تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٦٧

ثم نعت المسلمين فقال : (أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) يقول نجزيهم بإحسانهم ولا نجزيهم بمساوئهم ، والكفار يجزيهم بإساءتهم ويبطل إحسانهم لأنهم عملوا ما ليس بحسنة ، ثم رجع إلى المؤمنين فقال : (وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ) ولا يفعل ذلك بالكفار (فِي) يعنى مع (أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ) يعنى وعد الحق وهو الجنة (الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) ـ ١٦ ـ وعدهم الله ـ تعالى ـ الجنة فى الآخرة على ألسنة الرسل فى الدنيا ، «وقوله» (١) : (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ) فهو عبد الرحمن بن أبى بكر وأمه رومان «بنت عمرو» (٢) بن عامر الكندي دعاه أبواه إلى الإسلام وأخبراه بالبعث بعد الموت ، فقال لوالديه : (أُفٍّ لَكُما) يعنى قبحا لكما الرديء من الكلام (أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ) من الأرض يعنى أن «يبعثني» (٣) بعد الموت (وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي) يعنى الأم الخالية فلم أر أحدا منهم يبعث ، فأين عبد الله بن جدعان؟ وأين عثمان بن عمرو؟ وأين عامر بن عمرو؟ كلهم من قريش وهم أجداده ، فلم أر أحدا منهم أتانا. فقال أبواه : اللهم اهده ، اللهم «أقبل بقلبه (٤) إليك» اللهم تب عليه ، فذلك قوله : (وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ) يعنى يدعوان الله له بالهدى ، أن يهديه ويقبل بقلبه ، ثم يقولان : (وَيْلَكَ آمِنْ) صدق بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال (إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ) (٥) (فَيَقُولُ) عبد الرحمن :

__________________

(١) فى الأصول : «قوله».

(٢) فى أ : «ابنت» ، وفى ف : «بنت».

(٣) فى أ : «يبعثني» ، وفى ف : «يبعثن».

(٤) فى ا ، ف : «اللهم أقبل بقلبه».

(٥) (إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ) : ساقط من ا ، ف.

٢١

(ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ـ ١٧ ـ ما هذا الذي تقولان إلا كأحاديث الأولين وكذبهم (١) يقول الله ـ تعالى ـ : (أُولئِكَ) النفر الثلاثة (الَّذِينَ) ذكرهم عبد الرحمن (حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) يقول وجب عليهم العذاب (فِي أُمَمٍ) يعنى مع أمم (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ) من كفار (الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ) ـ ١٨ ـ. «وقوله» (٢) ـ تعالى ـ : (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا) يعنى فضائل بأعمالهم (وَلِيُوَفِّيَهُمْ) مجازاة (أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) ـ ١٩ ـ فى أعمالهم. «وقوله» «(٣)» : (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعنى كفار مكة (عَلَى النَّارِ) حين كشف الغطاء عنها لهم فينظرون إليها يعنى كفار مكة فيقال لهم : (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ) يعنى الرزق والنعمة التي كنتم فيها (فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا) ولم تؤدوا [١٥٣ ب] شكرها (وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها) يعنى بالطيبات فلا نعمة لكم (فَالْيَوْمَ) (٤) (تُجْزَوْنَ) فى الآخرة بأعمالكم الخبيثة (عَذابَ الْهُونِ) يعنى عذاب الهوان (بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ) يعنى بما كنتم تتكبرون (فِي الْأَرْضِ) عن الإيمان فتعملون فيها (بِغَيْرِ الْحَقِ) يعنى بالمعاصي (وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) ـ ٢٠ ـ يعنى تعصون. «وقوله» (٥) : (وَاذْكُرْ) يا محمد لأهل مكة (أَخا عادٍ) فى النسب وليس بأخيهم فى الدين

__________________

(١) وقد أسلم عبد الرحمن بن أبى بكر بعد ذلك ، وحسن إسلامه ، وروى عن السيدة عائشة ـ رضى الله عنها ـ أنها أنكرت أن تكون هذه الآية نزلت فى أخيها ، وذكرت أنها نزلت فى رجل آخر سواء.

(٢ ، ٣) فى الأصل : «قوله».

(٤) فى أ : «اليوم» ، وفى حاشية أ : (الآية «فاليوم») ، وفى ف : «اليوم».

(٥) فى الأصل : «قوله».

٢٢

يعنى «هود» (١) النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ) والأحقاف الرمل عند «دك (٢) الرمل» باليمن فى حضرموت (وَقَدْ خَلَتِ) يعنى مضت (النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) يعنى الرسل من بين يديه (وَمِنْ خَلْفِهِ) يقوله قد مضت الرسل إلى قومهم من قبل هود ، كان منهم نوح ـ عليه‌السلام ـ وإدريس جد أبى نوح ، ثم قال ومن بعد هود ، يعنى قد مضت الرسل إلى قومهم : (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) يقول لم يبعث الله رسولا من قبل هود ، ولا بعده إلا أمر بعبادة الله ـ جلّ وعزّ ـ (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) ـ ٢١ ـ فى الدنيا لشدته (٣). (قالُوا) اليهود : (أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا) يعنى لتصدنا وتكذبنا (عَنْ) عبادة (آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا) من العذاب (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) ـ ٢٢ ـ بأن العذاب نازل بنا ، فرد عليهم هود (قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ) يعنى نزول العذاب بكم عليه عند الله إذا شاء أنزله (وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ) إليكم من نزول العذاب بكم (وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ) ـ ٢٣ ـ العذاب (فَلَمَّا رَأَوْهُ) : العذاب (عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ) والعارض بعض السحابة التي لم تطبق السماء التي يرى ما فيها من المطر (قالُوا) لهود : (هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) لأن المطر كان حبس عنهم وكانت

__________________

(١) فى أ : «هدد» ، وفى ف : «هود».

(٢) فى أ : «دكاول».

(٣) فى أ ، ف خلاف فى ترتيب هذه الآية فقد ذكرت فيهما الآية كالآتى (وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ «إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ») ، (وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) وقد رتبت الآية كما وردت فى المصحف.

٢٣

السحابة إذا جاءت من قبل ذلك الوادي مطروا ، قال هود : ليس هذا العارض ممطركم (بَلْ هُوَ) «ولكنه» (١) (مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ) لكم (فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ) ـ ٢٤ ـ يعنى وجيع وكان استعجالهم حين قالوا : يا هود ، (... فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (٢) وكانوا أهل عمود سيارة فى الربيع فإذا هاج العود رجعوا إلى منازلهم وكانوا من قبيلة «آدم» (٣) بن شيم بن سام بن نوح وكانوا «أصهاره (٤)» وكان طول أحدهم اثنى عشر ذراعا وكان فيهم الملك فلما كذبوا هودا حبس الله عنهم المطر ثلاث سنين فلما دنا هلاكهم أوحى الله إلى الخزان ، خزان الريح أن أرسلوا عليهم من الريح مثل منخر الثور ، فقالت الخزان : يا رب ، إذا تنسف الريح الأرض ومن عليها. قال [١٥٤ ا] : أرسلوا عليهم مثل خرق الخاتم ، يعنى على قدر حلقة الخاتم ، ففعلوا فجاءت ريح باردة شديدة تسمى الدبور من وراء دكاوك الرمل «وكان المطر يأتيهم» (٥) من تلك الناحية فيما مضى فمن ثم : (قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) فعمد هو فحط على نفسه ، وعلى المؤمنين خطا إلى أصل شجرة ينبع من ساقها عين فلم يدخل عليهم «من» (٦) الريح إلا النسيم الطيب «وجعلت الريح شدتها تجئ بالطعن بين السماء والأرض (٧)» فلما رأوا أنها ريح قالوا : يا هود

__________________

(١) فى أ : «ولكنها» ، وليس فيها ولا فى ف «بل هو».

(٢) سورة الأعراف : ٧٠ ، وقد وردت فى الأصل (ائْتِنا بِما تَعِدُنا ...).

(٣) فى أ : «آرم» ، وف : «آدم».

(٤) فى أ : «يمهره» ، وفى ف : «صهره» ، والأنسب «أصهاره».

(٥) فى أ : «وكان يأتيهم المطر».

(٦) «من» : زيادة اقتضاها السياق.

(٧) من ف ، وفى أ : «وجعلت الريح تجيء من شدتها بالطعن بين السماء والأرض».

٢٤

إن ريحك هذه لا تزيل أقدامنا وقالوا من أشد منا قوة يعنى بطشا فقاموا صفونا فاستقبلوها بصدورهم فأزالت الريح أقدامهم. فقالوا : يا هود ، إن ريحك هذه تزيل أقدامنا فألقتهم الريح لوجوههم ونسفت عليهم الرمل حتى إنه يسمع أنين أحدهم من تحت الرمل ، فذلك قوله : (... أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ...) (١) وقال لهم هود حين جاءتهم الريح إنها (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها) يعنى تهلك كل شيء من عاد بأمر ربها (٢) من الناس والأموال والدواب ، بإذن ربها يقول الله ـ تعالى ـ لمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (فَأَصْبَحُوا «لا يُرى») (٣) (إِلَّا مَساكِنُهُمْ) بالشجر ولم يبق لهم شيء (كَذلِكَ) يقول هكذا (نَجْزِي) بالعذاب (الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) ـ ٢٥ ـ بتكذيبهم وهاجت الريح غدوة وسكنت بالعشي اليوم الثامن عند غروب الشمس ، فذلك قوله : (سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ) (٤) وقبضت أرواحهم يوم الثامن ، فذلك قوله : (وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً ...) «(٥)» يعنى كاملة دائمة متتابعة قال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور ، ثم بعث الله طيرا سودا

__________________

(١) سورة فصلت : ١٥.

(٢) سئل مقاتل عن قوله ـ تعالى ـ : (... كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ...) سورة القصص : ٨٨ ، قال كل شيء فيه الروح ، واستشهد بقوله ـ تعالى ـ : (... وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ...) سورة النمل : ٢٣ ، قال : ولم تؤت إلا ملك بلادها ، وهنا أيضا يقول (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ) يعنى تهلك كل شيء لعاد ، ولم يترك مقاتل (كُلَّ شَيْءٍ) فى القرآن إلا ذكره ، وفسره بما يناسب السياق ، انظر منهج مقاتل فى التفسير.

(٣) فى أ : «لا ترى».

(٤ ، ٥) سورة الحاقة : ٧ وفى الأصل : «حسوم».

٢٥

فالتقطتهم حتى ألقتهم فى البحر ، ثم خوف كفار مكة فقال : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ) يعنى عادا (فِيما) (١) (إِنْ مَكَّنَّاكُمْ) يا أهل مكة (فِيهِ) يعنى فى الذي أعطيناكم فى الأرض من الخير والتمكن فى الدنيا يعنى مكناكم فى الأرض يا أهل مكة (وَجَعَلْنا لَهُمْ) فى الخير والتمكين فى الأرض (سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً) يعنى القلوب كما جعلنا لكم يا أهل مكة (فَما أَغْنى عَنْهُمْ) من العذاب (سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ) يقول لم تغن عنهم ما جعلنا من العذاب (إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ) يعنى عذاب الله ـ تعالى ـ (وَحاقَ بِهِمْ) يعنى ووجب لهم سوء العذاب ب (ما كانُوا بِهِ) يعنى العذاب (يَسْتَهْزِؤُنَ) ـ ٢٦ ـ هذا مثل ضربه الله [١٥٤ ب] لقريش حين قالوا «إنّه» (٢) غير كائن ، قوله : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنا) بالعذاب (ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى) يعنى القرون قوم نوح ، وقوم صالح ، وقوم لوط ، فأما قوم لوط فهم بين المدينة والشام ، وأما عاد فكانوا باليمن قوله : (وَصَرَّفْنَا الْآياتِ) فى أمور شتى يقول نبعث مع كل نبى إلى أمته آية ليست لغيرهم (لَعَلَّهُمْ) يقول لكي (يَرْجِعُونَ) ـ ٢٧ ـ من الكفر إلى الإيمان فلم يتوبوا فأهلكهم الله بالعذاب قوله : (فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً) يقول فهلا منعتهم آلهتهم من العذاب الذي نزل بهم (بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ) يعنى بل ضلت عنهم الآلهة فلم تنفعهم عند نزول العذاب بهم (وَذلِكَ إِفْكُهُمْ) يعنى كذبهم بأنها آلهة (وَما كانُوا يَفْتَرُونَ) ـ ٢٨ ـ فى قولهم من الشرك ،

__________________

(١) فى أ : «فى ماء».

(٢) فى أ : «إنها» ، وفى ف : «إنه».

٢٦

قوله : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ) يعنى وجهنا إليك يا محمد (نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) نفرا من الجن تسعة نفر من أشراف الجن وساداتهم من أهل اليمن من قرية يقال لها نصيبين (١) ورسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ببطن نخلة يقرأ القرآن فى صلاة الفجر ، (فَلَمَّا حَضَرُوهُ) (٢) فلما حضروا النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (قالُوا) (٣) قال بعضهم لبعض : (أَنْصِتُوا) للقرآن ، «وكادوا» (٤) أن يرتكبوه من الحرص ، فذلك قوله : (... كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) (٥) (فَلَمَّا قُضِيَ) يقول فلما فرغ النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من صلاته (وَلَّوْا) يعنى انصرفوا (إِلى قَوْمِهِمْ) يعنى الجن (مُنْذِرِينَ) ـ ٢٩ ـ يعنى مؤمنين (قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا) محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «يتلوه» (٦) (كِتاباً) يعنى يقرأ محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كتابا يعنى شيئا عجبا يعنى قرآنا (أُنْزِلَ) على محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (مِنْ بَعْدِ مُوسى) ـ عليه‌السلام ـ وكانوا مؤمنين بموسى (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) يقول يصدق كتاب محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ الكتب التي كانت أنزلت على الأنبياء (يَهْدِي) يعنى يدعو كتاب محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (إِلَى الْحَقِ) يعنى إلى الهدى (وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) ـ ٣٠ ـ يعنى يدعو إلى الدين المستقيم وهو الإسلام فلما أتوا قومهم قالوا لهم : (يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ)

__________________

(١) فى أزيادة كالآتى : «اليمن» منهم ، عمرو بن جابر ، ومسحت وحسا وبسا ، وشاصر وناصر ، والقردمانى ، وابنا الأندروانى». وليست فى ف.

(٢) (فَلَمَّا حَضَرُوهُ) : ليست فى أ.

(٣) «قالوا» : ليست فى ا.

(٤) فى أ : «فكاد» ، وفى ف : «وكادوا».

(٥) سورة الجن : ١٩.

(٦) فى الأصل : «يتلوا».

٢٧

يقول أجيبوا محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إلى الإيمان وصدقوا به (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) ـ ٣١ ـ يعنى ويؤمنكم من عذاب وجيع (وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ) يعنى محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إلى الإيمان (فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ) يقول فليس بسابق الله فيفوته هربا فى الأرض حتى يجزيه بعمله [١٥٥ ا] الخبيث (وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ) يعنى ليس «له» (١) أقرباء يمنعونه من الله ـ عزوجل ـ (أُولئِكَ) الذين «لا يجيبون (٢)» إلى الإيمان (فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ـ ٣٢ ـ يعنى بين هذا قول الجن التسعة فأقبل إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من الذين أنذروا مع التسعة (٣) تكملة سبعين رجلا من الجن من العام المقبل فلقوا النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بالبطحاء ، فقرأ النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ القرآن وأمرهم ونهاهم ، وقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ تلك الليلة قبل أن يلقاهم ـ لأصحابه : ليقم معى منكم رجل ليس فى قلبه مثقال حبة خردل من شك. فقام عبد الله بن مسعود ومعه إداوة فيها نبيذ ، فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لابن مسعود : قم مكانك. وخط النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم «خطا» (٤). وقال : لا تبرح حتى أرجع إليك إن شاء الله ، ثم قال : إن سمعت صوتا أو جلبة أو شيئا يفزعك فلا تخرج من مكانك فوقف عبد الله حتى أصبح ، ودخل النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ الشعب ، وقال له : لا تخرج من الخط فإن أنت

__________________

(١) فى أ : «لهم» ، وفى ف : «له».

(٢) كذا فى أ ، ف.

(٣) كذا فى ا ، ف : والمراد من الذين أنذرهم التسعة أى أن تسعة من الجن استمعوا للنبي ثم أنذروا قومهم فجاء تسعون من الجن إلى النبي فى العام المقبل.

(٤) «خطا» : ليس فى ا ، ولا ف.

٢٨

خرجت اختطفت الليلة ، وانطلق النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يقرأ عليهم القرآن ويعلمهم ويؤدبهم واختصم رجلان منهم فى دم إلى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فرفعوا أصواتهم فسمع ابن مسعود الصوت فقال : والله ، لآتينه فلعل كفار قريش أن يكونوا مكروا به فلما أراد الخروج من الخط ذكر وصية رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فلم يخرج ووقف عبد الله حتى أصبح ، والنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى الشعب يعلمهم ويؤدبهم حتى أصبح فانصرف الجن وأتى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ابن مسعود فقال عبد الله : يا نبى الله ، ما زلت قائما حتى رجعت إلى ، وقد سمعت أصواتا مرتفعة حتى هممت بالخروج ، فذكرت قولك فأقمت ، فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : اختصموا فى قتلى لهم كانوا أصابوها فى الجاهلية فقضيت بينهم. ثم قال : أمعك طهور؟ قال :

نعم نبيذ فى إداوة فقال : «ثمرة» (١) طيبة وماء طهور عذب ، صب على : فصب عليه ابن مسعود ، فتوضأ منه النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فلما أراد أن يصليا أقبل الرجلان اللذان اختصما فى الدم حتى وقفا عليه فلما رآهما النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ظن أنهما رجعا يختصمان فى «الدم» (٢) فقال : «ما لكما» (٣) ألم أقض بينكما؟ قالا : يا رسول الله ، إنا جئنا نصلى معك ونقتدي بك فقام النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إلى الصلاة ، «وقام» (٤) ابن مسعود والرجلان من الجن وراء النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فصلوا معه فذلك قوله : (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) (٥) من حبهم [١٥٥ ب] إياه ، ثم انصرفوا

__________________

(١) فى أ ، ف : «تمرة» بالتاء.

(٢) ساقطة من أ ، وفى ف : «الدم».

(٣) فى أ : «ما لكم» ، وفى ف : «ما لكما».

(٤) فى أ : «فقام».

(٥) سورة الجن : ١٩.

٢٩

من عنده مؤمنين فلم يبعث الله ـ عزوجل ـ نبيا إلى الإنس والجن قبل محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقالوا : يا رسول الله ، مر لنا برزق حتى نتزود فى سفرنا؟ فقال لهم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فإن لكم أن «يعود» (١) العظم لحما والبعر حبا هذا لكم إلى يوم القيامة فلا يحل للمسلم أن يستنجى بالعظم ولا بالبعر ولا بالرجيع يعنى رجيع الدواب ولم يبعث الله نبيا إلى الجن والإنس قبل محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وقال ابن مسعود : لقد رأيت رجالا مستنكرين طولا سودا كأنهم من أزد شنوءة لو خرجت من ذلك الخط لظننت أنى سأختطف ، قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا) يقول أو لم يعلموا (أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) نزلت فى أبى بن خلف الجمحي عمد فأخذ عظما «حائلا» (٢) نخرا فأتى به النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقال : يا محمد ، أتعدنا إذا بليت عظامنا ، وكنا رفاتا أن الله يبعثنا خلقا جديدا ، وجعل يفت العظم ويذريه فى الريح ، ويقول : يا محمد ، من يحيى هذا؟ قال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : يحيى الله هذا ، ثم يميتك ، ثم يبعثك فى الآخرة ويدخلك النار ، فأنزل الله ـ تعالى ـ يعظه ليعتبر فى خلق الله فيوحده (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ) أو لم يعلموا أن الله (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) لأنهم مقرون أن الله الذي خلقهما وحده (وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) فى الآخرة ، وهما (٣) أشد خلقا من خلق الإنسان بعد أن يموت ولم يعي بخلقهن إذ خلقهن يعنى كيف يعيى عن بعث الموتى نظيرها

__________________

(١) فى أ : «يقول» ، وفى حاشية أ : «يعود ، محمد» ، وفى ف ، «يعود».

(٢) فى ف : «حايلا» ، وفى أ : «حائلا» ، أى متغير الحال.

(٣) أى السماء والأرض.

٣٠

فى يس (١) ، ثم قال لنبيه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (بَلى) ببعثهم (إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من البعث وغيره (قَدِيرٌ) ـ ٣٣ ـ فلما كفر أهل مكة بالعذاب أخبرهم الله بمنزلتهم فى الآخرة فقال : (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ) يعنى إذا كشف الغطاء عنها لهم فنظروا إليها ، فقال الله لهم : (أَلَيْسَ هذا) العذاب الذي ترون (بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا) أنه الحق (قالَ) الله ـ تعالى ـ : (فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) ـ ٣٤ ـ بالعذاب بأنه غير كائن قوله : (فَاصْبِرْ) يا محمد على الأذى والتكذيب يعزى نبيه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ليصبر (كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ) يعنى أولو الصبر (مِنَ الرُّسُلِ) يعنى إبراهيم ، وأيوب ، وإسحاق ، ويعقوب ، ونوح ـ عليهم‌السلام ـ نزلت هذه الآية يوم أحد (٢) فأمره أن يصبر على ما أصابه ولا يدعو على قومه مثل قوله : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) (٣) ـ «ثم ذكر (٤) له» صبر الأنبياء «وأولى» (٥) العزم من قبله من الرسل على البلاء منهم إبراهيم ـ خليل الرحمن عليه‌السلام ـ حين ألقى فى النار ، ونوح ـ عليه‌السلام ـ

__________________

(١) يشير إلى الآية ٨١ من سورة يس وهي : (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ).

(٢) المراد به غزوة أحد ، وقد امتحن فيها المسلمون وأصيبوا بالقتل والبلاء نظير مخالفتهم أمر الرسول وشمت أبو سفيان فنادى : يا محمد يوم بيوم بدر ، فأمر النبي عمران يرد عليه قائلا : لا سواء قتلانا فى الجنة وقتلاكم فى النار.

(٣) سورة طه : ١١٥.

(٤) فى أ : «ثم ذكر» ، وفى ف : «ثم ذكر له».

(٥) فى أ : «أولوا» ، وفى ف : «وأولوا». والأنسب : «وأولى».

٣١

على تكذيب قومه وكان يضرب حتى يغشى عليه ، فإذا أفاق قال : اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون شيئا ، وإسحاق فى أمر الذبح ، ويعقوب فى ذهاب بصره من حزنه على يوسف حين ألقى فى الجب والسجن ، وأيوب ـ عليه‌السلام ـ فى صبره على البلاء ، ويونس بن متى ـ عليه‌السلام ـ فى بطن الحوت وغيرهم صبروا على البلاء ، ومنهم اثنا عشر نبيا ببيت المقدس ، فأوحى الله ـ تعالى ـ إليهم أنى منتقم من بنى إسرائيل بما صنعوا بيحيى بن زكريا فإن شئتم أن تختاروا أن أنزل بكم النقمة وأنجى بقية بنى إسرائيل وإن كرهتم أنزلت تلك النقمة والعقوبة بهم وأنجيتكم فاستقام رأيهم على أن ينزل بهم العقوبة وهم اثنا عشر وينجى قومهم فدعوا ربهم أن ينزل بهم العقوبة وينجى بنى إسرائيل فسلط عليهم ملوك أهل الأرض فأهلكوهم فمنهم من نشر بالمنشار ومنهم من سلخ رأسه ووجهه ومنهم من رفع على الخشب ومنهم من أحرق بالنار ومنهم من شدخ رأسه وأمر نبيه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أن يصبر كما صبر هؤلاء فإنه قد نزل بهم ما لم ينزل بك ثم قال : (وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ) وذلك أن كفار مكة ، حين أخبرهم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بالعذاب سألوه متى هذا الوعد الذي تعدنا يقول الله ـ تعالى ـ لنبيه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ولا تستعجل لهم بالعذاب (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا) فى الدنيا ولم يروها (إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ) يوم واحد من أيام الدنيا (بَلاغٌ) يعنى تبليغ فيها يقول هذا الأمر بلاغ لهم فيها (فَهَلْ يُهْلَكُ) بالعذاب (إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ) ـ ٣٥ ـ يعنى العاصون الله ـ عزوجل ـ فيما أمرهم من أمره ونهيه ويقال هذا الأمر هو بلاغ لهم بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم يعنى وجيع لقولهم لهود :

٣٢

(... فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) (١) ، قوله (الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ ، وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) (٢) يعنى صلاتك مع المصلين فى جماعة ، «الذي» (٣) استخدجك من أصلاب الرجال وأرحام النساء وأخرجك من صلب عبد الله طيبا.

__________________

(١) سورة الأعراف : ٧٠ ، وتمامها : (قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) وقد وردت «ائتنا» وفى الآية «فائتنا».

(٢) سورة الشعراء : ٢١٨ ـ ٢١٩.

(٣) فى أ : «التي» وفى ف : «الذي».

٣٣
٣٤

سورة محمّد

٣٥
٣٦

(٤٧) سورة محمد مدنية

وآياتها ثمان وثلاثون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ (٢) ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ (٣) فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (٤) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ (٥) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ (٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ (٧) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (٨) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (٩) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا

٣٧

كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها (١٠) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ (١١) إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (١٢) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ (١٣) أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٤) مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (١٥) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٦) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ (١٧) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها

٣٨

فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ (١٨) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ (١٩) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ (٢٠) طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (٢١) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (٢٢) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ (٢٣) أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (٢٤) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ (٢٥) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (٢٦) فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ (٢٧) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (٢٨) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ (٢٩) وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ (٣٠)

٣٩

وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (٣١) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ (٣٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (٣٣) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ (٣٤) فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (٣٥) إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (٣٦) إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (٣٧) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (٣٨))

٤٠