تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٦٧

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

قوله : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ) يعنى قد أتى على الإنسان (حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) ـ ١ ـ يعنى به آدم لا يذكر ، وذلك أن الله خلق السموات وأهلها ، والأرض وما فيها من الجن قبل أن يخلق آدم ـ عليه‌السلام ـ ، بواحد وعشرين ألف سنة وهي ثلاثة أسباع (١) ، فكانوا لا يعرفون آدم ، ولا يذكرونه «وكان (٢)» سكان الأرض من الجن زمانا ودهرا [٢١٩ أ] ثم إنهم عصوا الله ـ تعالى ـ «وضر (٣)» بعضهم بعضا فأرسل الله عليهم قبيلة من الملائكة يقال لهم الجن وإبليس فيهم ، وكان اسم إبليس الحارث أرسلهم الله على الجن فطردوهم حتى أخرجوهم من الأرض إلى الظلمة خلف الحجاب وهو جبل تغيب الشمس خلفه ، وفى أصله ، وفيما بين ذلك الجبل وبين جبل قاف مسيرة سنة كلها ظلمة وماء قائم ، ثم إن إبليس وجنده طهروا الأرض «وعبدوه (٤)» زمانا فلما أراد الله ـ تعالى ـ أن يخلق آدم ـ صلى الله عليه ـ ، أوحى إليهم أنى جاعل فى الأرض خليفة يعبدونني ، ويطهرون لي الأرض ، فردوا إلى الله قوله ، وإبليس منهم : فقالوا ربنا أتجعل فيها من يفسد فيها يعنى من يعصى فيها ، ويسفك الدماء كفعل الجن ، لا أنهم علموا الغيب : ولكن قالوا ما عرفوا عن

__________________

(١) المعنى أن ٧+ ٧+ ٧ ٢١

(٢) فى أ : «فكان» ، والأنسب : «وكان».

(٣) فى أ : «وصف» ، وفى ف : «ويضرب» ، وفى ل : «وضرب».

(٤) «وعبدوه» : كذا فى أ ، ف ، والضمير عائد على الله ـ سبحانه وتعالى ـ.

٥٢١

الجن الذين عصوا ربهم ، وقالوا نحن نسبح بحمدك ونقدس لك ، يعنى ونطهر لك الأرض ، فأوحى الله إليهم أنى أعلم ما لا تعلمون. ثم إن الله ـ تبارك وتعالى ـ قال ـ يا جبريل ـ ائتني بطين فهبط جبريل ـ عليه‌السلام ـ إلى الأرض فأخذ ترابا من تحت الكعبة «وهو أديم (١)» الأرض وصب عليه الماء فتركه زمانا حتى أنتن الطين فصار فوقها طين حر ، وأسفلها حمأة.

حدثني أبى قال : حدثنا الهذيل عن مقاتل بن سليمان ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : ما كان من الحر منها فهم أصحاب اليمين : وما كان من الحمأة فهم من أصحاب الشمال ، وذلك أن امرأ القيس بن عابس الكتمى ، ومالك بن الضيف اليهودي اختصما بين يدي رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى أمر آدم ـ عليه‌السلام ـ وخلقه ، فقال مالك بن الضيف : إنما نجد فى التوراة أن الله خلق آدم حين خلق السموات والأرض ، فأنزل الله ـ عزوجل ـ يكذب مالك بن الضيف اليهودي فقال : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) يعنى واحدا وعشرين ألف سنة ، وهي ثلاثة أسباع ، بعد خلق السموات والأرض (لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) يذكر : ثم «خلق (٢)» ذريته فقال : (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ) يعنى ماء مختلطا وهو ماء الرجل وماء المرأة فإذا اختلطا فذلك المشج ، فماء الرجل غليظ أبيض فمنه العصب والعظم والقوة ، ونطفة المرأة صفراء رقيقة «فمنها (٣)» اللحم والدم والشعر والظفر فيختلطان فذلك الأمشاج ، فيها تقديم ،

__________________

(١) فى أ : «وهي أدام» ، وفى ف : «وهو أديم»

(٢) فى أ : «خلق» ، وفى ف : «ذكر»

(٣) فى أ : «فمنه» ، وفى ف : «فمنها»

٥٢٢

يقول جعلناه سميعا بصيرا لنبتليه (١) ، ثم قال : (فَجَعَلْناهُ) بعد النطفة (سَمِيعاً بَصِيراً) ـ ٢ ـ لنبتليه بالعمل أى (٢) جعلناه نطفة ، علقة ، مضغة ، ثم صار إنسانا بعد ماء ودم (فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً) من بعد ما كان نطفة ميتة ، «ثم قال (٣)» : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ) يعنى سهيل الضلالة والهدى (إِمَّا) أن يكون (شاكِراً) يعنى موحدا فى حسن خلقه لله ـ تعالى ـ (وَإِمَّا كَفُوراً) ـ ٣ ـ فلا يوحده «وأيضا إما شاكرا لله فى حسن خلقه (وَإِمَّا كَفُوراً) بجعل «هده (٤)» النعم لغير الله (٥)» ثم ذكر مستقر من أحسن خلقه ، ثم كفر به وعبد غيره ، فقال : (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ) فى الآخرة يعنى يسرنا للكافرين يعنى لمن كفر بنعم الله ـ تعالى ـ (سَلاسِلَ) يعنى كل سلسلة طولها سبعون ذراعا بذراع الرجل الطويل من الخلق الأول.

«حدثني (٦) أبى» رحمه‌الله ـ قال : حدثنا الهذيل عن مقاتل بن سليمان ، عن الضحاك بن مزاحم الخراساني ، عن على بن أبى طالب ـ عليه‌السلام ـ أن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : لو أن حلقة من سلاسل جهنم وضعت على ذروة جبل لذاب كما يذوب الرصاص فكيف يا بن آدم «وهي (٧)» عليك وحدك ،

__________________

(١) السطور التالية مضطربة فى أ ، ف وفى جميع النسخ.

(٢) فى أ ، ف : «ثم قال» ، والأنسب ما أثبته لأن القول الآتي ليس قرآنا بل هو معنى آيات وردت فى سورة «المؤمنين» وغيرها ، انظر قوله ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ...) : ١٢ ـ ١٤ المؤمنون.

(٣) فى أ : «فقال».

(٤) فى أ ، ف : «ذلك» ، والأنسب ما أثبت.

(٥) من ف ، وفى أاضطراب.

(٦) من أ ، وفى ف : «حدثنا عبد الله قال : حدثني أبى».

(٧) فى أ : «وهو» ، وفى ف : «وهي».

٥٢٣

ثم قال : (وَأَغْلالاً) فأما السلاسل ففي أعناقهم ، وأما الأغلال ففي أيديهم ، ثم قال : (وَسَعِيراً) ـ ٤ ـ يعنى وقودا لا يطفأ ، ثم ذكر ما أعد للشاكرين من نعمة فقال : (إِنَّ الْأَبْرارَ) يعنى الشاكرين المطيعين لله ـ تعالى ـ يعنى أبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلى ، وسلمان الفارسي ، وأبا ذر الغفاري ، وابن مسعود ، وحذيفة بن اليمان ، وأبا عبيدة بن الجراح ، وأبا الدرداء ، وابن عباس (١) ، (يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ) يعنى الخمر ، وأيضا. (إِنَّ الْأَبْرارَ) يعنى على بن أبى طالب وأصحابه الأبرار الشاكرين لله ـ تعالى ـ يشربون من كأس يعنى من خمر (كانَ مِزاجُها كافُوراً) ـ ٥ ـ ثم ذكر الكافور فقال : (عَيْناً يَشْرَبُ بِها) يعنى الخمر (عِبادُ اللهِ «يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً») (٢) ـ ٦ ـ يعنى أولياء الله يمزجون ذلك الحمر ، ثم يجاء بذلك الماء فهو على برد الكافور ، وطعم الزنجبيل ، وريح المسك لا يمسك أهل الدنيا ولا زنجبيلهم ولا كافورهم ، ولكن الله ـ تعالى ـ وصف ما عنده بما عندهم لتهتدى إليه القلوب (٣) ، ثم ذكر محاسنهم فقال : (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) يعنى من نذر لله نذرا ، فقضى الله حاجته فيوفى لله بما قد نذره ، قال : (وَيَخافُونَ يَوْماً) يعنى يوم القيامة (كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) ـ ٧ ـ يعنى كان شرا فاشيا فى أهل السموات والأرض ، فانشقت السماء ، وتناثرت الكواكب ، وفزعت الملائكة ، وكورت الشمس والقمر فذهب ضوءهما وبدلت الأرض ونسفت الجبال ، وغارت المياه ، وتكسر كل شيء على الأرض من جبل أو بناء أو شجر ، ففشى شر يوم القيامة فيها ، وأما قوله :

__________________

(١) هذا على سبيل المثال لا على سبيل الحصر.

(٢) (يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً) : ساقط من أ.

(٣) من ف ، وفى أنقص.

٥٢٤

(وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) (١) أى على حبهم الطعام (مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) ـ ٨ ـ نزلت فى أبى الدحداح الأنصارى ، ويقال فى على بن أبى طالب ـ رضى الله عنه ـ وذلك أنه [٢٢٠ أ] صام يوما فلما أراد أن يفطر دعا سائل ، فقال : عشوني بما عندكم فإنى لم أطعم اليوم شيئا. قال أبو الدحداح أو على : قومي فاثردى رغيفا وصبي عليه مرقة ، وأطعميه. ففعلت ذلك فما لبثوا أن جاءت جارية يتيمة فقالت : أطعمونى فإنى ضعيفة لم أطعم اليوم شيئا ، قال : يا أم الدحداح قومي فاثردى رغيفا وأطعميها ، فإن هذه والله أحق من ذلك المسكين ، فبينما هم كذلك إذ جاء على الباب سائل أسير ينادى : عشوا الغريب فى بلادكم ، فإنى أسير فى أيديكم وقد أجهدنى الجوع فبالذي أعزكم وأذلنى لما أطعمتمونى. فقال أبو الدحداح : يا أم الدحداح ، قومي ويحك فاثردى رغيفا وأطعمى الغريب الأسير ، فإن هذا أحق من أولئك فأطعموا «ثلاث (٢)» أرغفة ، وبقي لهم «رغيف واحد (٣)» فأنزل الله ـ تبارك وتعالى ـ فيهم يمدحهم بما فعلوا. فقال : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) يعنى باليتيم من لا أب له ولا أم ، (وأسيرا ـ من أسارى المشركين (٤)) (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ) يعنى لمرضات الله ـ تعالى ـ (لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً) ـ ٩ ـ يعنى أن تثنوا به علينا (إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً) يعنى يوم الشدة ،

__________________

(١) فى أ : «على حبهم الطعام» : والآية : (الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ).

(٢) فى أف : «ثلاثة».

(٣) فى أ : «رغيفا واحدا» ، وفى ف : «رغيف واحد».

(٤) من ف ، وفى أ : («وأسيرا» من أسر بالمشركين من غيرهم)

٥٢٥

قال الفراء وأبو عبيدة : هو المنتهى فى الشدة (١) (قَمْطَرِيراً) ـ ١٠ ـ يعنى إذا عرق الجبين فسال العرق بين عينيه من شدة الهول ، فذلك قوله : «قمطريرا» فشكر الله أمرهم ، فقال : (فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ) يعنى يوم القيامة شر جهنم (وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً) ـ ١١ ـ نضرة فى الوجوه «وسرورا» فى القلوب ، وذلك أن المسلم إذا خرج من قبره يوم القيامة نظر أمامه ، فإذا هو بإنسان وجهه مثل الشمس يضحك طيب النفس وعليه ثياب «بيض (٢)» وعلى رأسه تاج فينظر إليه حتى يدنو منه ، فيقول : سلام عليك ـ يا ولى الله. فيقول : وعليك السلام من أنت يا عبد الله أنت ملك من الملائكة؟ فيقول : لا ، والله. فيقول : أنت نبى من الأنبياء؟ فيقول : لا والله ، فيقول : أنت من المقربين؟ فيقول : لا والله. فيقول : من أنت؟ فيقول : أنا عملك الصالح أبشرك بالجنة ، والنجاة من النار. فيقول له : يا عبد الله ، الله أبعلم تبشرني؟ فيقول : نعم. فيقول : ما تريد منى؟ فيقول له : اركبنى. فيقول : يا سبحان الله ، ما ينبغي لمثلك أن يركب عليه. فيقول : بلى فإنى طال ما ركبتك فى دار الدنيا فإنى أسألك بوجه الله [٢٢٠ ب] إلا ما ركبتني فيركبه فيقول : لا تخف أنا دليلك إلى الجنة «فيعم (٣)» ذلك الفرح فى وجهه حتى يتلألأ ، ويرى النور والسرور فى قلبه ، فذلك قوله : (وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً) وأما الكافر فإنه إذا

__________________

(١) انفردت (ف) بذكر قصة نسبتها إلى سيدنا على وهي صيامه ثلاثة أيام مع أهل بيته ، وحضور سائل قبل المغرب إليه وتصدقه بطعام الإفطار ثلاثة أيام مع أهل بيته ، وحضور سائل قبل المغرب إليه وتصدقه بطعام الإفطار ثلاثة أيام متتالية ، ولم ترد هذه القصة فى أ ، كما ذكر الإمام محمد عبده أن الآية عامة ولا يصح قصرها على على بن أبى طالب ، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

(٢) فى أ ، ف : «بياض»

(٣) فى أ : «فيعم» ، وفى م : «فنعم»

٥٢٦

خرج من قبره نظر أمامه فإذا هو برجل قبيح ، الوجه أزرق العينين أسود الوجه أشد سوادا من القبر فى ليلة مظلمة ، وثيابه سود يجر أنيابه فى الأرض تدهده دهدهة الرعد ، ريحه أنتن من الجيفة ، فيقول : من أنت يا عدو الله؟ ويريد أن يعرض بوجهه عنه ، فيقول : يا عدو الله إلى إلى ، وأنا لك اليوم ، فيقول : ويحك أشيطان أنت؟ فيقول : لا والله ، ولكني عملك. فيقول : ويحك ، ما تريد منى؟ فيقول : أريد أن أركبك. فيقول : أنشدك الله ، مهلا فإنك تفضحني على رءوس الخلائق ، فيقول : والله ما منك بد فطال ما ركبتني فأنا اليوم أركبك. قال فيركبه فذلك قوله : «... وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون» (١) ثم ذكر أولياءه فقال : (وَجَزاهُمْ) بعد البشارة (بِما صَبَرُوا) على البلاء (جَنَّةً وَحَرِيراً) ـ ١٢ ـ فأما الجنة فيتنعمون فيها ، وأما الحرير «فيلبسونه (٢)» (مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ) يعنى على السرر عليها الحجال (لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً) لا يصيبهم حر الشمس (وَلا زَمْهَرِيراً) ـ ١٣ ـ يعنى ولا يصيبهم برد الزمهرير لأنه ليس «فيها (٣)» شتاء ولا صيف ، فأما قوله : (وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها) يعنى ظلال الشجر وذلك أن أهل الجنة يأكلون من الفواكه إن شاءوا نياما ، وإن شاءوا قعودا وإن شاءوا قياما ، إذا أرادوا دنت منهم حتى «يأخذوا (٤)» منها ، ثم تقوم قياما ، فذلك قوله : (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً) ـ ١٤ ـ يعنى أغصانها تذليلا قوله (وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ) فهي الأكواز مدورة الرءوس التي ليس لها عرى ، قال : (كانَتْ قَوارِيرَا) ـ ١٥ ـ

__________________

(١) سورة الأنعام : ٣١

(٢) فى أ : «فيلبسونها»

(٣) الضمير يعود إلى الجنة ، وفى أ : «فيه»

(٤) فى أ : «يأخذون».

٥٢٧

ولكنها من فضة وذلك أن قوارير الدنيا من ترابها وقوارير الجنة من فضة فذلك قوله : (كانَتْ قَوارِيرَا) ثم قطعها ، ثم استأنف فقال : (قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً) ـ ١٦ ـ يعنى فدرت الأكواب على الإناء وقدر الإناء على كف الخادم ورى القوم ، فذلك قوله : (قَدَّرُوها تَقْدِيراً) قال : (وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً) يعنى خمرا وكل شراب فى الإناء ليس بخمر ، وليس هو بكأس قال : (كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً) ـ ١٧ ـ يعنى كأنما قد مزج فيه الزنجبيل ، قوله : (عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً) ـ ١٨ ـ «تسيل (١)» عليهم من جنة عدن فتمر على كل جنة ، «ثم ترجع لهم الجنة كلها (٢)». وأما قوله : (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) فأما الولدان فهم الغلمان الذين لا يشيبون أبدا «مخلدون» يعنى لا يحتلمون ، «ولا يشيبون (٣) أبدا» هم على تلك الحال لا يختلفون «ولا يكبرون (٤)» ، قال : (إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً) ـ ١٩ ـ فى الحسن والبياض يعنى فى الكثرة ، مثل اللؤلؤ المنثور الذي لا يتناهى عدده ، قوله : (وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ) يعنى «هنالك (٥)» فى الجنة رأيت ، (نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً) ـ ٢٠ ـ وذلك أن الرجل من أهل الجنة له قصر ، فى ذلك القصر سبعون قصرا ، فى كل قصر سبعون بيتا ، كل بيت من لؤلؤة مجوفة طولها فى السماء فرسخ ، وعرضها فرسخ ، عليها أربعة ألف مصراع من ذهب ، فى ذلك البيت سرير منسوج

__________________

(١) فى أ : «لأنه تسبل». ولعل أصلها : «لأنها تسيل». والمثبت من ف.

(٢) كذا فى أ ، وفى ف : «نعم الجنة كلها».

(٣) من ف ، وفى أ : «ولا يموت أحدهم».

(٤) فى أ : «ولا يكبرون ، غلمان». والمثبت من ف.

(٥) فى أ : «مثالك» ، والأنسب : «هنالك».

٥٢٨

بقضبان الدر والياقوت ، عن يمين السرير وعن يساره أربعون [٢٢١ أ] ألف كرسي من ذهب قوائمها ياقوت أحمر ، على ذلك السرير سبعون فراشا ، كل فراش على لون ، وهو جالس فوقها ، وهو متكئ على يساره عليه سبعون حلة من ديباج ، «الذي (١) يلي» جسده حريرة بيضاء ، وعلى جبهته إكليل مكلل بالزبرجد والياقوت وألوان «الجواهر (٢)» كل جوهرة على لون ، وعلى رأسه تاج من ذهب فيه سبعون ذؤابة ، فى كل ذؤابة درة ، «تساوى (٣)» مال المشرق والمغرب ، وفى يديه «ثلاث (٤)» أسورة ، سوار من ذهب ، وسوار من فضة ، وسوار من لؤلؤ ، وفى أصابع يديه ورجليه خواتيم من ذهب وفضة فيه ألوان الفصوص ، وبين يديه عشرة آلاف غلام لا يكبرون ولا يشيبون أبدا ، ويوضع بين يديه مائدة من ياقوتة حمراء ، طولها ميل فى ميل ، ويوضع على المائدة سبعون ألف إناء من ذهب وفضة فى كل إناء سبعون لونا من الطعام ، يأخذ اللقمة بيديه فما يخطر على باله حتى تتحول اللقمة عن حالها إلى الحال التي يشتهيها ، وبين يديه غلمان بأيديهم أكواب من ذهب ، وإناء من فضة معهم الخمر والماء ، فيأكل على قدر أربعين رجلا من الألوان كلها ، كلما شبع من لون من الطعام سقوه شربة مما يشتهى من الأشربة فيتجشأ ، فيفتح الله ـ تعالى ـ عليه ألف باب من الشهوة من الشراب فيدخل عليه الطير من الأبواب ، كأمثال النجائب فيقومون بين يديه صفا فينعت كل نفسه بصوت مطرب لذيذ ألذ من كل غناء فى الدنيا ، يقول : يا ولى

__________________

(١) فى أ : «الذي على» والأنسب : «التي على» ، وفى ف «الذي يلي».

(٢) فى أ ، ف : «الجوهر».

(٣) فى أ : «تسوى» ، وفى ف : «تساوى».

(٤) فى أ : «ثلاثة» ، وفى ف : «ثلاث».

تفسير مقاتل بن سليمان ج ٤ ـ م ٣٤.

٥٢٩

الله ، كلني إنى كنت أرعى فى روضة كذا وكذا من رياض الجنة ، فيحلون عليه أصواتها (١)» فيرفع بصره فينظر إليهم ، فينظر إلى أزهاها صوتا ، وأجودها نعتا ، فيشتهيها فيعلم الله ما وراء شهوته فى قلبه من حبه ، فيجيء الطير فيقع على المائدة بعضه قديد ، وبعضه شواء ، أشد بياضا من الثلج ، وأحلى من العسل ، فيأكل حتى إذا شبع منها ، واكتفى طارت طيرا كما كانت ، فتخرج من الباب الذي كانت دخلت منه ، «فهو (٢)» على الأرائك وزوجته مستقبلة (٣) ، يبصر وجهه فى وجهها من الصفاء والبياض ، كلما أراد أن يجامعها ينظر إليها فيستحى أن يدعوها ، فتعلم ما يريد منها زوجها فتدنو إليه ، فتقول : بأبى وأمى ، ارفع رأسك فانظر إلى فإنك اليوم لي ، وأنا لك فيجامعها على قوة مائة رجل من الأولين ، وعلى شهوة أربعين رجلا كلما أتاها وجدها عذراء ، «لا يغفل (٤)» عنها مقدار أربعين يوما ، فإذا فرغ وجد ريح المسك منها فيزداد حبالها ، فيها أربعة آلاف وثمانمائة زوجة «مثلها (٥) لكل زوجة» سبعون خادما وجارية.

حدثنا عبد الله بن ثابت قال : حدثني أبى قال : حدثنا الهذيل عن مقاتل ، عن الضحاك بن مزاحم ، عن على بن أبى طالب ـ عليه‌السلام ـ قال : لو أن جارية أو خادما خرجت إلى الدنيا لاقتتل عليها أهل الأرض كلهم «حتى يتفانوا (٦)».

__________________

(١) فى أ : «فيحلون عليه أصوات» ، وفى ف : «فيحلون عليه أصواتها».

(٢) فى أ ، ف : «فهو» ، والأنسب : «وهو».

(٣) كذا فى أ ، ف ، والمعنى أن وجهها يقابل وجهه.

(٤) فى أ : «لا يدخل» ، وفى ف : «لا يقفل».

(٥) من ف ، وفى أ : زيادة : «لكل زوجة مثلها» وهو خطأ من الناسخ.

(٦) فى أ : «حتى يتفانون» ، وفى ف : «حتى يتفانوا».

٥٣٠

ولو أن الحور العين أرخت ذؤابتها فى الأرض لأطفأت الشمس من نورها ، قيل : يا رسول الله ، وكم بين الخادم والمخدوم؟ قال : والذي نفسي بيده ، إن بين الخادم والمخدوم كالكوكب «المضيء (١)» إلى جنب القمر فى النصف ، قال : فبينما هو جالس على سريره إذ يبعث الله ـ عزوجل ـ إليه ملكا معه سبعون حلة كل حلة على لون واحد (٢) ، ومعه التسليم والرضا فيجيء الملك حتى يقوم على بابه ، فيقول لحاجبه : ائذن لي على ولى الله ، فإنى رسول رب العالمين إليه. فيقول الحاجب : والله ، ما أملك منه المناجاة ، ولكن سأذكرك إلى من يليني من الحجبة. فلا يزالون يذكرون بعضهم إلى بعض حتى يأتيه الخبر بعد سبعين بابا ، يقول : يا ولى الله ، إن رسول رب العزة على الباب (٣) ، فيأذن له بالدخول عليه. فيقول : السلام عليك ، يا ولى الله ، إن الله يقرئك السلام وهو عنك راض ، فلو لا أن الله ـ تعالى ـ لم يقض عليه الموت لمات من الفرح. فذلك قوله : (وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ) يا محمد ، ثم : يعنى هناك رأيت «نعيما» يعنى بالنعيم الذي هو فيه (وَمُلْكاً كَبِيراً) حين لا يدخل عليه رسول رب العزة إلا بإذن. «ثم قال (٤)» : (عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ) يعنى الديباج ، وإنما قال عاليهم لأن الذي يلي جسده حريرة بيضاء ، قال : (وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ) وقال فى آية أخرى يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ، فهي «ثلاث (٥)»

__________________

(١) فى أ : «المظلم» ، وفى ف : «المضيء».

(٢) فى أ ، ف زيادة : «قد غاب بين إصبعى الملك».

(٣) وهذا من التجسيم الذي عيب على مقاتل بن سليمان ، وانظر مقدمتي لهذا التفسير فى باب : مقاتل وعلم الكلام.

(٤) فى أ : «فقال».

(٥) فى أ ، ف : «ثلاثة».

٥٣١

أسورة ، قوله : (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً) ـ ٢١ ـ وذلك «أن (١)» على باب الجنة شجرة ينبع من ساقها عينان ، فإذا جاز الرجل الصراط إلى العين ، يدخل فى عين منها فيغتسل فيها ، فيخرج وريحه أطيب من المسك طوله سبعون ذراعا فى السماء على طول آدم ـ عليه‌السلام ـ وميلاد ـ عيسى بن مريم ـ ، أبناء ثلاث وثلاثين سنة ، فأهل الجنة كلهم رجالهم ونساؤهم على قدر واحد يكبر الصغير حتى يكون ابن ثلاث وثلاثين سنة ، وينحط الشيخ عن حاله إلى ثلاث وثلاثين سنة ، كلهم رجالهم ونساؤهم على قدر واحد فى حسن يوسف بن يعقوب [٢٢٢ أ] ـ عليهما‌السلام ـ ويشرب من العين الأخرى فينقى ما فى صدره من غل ، أو هم ، أو حسد ، أو حزن ، فيطهر الله قلبه بذلك الماء فيخرج وقلبه على «قلب (٢)» أيوب ـ عليه‌السلام ـ ولسان محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، عربي ، (٣) ثم ينطلقون حتى يأتوا الباب ، فتقول لهم الخزنة : طبتم. يقولون : نعم. فتقول : ادخلوها خالدين يبشرونهم بالخلود قبل الدخول ، بأنهم لا يخرجون منها أبدا ، فأول ما يدخل من باب الجنة ومعه الملكان اللذان كانا معه فى دار الدنيا «الكرام الكاتبين (٤)» فإذا هو (٥) بملك معه بختية من ياقوتة حمراء زمامها ياقوتة خضراء فإذا كانت البختية من ياقوتة خضراء كان زمامها ياقوتة حمراء ، عليها راحلة مقدمها ومؤخرها در وياقوت ، صفحتها الذهب والفضة ، ومعه

__________________

(١) «أن» : من ف ، وهي ساقطة من أ.

(٢) فى أ : «ذات» ، وفى ف : «قلب».

(٣) كذا فى أ ، ف.

(٤) فى أ ، ف : «الكرام الكاتبين» بالنصب ، وصوابها الرفع : الكرام الكاتبون ولعله نصبها على الحكاية ما ورد فى الآية (كِراماً كاتِبِينَ ، يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ) سورة الانفطار : ١١ ـ ١٢.

(٥) الضمير يعود على أول من يدخل من باب الجنة.

٥٣٢

سبعون حلة فيلبسه (١) ويضع على رأسه التاج ، ومعه «عشرة آلاف (٢)» غلام كاللؤلؤ المكنون ، فيقول : يا ولى الله ، اركب فإن هذا لك ، ولك مثلها فيركبها ولها جناحان ، خطوة منها منتهى البصر فيسير على بختيته وبين يديه «عشرة آلاف (٣)» غلام ، ومعه الملكان اللذان كانا معه فى دار الدنيا حتى يأتى إلى قصورة فينزلها ، (إِنَّ هذا) الذي قضيت لكم (كانَ لَكُمْ جَزاءً) لأعمالكم (وَكانَ سَعْيُكُمْ) يعنى عملكم (مَشْكُوراً) (٤) ـ ٢٢ ـ يعنى شكر الله أعمالهم فأثابهم بها الجنة (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً) ـ ٢٣ ـ (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) يعنى حتى يحكم الله بينك وبين أهل مكة ، ولا تشتم إذا شتمت ، ولا تغتظ إذا ضربت (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) ـ ٢٤ ـ وهو الوليد ابن المغيرة بن هشام [٢٢٢ ب] المخزومي قال : (أَوْ كَفُوراً) أو : ها هنا صلة ، والكفور : هو عتبة بن ربيعة ، وذلك أنهم خلوا به فى دار الندوة ، وفيهم عمرو ابن عمير بن مسعود الثقفي ، فقالوا : يا محمد ، أخبرنا لم تركت دين آبائك وأجدادك؟ فقال الوليد بن المغيرة : إن طلبت مالا أعطيتك نصف مالي على أن تدع مقالتك هذه. وقال أبو البختري بن هشام : واللات والعزى إن ارتد عن دينه لأزوجنه ابنتي فإنها أحسن النساء ، وأجملهن جمالا ، وأفصحهن قولا وأبلغهن علما ، وقد

__________________

(١) الضمير يعود للملك.

(٢) فى أ : «عشر ألف»

(٣) فى أ : «عشرة ألف»

(٤) ترتيب الآيات مضطرب فى أ ، ف فى سورة الدهر هذه فالآيات مرتبة كالآتى :

آية : ١٤ ، ثم ١٩ ، ٢٠ ، ٢١ ، ثم ١٥ ، ١٦ ، ١٧ ، ١٨ ، ثم ٢٢ ، ثم ٢٤ ، ثم ٢٣ ، ثم ٢٥ ، ثم ٢٦ إلى آخر السورة.

وقد أعدت ترتيب الآيات حسب ورودها فى المصحف الشريف.

٥٣٣

علمت العزى بذلك ، فسكت النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عن ذلك فلم يجبهم شيئا. فقال ابن مسعود الثقفي : مالك لا تجيبنا إن كنت تخاف عذاب ربك وذمه أجرتك فضحك النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عند ذلك ، وقبض ثوبه وقام عنهم ، وقال : أصعب أقوال وأضعف أعمال ، فأنزل الله ـ عزوجل ـ (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً) فيها تقديم ، وتأخير (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) يعنى الوليد بن المغيرة وأبا البختري بن هشام.

وقال فى قول عمرو بن عمير بن مسعود الثقفي :

«قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا» (١) يعنى لا يؤمن من عذابه أحد ، ولن أجد من دونه مهربا ، (إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ ...) إلى آخر الآية (٢). وأما قوله : (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) ـ ٢٥ ـ يعنى إذا صليت صلاة الغداة وهو «بكرة» ، فكبر واشهد أن لا إله إلا هو ، «وأصيلا» إذا أمسيت وصليت صلاة المغرب فكبره واشهد أن لا إله إلا هو ، فهو براءة من الشرك ، فذلك قوله : (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ) بشهادة أن لا إله إلا هو ، قال كان رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يصلى الغداة ، ثم يكبر «ثلاثا (٣)» ، وإذا صلى المغرب كبر «ثلاثا (٤)» (وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ) يعنى صلاة العشاء والاخرة يقول : صل له قبل أن تنام (وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً) ـ ٢٦ ـ يعنى وصل له

__________________

(١) سورة الجن : ٢٢.

(٢) سورة الجن : ٢٣ ، وتمامها : (إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً).

(٣) فى أ : «ثلاثة» ، وفى ف : «ثلاثا».

(٤) فى أ : «ثلاثة» ، وفى ف : «ثلاثا».

٥٣٤

بالليل ، وكان قيام الليل فريضة على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فتهجد به نافلة لك ، ثم رجع إلى قوله ـ عزوجل ـ الأول : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً ، فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) فقال : (إِنَّ هؤُلاءِ) الذين يأمرونك بالكفر (يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ) يعنى الدنيا ، لا يهمهم شيء إلا أمر الدنيا الذهب والفضة «والبناء (١)» والثياب والدواب (وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ) يعنى أمامهم وكل شيء فى القرآن وراءهم يعنى أمامهم ، (يَوْماً ثَقِيلاً) ـ ٢٧ ـ لأنها تثقل على الكافرين إذا حشروا وإذا وقفوا وإذا حاسبوهم ، وإذا جازوا الصراط فهي مقدار ثلاثمائة سنة وأربعين سنة فأما المؤمن فإنه ييسر الله خروجه [٢٢٣ أ] من قبره وإذا حشره وإذا حاسبه ، وإذا جاز الصراط ، فذلك قوله : «يومئذ يوم عسير ، على الكافرين غير يسير» (٢) وأما قوله : (نَحْنُ خَلَقْناهُمْ) فى بطون أمهاتهم وهم نطفة (وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ) حين صاروا شبانا يعنى أسرة الشباب وما خلق الله شيئا أحسن من الشباب ، منور الوجه أسود الشعر واللحية قوى البدن ، قال : (وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ) ذلك السواد والنور بالبياض والضعف (تَبْدِيلاً) ـ ٢٨ ـ من السواد حتى لا يبقى شيء منه إلا البياض فعلم الله ـ عزوجل ـ فقال : (إِنَّ هذِهِ) (٣) إن هذا السواد والحسن والقبح (تَذْكِرَةٌ) يعنى عبرة (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) ـ ٢٩ ـ يعنى فمن شاء اتخذ فى هذه التذكرة فيعتبر فيشكر الله ويوحده ، ويتخذ طريقا إلى الجنة ،

__________________

(١) فى أ : «والبنا».

(٢) سورة المدثر : ٩ ، ١٠.

(٣) فى أ : «إن هذا».

٥٣٥

ثم رد المشيئة إليه فقال : (وَما تَشاؤُنَ) أنتم أن تتخذوا إلى ربكم سبيلا (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) فهون عليكم عمل الجنة (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً) يعنى بأهل الجنة (حَكِيماً) ـ ٣٠ ـ إذ حكم على أهل الشقاء النار ، ثم ذكر العلم والقضاء بأنه إليه فقال : (يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ) يعنى فى جنته (وَالظَّالِمِينَ) يعنى المشركين (أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) ـ ٣١ ـ يعنى وجيعا.

٥٣٦

سورة المرسلات

٥٣٧
٥٣٨

(٧٧) سورة المرسلات مكية

وآياتها خمسون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (١) فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً (٢) وَالنَّاشِراتِ نَشْراً (٣) فَالْفارِقاتِ فَرْقاً (٤) فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً (٥) عُذْراً أَوْ نُذْراً (٦) إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ (٧) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (٨) وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ (٩) وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ (١٠) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (١١) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (١٢) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (١٣) وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ (١٤) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٥) أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (١٦) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (١٧) كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (١٨) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٩) أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٢٠) فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ (٢١) إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢٢) فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ (٢٣) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٢٤) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً (٢٥) أَحْياءً وَأَمْواتاً (٢٦) وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً (٢٧) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٢٨) انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢٩) انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ (٣٠) لا ظَلِيلٍ وَلا

٥٣٩

يُغْنِي مِنَ اللهَبِ (٣١) إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (٣٢) كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ (٣٣) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٣٤) هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (٣٥) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (٣٦) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٣٧) هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (٣٨) فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (٣٩) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٠) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ (٤١) وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٤٢) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٤٤) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٥) كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (٤٦) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٧) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ (٤٨) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٩) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (٥٠))

٥٤٠