تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٦٧

(٦٢) سورة الجمعة مدنية

وآياتها إحدي عشرة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢)

٣٢١

وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣) ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٤) مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥) قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٦) وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٧) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩) فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠) وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١))

٣٢٢

[سورة الجمعة (١)]

سورة الجمعة مدنية عددها إحدى عشرة (٢) آية كوفية (٣)

__________________

(١) «معظم مقصود السورة» :

بيان بعث المصطفى ، وتعبير اليهود ، والشكاية منهم وإلزام الحجة عليهم ، والترغيب فى حضور الجمعة ، والشكاية من قوم بإعراضهم عن الجمعة وتقوية القلوب بضمان الرزق لكل حي فى قوله : (... وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) سورة الجمعة : ١١.

وتسمى سورة الجمعة ـ لقوله تعالى : ـ : (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) : ٩.

(٢) فى أ : «أحد عشر» وهو خطأ والصواب «إحدى عشرة».

(٣) فى المصحف : (٦٢) سورة الجمعة مدنية وآياتها ١١ نزلت بعد سورة الصف.

٣٢٣
٣٢٤

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

قوله : (يُسَبِّحُ لِلَّهِ) يعني يذكر الله (ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) من شيء غير كفار الجن والإنس ، ثم نعت الرب نفسه فقال : (الْمَلِكِ) الذي يملك كل شيء (الْقُدُّوسِ) الطاهر (الْعَزِيزِ) فى ملكه (الْحَكِيمِ) ـ ١ ـ فى أمره (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ) يعني العرب الذين لا يقرءون الكتاب ولا يكتبون بأيديهم (رَسُولاً مِنْهُمْ) فهو النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ) يعني يقرأ عليهم (آياتِهِ) يعني آيات القرآن (وَيُزَكِّيهِمْ) يعني ويصلحهم فيوحدونه (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ) يعني ولكي يعلمهم ما يتلو من القرآن (وَالْحِكْمَةَ) ومواعظ القرآن الحلال والحرام (وَإِنْ) يعني وقد (كانُوا مِنْ قَبْلُ) أن يبعث الله محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ـ ٢ ـ يعني بين وهو الشرك (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ) الباقين من هذه الأمة ممن بقي منهم (لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) يعني بأوائلهم من أصحاب النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (وَهُوَ الْعَزِيزُ) فى ملكه (الْحَكِيمُ) ـ ٣ ـ فى أمره ، ثم قال : (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ) يعني الإسلام (يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) يقول فضل الله الإسلام يعطيه من يشاء (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ) بالإسلام (الْعَظِيمِ) ـ ٤ ـ يعني الفوز بالنجاة والإسلام (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ) يعني اليهود تحملوا العمل بما فى التوراة فقرءوها (ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها) يقول لم يعملوا بما فيها (كَمَثَلِ

٣٢٥

الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) يقول كمثل الحمار يحمل كتابا لا يدرى ما فيه ، كذلك اليهود حين لم يعملوا بما (١) فى التوراة ، فضرب الله ـ تعالى ـ لهم مثلا فقال : (بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ) يعني القرآن (وَاللهُ لا يَهْدِي) إلى دينه من الضلالة (الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ـ ٥ ـ «فى علمه (٢)» ، قوله ـ تعالى ـ (قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا) [١٩٧ أ] وذلك أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كتب إلى يهود المدينة يدعوهم إلى دينه الإسلام ، فكتب يهود المدينة إلى يهود خيبر أن محمدا يزعم أنه نبى ، وأنه يدعونا وإياكم إلى دينه ، فإن كنتم تريدون متابعته فاكتبوا إلينا ببيان ذلك ، وإلا فأنتم ونحن على أمر واحد لا نؤمن بمحمد ، ولا نتبعه ، فغضبت يهود خيبر فكتبوا إلى يهود المدينة كتابا قبيحا ، وكتبوا أن إبراهيم كان صديقا نبيا ، وكان من بعد إبراهيم إسحاق صديقا نبيا ، وكان من بعد إسحاق يعقوب صديقا نبيا ، وولد يعقوب اثنا عشر ، فولد لكل رجل منهم أمة من الناس ، ثم كان من بعدهم موسى ، ومن بعد موسى عزير ، فكان موسى يقرأ التوراة من الألواح ، وكان عزير يقرؤها ظاهرا ، ولو لا أنه كان ولدا لله ونبيه وصفيه لم يعطه ذلك ، فنحن وأنتم من سبطه ، وسبط من اتخذه الله خليلا ، ومن سبط من كلمه الله تكليما ، فنحن أحق بالنبوة والرسالة من محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ومتى كان الأنبياء من «جزائر (٣)» العرب؟ ما سمعنا بنبي قط كان من العرب إلا هذا الرجل الذي

__________________

(١) فى أزيادة : «فيها كمثل الحمار يحمل أسفارا».

(٢) فى أ : «فى عمله» ، وفى ف : «فى علمه».

(٣) فى أ : «جزاير».

٣٢٦

تزعمون ، على أنا نجد ذكره فى التوراة فإن «تبعتموه (١)» صغركم ووضعكم. فنحن أبناء الله وأحباؤه فقال الله ـ تعالى ـ للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا) لليهود (إِنْ زَعَمْتُمْ) يعنى إذ زعمتم (أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ) فى الآخرة (مِنْ دُونِ النَّاسِ) وأحباؤه (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ـ ٦ ـ بأنكم أولياؤه وأحباؤه ، وأن الله ليس بمعذبكم ، ثم أخبر عنهم فقال : (وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) من ذنوبهم وتكذيبهم بالله ورسوله (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) ـ ٧ ـ يعنى اليهود (قُلْ) لهم : يا محمد ، (إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ) يعنى تكرهونه (فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) لا محالة (ثُمَّ تُرَدُّونَ) فى الآخرة (إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) يعنى عالم كل غيب وشاهد كل نجوى (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ـ ٨ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ) يقول إذا نودي إلى الصلاة وال «من (٢)» ها هنا صلة (مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) يعنى إذا جلس الإمام على المنبر (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) يقول فامضوا إلى الصلاة المكتوبة (وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ) يعنى الصلاة (خَيْرٌ لَكُمْ) من البيع والشراء (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ـ ٩ ـ (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ) من يوم الجمعة (فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) فهذه رخصة بعد النهى وأحل لهم ابتغاء الرزق بعد الصلاة ، فمن شاء خرج إلى تجارة ، ومن شاء لم يفعل ، فذلك قوله : (وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) يعنى الرزق (وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً) باللسان (لَعَلَّكُمْ) يعنى لكي (تُفْلِحُونَ) ـ ١٠ ـ قوله : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً) وذلك أن العير كانت إذا قدمت المدينة

__________________

(١) فى أ : «تبعتموه» ، وفى ف : «نفعتموه».

(٢) «من» فى قوله : (مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) يعنى أن لفظ «من» زائد.

٣٢٧

استقبلوها بالطبل [١٩٧ ب] والتصفيق ، فخرج الناس من المسجد غير «اثنى (١)» عشر رجلا وامرأة ، فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ انظروا كم فى المسجد؟ فقالوا : «اثنا (٢)» عشر رجلا وامرأة : ثم جائت عير أخرى فخرجوا غير «اثنى (٣)» عشر رجلا وامرأة ، ثم أن دحية بن خليفة الكلبي من بنى عامر بن عوف أقبل بتجارة من الشام قبل أن يسلم وكان يحمل معه من أنواع التجارة ، وكان يتلقاه أهل المدينة بالطبل والتصفيق ، ووافق قدومه يوم الجمعة والنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قائم على المنبر يخطب فخرج إليه الناس ، فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : انظروا كم بقي فى المسجد؟ فقالوا : «اثنا (٤)» عشر رجلا وامرأة. فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : لو لا هؤلاء لقد سوّمت لهم الحجارة. فأنزل الله ـ تعالى ـ (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً) (انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً) على المنبر (قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ) يعنى من الطبل والتصفيق (وَمِنَ التِّجارَةِ) التي جاء بها دحية (وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) ـ ١١ ـ من غيره.

حدثّنا عبد الله قال : حدّثنى أبى قال : حدّثنا هشيم قال : كان فى الاثنى عشر أبو بكر وعمر ـ رضى الله عنهما ـ.

__________________

(١) فى أ ، ف : «اثنا».

(٢) فى أ ، ف : «اثنى».

(٣) فى أ : «اثنا» ، وفى ف : «اثنى».

(٤) فى أ ، ف : «اثنى».

٣٢٨

سورة المنافقون

٣٢٩
٣٣٠

(٦٣) سورة المنافقون مدنية

وآياتها إحدي عشرة

٣٣١

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ (١) اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (٣) وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٤) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٥) سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٦) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ (٧) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ

٣٣٢

عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٩) وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١١))

٣٣٣
٣٣٤

[سورة المنافقون (١)]

«سورة المنافقون (٢)» مدنية عددها «إحدى عشرة (٣)» آية كوفية.

__________________

(١) معظم مقصود السورة :

تقريع المنافقين وتبكيتهم ، وبيان ذلهم وكذبهم ، وذكر تشريف المؤمنين وتبجيلهم ، وبيان عزهم وشرفهم ، والنهى عن نسيان ذكر الحق ـ تعالى ـ ، والغفلة عنه ، والإخبار من ندامة الكفار بعد الموت ، وبيان أنه لا تأخير ولا إمهال بعد حلول الأجل فى قوله : (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها ...) سورة المنافقون : ١١.

(٢) فى أ : «سورة المنافقون» ، وفى ف : ، السورة التي يذكر فيها المنافقون» ، وفى المصحف : «سورة المنافقون مدنية وآياتها ١١ ، ونزلت بعد الحج».

(٣) فى أ : «أحد عشر» ، وصوابه «إحدى عشرة».

٣٣٥
٣٣٦

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ) يعنى نحلف (إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ) يعنى يقسم (إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) ـ ١ ـ فى حلفهم (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ) يعنى حلفهم الذي حلفوا أنك لرسول الله (جُنَّةً) من القتل (فَصَدُّوا) الناس (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) يعنى دين الإسلام (إِنَّهُمْ ساءَ ما) يعنى بئس ما (كانُوا يَعْمَلُونَ) ـ ٢ ـ يعنى النفاق (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا) يعنى أقروا (ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ) بالكفر (فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ) ـ ٣ ـ (وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ) يعنى عبد الله بن أبى ، وكان رجلا جسيما صبيحا ذلق اللسان ، فإذا قال سمع النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لقوله : («وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) (١) (» كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ) فيها تقديم يقول كأن أجسامهم خشب بعضها على بعض قياما ، لا تسمع ، ولا تعقل ، لأنها خشب ليست فيها أرواح فكذلك المنافقون لا يسمعون الإيمان ولا يعقلون ، ليس فى أجوافهم إيمان فشبه أجسامهم بالخشب (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ) أنها (عَلَيْهِمْ) يقول إذا نادى مناد فى العسكر أو أفلتت دابة أو أنشدت ضالة يعنى طلبت ، ظنوا أنما «يرادون (٢)» بذلك مما فى قلوبهم من الرعب ، ثم قال : [١٩٨ أ] (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللهُ) يعنى لعنهم الله (أَنَّى)

__________________

(١) (وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) : ساقطة من أ.

(٢) فى أ : «يريدون» ، وفى ف : «يرادون».

تفسير مقاتل بن سليمان ج ٤ ـ م ٢٢.

٣٣٧

يعنى من أين (يُؤْفَكُونَ) ـ ٤ ـ يعنى يكذبون (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ) يعنى عبد الله بن أبى (تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ) «يعنى عبد الله بن أبى (١)» (لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ) يعنى عطفوا رءوسهم رغبة عن الاستغفار (وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ) عن الاستغفار (وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) ـ ٥ ـ يعنى عطف رأسه معرضا ، فقال عبد الله بن أبى للذي دعاه إلى استغفار النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ما قلت كأنه لم يسمع حين دعاه إلى الاستغفار ، يقول الله ـ تعالى ـ : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي) من الضلالة إلى دينه (الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) ـ ٦ ـ يعنى العاصين ، يعنى عبد الله ابن أبى ، ثم قال : (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ) يعنى عبد الله بن أبى (لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ) وذلك أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لما رجع غانما من غزاة بنى لحيان ، وهم حي من هذيل ، هاجت ريح شديدة ليلا ، وضلت ناقة رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فلما أصبحوا ، قالوا للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : ما هذه الريح؟ قال : موت رجل من رءوس المنافقين توفى بالمدينة. قالوا : من «هو (٢)»؟ قال : رفاعة بن التابوه. فقال رجل منافق : كيف يزعم محمد أنه يعلم الغيب ، ولا يعلم مكان ناقته أفلا يخبره الذي يأتيه بالغيب بمكان ناقته؟ فقال له رجل : اسكت ، فو الله ، لو أن محمدا يعلم بهذا الزعم لأنزل عليه فينا ، ثم قام المنافق ، فأتى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فوجده يحدث أصحابه ، أن رجلا من المنافقين شمت بى ، بأن ضلت ناقتي ، قال : كيف يزعم محمد أنه

__________________

(١) فى أ : «يعنى عبد الله» ، وفى ف : «يعنى عبد الله بن أبى».

(٢) فى أ : «وهو» ، وفى ف : «وهي»

٣٣٨

يعلم الغيب أفلا يخبره الذي يأتيه بالغيب بمكان ناقته؟ لعمري ، لقد كذب ، ما أزعم أنى أعلم الغيب ، ولا أعلمه ، ولكن الله ـ تعالى ـ أخبرنى بقوله ، وبمكان ناقتي ، وهي فى الشعب ، وقد تعلق زمامها بشجرة ، فخرجوا من عنده يسعون قبل الشعب ، فإذا هي كما قال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فجاءوا بها ، والمنافق ينظر ، فصدق مكانه. ثم رجع إلى أصحابه ، فقال : أذكركم الله ، هل قام أحد منكم من مجلسه؟ أو ذكر حديثي هذا إلى أحد؟ قالوا : لا ، قال : أشهد أن محمدا رسول الله ، والله لكأنى لم أسلم إلا يومى هذا ، قالوا : وما ذاك قال وجدت النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يحدث الناس بحديثي الذي ذكرت لكم ، وأنا أشهد «أن الله أطلعه عليه وأنه لصادق» (١) فسار حتى دنا من المدينة «فتحاور (٢)» رجلان أحدهما عامرى والآخر جهنى ، فأعان عبد الله بن أبى المنافق الجهني ، وأعان جعال بن عبد الله بن سعيد العامري. وكان جعال فقيرا ، فقال عبد الله لجعال : وإنك لهناك. فقال : وما يمنعني أن أفعل ذلك فاشتد لسان جعال على عبد الله [١٩٨ ب] ، فقال عبد الله : مثلي ومثلك كما قال الأول سمن كلبك يأكلك ، والذي يحلف به عبد الله لأذرنك ، ولهمك غير هذا. قال جعال : ليس ذلك بيدك ، وإنما الرزق بيد الله ـ تعالى ـ ، فرجع عبد الله غضبان؟ فقال لأصحابه : والله ، لو كنتم تمنعون جعالا ، وأصحاب جعال الطعام الذي من أجله ركبوا رقابكم لأوشكوا أن يذروا محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ويلحقوا بعشائرهم ومواليهم ، لا تنفقوا عليهم ، (حَتَّى يَنْفَضُّوا) يعنى حتى يتفرقوا من

__________________

(١) من ف ، وفى أ : «أن الله الذي أطلعت عليه لصادق فينا».

(٢) فى أ : «فتحاور» ، وفى ف : «فتجاور».

٣٣٩

حول محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، ثم قال : لو أن جعالا أتى محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فأخبره لصدقه ، وزعم أنى ظالم ، ولعمري ، إنى ظالم إذ جئنا بمحمد من مكة ، وقد طرده قومه فواسيناه بأنفسنا ، وجعلناه على رقابنا ، أما والله ، لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، ولنجعلن علينا رجلا منا. يعنى نفسه ، يعنى بالأعز نفسه وأصحابه (١) ، ويعنى بالأذل ـ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وأصحابه ، فقال زيد بن أرقم الأنصارى ـ وهو غلام شاب ـ : أنت والله الذليل القصير «المبغض (٢)» فى قومك ومحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى عز من الرحمن ، ومودة من المسلمين ، والله ، لا أحبك بعد هذا الكلام أبدا. فقال عبد الله : إنما كنت ألعب معك. فقام زيد فأخبر النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فشق عليه قول عبد الله بن أبى وفشا فى الناس أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ غضب على عبد الله لخبر زيد لخبر زيد فأرسل النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إلى عبد الله فأتاه ومعه رجال من الأنصار يرفدونه ويكذبون عنه. فقال له النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : أنت صاحب هذا الكلام الذي بلغني عنك. قال عبد الله : والذي أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئا من ذلك قط ، وإن زيدا لكاذب وما عملت عملا قط أرجى فى نفسي أن يدخلني الله به الجنة من غزاتي هذه معك ، وصدقه الأنصار ، وقالوا : يا رسول الله شيخنا وسيدنا لا يصدق عليه قول غلام من غلمان الأنصار مشى بكذب ونميمة فعذره النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وفشت الملامة لزيد فى الأنصار ، وقالوا : كذب زيد ، وكذبه النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وكان زيد يساير النبي ـ صلى الله

__________________

(١) كذا فى أ ، ف.

(٢) فى أ : «المنقصر» ، وفى ف : «المبغض».

٣٤٠