبهم لذكر الله (فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ) فلم تلن (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) ـ ١٦ ـ ، قوله : (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ) يعني بالآيات النبت (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) ـ ١٧ ـ يقول لكي تعقلوا وتتفكروا فى أمر البعث ، قوله : (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ) من أموالهم (وَالْمُصَّدِّقاتِ) نزلت فى أبى الدحداح الأنصارى وذلك أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أمر الناس بالصدقة ورغبهم فى ثوابها ، فقال أبو الدحداح الأنصارى : يا رسول الله ، فإنى قد جعلت حديقتى صدقة لله ولرسوله. ثم جاء إلى الحديقة ، وأم الدحداح فى الحديقة ، فقال : يا أم الدحداح ، إنى قد جعلت حديقتى صدقة لله ولرسوله فخذي بيد صبيتاه فاخرجيهم من الحائط. فلما أصابهم حر الشمس بكوا ، فقالت : أمهم لا تبكوا فإن أباكم قد باع حائطه من ربه ، فقال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كم من نخلة مذلا عذوقها قد رأيتها لأبى الدحداح فى الجنة ، فنزلت فيه (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ) (وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) يعني محتسبا طيبة بها نفسه

__________________

(١) وردت «ألم ينال ويقال ألم يحين» فى أ ، ف وقد صوبتها.

(٢) فى أ : «لا ترق» ، وفى ف : «لا يرق».

٢٤٢

(يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ) ـ ١٨ ـ يعني جزاء حسنا فى الجنة ، فقال الفقراء : ليس لنا أموال نجاهد بها أو نتصدق بها ، فأنزل الله ـ تعالى ـ (وَالَّذِينَ آمَنُوا) يعني صدقوا (بِاللهِ) بتوحيد الله ـ تعالى ـ (وَرُسُلِهِ) «كلهم» (١) (أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ) بالله وبالرسل ولم يشكوا فيهم ساعة ، ثم استأنف فقال : (وَالشُّهَداءُ) يعني من استشهد منهم (عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ) يعني جزاؤهم وفضلهم (وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) يعني بالقرآن (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) ـ ١٩ ـ يعني ما عظم من النار (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا) زهدهم فى الدنيا لكي لا يرغبوا ، فيها فقال : (لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ ، وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ) والمنازل والمراكب فمثلها ومثل من يؤثرها على الآخرة (كَمَثَلِ غَيْثٍ) يعني المطر ينبت منه المراعى (أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا) (٢) : فبينما هو أخضر إذ تراه مصفرا (ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً) هالكا لا نبت فيه فكذلك من يؤثر الدنيا على الآخرة ، ثم يكون له : (وَفِي) (٣) (الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ) ، ثم قال : (وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ) للمؤمنين (وَمَا الْحَياةُ) [١٨٥ أ] (الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) ـ ٢٠ ـ الفاني ، قوله : (سابِقُوا) بالأعمال الصالحة وهي الصلوات الخمس (إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) لذنوبكم (وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) يعني السموات السبع والأرضين السبع لو «ألصقت» (٤) السموات السبع بعضها إلى بعض ثم «ألصقت» «(٥)» السموات بالأرضين لكانت الجنان فى

__________________

(١) فى أ : «كلها».

(٢) (أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا) ساقط من أ ، ف.

(٣) فى أ : فى.

(٤ ، ٥) «ألصقت» ولكنها وردت فى الأصل «الزفت».

٢٤٣

عرضها جميعا ولم يذكر طولها (أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ) يعني صدقوا بتوحيد الله ـ عزوجل ـ (وَرُسُلِهِ) محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه نبى يقول الله ـ تعالى ـ : (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) من عباده فبخصهم بذلك (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) ـ ٢١ ـ (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ) من قحط المطر ، وقلة النبات ، ونقص الثمار (وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ) يقول ما أصاب هذه النفس من البلاء وإقامة الحدود عليها (إِلَّا فِي كِتابٍ) مكتوب يعني اللوح المحفوظ (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها) يعني من قبل أن يخلق هذه النفس (إِنَّ ذلِكَ) الذي أصابها فى كتاب يعني اللوح المحفوظ أن ذلك (عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) ـ ٢٢ ـ يقول هين على الله ـ تعالى ـ.

«وبإسناده» (١) مقاتل قال : حدثني عطاء بن أبى رباح عن ابن عباس ، قال : خلق الله ـ تعالى ـ اللوح المحفوظ مسيرة «خمسمائة عام» (٢) فى خمسمائة عام وهو من درة بيضاء صفحتاه من ياقوت أحمر كلامه «نور» (٣) وكتابه النور والقلم من نور طوله خمسمائة عام ، قوله : (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ) من الخير والغنيمة (وَلا تَفْرَحُوا «بِما آتاكُمْ») (٤) من الخير «فتختالوا وتفخروا» (٥) فذلك قوله : (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) ـ ٢٣ ـ يعني متكبر عن عبادة الله ـ عزوجل ـ فخور فى نعم الله ـ تعالى ـ لا يشكر ، ثم قال : (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ)

__________________

(١) فى أ : «وبإسناده» ، وفى ف : حدثنا عبد الله قال : حدثني أبى قال : قال أبو صالح : قال : قال مقاتل : قال : حدثني عطاء.

(٢) فى أ ، وف : «خمسمائة».

(٣) فى أ«بر» ، وفى ف : «بر» ، ولعل أصلها «نور».

(٤) فى أ : «أعطاكم» ، وفى حاشية أ : الآية «أتاكم».

(٥) من ف ، وفى أ : «فتقدموا وتختالوا».

٢٤٤

يعني رؤوس اليهود يبخلون بخلوا بأمر محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وكتموه ليصيبوا الفضل من اليهود من «سفلتهم» (١) (وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) يقول ويأمرون الناس بالكتمان والناس فى هذه الآية اليهود أمروهم بكتمان أمر محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (وَمَنْ يَتَوَلَ) يعني ومن أعرض عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فبخل (فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) ـ ٢٤ ـ «غنى» عما عندكم «حميد» عند خلقه ، قوله : (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ) يعني بالآيات (وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ) يعني العدل (لِيَقُومَ النَّاسُ) يعني لكي يقوم الناس (بِالْقِسْطِ) يعني بالعدل (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) يقول من أمرى كان الحديد فيه بأس شديد للحرب (وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) فى معايشهم (وَلِيَعْلَمَ اللهُ) يعني ولكي يرى الله (مَنْ يَنْصُرُهُ) على عدوه (وَ) ينصر (رُسُلَهُ) يعني النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وحده فيعينه على أمره حتى يظهر ولم يره (بِالْغَيْبِ) (٢) (إِنَّ اللهَ قَوِيٌ) فى أمره (عَزِيزٌ) ـ ٢٥ ـ فى ملكه (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ) فهم خمسة وعشرون نبيا (وَالْكِتابَ) يعني الكتب الأربعة منهم إسماعيل وإسحاق ، ويعقوب ، وعيصو ، وأيوب ، وهو من ولد العيص والأسباط وهم اثنا عشر منهم روبيل ، وشمعون ، ولاوى ، ويهوذا ، ونفتولن ، وزبولن ، وحاد ، ودان ، وأشر ، واستاخر ، ويوسف ، وبنيامين ، وموسى ، وهارون ،

__________________

(١) كان الأولى : من «سفلة اليهود».

(٢) فى أ : تقدمت (بالغيب) على (مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ) ، وفى الجلالين : (بالغيب) حال من هاء «ينصره» أى غائبا عنهم فى الدنيا ، قال ابن عباس : ينصرونه ولا يبصرونه.

٢٤٥

وداود ، وسليمان ، وزكريا ، ويحيى ، وعيسى ، ومحمد ـ عليهم‌السلام ـ ، والتوراة ، والإنجيل ، والزبور ، والفرقان ، فهذه الكتب (فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) ـ ٢٦ ـ يعني عاصين (ثُمَّ قَفَّيْنا) يعني اتبعنا (عَلى آثارِهِمْ) من بعدهم يعني من بعد نوح وإبراهيم وذريتهما (بِرُسُلِنا) فى الأمم (وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) يقول وأتبعنا بعيسى بن مريم (وَآتَيْناهُ) يعني وأعطيناه (الْإِنْجِيلَ) فى بطن أمه (وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) يعني اتبعوا عيسى (رَأْفَةً وَرَحْمَةً) يعني المودة كقوله «... رحماء بينهم ...» (١) يقول متوادين بعضهم لبعض جعل الله ذلك فى قلوب المؤمنين بعضهم لبعض ، ثم استأنف الكلام فقال : (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها) وذلك أنه لما كثر المشركون وهزموا المؤمنين وأذلوهم بعد عيسى بن مريم ، «واعتزلوا» (٢) واتخذوا الصوامع فطال عليهم ذلك ، فرجع بعضهم عن دين عيسى ـ عليه‌السلام ـ وابتدعوا النصرانية ، فقال الله ـ عزوجل ـ ورهبانية ابتدعوها تبتلوا فيها للعبادة فى التقديم (ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ) ولم نأمرهم بها (إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ) (٣) (فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها) يقول لم يرعوا ما أمروا به يقول فما أطاعونى فيها ، ولا أحسنوا حين تهودوا وتنصروا ، وأقام أناس منهم على دين عيسى ـ عليه‌السلام ـ حتى أدركوا محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فآمنوا به وهم أربعون رجلا ، «اثنان وثلاثون» (٤) رجلا من أرض الحبشة ، وثمانية من

__________________

(١) سورة الفتح : ٢٩.

(٢) فى ف : «واعتزلوا» فى الغيران».

(٣) (إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ) ساقط من أ ، وفى ف : (إلا ابتغاء رضوان الله ما كتبناها عليهم) فخالف بين جزءي الآية.

(٤) فى أ : «اثنين وثلاثين» ، وفى ف : «اثنان وثلاثون».

٢٤٦

أرض الشام ، فهم الذين كنى الله عنهم ، فقال : (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا) يقول أعطينا الذين آمنوا (مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ) يعني صدقوا يعني جزاءهم وهو الجنة ، قال : (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) ـ ٢٧ ـ يعني الذين تهودوا ، وتنصروا فجعل الله ـ تعالى ـ لمن آمن بمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من أهل الإنجيل أجرهم مرتين بإيمانهم بالكتاب الأول وكتاب محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، فافتخروا على أصحاب النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بذلك ، فقالوا : نحن أفضل منكم فى الأجر لنا أجران بإيماننا بالكتاب الأول ، والكتاب الآخر الذي جاء به محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فشق على المسلمين ، فقالوا : ما بالنا قد هاجرنا مع النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وآمنا به قبلكم [١٨٦ أ] ، وغزونا معه وأنتم لم تغزوا فأنزل الله ـ تعالى ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) يعني وحدوا الله (وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ) يقول صدقوا بمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه نبى رسول (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ) يعني أجرين (مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ) يعني تمرون به على الصراط إلى الجنة نورا تهتدون به (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) ذنوبكم (وَاللهُ غَفُورٌ) لذنوب المؤمنين (رَحِيمٌ) ـ ٢٨ ـ بهم (لِئَلَّا يَعْلَمَ) يعني لكيلا يعلم (أَهْلُ الْكِتابِ) يعني مؤمنى أهل الإنجيل «هؤلاء الأربعون رجلا» (١) (أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ) وهو الإسلام إلا برحمته (وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ) الإسلام (يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) من عباده (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) ـ ٢٩ ـ فأشرك المؤمنين فى الكفلين مع أهل الإنجيل.

__________________

(١) فى ف : «هؤلاء الأربعين رجلا» ، وفى أ : «هؤلاء الأربعون».

٢٤٧
٢٤٨

سورة المجادلة

٢٤٩
٢٥٠

(٥٨) سورة المجادلة مدنية

وآياتها ثنان وعشرون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (١) الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٢) وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ

٢٥١

ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٣) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (٤) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (٥) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللهُ وَنَسُوهُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٦) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٧) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ

٢٥٢

وَالتَّقْوى وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٩) إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٠) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٣) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤) أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٥) اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (١٦) لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١٧) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ (١٨)

٢٥٣

اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٩) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (٢٠) كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢١) لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٢٢))

٢٥٤

[سورة المجادلة (١)]

سورة المجادلة مدنية عددها «اثنتان» (٢) وعشرون آية كوفى (٣).

__________________

(١) معظم مقصود السورة :

بيان حكم لظهار ، وذكر النجوى والإسرار ، والأمر بالتوسع فى المجالس ، وبيان فضل أهل العلم والشكاية من المنافقين ، والفرق بين حزب الرحمن وحزب الشيطان ، والحكم على بعض بالفلاح ، وعلى بعض بالخسران.

وسميت سورة المجادلة لقوله ـ سبحانه ـ فى أولها (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها ...) الآية الأولى.

(٢) فى أ : «اثنان» ، وهو خطأ.

(٣) فى المصحف : (٥٨) سورة المجادلة مدنية وآياتها : نزلت بعد سورة المنافقون.

٢٥٥
٢٥٦

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

قوله (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ) يعني تكلمك (فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي) يعني وتضرع (إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما) يعني خولة ، امرأة أوس بن الصامت ، والنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) تحاوركما (بَصِيرٌ) ـ ١ ـ وذلك أن خولة بنت ثعلبة بن مالك بن أحرم الأنصارى ، من بنى عمرو بن عوف بن الخزرج ، كانت حسنة الجسم ، فرآها زوجها ساجدة فى صلاتها ، فلما انصرفت أرادها زوجها فأبت عليه ، فغضب فقال : أنت على كظهر أمى ، واسمه أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت ابن قيس بن أحرم الأنصارى فأتت خولة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقالت : إن زوجي ، يا رسول الله ، تزوجني وأنا شابة ، ذات مال ، وأهل ، حتى إذا أكل مالي ، وأفنى شبابي ، وكبرت سنى ، ووهن عظمى ، جعلني عليه كظهر أمه ، «ثم ندم» (١) ، فهل من شيء يجمعني وإياه ، فسكت النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عنها ، وكان الظهار ، والإيلاء ، وعدد النجوم من طلاق الجاهلية ، فوقّت الله ـ تعالى ـ فى الإيلاء أربعة أشهر ، وجعل فى الظهار الكفارة ، ووقت من عدد النجوم ثلاث تطليقات ، فأنزل الله ـ تعالى ـ (الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ)

__________________

(١) فى أ : «فقد ندم».

تفسير مقاتل ج ٤ ـ م ١٧.

٢٥٧

يعني الظهار والمنكر من القول «الذي لا يعرف» (١) (وَزُوراً) يعني كذبا (وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ) [١٨٦ ب] حين لم يعاقبه (غَفُورٌ) ـ ٢ ـ له لتحريمه الحلال (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا) يعني يعودون للجماع الذي حرموه على أنفسهم (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) يعني الجماع (ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ) فوعظهم الله فى ذلك (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ) من الكفارة (خَبِيرٌ) ـ ٣ ـ به.

قال أبو محمد : سمعت أبا العباس أحمد بن يحيى يقول : (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا) يعني لنقض ما عقدوا من الحلف (فَمَنْ) (٢) (لَمْ يَجِدْ) التحرير (فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) يعني الجماع (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) الصيام (فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) لكل مسكين نصف صاع حنطة (ذلِكَ) يعني هذا الذي ذكر من الكفارة (لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ) يقول لكي تصدقوا بالله (وَرَسُولِهِ) إن الله قريب إذا دعوتموه فى أمر الظهار ، وتصدقوا محمدا ـ صلى الله عليه وس لم ـ فيما قال لكم من الكفارة حين جعل لكم مخرجا ، (لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) يعني تصدقوا بالله ورسوله (وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ) يعني سنة الله وأمره فى كفارة الظهار ، فلما نزلت هذه الآية دعا النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ زوجها ، فقال : ما حملك على ما قلت؟ قال : الشيطان. فهل لي من رجعة تجمعني وإياها؟ قال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : نعم ، هل عندك تحرير رقبة؟ قال : لا ، إلا أن تحيط بمالي كله. قال : فتستطيع صوما فتصوم شهرين متتابعين؟ قال : يا رسول

__________________

(١) فى أ : «الذي لا يعرف» ، وفى ف : «إلى لا يفرق».

(٢) فى الأصل : «لمن» ، لكن الآية : «فمن».

٢٥٨

الله ، إنى إذا لم آكل فى اليوم مرتين أو ثلاث مرات اشتد على وكل بصرى ، وكان ضرير البصر. قال : فهل عندك إطعام ستين مسكينا؟ قال : لا ، إلا بصلة منك وعون. فأعانه النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «بخمسة عشر صاعا» (١) وجاء هو بمثل ذلك فتلك ثلاثون صاعا من تمر لكل مسكين نصف صاع ، ذلكم يعني أمر الكفارة توعظون به ، فوعظهم ـ الله تعالى ـ فى أمر الكفارة (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) ، (وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ) يعني سنة الله (وَلِلْكافِرِينَ) من اليهود والنصارى (عَذابٌ أَلِيمٌ) ـ ٤ ـ.

قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ) يعني يعادون الله (وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَما كُبِتَ) يعني أخزوا كما أخزى (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من الأمم الخالية (وَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ) يعني القرآن فيه البيان أمره ونهيه (وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ) ـ ٥ ـ نزلت فى اليهود والمنافقين «مهين» يعني الهوان ، قوله : (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً) الأولين والآخرين نزلت فى المنافقين فى أمر المناجاة (فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللهُ وَنَسُوهُ) يقول حفظ الله أعمالهم الخبيثة ، ونسوا هم أعمالهم (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من أعمالهم (شَهِيدٌ) ـ ٦ ـ يعني شاهده ، قوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) [١٨٧ أ] يقول أحاط علمه بذلك كله (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ) يعني نفر ثلاثة (إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ) يعني علمه معهم إذا تناجوا (وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ) يعني علمه معهم (وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ) يعني ولا أقل من ثلاث نفر وهما اثنان (وَلا أَكْثَرَ) من خمسة نفر (إِلَّا هُوَ) يعني إلا وعلمه

__________________

(١) فى أ : «بخمس عشرة صاعا» ، وهو خطأ ، والصواب ما ذكرته.

٢٥٩

(مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا) من الأرض (ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ) يعني بما يتناجون فيه (إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ) من أعمالهم (عَلِيمٌ) ـ ٧ ـ قوله ـ تعالى ـ : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى) يعني اليهود كان بينهم وبين محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ موادعة فإذا رأوا رجلا من المسلمين وحده يتناجون بينهم ، فيظن المسلم أنهم يتناجون بقتله أو بما يكره ، فيترك الطريق من المخافة فبلغ ذلك النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، فنهاهم عن النجوى فلم ينتهوا وعادوا إلى النجوى ، فقال ـ الله تعالى ـ : («أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى» ثُمَّ يَعُودُونَ لِما) للذي (نُهُوا عَنْهُ وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ) يعني بالمعصية (وَالْعُدْوانِ) يعني الظلم (وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ) يعني حين نهاهم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عن النجوى فعصوه ، ثم أخبر عنهم قال : (وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ) يعني كعب بن الأشرف ، وحيي بن أخطب ، وكعب بن أسيد ، وأبو ياسر ، وغيرهم «حيوك» (بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ) يعني اليهود ، قالوا انطلقوا بنا إلى محمد فنشتمه علانية كما نشتمه فى السر ، فأتوه ، فقالوا : السام. يعنون بالسام السامة والفترة ، ويقولون تسأمون يعني تتزكون دينكم ، فقالت عائشة ـ رضى الله عنها ـ : عليكم السام ، والذام ، والفان ، يا إخوان القردة والخنازير ، فكره النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قول عائشة ، وقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «مهلا (١)» يا عائشة عليك بالرفق فإنه ما وضع فى شيء إلا زانه ، ولا نزع من شيء إلا شانه. فقال جبريل ـ عليه‌السلام ـ : إنه لا يسلمون عليك ولكنهم يشتمونك. فلما خرجت اليهود من عند النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «قال (٢)» بعضهم

__________________

(١) فى أ : «قولي» ، وفى ف : «مهلا».

(٢) فى أ : «فقال».

٢٦٠