تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٦٧

(وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) ـ ١١ ـ (لَئِنْ أُخْرِجُوا) كما أخرج أهل النضير من المدينة (لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا) يعنى لئن قاتلهم المسلمون (لا يَنْصُرُونَهُمْ) يعنى لا يعانوهم يقول الله ـ تعالى ـ (وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ) يعنى ولئن عاونوهم (لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) ـ ١٢ ـ فغرهم المنافقون فلزموا الحصن ، حتى قتلوا وأسروا فنزلوا على حكم سعد بن معاذ فحكم فيهم أن تقتل مقاتلهم وتسبى ذراريهم ، فقتل منهم أربعمائة وخمسين رجلا ، وسبى سبعمائة وخمسين رجلا ، فذلك قوله فى الأحزاب : (... فَرِيقاً تَقْتُلُونَ) يعنى المقاتلة الأربعمائة وخمسين (وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً) (١) يعنى السبعمائة وخمسين ، ثم قال : (لَأَنْتُمْ) معشر المسلمين (أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ) يعنى قلوب المنافقين (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) ـ ١٣ ـ فيعتبرون (لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ «بَأْسُهُمْ») (٢) (بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ) يقول الله ـ تعالى ـ لنهيه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (تَحْسَبُهُمْ) يا محمد (جَمِيعاً) المنافقين واليهود (وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) يعنى متفرقة مختلفة (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) ـ ١٤ ـ عن الله فيوحدونه (كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يعنى قبل أهل بدر ، كان قبل ذلك «بستين» (٣) ، فذلك قوله : (قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ) يعنى جزاء ذنبهم ، ذاقوا القتل ببدر (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ـ ١٥ ـ ثم ضرب مثلا للمنافقين حين «غروا» (٤) اليهود

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٢٦ ، وتمامها : (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً).

(٢) «بأسهم» : ساقطة من أ.

(٣) فى أ : «بسنين» ، وفى ف : «بسنتين».

(٤) فى أ : «غزوا» ، وفى م : «غزو» وفى ف : «غزوا».

٢٨١

فتبرءوا منهم عند الشدة وأسلموهم ، فقال : (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ) وذلك أنه كان «راهبا» (١) فى بنى إسرائيل «اسمه برصيصا» (٢) وكان فى صومعته أربعين عاما ، يعبد الله ، ولا يكلم أحدا ، ولا يشرف على أحد ، وكان لا يكل من ذكر الله ـ عزوجل ـ ، وكان الشيطان لا يقدر عليه مع ذكره لله ـ تعالى ـ ، فقال الشيطان [١٩١ أ] لإبليس : قد غلبني برصيصا ، ولست أقدر عليه. فقال إبليس : اذهب ، فانصب له ما نصبت لأبيه من قبل. وكانت جارية ثلاثة من بنى إسرائيل عظيمة الشرف جميلة من أهل بيت صدق ، ولها إخوة فجاء الشيطان إليها ، فدخل فى جوفها فخنقها حتى ازبدت ، فالتمس إخوتها لها الأطباء ، وضربوا لها ظهروا وبطنا ويمينا وشمالا ، فأتاهم الشيطان فى منامهم ، فقال : عليكم ببرصيصا الراهب ، فليدع لها فإنه مستجاب الدعاء ، فلما أصبحوا قال بعضهم لبعض : انطلقوا بأختنا إلى برصيصا الراهب فليدع لها ، فإنا نرجو البركة فى دعائه ، فانطلقوا بها إليه ، فقالوا : يا برصيصا أشرف علينا ، وكلمنا ، فإنا بنو فلان ، وإنما جئنا لباب حسنة ، وأجر. فأشرف فكلمهم وكلموه ، فلما رد عليها وجد الشيطان خللا فدخل فى جوفه ووسوس إليه. فقال : يا برصيصا هذا باب حسنة وأجر ، تدعو الله لها فيشفيها. فأمرهم أن يدخلوها الخربة وينطلقوا هم فأدخلوها الحربة ومضوا ، وكان برصيصا لا يتهم فى بنى إسرائيل ، فقال له الشيطان : يا برصيصا انزل فضع يدك على بطنها ، وناصيتها ، وادع لها فما زال به حتى أنزله من صومعته ، فلما نزل خرج منه فدخل فى جوف الجارية

__________________

(١) فى أ ، ف : «راهب» ، والأنسب ما ذكرته.

(٢) فى أ : «وكان اسمه برصيصا» ، وفى ف : «اسمه برصيصا».

٢٨٢

فاضطربت ، وانكشفت فلما رأى ذلك ، ولم يكن له عهد بالنساء وقع بها ، قال الشيطان : يا برصيصا يا أعبد بنى إسرائيل ما صنعت؟ الزنا بعد العبادة يا برصيصا؟ إن هذه تخبر إخوتها بما أتيت لها فتفتضح فى بنى إسرائيل فاعمد إليها ، فاقتلها وادفنها فى التراب ، ثم اصعد إلى صومعتك ، وتب إلى الله ، وتعبد فإذا جاء إخوتها ، فسألوا عنها ، فأخبرهم أنك دعوت لها ، وأن الجنى طار عنها ، وأنهم طاروا بها ، فمن هذا الذي يتهمك فى بنى إسرائيل ، فقتلها ودفنها فى الخربة ، فلما جاء إخوتها ، قالوا : أين أختنا؟ فقال : أختكم طارت بها الجن ، فرجعوا وهم لا يتهمونه ، فأتاهم الشيطان فى المنام ، فقال : إن برصيصا قد فضح أختكم ، فلما أصبحوا جعل كل واحد منهم يكلم صاحبه بما رأى ، فتكلم بما رأى. فقال الآخر : لقد رأيت مثل ما رأيت. فقال الثالث : مثل ذلك ، فلم يرفعوا بذلك رأسا حتى رأوا ثلاث ليال ، فانطلقوا إلى برصيصا ، فقالوا : أين أختنا؟ فقال : لا أدرى طارت بها الجن ، فدخلوا الخربة ، فإذا هم بالتراب ناتئ فى الخربة فضربوه بأرجلهم فإذا هم بأختهم فأتوه ، فقالوا : يا عدو الله ، قتلت أختنا. فانطلقوا إلى الملك فأخبروه ، فبعث إليه فاستنزله ، من صومعته ، ونحتوا له خشبة ، فأوثقوه عليها فأتاه الشيطان [١٩١ ب] فقال : أتعرفني يا برصيصا. قال : لا. قال : أنا الذي أنزلتك هذه المنزلة ، فإن فعلت ما آمرك به استنقذتك ، مما أنت فيه وأطلعتك إلى صومعتك؟ قال : وبماذا؟ قال : أنمثل لك فى صورتي ، فتسجد لي سجدة واحدة وأنجيك مما هنا؟ قال : نعم. فتمثل له الشيطان فى صورته فسجد له وكفر بالله ، فانطلق الشيطان ، وتركه ، وقتل برصيصا ، فذلك قوله : («كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ» قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ)

٢٨٣

ـ ١٦ ـ (فَكانَ عاقِبَتَهُما) يعنى الشيطان والإنسان (أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها) الشيطان والراهب (وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ) ـ ١٧ ـ يقول هكذا ثواب المنافقين واليهود النار ، ثم حذر المؤمنين ولاية اليهود ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ) يعنى ولتعلم نفس (ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ) يعنى ما عملت لغد يعنى ليوم القيامة (وَاتَّقُوا اللهَ) يحذرهم ولاية اليهود (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) ـ ١٨ ـ من الخير والشر ، ومن معاونة اليهود ، ثم وعظ المؤمنين ألا يتركوا أمره «ولا يكونوا» (١) بمنزلة أهل الكتاب ، فقال : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ) يعنى تركوا أمر الله (فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ) أن يقدموا لها خيرا (أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) ـ ١٩ ـ يعنى العاصين ، ثم ذكر مستقر الفريقين فقال : (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ) يوم القيامة فى الثواب والمنزلة (أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ) ـ ٢٠ ـ يعنى هم الناجون من النار ، وأصحاب النار هم فى النار خالدون فيها أبدا ، ثم وعظهم فقال : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ) الذي فيه أمره ونهيه ، ووعده ووعيده ، وحرامه وحلاله (عَلى جَبَلٍ) وحملته إياه (لَرَأَيْتَهُ) يا محمد (خاشِعاً) يعنى خاضعا (مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) فكيف لا يرق هذا الإنسان ولا يخشى الله فأمر الله الناس الذين «هم» (٢) أضعف من الجبل الأصم الذي عروقه فى الأرض السابعة ورأسه فى السماء أن يأخذوا القرآن بالخشية والشدة ، والتخشع ، فضرب الله لذلك مثلا فقال :

__________________

(١) فى أ ، ل ، م : «يكونوا» ، وفى ف : «ولا يكونوا».

(٢) «هم» : زيادة اقتضاها السياق.

٢٨٤

(وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ (١) لَعَلَّهُمْ) يعنى لكي (يَتَفَكَّرُونَ) ـ ٢١ ـ فى أمثال الله فيعتبروا فى الربوبية ، فوحد الرب نفسه فقال : (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ) يعنى غيب ما كان وما يكون (وَالشَّهادَةِ) يعنى شهادته بالحق فى كل شيء (هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) ـ ٢٢ ـ اسمان رقيقان ، أحدهما أرق من الآخر ، فلما ذكر (الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) قال مشركون العرب ما نعرف الرحمن الرحيم إنما اسمه الله ، فأراد الله ـ تعالى ـ أن يخبرهم أن له أسماء كثيرة فقال : (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) اسم الرب ـ تعالى ـ هو الله وتفسير الله : «اسم» (٢) «الربوبية» (٣) القاهر لخلقه [١٩٢ أ] وسائر أسمائه على فعاله (٤) (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) فوحد نفسه ، فقال لنفسه : (الْمَلِكُ) يعنى يملك كل شيء دونه (الْقُدُّوسُ) يعنى الطاهر (السَّلامُ) يسلم عباده من ظلمه (الْمُؤْمِنُ) يؤمن أولياؤه من عذابه (الْمُهَيْمِنُ) يعنى الشهيد على عباده بأعمالهم من خير أو شر ، كقوله («... وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) (٥) ...» كقوله : («... شاهِداً عَلَيْكُمْ) (٦) ...» على عباده بأعمالهم من خير أو شر

__________________

(١) (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ) : ساقط من أ.

(٢) فى أ : «اسما» ، وفى ف : «اسم».

(٣) فى أ : «لربوبيته» ، وفى ف : «الربوبية».

(٤) فى أ : زيادة : «قال أبو صالح أله العباد كلهم إليه كما بله الطفل إلى ثدي أمه أله العباد إليه أى أحوجهم إليه» ، وليست فى ف.

(٥) سورة المائدة : ٤٨ ، وتمامها : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ).

(٦) سورة المزمل : ١٥ وتمامها : (إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً).

وقد سقطت «عليكم» من الأصل فأثبتها طبقا لمنطوق الآية.

٢٨٥

المصدق بكتابه الذي أنزله على محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (الْعَزِيزُ) يعنى المنيع بقدرته فى ملكه (الْجَبَّارُ) يعنى القاهر على ما أراد بخلقه (الْمُتَكَبِّرُ) يعنى المتعظم على كل شيء (سُبْحانَ اللهِ) نزه الرب نفسه عن قولهم البهتان (عَمَّا يُشْرِكُونَ) ـ ٢٣ ـ معه فنزه الرب نفسه أن يكون له شريك فقال : (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) معه غيره أن يكون له شريك ، ثم «قال عن نفسه» (١) (هُوَ اللهُ الْخالِقُ) يعنى خالق كل شيء خلق النطفة والمضغة ، ثم قال : (الْبارِئُ) الأنفس حين «برأها» (٢) بعد مضغة إنسانا فجعل له العينين ، والأذنين ، واليدين ، والرجلين ، ثم قال : (الْمُصَوِّرُ) فى الأرحام ، كيف يشاء ذكر وأنثى ، أبيض وأسود ، سوى وغير سوى ، ثم قال : (لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) يعنى الرحمن الرحيم العزيز الجبار المتكبر ... ونحوها من الأسماء يعنى هذه الأسماء التي ذكرها فى هذه السورة ، ثم قال : (يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يعنى يذكره : «يوحده» (٣) ما فى السموات والأرض «وما فيهما» (٤) ، من الخلق وغيره (وَهُوَ الْعَزِيزُ) فى ملكه (الْحَكِيمُ) ـ ٢٤ ـ فى أمره ، قوله : (الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) الرحيم أرق من الرحمن يعنى المترحم يعنى المتعطف بالرحمة على خلقه.

حدثنا عبد الله قال : حدثني أبى : وحدثنا الهذيل عن سعيد بن بشير : عن قتادة : عن ابن سيرين : عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : وبإسناده عن

__________________

(١) فى أ : «ثم قال لنفسه» ، ولعل أصلها : «قال عن نفسه».

(٢) فى أ : «براها».

(٣) «يوحده» : كذا فى أ ، ف ، والأنسب «ويوحده» ، بزيادة واو المعطف.

(٤) فى أ : «ما فيهما» ، وفى ف : «ومن فيهما».

٢٨٦

مقاتل : عن قتادة : عن ابن سيرين : عن أبى هريرة عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : «إن لله تسعة وتسعين اسما فى القرآن فمن أحصاها دخل الجنة».

حدثنا عبد الله قال : حدثني أبى قال : حدثنا الهذيل عن المسيب : قال (سُبْحانَ اللهِ) : «انصاف» (١) لله من السوء.

وقال على بن أبى طالب ـ رضى الله عنه ـ : (سُبْحانَ اللهِ) كلمة رضيها الله لنفسه.

وقال الهذيل : قال مقاتل : (سُبْحانَ اللهِ) كل شيء فى القرآن (٢) تنزيه نزه نفسه. من السوء إلا أول بنى إسرائيل (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ) (٣) يقول عجب ، و (سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ) (٤) يعنى عجب الذي خلق الأزواج ، وقوله : (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ) (٥) يقول صلوا لله.

حدثنا عبد الله قال : حدثني أبى قال : حدثنا الهذيل عن هشيم عن داود ابن أبى هند : عن مطرف بن الشخير قال : إن الله ـ تعالى ـ لم يكلنا فى القرآن على القدر.

__________________

(١) فى ف : «انكفأ» ، وفى أ : «انكاف» ، ولعل أصلها «انصاف».

(٢) كذا فى أ ، ف ، «المراد» ، كل لفظ (سُبْحانَ اللهِ) فى القرآن.

(٣) سورة الإسراء : ١.

(٤) سورة يس : ٣٦ ، فى الأصل (سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ) مع أن الواو حرف عطف وليست فى الآية فالأولى كتابتها ، سبحان الذي خلق الأزواج.

(٥) سورة الروم الآية ١٧ ، رضوا بها (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ) ، بينا هي فى الأصل ، وقوله ((فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ).

٢٨٧
٢٨٨

سورة الممتحنة

٢٨٩
٢٩٠

(٦٠) سورة المنتحنة؟؟؟ مدنية

وآياتها ثلاث عشرة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ

٢٩١

وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١) إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (٢) لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣) قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٤) رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٥) لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٦) عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧) لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨) إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ

٢٩٢

وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠) وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (١١) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ (١٣))

٢٩٣
٢٩٤

[سورة الممتحنة] (١)

سورة الامتحان (٢) مدنية عددها ثلاث (٣) عشرة آية كوفية.

__________________

(١) معظم مقصود السورة :

النهى عن موالاة الخارجين عن ملة الإسلام ، والاقتداء بالسلف الصالح ، طريق الطاعة والعبادة وانتظار المودة بعد العداوة ، وامتحان المدّعين بمطالبة الحقيقة ، وأمر الرسول بكيفية البيعة مع أهل الستر والعفة ، والتجنب من أهل الزيغ والضلالة فى قوله : (... لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ ...) سورة الممتحنة : ١٣.

(٢) فى المصحف سورة الممتحنة مدنية ، ... وآياتها ١٣ نزلت بعد سورة الأحزاب.

(٣) فى أ : «ثلاثة عشر» ، والصواب «ثلاث عشرة».

٢٩٥
٢٩٦

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ) وذلك أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أمر الناس بالجهاد وعسكر ، وكتب حاطب بن أبى بلتعة إلى أهل مكة. إن محمدا قد عسكر ، وما أراه ألا يريدكم فخذوا حذركم وأرسل بالكتاب مع سارة مولاة أبى عمرو بن صيفي بن هاشم وكانت قد جاءت من مكة إلى المدينة فأعطاها حاطب بن أبى بلتعة عشرة دنانير على أن تبلغ كتابه أهل مكة وجاء جبريل ، فأخبر النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بأمر الكتاب ، وأمر حاطب فبعث رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ على بن أبى طالب ـ عليه‌السلام ـ ، والزبير بن العوام ، وقال لهما : إن أعطتكما الكتاب عفوا خليا سبيلها ، وإن أبت فاضربا عنقها. فسارا حتى أدركا بالحجفة وسألاها عن الكتاب فخلفت ، ما معها كتاب ، وقالت : لأنا إلى خيركم أفقر منى إلى غير ذلك. فابتحثاها ، فلم يجدا معها شيئا ، فقال الزبير لعلى بن أبى طالب ـ رضى الله عنهما ـ ارجع بنا ، فإنا لا نرى معها شيئا. فقال على : والله لأضربن عنقها ، والله ما كذب رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «ولا كذبنا» (١) فقال الزبير : صدقت اضرب عنقها. فسل على سيفه ، فلما عرفت الجد منهما أخذت

__________________

(١) فى أ : «ولا كذب» ، وفى كتب السيرة «ولا كذبنا».

٢٩٧

عليهما المواثيق ، أإن أعطيتكما الكتاب لا تقتلاني ، ولا تسبيانى ، ولا تردانى إلى محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، ولتخليان سبيلي فأعطياها المواثيق ، فاستخرجت الصحيفة من ذؤابتها «ودفعتها» (١) فخليا سبيلها «وأقبلا» (٢) بالصحيفة فوضعاها فى يدي رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «فقرأها» (٣). فأرسل إلى حاطب بن أبى بلتعة ، فقال له : أتعرف هذا الكتاب؟ قال : نعم. قال : فما حملك على أن تنذر بنا عدونا؟ قال حاطب اعف عنى عفا الله عنك ، فو الذي أنزل عليك الكتاب ما كفرت منذ أسلمت «ولا كذبتك» (٤) منذ صدقتك ، ولا أبغضتك منذ أحببتك ، ولا واليتهم منذ عاديتهم ، وقد علمت أن كتابي لا ينفعهم ولا يضرك فأعذرني ، جعلني الله فداك فإنه ليس من أصحابك أحد إلا وله بمكة من يمنع ماله وعشيرته غيرى وكنت حليفا ولست من أنفس القوم ، وكان حلفائى قد هاجروا كلهم ، وكنت كثير المال والضيعة بمكة فخفت المشركين [١٩٣ أ] على مالي فكتبت إليهم لأتوسل إليهم بها وأتخذها عندهم مودة لأدفع عن مالي ، وقد علمت أن الله منزل بهم خزيه ونقمته وليس كتابي يغنى عنهم شيئا ، فعرف رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه قد صدق فيما قال ، فأنزل الله ـ تعالى ـ عظة للمؤمنين أن يعودوا لمثل صنيع حاطب بن أبى بلتعة ، فقال ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ) (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ)

__________________

(١) فى أ : «ودفعته».

(٢) فى أ : «فأقبلا».

(٣) فى أ : «فقرأه» ، ومعنى قرأه أى قرأ الكتاب أو الصحيفة وقد تكون القراءة على سبيل المجاز يعنى أمر بقرامتها أو قرئت له ، فكأنه قرأها ، لأن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كان أميا قال ـ تعالى ـ : «وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك» سورة.

(٤) فى أ : ولا كفرت ، ف : ولا كذبتك.

٢٩٨

يعنى الصحيفة (وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِ) يعنى القرآن (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ) من مكة (وَإِيَّاكُمْ) قد أخرجوا من دياركم يعنى من مكة (أَنْ تُؤْمِنُوا) يعنى بأن آمنتم (بِاللهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي) فلا تلقوا إليهم بالمودة (تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) يعنى بالصحيفة فيها النصيحة (وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ) يعنى بما أسررتم فى أنفسكم من المودة والولاية (وَما أَعْلَنْتُمْ) لهم من الولاية (وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ) يعنى ومن يسر بالمودة إلى الكفار (فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) ـ ١ ـ يقول فقد أخطأ قصد طريق الهدى ، وفى حاطب نزلت هذه الآية (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ ...) إلى آخر الآية (١).

حدّثنا عبد الله قال : حدّثنى أبى قال : حدّثنا الهذيل عن المسيب ، عن الكلبي ، عن أبى صالح ، عن ابن عباس قال : أقبلت سارة مولاة أبى عمرو بن صيفي بن هاشم ابن عبد مناف من مكة إلى المدينة المنورة ، ورسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يتجهز لفتح مكة فلما رآها رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : مالك ، يا سارة؟ أمسلمة جئت؟ قالت : لا. قال : أفمهاجرة جئت؟ قالت : لا. قال : فما حاجتك؟ قالت : كنتم الأصل والموالي والعشيرة وقد ذهب موالي ، وقد احتجت حاجة شديدة فقدمت عليكم لتكسونى وتنفقوا على وتحملوني. فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : فأين أنت من شباب أهل مكة ـ وكانت امرأة مغنية نائحة ـ فقالت : يا محمد ، ما طلب أحد منهم شيئا منذ كانت وقعة بدر «قال» (٢) فحث عليها رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بنى عبد المطلب وبنى

__________________

(١) من ف ، وفى أ : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) الى آخر الآية.

(٢) «قالت» : بالأصل والصواب «قال».

٢٩٩

هاشم فكسوها وأعطوها نفقة وحملوها ، فلما أرادت الخروج إلى مكة أتاها حاطب ابن أبى بلتعة رجل من أهل اليمن حليف للزبير بن العوام فجعل لها جعلا على أن تبلغ كتابه إلى آخر الحديث.

ثم أخبر المؤمنين بعداوة كفار مكة إياهم ، فقال : (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً) يقول إن يظهروا عليكم وأنتم على دينكم الإسلام مفارقين لهم (وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ) بالقتل (وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ) يعنى الشتم (وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) ـ ٢ ـ إن ظهروا عليكم يعنى إن ترجعوا إلى دينهم فإن فعلتم ذلك [١٩٣ ب] (لَنْ تَنْفَعَكُمْ) يعنى لا تغنى عنكم (أَرْحامُكُمْ) يعنى أقرباءكم (وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) بالعدل (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ـ ٣ ـ به.

قوله : (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ) من المؤمنين (إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) من الآلهة (كَفَرْنا بِكُمْ) يقول تبرأنا منكم (وَبَدا) يعنى وظهر (بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ) يعنى تصدقوا بالله وحده (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) (١) يقول الله تبرءوا من كفار قومكم «فقد كانت» (٢) لكم أسوة حسنة فى إبراهيم ومن معه من المؤمنين فى البراءة من قومهم وليس لكم أسوة حسنة فى الاستغفار للمشركين يقول إبراهيم لأستغفرن

__________________

(١) فى ف زيادة ليست من الآية وهي : (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) ، كما أن ف حذفت بقية الآية.

وفى أذكر بقية الآية فى الحاشية ، وقد أصلحت الأخطاء.

(٢) فى أ ، ف : «فإن كانت» ، والأنسب : «فقد كانت».

٣٠٠