تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٦٧

يا شيخ ، أغلق الباب وأجلس.

فقال أبو جهل بن هشام ، ما تقولون فى هذا الرجل الذي قد خالف ديننا وسب آلهتنا ، ويدعو إلى غير ديننا وليس يزداد أمره إلا كثرة ونحن فى قلة وينبغي لنا أن نحتال؟

ثم قال : يا عمرو بن عمير ما تقول فيه؟

قال عمرو : رأيى فيه أن نردفه على بعير فنشد وثاقه فنخرجه من الحرم فيكون شره على غيرنا.

قال إبليس : عند ذلك بئس الرأى رأيت يا شيخ ، تعمد إلى رجل قد ارتكب منكم ما قد ارتكب وهو أمر عظيم فتطردونه فلا شك أنه يذهب فيجمع جموعا فيخرجكم من أرضكم.

قالوا : ما تقول يا أبا البختري؟ قال : أما والله ، إن رأيى فيه ثابت. قالوا : ما هو؟. قال : ندخله فى بيت فنسد بابه عليه ، ونترك له ثلمة قدر ما يتناول «منه (١)» طعامه وشرابه ونتربص به إلى أن يموت.

«قال (٢)» إبليس عند ذلك : بئس والله ، الرأى رأيت يا شيخ تعمدون إلى رجل هو عدو لكم فتربونه (٣) فلا شك أن يغضب له قومه فيقاتلونكم حتى يخرجوه من أيديكم فما لكم وللشر؟ قالوا : صدق والله فما تقول يا أبا جهل؟ قال : تعمدون إلى كل بطن من قريش فنختار منهم رجالا فنمكنها من السيوف ويمشون

__________________

(١) فى أ ، ف : «منه» ، أى من المتروك ، والأنسب : «منها».

(٢) من «قال إبليس» السابقة ، إلى هذه ساقط من ف ، وهو من أ.

(٣) أى فتشتغلون بإطعامه وتربيته.

٦٦١

كلهم بجماعتهم فيضربونه حتى يقتلوه «فلا يستطيع (١)» بنو هاشم أن «تعادى (٢)» قريشا كلهم ، وتؤدون ديته. قال إبليس : صدق والله ، الشاب فخرجوا على ذلك القول راضين بقتله. وسمع عمه أبو طالب واسمه عبد العزى بن عبد المطلب فلم يخبر محمدا لعله أن يجزع من القتل فيهرب فيكون مسبة عليهم ، فأنزل الله ـ عزوجل ـ «أم أبرموا فإنا مبرمون» (٣) يقول أم أجمعوا أمرا على قتل محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فإنا مجمعون أمرا على قتلهم ببدر ، وقال : «أم يريدون كيدا فالذين كفرا هم المكيدون» (٤) وقال : (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً ، وَأَكِيدُ كَيْداً فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً).

قال فسمع أبو طالب ما سمع ، قال : يا بن أخى ما هذه الهينمة؟ قال : أما نعلم يا عم ما أرادت قريش؟ قال : قد سمعت ما سمعته يا بن أخى. قال : نعم. قال : ومن أخبرك بذلك؟ قال : ربى. قال : أما والله ، يا بن أخى إن ربك بك لحفيظ فامض لما أمرت يا بن أخى ، فليس عليك غضاضة (٥).

__________________

(١) فى أ : «فلا يستطيعون».

(٢) فى أ : «يعادوا».

(٣) سورة الزخرف : ٧٩.

(٤) سورة الطور : ٤٢.

(٥) انتهى تفسير السورة فى أ ، وفى ف زيادة : «فلا والله لا تصل إليك قريش بجماعتهم حتى أوسد فى التراب دفينا».

٦٦٢

سورة الأعلى

٦٦٣
٦٦٤

(٨٧) سورة الأعلى مكية

وآياتها تسع عشرة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (٣) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى (٤) فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى (٥) سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (٦) إِلاَّ ما شاءَ اللهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى (٧) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى (٨) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى (٩) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى (١٠) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (١١) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى (١٢) ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (١٣) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (١٥) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى (١٧) إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٨) صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى (١٩))

٦٦٥
٦٦٦

[سورة الأعلى (١)]

سورة الأعلى مكية عددها «تسع عشرة (٢)» آية كوفى (٣).

__________________

(١) مقصود السورة :

بيان علو الذات ، والصفات ، وذكر الخلقة ، والإشادة بالثمار والنبات ، والأمن من نسخ الآيات ، بيان سهولة الطاعات ، وذل الكفر فى قعر الدركات ، والتحضيض على الصلاة والزكاة ، وبيان رفعة الآخرة وبقائها فى قوله : (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى) سورة الأعلى : ١٧.

(٢) فى أ : «تسعة عشر» ، والصواب ما أثبت.

(٣) فى المصحف (٨٧) سورة الأعلى مكية وآياتها (١٩) نزلت بعد سورة التكوير.

٦٦٧
٦٦٨

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

قوله : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) ـ ١ ـ يقول ـ سبحانه ـ نزه اسم ربك الأعلى ، يقول نزهه من الشرك بشهادة أن لا إله إلا الله ، فذلك قوله : «الأعلى» ، قال : (الَّذِي خَلَقَ) الإنسان فى بطن أمه من نطفة ، ثم من علقة ، ثم من مضغة ، قال : (فَسَوَّى) ـ ٢ ـ يقول فسوى خلقه (وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) ـ ٣ ـ يقول الذي قدر الولد فى بطن أمه تسعة أشهر ، فلما بلغ الوقت هداه للخروج من بطن أمه ، وأيضا قوله : (قَدَّرَ فَهَدى) يعنى قدر الذكر والأنثى فعلمه ، كيف يأتيها؟ وكيف تأتيه؟ وأما قوله : (وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى) ـ ٤ ـ (فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى) ـ ٥ ـ بصنعه يقول الذي أخرج الحشيش والكلأ فى الشتاء ، فتراه رطبا فيجعله بعد الرطوبة والخضرة إلى اليبوسة (١) ، قوله : (سَنُقْرِئُكَ) القرآن يا محمد نجمعه فى قلبك (فَلا تَنْسى) ـ ٦ ـ فلا تنساه أبدا ، ثم استثنى فقال : (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) يعنى إلا ما شاء الله فينسخها ، ويأت بخير منها ، ثم قال : (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى) (٢) ـ ٧ ـ (يَعْلَمُ الْجَهْرَ) من القول والفعل (وَما يَخْفى) منهما.

(وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى) ـ ٨ ـ يقول ونبدلك مكان آية بأيسر منها ، ثم قال : (فَذَكِّرْ) يا محمد يقول اذكر بشهادة أن لا إله إلا الله (إِنْ) يعنى قد (نَفَعَتِ الذِّكْرى) ـ ٩ ـ شهادة أن لا أن لا إله إلا الله ، الذين من قبلك قال : (سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى)

__________________

(١) فى الجلالين : (غثاء) جافا هشيما ، (أحوى) أسود يابسا.

(٢) (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى) : ساقط من أ ، وتفسيره من الجلالين.

٦٦٩

ـ ١٠ ـ يقول سيوحد الله من يخشاه ، يقول من يخشاه غفر له ولم يؤاخذه (وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى) ـ ١١ ـ يقول ويتهاون بها يعنى بالتوحيد الأشقى (الَّذِي) قد سبق علم الله «فيه (١)» بالشقاء الذي (يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى) ـ ١٢ ـ وهي نار جهنم ، قال : (ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) ـ ١٣ ـ يقول لا يموت فى النار فيستريح ، ولا يحيا حياة طيبة ، ولكنه فى بلاء «ما دام فى النار (٢)» يأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت «ويحترق (٣)» كل يوم سبع مرات ، ثم يعاد إلى العذاب «ليس له طعام (٤)» إلا من لحمه ، فذلك قوله : «ولا طعام إلا من غسلين يأكل النار وتأكله وهو فى النار ، لباسه النار ، وعلى رأسه نار ، وفى عنقه نار ، وفى كل مفصل منه سبعة ألوان من ألوان العذاب ، لا يرحم أبدا ، ولا يشبع أبدا ، ولا يموت أبدا ، ولا يعيش معيشة طيبة أبدا ، الله عليه غضبان ، والملائكة غضاب ، وجهنم غضبانة ، قوله : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) ـ ١٤ ـ (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) ـ ١٥ ـ يقول قد أفلح من أدى الزكاة ، وشهد أن لا إله إلا الله ، وصلى الصلوات الخمس ، قوله : (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا) ـ ١٦ ـ يقول بل تختارون الحياة الدنيا (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى) ـ ١٧ ـ (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى) ـ ١٨ ـ يقول الكتب الأولى («صُحُفِ) (٦) (» إِبْراهِيمَ) : كتب إبراهيم (وَ) كتاب (مُوسى) ـ ١٩ ـ وهي التوراة. فأما صحف إبراهيم فقد رفعت.

__________________

(١) فى أ : «فيهم».

(٢) من ف ، وفى أ : «أدامه فى النار».

(٣) فى أ : «ويحيه» ، ف : «ويحترق».

(٤) فى أ : (لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ) ، وفى ف : (وَلا طَعامٌ) ، وهو الصواب.

(٥) سورة الحاقة : ٣٦.

(٦) فى أ : «كتب» وفى حاشية الآية : «صحف».

٦٧٠

سورة الغاشية

٦٧١
٦٧٢

(٨٨) سورة الغاشية مكية

وآياتها ست وعشرون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ (١) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ (٢) عامِلَةٌ ناصِبَةٌ (٣) تَصْلى ناراً حامِيَةً (٤) تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (٥) لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ (٦) لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (٧) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ (٨) لِسَعْيِها راضِيَةٌ (٩) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (١٠) لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً (١١) فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ (١٢) فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (١٣) وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ (١٤) وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ (١٥) وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (١٦) أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧) وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (١٨) وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (١٩) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (٢٠) فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢) إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (٢٣) فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ (٢٤) إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ (٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ (٢٦))

٦٧٣
٦٧٤

[سورة الغاشية (١)]

سورة الغاشية مكية عددها «ست (٢)» وعشرون آية (٣).

__________________

(١) معظم مقصود السورة :

التخويف بظهور القيامة ، وبيان حال المستوجبين للعقوبة ، وذكر حال المستحقين للمثوبة ، وإقامة الحجة على وجود الحق. ووعظ الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ للأمة على سبيل الشفقة ، وأن المرجع إلى الله ـ تعالى ـ فى العاقبة فى قوله ـ تعالى ـ : (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ) سورة الغاشية : ٢٦.

(٢) فى أ : سنة.

(٣) فى المصحف : (٨٨) سورة الغاشية مكية وآياتها (٢٦) نزلت بعد سورة الذاريات.

٦٧٥
٦٧٦

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ) (١) ـ ١ ـ يعنى قد أتاك حديث أهل «النار (٢)» من قوله : «تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون» (٣) وكل شيء فى القرآن (هَلْ أَتاكَ) يقول : قد أتاك ، ثم أخبر عن حالهم فقال : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ) ـ ٢ ـ يعنى ذليلة (عامِلَةٌ ناصِبَةٌ) ـ ٣ ـ يعنى عاملة فى النار ، النار تأكله ويأكل من النار ، يعنى ناصبة للعذاب صاغرة (تَصْلى ناراً حامِيَةً) ـ ٤ ـ (تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) ـ ٥ ـ يعنى من عين قد انتهى حرها ، وذلك أن جهنم تسعر عليهم منذ يوم خلقت إلى يوم يدخلونها ، وهي عين تخرج من أصل جبل طولها مسيرة «سبعين عاما (٤)» ، «ماؤها (٥)» أسود كدردي الزيت ، كدر غليظ كثير الدعاميص ، تسقيه «الملائكة (٦)» بإناء من حديد من نار «فيشربه (٧)» فإذا قرب الإناء من فيه أحرق شدقيه ، وتناثرت أنيابه وأضراسه ، فإذا بلغ صدره «نضج (٨)» قلبه فإذا بلغ بطنه «غلى (٩)»

__________________

(١) «الغاشية» : الداهية التي تغشى الناس بشدائدها ، يعنى يوم القيامة ، أو النار (القرطبي)

(٢) «النار» : ساقطة من أ ، ف ، وهي من ل.

(٣) سورة المؤمنون : ١٠٤ ، وفى أ : «تغشى» بدل «تلفح» ، قد وصوبت الخطأ.

(٤) فى أ : «تسعون عاما» ، وفى ف ، ل : «سبعون عاما».

(٥) «ماؤها» : زيادة اقتضاها السباق ، ساقطة من أ ، ف ، ل.

(٦) فى أ ، ل : «الملائكة» ، وفى ف : «الملك».

(٧) «فيشربه» : كذا فى أ ، ف ، ل والأنسب : «فيشربه الشقي».

(٨) فى أ : «شج» ، وفى ف ، ل : «نضج».

(٩) فى أ ، ف ، ل : «يغلى» ، والأنسب ما أثبت.

٦٧٧

كما يغلى الحميم من شدة الحر حتى يذوب كما يذوب الرصاص إذا أصابه النار ، «فيدعو (١)» الشقي بالويل ، فذلك قوله : (تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) ، ثم أخبر عن طعام الشقي ، فقال : (لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ) ـ ٦ ـ وهي شجرة تكون بمكة كثيرة الشوك لا تقربها دابة فى الأرض من شوكها ، ولا يستطيع أحد أن يمسها من كثرة شوكها ، وتسميها قريش وهي رطبة فى الربيع «الشبرق (٢)» وتصيب الإبل من ورقها فى الربيع ما دامت رطبة ، فإذا يبست لم تقربها الإبل ، وما من دابة فى الأرض من الهوام والسباع وما يؤذى بنى آدم إلا مثلها فى النار سلطها الله ـ عزوجل ـ على أهلها ، لكنها من نار وما خلق الله شيئا فى النار إلا من النار ، ثم قال : (لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) ـ ٧ ـ «فإنهم لا يطعمون من أجل الجوع ، وإنما من أجل العذاب (٣)». ثم ذكر أولياء من أهل طاعته ، فقال : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ) ـ ٨ ـ يعنى فرحة شبه الله ـ عزوجل ـ وجوههم بوجوه قوم فرحين ، إذا أصابوا الشراب طابت أنفسهم ، فاجتمع الدم فى وجوههم ، فاجتمع فرح القلوب وفرح الشراب ، فهو ضاحك الوجه «مبتسم (٤)» طيب النفس ، ثم قال : (لِسَعْيِها راضِيَةٌ) ـ ٩ ـ يعنى قد رضى الله ـ عمله فأثابه الله ـ عزوجل ـ ذلك بعمله ، قال : (فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) ـ ١٠ ـ وإنما سماها عالية لأن جهنم أسفل منها وهي دركات ، والجنة درجات ، ثم قال : «لا تَسْمَعُ (٥)» (فِيها لاغِيَةً) ـ ١١ ـ يقول لا يسمع

__________________

(١) فى أ : «فيشربه» ، وفى ف ، ل : «فيدعو».

(٢) فى أ : «اليسبر» ، وفى ف : «الشبرق».

(٣) فى أ ، ف ، ل : «فإنهم ليس يطعمون من الجوع ، إلا من أجل العذاب أن يعذبون» وبها أخطاء كما ترى.

(٤) فى أ : «مبتسما».

(٥) فى أ : «لا يسمع» ، وقراءة حفص (لا تسمع)

٦٧٨

بعضهم من بعض غيبة ، ولا كذب ، لا شتم ، قوله : (فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ) ـ ١٢ ـ يعنى فى الجنة لأنها فيها تجرى الأنهار (فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ) ـ ١٣ ـ منسوجة بقضبان الدر والذهب عليها سبعون فراشا ، كل فراش قدر غرفة من غرف الدنيا ، فذلك قوله : («سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ» وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ) ـ ١٤ ـ يعنى مصفوفة وهي أكواب من فضة ، وهي فى الصفاء مثل القوارير مدورة «الرءوس (١)» ليس لها عرى «ولا خراطيم (٢)» ، (وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ) ـ ١٥ ـ يعنى الوسائد الكبار العظام مصفوفة على الطنافس ، وهي بلغة قريش خاصة (٣)» ثم قال : (وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ) ـ ١٦ ـ يعنى طنافس مبسوطة بعضها على بعض ، يذكرهم الله ـ عزوجل ـ صنعه ليعتبر عباده فيحرصوا عليها ، ويرغبوا فيها ، ويحذروا النار فإن عقوبته على قدر سلطانه وكرامته قدر سلطانه ، ثم ذكر عجائبه ، فقال : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ) لأن العرب لم يكونوا رأوا الفيل ، وإنما ذكر لهم ما أبصروا ، ولو أنه قال أفلا ينظرون إلى الفيلة (كَيْفَ خُلِقَتْ) ـ ١٧ ـ لم يتعجبوا لها لأنهم لم يروها (وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ) ـ ١٨ ـ من فوقهم خمسمائة عام (وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ) (٤) ـ ١٩ ـ على الأرض أوتادا لئلا تزول بأهلها. ثم قال : (وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) ـ ٢٠ ـ يعنى كيف بسطت من تحت الكعبة مسيرة خمسمائة عام ، ثم قال : (فَذَكِّرْ) أهل مكة يا محمد (إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ) ـ ٢١ ـ كالذين من قبلك (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) ـ ٢٢ ـ يقول لست عليهم بملك ، ثم نسختها آية السيف

__________________

(١) فى أ : «الرأس» ، وفى ف : «الرءوس».

(٢) «ولا خراطيم» : من ف ، وليس فى أ.

(٣) من ف ، ل ، وفى أ : (وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ) يعنى الطنافس وهي بلغة قريش خاصة».

(٤) الآية ١٩ مع تفسيرها كلاهما ساقط من أ ، ومثبت من ف.

٦٧٩

فى براءة (١) ، ثم قال : (إِلَّا مَنْ تَوَلَّى) يعنى أعرض (وَكَفَرَ) ـ ٢٣ ـ بالإيمان («فَيُعَذِّبُهُ اللهُ) فى الآخرة (٢) (الْعَذابَ الْأَكْبَرَ) ـ ٢٤ ـ وإنما سماه الله الأكبر لأن الله كان أوعدهم القتل والجوع فى الدنيا ، فقال الأكبر لأنه أكبر من الجوع والقتل ، وهو عذاب جهنم ، ثم قال : (إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ) ـ ٢٥ ـ يعنى مصيرهم (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ) ـ ٢٦ ـ يعنى جزاءهم على الله هين.

__________________

(١) سورة التوبة : «وهي قوله ـ تعالى ـ : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

(٢) «(فَيُعَذِّبُهُ) فى الآخرة» : ساقط من أو هو من ف.

٦٨٠