تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٦٧

عليه وسلم ـ فى المسير قبل ذلك. فاستحى بعد ذلك أن يدنو من النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فأنزل الله ـ تعالى ـ تصديق زيد وتكذيب عبد الله فقال : «هم» يعنى عبد الله («الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا» وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يعنى مفاتيح الرزق والمطر والنبات (وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ) ـ ٧ ـ «الخير (١)» ، ثم قال ، يعنى عبد الله : (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ) [١٩٩ أ] يعنى الأمنع منها الأذل (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) فهؤلاء أعز من المنافقين (وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) ـ ٨ ـ ذلك ، فانطلق النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يسير ويتخلل على ناقته حتى أدرك زيدا فأخذ بأذنه ففركها حتى احمر وجهه ، فقال لزيد : أبشر فإن الله ـ تعالى ـ قد عذرك ، ووقى سمعك ، وصدقك ، وقرأ عليه الآيتين ، وعلى الناس فعرفوا صدق زيد ، وكذب عبد الله ، قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) يعنى أقروا يعنى المنافقين (لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) يعنى الصلاة المكتوبة (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) يعنى ترك الصلاة (فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) ـ ٩ ـ (وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ) من الأموال (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) يعنى المنافق فيسأل الرجعة عند الموت إلى الدنيا ، ليزكى ماله ويعمل فيها بأمر الله ـ عزوجل ـ فذلك قوله : (فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا) يعنى هلا (أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) لأن الخروج من الدنيا إلى قريب (٢) (فَأَصَّدَّقَ)

__________________

(١) فى أ : «الخبر» ، وفى ف : «الخير».

(٢) كذا فى أ ، ف ، والمراد تأجيل الخروج من الدنيا إلى وقت قريب أى الدماء بتأخير الموت وقتا قصيرا.

٣٤١

يعنى فأزكى مالي (وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) ـ ١٠ ـ يعنى المؤمنين ، مثل قوله : «ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكون من الصالحين» (١) يعنى المؤمنين (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) ـ ١١ ـ من الخير والشر ، يعنى المنافقين (٢).

__________________

(١) سورة التوبة : ٧٥.

(٢) فى أ : «المنافق» ، وفى ف : «المنافقين».

٣٤٢

سورة التّغابن

٣٤٣
٣٤٤

(٦٤) سورة التغابن مدنية

وآياتها ثماني عشرة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣) يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٤) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٥) ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللهُ وَاللهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (٦)

٣٤٥

زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (٧) فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٨) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٩) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٠) ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١) وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٢) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤) إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٥) فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٦) إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً

٣٤٦

حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (١٧) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨))

٣٤٧

قوله : «... ما كتبنا ها عليهم» (١) ـ يقول ما أمرناهم بها ، كقوله : («... ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) (٢) ...» يعنى التي أمركم الله ـ تعالى ـ.

حدثنا عبد الله قال : حدثني أبى قال : حدثني الهذيل عن المسيب ، عن أبى روق فى قوله : («... فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها) (٣) ...» يقول ما وحدونى فيها.

__________________

(١) سورة الحديد : ٢٨.

(٢) سورة المائدة : ٢١.

(٣) سورة الحديد : ٢٧.

٣٤٨

[سورة التغابن (١)]

«سورة التغابن مدنية وفيها مكي (٢)» ، عددها «ثماني عشرة (٣) آية» كوفى (٤)

__________________

(١) معظم مقصود السورة :

بيان تسبيح المخلوقات والحكمة فى خلق الخلق والشكاية من القرون الماضية ، وإنكار الكفار البعث والقيامة وبيان الثواب والعقاب ، والإخبار عن عداوة الأهل والأولاد ، والأمر بالتقوى حسب الاستطاعة ، وتضعيف ثواب المتقين ، والحبر من اطلاع الحق على علم الغيب ، فى قوله : (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) سورة التغابن : ١٨.

(٢) من ف ، وفى أ : «سورة التغابن مكية». وفى المصحف : «سورة التغابن مدنية». وفى بصائر ذوى التمييز للفيروزآبادي «مكية».

(٣) فى أ : «اثنا عشر» ، وهو خطأ ، أولا من جهة اللغة صوابها «اثنتا عشرة آية» ، ثانيا من جهة علوم القرآن الثابت : أن سورة التغابن «ثماني عشرة آية».

(٤) فى المصحف : (٦٤) سورة التغابن مدنية وآياتها (١٨) نزلت بعد سورة التحريم.

وفى بصائر ذوى التمييز للفيروزآبادي ـ السورة مكية إلا آخرها : (... إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ ...) سورة التغابن : ١٤ إلى آخر السورة.

٣٤٩
٣٥٠

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(يُسَبِّحُ لِلَّهِ) يعنى يذكر الله (ما فِي السَّماواتِ) من الملائكة (وَما فِي الْأَرْضِ) من شيء من الخلق غير كفار الجن والإنس (لَهُ الْمُلْكُ) لا يملك أحد غيره (وَلَهُ الْحَمْدُ) فى سلطانه عند خلقه (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) أراده (قَدِيرٌ) ـ ١ ـ (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ) من آدم وحواء وكان بدء خلقهما من تراب (فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) يعنى مصدق بتوحيد الله ـ تعالى ـ (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ـ ٢ ـ (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) يقول لم يخلقهما باطلا خلقهما لأمر هو كائن (وَصَوَّرَكُمْ) يعنى خلقكم فى الأرحام (فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) ولم يخلقكم على صورة الدواب ، والطير فأحسن صوركم يعنى فأحسن خلقكم (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) ـ ٣ ـ فى الآخرة (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ) فى قلوبكم من أعمالكم (وَما تُعْلِنُونَ) منها بألسنتكم (وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) ـ ٤ ـ يعنى القلوب من الخير والشر (أَلَمْ يَأْتِكُمْ) يا أهل مكة (نَبَأُ) يعنى حديث (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ) أهل مكة : حديث الأمم الخالية كيف عذبوا بتكذيبهم رسلهم (فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ) يقول ذاقوا العذاب جزاء [١٩٩ ب] ثواب أعمالهم فى الدنيا (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ـ ٥ ـ (ذلِكَ بِأَنَّهُ) يعنى ذلك بأن العذاب الذي نزل بهم فى الدنيا (كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) يعنى البيان (فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا) عن الإيمان (وَاسْتَغْنَى اللهُ) عن عبادتهم

٣٥١

(وَاللهُ غَنِيٌ) عن عبادة خلقه (حَمِيدٌ) ـ ٦ ـ فى سلطانه عند خلقه (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا) بعد الموت فأكذبهم الله ـ تعالى ـ فقال : (قُلْ) يا محمد لأهل مكة : (بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَ) فى الآخرة (بِما عَمِلْتُمْ) الدنيا (وَذلِكَ) يعنى البعث والحساب (عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) ـ ٧ ـ (فَآمِنُوا) يعنى صدقوا (بِاللهِ) أنه واحد لا شريك له (وَرَسُولِهِ) محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (وَالنُّورِ) يعنى القرآن (الَّذِي أَنْزَلْنا) على محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ) من خير أو شر (خَبِيرٌ) ـ ٨ ـ (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ) يعنى جمع أهل السموات وجمع أهل الأرض (ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ) يعنى أهل الهدى تغبن (١) أهل الضلالة ، فلا غبن أعظم منه فريق فى الجنة وفريق فى السعير ، (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ) أنه واحد لا شريك له (وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) لا يموتون و (ذلِكَ) الثواب الذي ذكر الله ـ تعالى ـ هو (الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ـ ٩ ـ (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) يعنى القرآن (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) ـ ١٠ ـ (ما أَصابَ) ابن آدم (مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) يعنى ومن يصدق بالله فى المصيبة ، ويعلم أن المصيبة من الله ويسلم لأمر الله يهده الله ـ تعالى ـ للاسترجاع ، فذلك قوله :

__________________

(١) الغبن هنا مجاز ، فإن المؤمن بأخذ مكان الكافر فى الجنة ويأخذ الكافر مكان المؤمن فى النار ، فكأن المؤمن غبن الكافر.

وفى الجلالين : «يغبن المؤمنون الكافر بن بأخذ منازلهم وأهليهم فى الجنة لو آمنوا».

٣٥٢

(يَهْدِ قَلْبَهُ) للاسترجاع. يقول : «إنا لله وإنا إليه راجعون» (١) ، وفى سورة البقرة يقول : «أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون» (٢) للاسترجاع (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ) من هذا (عَلِيمٌ) ـ ١١ ـ (وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ) يعنى أعرضتم عن طاعتهما (فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا) محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (الْبَلاغُ الْمُبِينُ) ـ ١٢ ـ (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) ـ ١٣ ـ يقول به فليثق الواثقون. (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) نزلت فى الأشجع (إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ) يعنى إذا أمروكم بالإثم ، وذلك أن الرجل كان إذا أراد الهجرة قال له أهله ، وولده ننشدك الله أن تذهب وتدع أهلك وولدك ومالك ، نضيع بعدك ، ونصير عيالا بالمدينة لا معاش لنا فيثبطونه ، فمنهم من يقيم ، ومنهم من يهاجر ولا يطيع أهله [٢٠٠ أ] ، فيقول : تثبطونا عن الهجرة ، لئن جمعنا الله وإياكم لنعاقبنكم ، ولا نصلكم ، ولا تصيبون منا خيرا ، يقول الله : (فَاحْذَرُوهُمْ) ان تطيعوهم فى ترك الهجرة ، ثم أمرهم بالعفو والصفح والتجاوز فقال : (وَإِنْ تَعْفُوا) عنهم يعنى وإن تتركوهم ، وتعرضوا ، وتتجاوزوا عنهم (وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا) خير لكم (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ) لذنوب المؤمنين (رَحِيمٌ) ـ ١٤ ـ بخلقه ، ثم وعظهم فقال : (إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) يعنى بلاء وشغل عن الآخرة (وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ) يعنى جزاء (عَظِيمٌ) ـ ١٥ ـ يعنى الجنة (فَاتَّقُوا اللهَ) فى أمره ونهيه (مَا اسْتَطَعْتُمْ) يعنى ما أطعتم (وَاسْمَعُوا) له مواعظه (وَأَطِيعُوا) أمره (وَأَنْفِقُوا) من أموالكم فى حق الله (خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ)

__________________

(١) سورة البقرة : ١٥٦.

(٢) سورة البقرة : ١٥٧.

تفسير مقاتل بن سلمان ج ٤ ـ م ٢٤

٣٥٣

ثم رغبهم فى النفقة ، فقال : (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ـ ١٦ ـ أى يعطى حق الله من ماله ، ثم قال : (إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ) يعنى التطوع (قَرْضاً حَسَناً) «يعنى طيبة بها أنفسكم تحتسبها (١)» (يُضاعِفْهُ لَكُمْ) يعنى القرض (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) بالصدقة (وَاللهُ شَكُورٌ) لصدقاتكم حين يضاعفها لكم (حَلِيمٌ) ـ ١٧ ـ عن عقوبة ذنوبكم حين غفرها لكم وعن من بمن بصدقته ولم يحتسبها.

(عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) يعنى عالم كل غيب يعنى غيب ما فى قلبه من المن وقلة الخشية ، وشاهد كل نجوى (الْعَزِيزُ) يعنى المنيع فى ملكه (الْحَكِيمُ) ـ ١٨ ـ فى أمره.

__________________

(١) كذا أ ، ف : أعاد الضمير مؤنثا على الصدقة ، وكان السباق يقتضى أن يعيده على القرض فيقول : «يعنى طيبة به أنفسكم تحتسبه».

٣٥٤

سورة الطّلاق

٣٥٥
٣٥٦

(٦٥) سورة الطلاق ومدنية

وآياتها اثنا عشرة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (١) فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (٣) وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ

٣٥٧

الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (٤) ذلِكَ أَمْرُ اللهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً (٥) أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى (٦) لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ ما آتاها سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً (٧) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً (٨) فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً (٩) أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (١٠) رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً (١١) اللهُ الَّذِي

٣٥٨

خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (١٢))

٣٥٩
٣٦٠