تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٦٧

[سورة الطلاق (١)]

سورة الطلاق مدنية عددها «اثنتا عشرة آية (٢)» كوفى (٣).

__________________

(١) معظم مقصود السورة :

بيان طلاق السنة ، وأحكام العدة ، والتوكل على الله ـ تعالى ـ فى الأمور ، وبيان نفقة النساء حال الحمل والرضاع وبيان عقوبة المتعدّين وعذابهم ، وأن التكليف على قدر الطاقة ، وأن الصالحين الثواب والكرامة ، وبيان عقوبة المتعدين وعذابهم ، وأن التكليف على قدر الطاقة ، وأن الصالحين الثواب والكرامة ، وبيان إحاطة العلم ، والقدرة فى قوله : (... لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً). سورة الطلاق : ١٢.

وتسمى سورة الطلاق لقوله : (... إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ...) سورة الطلاق : ١.

كما تسمى سورة النساء القصرى ـ قاله عبد الله بن مسعود ـ وذلك تمييزا لها عن سورة النساء الكبرى وهي السورة الرابعة فى ترتيب المصحف ، بعد سورة الفاتحة ، وسورة البقرة ، وسورة آل عمران ، تجيء سورة النساء.

(٢) فى أ : «اثنا عشر آية» ، والصواب : «اثنتا عشرة آية».

(٣) فى المصحف : (٦٥) سورة الطلاق مدنية وآياتها ١٢ نزلت بعد سورة الإنسان.

٣٦١
٣٦٢

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) نزلت فى عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وعتبة بن عمرو المازني ، وطفيل بن الحارث ، وعمرو بن سعيد ابن العاص («يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ» فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) يعنى «طاهرا (١)» من غير جماع (وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ) فلا تعصوه فيما أمركم به (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ) من قبل أنفسهن ما دمن فى العدة وعليهن الرجعة (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) يعنى العصيان البين ، وهو النشوز (وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ) يعنى سنة الله وأمره أن تطلق المرأة للعدة «طاهرة «(٢)»» من غير حيض ولا جماع (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ) يعنى سنة الله وأمره فيطلق لغير العدة (فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) ـ ١ ـ يعنى بعد التطليقة والتطليقتين أمرا يعنى الرجعة (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَ) يعنى به انقضاء العدة قبل أن تغتسل (فَأَمْسِكُوهُنَ) [٢٠٠ ب] إذا راجعتموهن (بِمَعْرُوفٍ) يعنى طاعة الله (أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) يعنى طاعة الله فى غير إضرار فهذا هو الإحسان (وَأَشْهِدُوا) على الطلاق والمراجعة

__________________

(١ ، ٢) كذا فى أ ، ف : «طاهرا» ، وكان الأنسب «طاهرات» أو «طاهرة» ، أى حال كونهن طاهرات ، أو حال كون المطلقة طاهرة.

فلعله أراد حال كون الطليق طاهرا من غير جماع ويلاحظ أن كلمة «طليق» وصف على صيغة فعيل يستوي فيه المذكر والمؤنث ، فيقال رجل طليق وامرأة طليق ، وكذلك كريم وبخيل.

٣٦٣

(ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) ثم قال للشهود : (وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ) على وجهها (ذلِكُمْ) الذي ذكر الله ـ تعالى ـ من الطلاق والمراجعة (يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) يعنى يصدق بالله أنه واحد لا شريك له وبالبعث الذي فيه جزاء الأعمال ، فليفعل ما أمره الله ، ثم قال : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) ـ ٢ ـ نزلت فى عوف بن مالك الأشجعى ، جاء إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فشكا إليه الحاجة والفاقة ، فأمره النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بالصبر ، «وكان ابن له أسير (١)» فى أيدى مشركي العرب فهرب منهم فأصاب منهم إبلا ومتاعا ، ثم إنه رجع إلى أبيه فانطلق أبوه إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، فأخبره بالخبر وسأله : أيحل له أن يأكل من الذي أتاه ابنه؟ فقال له النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : نعم فأنزل الله ـ تعالى ـ (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ) فيصبر (يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) من الشدة (وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) يعنى من حيث لا يأمل ، ولا يرجو فرزقه الله ـ تعالى ـ من حيث لا يأمل ولا يرجو ، ثم قال : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) فى الرزق فيثق به (فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ) فيما نزل به من الشدة والبلاء (قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ) من الشدة والرخاء (قَدْراً) ـ ٣ ـ يعنى متى يكون هذا الغنى فقيرا؟ ومتى يكون هذا الفقير غنيا؟ فقدر الله ذلك كله ، لا يقدم ولا يؤخر.

فقال رجل للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حين نزلت «والمطلقات يتربصن بأنفسين ثلاثة قروء ...» (٢) فما عدة المرأة التي لا تحيض؟ وقال خلاد الأنصارى :

__________________

(١) كذا فى أ ، والأنسب : «وكان له ابن أسير».

(٢) سورة البقرة : ٢٢٨.

٣٦٤

«ما عدة (١)» من لم تحض من صغر؟ «وما عدة» (٢) الحبلى؟ فأنزل الله ـ عزوجل ـ فى اللاتي قعدن عن المحيض (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ) يعنى القواعد من النساء اللاتي قعدن عن المحيض (إِنِ ارْتَبْتُمْ) يعنى شككتم ، فلم «يدر (٣)» كم عدتها (فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ) إذا طلقن ، ثم قال : (وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) فكذلك أيضا يعنى عدة الجواري اللاتي لم يبلغن الحيض ، وقد نكحن ، ثم طلقن ، فعدتهن ثلاثة أشهر ، ثم قال : (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَ) يعنى «الحبلى (٤)» : فعدتهن (أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) يقول فإن كانت هذه المطلقة حبلى فأجلها إلى أن تضع حملها. ثم رجع إلى الطلاق ، فقال : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ) فى أمر الطلاق (يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) ـ ٤ ـ يقول ومن يتق الله فيطلق كما أمره الله ـ تعالى ـ ويطيع الله فى النفقة ، والمسكن ، ييسر الله أمره ، ويوفقه للعمل الصالح (ذلِكَ) الذي ذكر من الطلاق ، [١٢٠١] والنفقة ، والمسكن ، (أَمْرُ اللهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ) فيما أمره ما ذكر (يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ) يعنى يغفر له ذنوبه (وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً) ـ ٥ ـ يعنى الجزاء ، يعنى يضاعفه له (أَسْكِنُوهُنَ) يعنى المطلقة الواحدة والثنتين (٥) (مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ)

__________________

(١) «ما عدة» : من أ ، وفى ف : «وعدة».

(٢) العبارة من ف ، وفى أ : وقال خلاد لأنصارى من لم تحض فبين الله عدة من لا محيض ، وعدة التي لم تحض من صغر ، وعدة الحبلى ، فأنزل الله ـ تعالى ـ فى اللاتي قعدن من المحيض «إن ارتبتم» وفيها خطأ ، فى السياق ، وفى الآية ، ولذا اعتمدت على ف فى هذه العبارة.

(٣) في أ : «تدر» ، وفى ف : «يدر».

(٤) كذا فى أ ، ف ، وفى حاشية أ : «الحبالى ، محمد».

(٥) كذا فى أ ، ف ، والمراد به المفردة والمثنى والجمع.

٣٦٥

يعنى من سعتكم فى النفقة ، والمسكن ، («وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَ) (١) (» وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ) يعنى المطلقة وهي حبل (فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ) أولادكم إذا وضعن حملهن (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) يعنى فأعطوهن أجورهن (وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ) يعنى الرجل والمرأة (بِمَعْرُوفٍ) يقول حتى «تنفقوا (٢)» من النفقة على أمر بمعروف (وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ) يعنى الرجل والمرأة وإذا أراد الرجل أقل مما طلبت المرأة من النفقة فلم يتفقوا على أمر (فَسَتُرْضِعُ لَهُ) يعنى للرجل امرأة (أُخْرى) ـ ٦ ـ يقول ليلتمس غيرها من المواضع ، ثم قال : (لِيُنْفِقْ) فى المراضع (ذُو سَعَةٍ) فى المال (مِنْ سَعَتِهِ) الذي أوسع الله له على قدره (وَمَنْ قُدِرَ) يعنى قتر (عَلَيْهِ رِزْقُهُ) مثل قوله : «... إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه ...» (٣) يعنى نضيق عليه فى بطن الحوت ، (فَلْيُنْفِقْ) فى المواضع قدر فقره (مِمَّا آتاهُ اللهُ) يعنى مما أعطاه الله من الرزق على قدر طاقته ، فذلك قوله : (لا يُكَلِّفُ اللهُ) فى النفقة (نَفْساً إِلَّا ما آتاها) يعنى إلا ما أعطاها من الرزق (سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) ـ ٧ ـ يعنى من بعد الفقر سعة فى الرزق (وَكَأَيِّنْ) يعنى وكم (مِنْ قَرْيَةٍ) يعنى فيما خلا (عَتَتْ) يقول خالفت (عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَ) خالفت (رُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً) يعنى فحاسبها الله بعملها فى الدنيا فجزاها العذاب (وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً) ـ ٨ ـ يعنى فظيعا ، فذلك قوله : (فَذاقَتْ) العذاب فى الدنيا (وَبالَ أَمْرِها)

__________________

(١) (وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ) : ساقط من أ.

(٢) فى أ : «تنفقوا» ، وفى ف : «تنفقوا» ، وهي غير واضحة فى كليهما.

(٣) سورة الأنبياء : ٨٧.

٣٦٦

يعنى جزاء ذنبها (وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً) ـ ٩ ـ يقول كان عاقبتهم الخسران فى الدنيا وفى الآخرة حين كذبوا فأخبر الله ، عنهم بما أعدلهم فى الدنيا ، وما أعد لهم فى الآخرة فقال : (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ) فى الآخرة (عَذاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللهَ) يحذرهم (يا أُولِي الْأَلْبابِ) يعنى من كان له لب أو عقل فليعتبر فيما يسمع مع الوعيد فينتفع بمواعظ الله ـ تعالى ـ يخوف كفار مكة ، لئلا يكذبوا محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فينزل بهم ما نزل بالأمم الخالية حين كذبوا رسلهم بالعذاب فى الدنيا والآخرة ، ثم قال : للذين آمنوا (فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ) ثم نعتهم فقال : (الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً) ـ ١٠ ـ يعنى قرنا (رَسُولاً) يعنى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ) يعنى يقرأ عليكم آيات القرآن (مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ) [٢٠١ ب] (الَّذِينَ آمَنُوا) فى علمه (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) يعنى من الشرك إلى الإيمان (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ) يعنى يصدق بالله أنه واحد لا شريك له (وَيَعْمَلْ صالِحاً) فى إيمانه (يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ) يعنى البساتين (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) يقول تجرى من تحت البساتين الأنهار (خالِدِينَ فِيها) يعنى مقيمين فيها (أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً) ـ ١١ ـ يعنى به الجنة (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَ) خلق (مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَ) يعنى الوحى من السماء العليا إلى الأرض السفلى (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) ـ ١٢ ـ.

٣٦٧

حدثنا عبد الله ، قال : حدثني أبى ، قال : حدثنا الهذيل ، قال : سمعت أبا يوسف ، ولم أسمع «مقاتلا (١)» ، يحدث عن حبيب بن حسان عن أبى الضحى فى قوله : (سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) قال : آدم كآدم ، ونوح كنوح ونبى ومثل نبى. وبه الهذيل عن وكيع ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ابن مهاجر ، عن مجاهد ، عن ابن عباس فى قوله : (سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) ، قال : لو حدثتكم تفسيرها لكفرتم وكفركم بها تكذيبكم بها ، قال الهذيل : ولم أسمع «مقاتلا (٢)».

__________________

(١) فى أ : «مقاتل» ، وفى ف : «مقاتلا».

(٢) فى أ : «مقاتل» ، وفى ف : «مقاتلا».

٣٦٨

سورة التّحريم

٣٦٩
٣٧٠

(٦٦) سورة التحريم مدنية

وآياتها اثنتا عشرة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١) قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٢) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (٣) إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (٤) عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً (٥) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ

٣٧١

وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٨) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٩) ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (١٠) وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١١) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ (١٢))

٣٧٢

[سورة التحريم (١)]

سورة التحريم مدنية عددها «اثنتا عشرة (٢)» آية (٣).

__________________

(١) معظم مقصود السورة :

عتاب الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى التحريم والتحليل قبل ورود وحى سماوي» وتعبير الزوجات الطاهرات على إيذائه وإظهار سره ، والأمر بالتحرز والتجنب من جهنم ، والأمر بالتوبة النصوح ، والوعد بإتمام النور فى القيامة ، والأمر بجهاد الكفار بطريق السياسة ، ومع المنافقين بالبرهان والحجة وبيان أن القرابة غير نافعة بدون الإيمان والمعرفة ، وأن قرب المفسدين لا يضر مع وجود الصدق والإخلاص ، والخبر عن شجاعة امرأة فرعون وإيمانها ، وتصديق مريم ، بقوله (... وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ ...) سورة التحريم : ١٢

(٢) فى أ : «اثنا عشر» ، والصواب «اثنتا عشرة».

(٣) فى المصحف : (٦٦) سورة التحريم مدنية وآياتها ١٢ نزلت بعد سورة الحجرات.

٣٧٣
٣٧٤

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ) يعنى مارية القبطية وهي أم إبراهيم بن محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وذلك أن حفصة بنت عمر بن الخطاب زارت أباها ، وكانت يومها عنده (١) فلما رجعت أبصرت النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ مع مارية القبطية فى بيتها ، فلم تدخل حتى خرجت مارية فقالت للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : إنى قد رأيت من كان معك فى البيت يومى وعلى فراشي. فلما رأى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى وجه حفصة الغيرة والكآبة قال لها : يا حفصة ، اكتمي على ، ولا تخبري عائشة ولك على ألا أقربها أبدا.

وبإسناده ، قال مقاتل : قال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لحفصة : اكتمي على حتى أبشرك أنه يلي الأمر من بعدي أبو بكر ، وبعد أبو بكر أبوك. فأمرها النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ألا تخبر أحدا فعمدت حفصة ، فأخبرت عائشة وكانتا متصافيتين ، فغضبت عائشة فلم تزل بالنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حتى حلف ألا يقرب مارية القبطية ، فأنزل الله ـ تعالى ـ هذه الآية : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ) يعنى حفصة

__________________

(١) كان ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بقسم بين نسائه فيجعل لكل واحدة يوما ـ فمعنى وكانت يومها عنده ـ أى كان يوم حفصة عند رسول الله والعبارة قلقة كما ترى.

٣٧٥

(وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ـ ١ ـ لهذه اليمين التي حلفت عليها (قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ) يعنى قد بين الله لكم نظيرها [٣٠٢ أ] فى سورة النور (١) (تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ) مثلها فى المائدة (... إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ) (٢) (...) فأعتق النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ رقبة فى تحريم ماريه (وَاللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ) بخلقه (الْحَكِيمُ) ـ ٢ ـ فى أمره حكم الكفارة.

(وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ) يعنى حفصة (حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ) حفصة (بِهِ) عائشة يقول أخبرت به عائشة يعنى الحديث الذي أسر إليها النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من أمر مارية (وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ) يعنى أظهر الله النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ على قول حفصة لعائشة فدعاها النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فأخبرها ببعض ما قالت لعائشة ، ولم يخبرها بعملها أجمع ، فذلك قوله : (عَرَّفَ) النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (بَعْضَهُ) (٣) : بعض الحديث (وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ) الحديث بأن أبا بكر وعمر يملكان بعده (فَلَمَّا نَبَّأَها) النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (بِهِ) (٤) بما «أفشت (٥)» عليه (قالَتْ) حفصة للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ

__________________

(١) سورة النور : (١) وتمامها : (سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).

(٢) سورة المائدة : ٨٩ وتمامها : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).

(٣) فى أ : («بعضه» الحديث)

(٤) «به» : ساقطة من أ.

(٥) فى أ : «فشت».

٣٧٦

(مَنْ أَنْبَأَكَ هذا) الحديث (قالَ) النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (نَبَّأَنِيَ) يعنى أخبرنى (الْعَلِيمُ) بالسر (الْخَبِيرُ) ـ ٣ ـ به (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ) يعنى حفصة وعائشة (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) يعنى مالت قلوبكما (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ) يعنى تعاونتما «على (١)» معصية النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وأذاه (فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ) يعنى وليه (وَجِبْرِيلُ) ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) ـ ٤ ـ للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يعنى أعوانا للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عليكما إن تظاهرتما عليه فلما نزلت هذه الآية هم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بطلاق حفصة حين «أبدأت (٢)» عليه. قال عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ : لو علم الله فى آل عمر خيرا ما طلت حفصة. فنزل جبريل على النبي ـ صلى الله عليهما ـ فقال لا تطلقها : لأنها صوامة قوامة وهي من نسائك فى الجنة ، فأمسكها النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بعد ذلك ، ثم قال : (عَسى رَبُّهُ) يعنى رب محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (إِنْ طَلَّقَكُنَ) النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فطلقها النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ واحدة وراجعها (أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَ) ، ثم نعتهن فقال : (مُسْلِماتٍ) يعنى مخلصات (مُؤْمِناتٍ) يعنى مصدقات بتوحيد الله ـ تعالى ـ (قانِتاتٍ) يعنى مطيعات (تائِباتٍ) من الذنوب (عابِداتٍ) يعنى موحدات (سائِحاتٍ) يعنى صائمات (ثَيِّباتٍ) يعنى أيمات لا أزواج لهن (وَأَبْكاراً) ـ ٥ ـ عذارى لم يمسسن. (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ) بالأدب الصالح

__________________

(١) فى أ : «عليه» ، وفى ف : «على».

(٢) فى أ : «أبدت» ، وفى ف : «أبدأت» ، والمعنى أظهرت سره.

٣٧٧

النار فى الآخرة (ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ) يعنى أهلها (١) (وَالْحِجارَةُ) تتعلق فى عنق الكافر مثل جبل الكبريت تشتعل عليه النار بحرها على وجهه (عَلَيْها) يعنى على النار (مَلائِكَةٌ) يعنى خزنتها التسعة عشر (٢) [٢٠٢ ب] (غِلاظٌ شِدادٌ) يعنى أقوياء وذلك أن ما بين «منكبى (٣) أحدهم» مسيرة سنة وقوة أحدهم أن يضرب بالمقمعة «فيدفع بتلك (٤)» الضربة سبعين ألفا عظم كل إنسان مسيرة أيام فيهوى فى قعر جهنم مقدار أربعين سنة ، فيقع أحدهم لا حيا ولا ميتا.

(لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) ـ ٦ ـ يعنى خزنة جهنم (يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا) يعنى كفار مكة (لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ) يعنى القيامة (إِنَّما تُجْزَوْنَ) فى الآخرة (ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ـ ٧ ـ فى الدنيا (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً) يعنى صادقا فى توبته (٥) «لا يحدث نفسه أن يعود إلى بالذنب الذي تاب منه أبدا (٦)» (عَسى رَبُّكُمْ) إن تبتم والعصى من الله واجب (أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) يعنى يغفر لكم ذنوبكم (وَيُدْخِلَكُمْ) فى الآخرة (جَنَّاتٍ) يعنى البساتين («تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) من تحت البساتين (الْأَنْهارُ) (٧) (يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَ) يعنى لا يعذب الله النبي (وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) كما يخزى الظلمة (نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) ولهم (٨) على الصراط دليل إلى

__________________

(١) كذا فى أ ، ف.

(٢) يشير إلى قوله ـ تعالى ـ فى سورة المدثر : ٣٠ (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) وفى ف : «تسعة عشر ملكا».

(٣) فى أ : «منكبية» ، وفى ف : «منكبى أحدهم».

(٤) فى أ : «تدفع تلك» ، وفى ف : «فيدفع بتلك».

(٥) كذا فى أ ، والضمير يعود على النائب المتصيد من الكلام السابق.

(٦) من ف ، وفى أ : «الذي لا يحدث نفسه أن لا يعود إلى الذنوب التي تاب منها أبدا».

(٧) فى أ : «تجر من تحتها» البساتين «الأنهار».

(٨) كذا فى أ ، ف.

٣٧٨

الجنة ، ثم قال : (وَبِأَيْمانِهِمْ) يقول وبتصديقهم بالتوحيد فى الدنيا اعطوا الفوز فى الآخرة إلى الجنة (يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا) فهؤلاء أصحاب الأعراف الذين استوت حسناتهم وسيئاتهم فصارت سواء (إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من الفوز والمغفرة (قَدِيرٌ) ـ ٨ ـ (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ) بالسيف (وَالْمُنافِقِينَ) بالقول (وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) يعنى فى الشدة بالقول عليهم (وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) ـ ٩ ـ (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) يعنى امرأة الكافر التي يتزوجها المسلم وهي (امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما) فى الدين يقول كانتا مخالفتين لدينهما (فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ) يعنى نوح ولوط ـ عليهما‌السلام ـ من كفرهما (شَيْئاً) يعنى امرأتيهما (وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) ـ ١٠ ـ حين عصيا يخوف عائشة وحفصة بتظاهر هما على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فكذلك عائشة وحفصة إن عصيا ربهما لم يغن محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عنهما من الله شيئا ، ثم قال : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا) يعنى المرأة المسلمة التي يتزوجها الكافر ، فإن كفر زوجها لم يضرها مع إسلامها شيئا يقول لعائشة وحفصة : لا تكونا بمنزلة امرأة لوط فى المعصية ، وكونا بمنزلة (امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ) ومريم فى الطاعة (إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ) الشرك (وَنَجِّنِي مِنْ) أهل مصر (الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ـ ١١ ـ يعنى المشركين فنظرت إلى منازلها فى الجنة قبل موتها (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها) [٢٠٣ أ]

٣٧٩

عن الفواحش وإنما ذكرت بأنها أحصنت فرجها لأنها قذفت بالزنا (فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا) وهي مريم بنت عمران بن ماثان بن عازور بن صاروى ابن الردى بن آسال بن عازور بن النعمان بن أيبون بن روبائيل بن سليتا بن أوباخش وهو ابن لوبانية بن بوشنا بن أيمن بن سلتا بن حزقيل بن يونس بن متى بن إيحان ابن بانومر بن عوريا بن معققا بن أمصيا بن نواسر بن حزالى بن يهورم بن يوسقط ابن أسا بن راخيعم بن سليمان بن داود بن أتسى بن عويد بن عمى ناذب بن رام ابن حضرون بن قارص بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق (١) بن إبراهيم ـ عليهم‌السلام ـ «روحنا» يعنى جبريل ، وذلك أن جبريل ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ مد مدرعتها بأصبعيه ، ثم نفخ فى جيبها (وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها) يعنى بعيسى أنه نبى الله (وَكُتُبِهِ) يعنى الإنجيل وكانت مريم (مِنَ الْقانِتِينَ) ـ ١٢ ـ يعنى من المطيعين لربها ، قالت عائشة ـ رضى الله عنها ـ كيف لم يسمهما الله ـ تعالى ـ؟ قال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : ليغضهما. يعنى امرأة نوح وامرأة لوط ، قالت عائشة : فما اسمهما (٢)؟ فأتاه جبريل ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقال : أخبر عائشة ـ رضى الله عنها ـ أن اسم امرأة نوح والغة ، واسم امرأة لوط والهة.

__________________

(١) كذا فى أ ، ف وهو يحتاج إلى تمحيص وتحقيق.

(٢) فى أ : «فقال اسمهما» ، وفى ف : «فما اسمهما».

٣٨٠