تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٦٧

«برهوت (١)» وكل روح أعرف بجسد صاحبه من أحدكم إلى منزله (٢) (فَتَأْتُونَ أَفْواجاً) ـ ١٨ ـ ثم ينزل إسرافيل من فوق السماء السابعة ، فيجلس على صخرة بيت المقدس ، فيأخذ أرواح الكفار «والمؤمنين (٣)» ويجعلهم فى القرن ، ودائرة القرن مسيرة خمسمائة عام ، ثم ينفخ فى القرن فتطير الأرواح حتى تطبق ما بين السماء والأرض ، فتذهب كل روح فتقع فى جسد صاحبها ، فيخرج الناس من قبورهم فوجا فوجا ، فذلك [٢٢٥ ب] قوله : (فَتَأْتُونَ أَفْواجاً) يعنى زمرا زمرا ، وفرقا فرقا ، وأمما أمما ، (وَفُتِحَتِ السَّماءُ) يعنى وفرجت السماء ، يعنى وفتقت السماء فتقطعت (فَكانَتْ أَبْواباً) ـ ١٩ ـ يعنى خللا خللا فشبهها الله بالغيم إذا «انكشف (٤)» بعد المطر ، ثم تهيج «به (٥)» الريح الشمال الباردة فينقطع فيصير كالأبواب (وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ) يعنى وانقلعت الجبال من أماكنها ، فطارت بين السماء والأرض من خشية الله ، فضرب الله لها مثلا. فقال : (فَكانَتْ سَراباً) (٦) ـ ٢٠ ـ يعنى مثل السراب الذي يكون بالقاع يحسبه الظمآن ماء ، فإذا أتاه لم يجده شيئا ، فذلك قوله «... تَحْسَبُها جامِدَةً (٧) ...» يعنى

__________________

(١) «برهوت» : من أ ، وفى ف زيادة : «وهو شر واد فى الأرض».

(٢) كذا فى أ ، ف.

(٣) «والمؤمنين» : من ف ، وليست فى أ.

(٤) فى أ : «انقشع» ، وفى ف : «انكشف».

(٥) فى أ : «به» ، وفى ف : «له».

(٦) تفسير هذه الجملة مضطرب فى أ ، ف ، وبه نقص وأخطأ وقد تصيدت تفسيرها تصيدا وصوبت الأخطأ.

(٧) سورة النمل : ٨٨ وهي (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ).

تفسير مقاتل بن سليمان ج ٤ ـ م ٣٦.

٥٦١

من بعيد يحسبها جبلا قائما ، فإذا انتهى إليه ومسه لم يجده شيئا ، فتصير الجبال أول مرة كالمهل ، ثم تصير الثانية كالعهن المنفوش ، ثم تذهب فتصير لا شيء فتراها تحسبها جبالا ، فإذا مسستها لم تجدها شيئا ، فذلك قوله : (وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ) يعنى انقطعت الجبال من خشية الله ـ عزوجل ـ يوم القيامة (فَكانَتْ سَراباً) فما حالك يا بن آدم؟

(إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً) ـ ٢١ ـ (لِلطَّاغِينَ) يعنى للكافرين (مَآباً) ـ ٢٢ ـ يعنى للمشركين مرجعا «إليها (١)» نزلت فى الوليد بن المغيرة (لابِثِينَ فِيها) ، ثم ذكركم يلبثون فى النار فلم يوقت لهم فقال : «لابثين فيها» يعنى فى جهنم (أَحْقاباً) ـ ٢٣ ـ يعنى فى جهنم أحقابا وهي سبعة عشر حقبا ، يعنى الأزمنة والأحقاب لا يدرى عددها ، ولا يعلم «منتهاها (٢)» إلا الله ـ عزوجل ـ الحقب الواحد ثمانون سنة (٣) ، السنة فيها ثلاثمائة وستون يوما ، كل يوم فيها مقدار ألف سنة ، وكان هذا بمكة ، وأنزل الله ـ عزوجل ـ (لا يَذُوقُونَ «فِيها») (٤) فى تلك الأحقاب (بَرْداً) يعنى برد الكافور (وَلا شَراباً) ـ ٢٤ ـ يعنى الخمر كفعل أهل الجنة ، ثم استثنى فقال : (إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً) (٥) ـ ٢٥ ـ (إِلَّا حَمِيماً) يعنى حارا ، وأيضا

__________________

(١) فى أ : «إليها» ، وفى ف : «إليه».

(٢) «منتهاها» : من أ ، وليست فى ف.

(٣) فى أزيادة : «السنة منها مقدار ثمانية عشر ألف سنة» ، وصوابها «ثماني عشرة ألف سنة»

(٤) فى أ : «فى».

(٥) تفسير هذه الآية من ف ، وهو مضطرب فى أ.

٥٦٢

لا يذوقون فى جهنم (بَرْداً وَلا شَراباً) يعنى لا يذوقون فيها روحا طيبا ، ولا شرابا باردا ينفعهم «من هذه (١)» النار.

قال أبو محمد : قال أبو العباس أحمد بن يحيى : ويقال البرد : النوم ، (إِلَّا حَمِيماً) يعنى بالحميم الصفر المذاب الذي قد انتهى حره «وغساقا» الذي قد انتهى برده ، وهو الزمهرير الذي انتهى برده (جَزاءً وِفاقاً) ـ ٢٦ ـ كما أنه ليس فى الأعمال أخبث من الشرك بالله ـ عزوجل ـ وكذلك ليس من العذاب «شيء (٢)» أخبث من النار ، «فوافقت (٣)» النار الشرك ، ثم قال : (إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً) ـ ٢٧ ـ يعنى أنهم كانوا لا يخافون من العذاب أن يحاسبوا بأعمالهم الخبيثة إذا عملوها ، قال : (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) يعنى القرآن (كِذَّاباً) ـ ٢٨ ـ يعنى تكذيبا بما فيه من الأمر والنهى ، ثم رجع إلى أعمالهم الخبيثة فقال : (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ) من الأعمال (كِتاباً) ـ ٢٩ ـ يعنى ثبتناه مكتوبا عندنا فى كتاب حفيظ يعنى اللوح [٢٢٦ أ] المحفوظ «كتابا» يعنى ما عملوا من السيئات ، أثبتناه فى اللوح المحفوظ مثلها ، فى يس «... وكل شيء أحصيناه في إمام مبين» (٤) ثم (٥) رجع إلى أهل النار الذين قال فيهم : «لابثين فيها أحقابا» (٦) فذكر «أن الخزنة تقول لهم (٧)» : (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً) ـ ٣٠ ـ.

__________________

(١) فى ف : «من ذلك».

(٢) «شيء» : من ف وليست فى أ.

(٣) فى أ : «وفاق» ، وفى ف : «فوافق».

(٤) سورة يس : ١٢.

(٥) فى أ : زيادة : «فلم يوقف شيئا» ، وليست فى ف.

(٦) سورة النبأ : ٢٣.

(٧) فى أ ، ف : «فقالت لهم الخزنة».

٥٦٣

قال مقاتل (١) عن أبى الزبير ، عن جابر ، عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : إنه قال : الزيادة خمسة أنهار من تحت العرش على رءوس أهل النار ثلاثة أنهار على مقدار الليل ، ونهران على مقدار النهار ، كقوله فى النحل : «... زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون» (٢).

قال : (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً) بعد هذه السنين ، فأما الزيادة فالأنهار ، «أما الآن (٣)» الذي ذكره الله ـ عزوجل ـ فى الرحمن ـ فليس له منتهى.

ثم ذكر المؤمنين فقال : (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً) ـ ٣١ ـ يعنى النجاة من ذلك العذاب الذي سماه للطاغين قال : (حَدائِقَ) يعنى البساتين قد حدقت حواليها الحيطان (وَأَعْناباً) ـ ٣٢ ـ يعنى الفواكه (وَكَواعِبَ) يعنى النساء الكاعبة يعنى عذارى يسكن فى الجنة للرجال وقسموا لهن (أَتْراباً) ـ ٣٣ ـ يعنى مستويات على ميلاد واحد بنات ثلاث وثلاثين سنة ، وذلك أن أهل الجنة إذا دخلوا الجنة قام. لك على قصر من ياقوت «شرفه (٤)» كاللؤلؤ المكنون فينادى بصوت رفيع يسمع أهل الجنة أولهم وآخرهم وأسفلهم وأعلاهم ، فيقول أبن الذين كانوا نزهوا أسماعهم عن قينات الدنيا ومعازفها قال ويأمر الله

__________________

(١) من أ ، وفى ف : «حدثني عبد الله ـ حدثني إلى حدثنا الهذيل عن مقاتل».

(٢) سورة النحل : ٨٨.

(٣) فى أ : «والأمر» ، وفى ف : «وأما الآن».

وهو بشير إلى قوله ـ تعالى ـ فى سورة الرحمن : ٤٣ ، ٤٤ (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ).

(٤) فى أ ، ف : «شرقها».

٥٦٤

ـ عزوجل ـ جواري فيرفعن أصواتهن جميعا ، ثم قال : (وَكَأْساً دِهاقاً) ـ ٣٤ ـ يعنى وشرابا كثيرا (لا يَسْمَعُونَ فِيها) إذا شربوا (لَغْواً) يعنى حلف الباطل (وَلا كِذَّاباً) ـ ٣٥ ـ يقول ولا يكذبون على شرابهم كما يكذب أهل الدنيا إذا شربوا ، ثم جمع أهل النار ، وأهل الجنة ، فقال : (جَزاءً) يعنى ثوابا (مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً) ـ ٣٦ ـ يعنى يحاسب «المسيئين (١)» فيجازيهم بالنار ، ويحاسب المؤمنين فيجازيهم بالجنة ، فأعطى هؤلاء وهؤلاء جزاءهم ولم يظلم هؤلاء «المعذبين (٢)» ، شيئا فذلك قوله : (عَطاءً حِساباً) ، نظيرها فى الشعراء «إن حسابهم إلا على ربي ...» (٣) يقول إن جزاؤهم إلا على ربى ، ثم عظم الرب ـ تعالى ـ نفسه ودل على صنعه (٤) ، فقال (رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا) يعنى الشمس ، والقمر ، والنجوم ، والسحاب ، والرياح ، قال : هو (الرَّحْمنِ) الرحيم ، وهم (لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً) ـ ٣٧ ـ يعنى المناجاة ، إذا استوى «للحساب (٥)» ثم أخبرهم متى يكون ذلك؟ فقال : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ) وهو الملك الذي قال الله ـ عزوجل ـ عنه : («وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) (٦) ...» وجهه وجه آدم ـ عليه‌السلام ـ ونصفه من [٢٢٦ ب] نار ، ونصفه من ثلج ، فيسبح بحمد

__________________

(١) من ف ، وفى أ : «المسيء».

(٢) فى أ : «المعذبين» ، وفى ف : «المعذبون».

(٣) سورة الشعراء : ١١٣.

(٤) فى أ : «ودل عليه» ، وفى ف : «ودل على صنعه».

(٥) «للحساب» : من ف ، وفى أ : «المحاسبين للحساب».

(٦) سورة الإسراء : ٨٥.

٥٦٥

ربه ويقول رب كما ألفت بين هذه النار وهذا الثلج ، تذيب «هذه (١)» النار هذا الثلج ، ولا يطفئ هذا الثلج هذه النار. فكذلك ألف بين عبادك المؤمنين ، فاختصه الله ـ تعالى ـ من بين الخلق من عظمه ، فقال : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ) ثم انقطع الكلام ، فقال : (وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ) من الخوف أربعين عاما ، (إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ) بالكلام (وَقالَ صَواباً) ـ ٣٨ ـ يعنى شهادة ألا إله إلا الله ، فذلك الصواب (ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُ) لأن العرب قالوا إن القيامة باطل ، فذلك قوله : («الْيَوْمُ الْحَقُّ» فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً) ـ ٣٩ ـ يعنى منزلة يعنى الأعمال الصالحة ، ثم خوفهم أيضا العذاب فى الدنيا فقال : (إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً) يعنى فى الدنيا القتل ببدر ، وهلاك الأمم الخالية ، وإنما قال قريبا لأنها أقرب من الآخرة ، ثم رجع إلى القول الأول حين قال : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا) فقال : (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ) يعنى الإنسان الخاطئ يرى عمله أسود مثل الجبل (وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) ـ ٤٠ ـ وذلك أن الله ـ عزوجل ـ «يجمع الوحوش والسباع (٢)» يوم القيامة فيقتص لبعضهم من بعض حقوقهم ، حتى ليأخذ للجماعة من القرناء بحقها ثم يقول لهم كونوا ترابا ، فيتمنى للكافر «لو كان خنزيرا فى الدنيا (٣)» ثم صار «ترابا (٤)» ، كما كانت الوحوش والسباع ثم صارت ترابا.

__________________

(١) فى أ : «هذا».

(٢) من ف ، وفى أ : «الوحش من السباع».

(٣) فى أ : «لو كان يومئذ ترابا فى الدنيا» ، وفى ف : «لو كان خنزيرا فى الدنيا».

(٤) فى أ : «منزلها» ، وفى ف : «ترابا».

٥٦٦

سورة النّازعات

٥٦٧
٥٦٨

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً (١) وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً (٢) وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً (٣) فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً (٤) فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً (٥) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (٦) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (٧) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ (٨) أَبْصارُها خاشِعَةٌ (٩) يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ (١٠) أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً (١١) قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ (١٢) فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ (١٣) فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (١٤) هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (١٥) إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (١٦) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (١٧) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ

٥٦٩

تَزَكَّى (١٨) وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى (١٩) فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى (٢٠) فَكَذَّبَ وَعَصى (٢١) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى (٢٢) فَحَشَرَ فَنادى (٢٣) فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى (٢٤) فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى (٢٥) إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى (٢٦) أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها (٢٧) رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها (٢٩) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (٣٠) أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها (٣١) وَالْجِبالَ أَرْساها (٣٢) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (٣٣) فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى (٣٤) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى (٣٥) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى (٣٦) فَأَمَّا مَنْ طَغى (٣٧) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (٣٨) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (٣٩) وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (٤١) يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (٤٢) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (٤٣) إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها (٤٤) إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها (٤٥) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها (٤٦))

٥٧٠

[سورة النازعات (١)]

سورة النازعات مكية ، عددها «ست (٢)» وأربعون آية كوفى (٣).

__________________

(١) معظم مقصود السورة :

القسم على مجيء البعث والنفخ فى الصور وكيفية البعث والنشور ، وإرسال موسى إلى فرعون ، والمنة بخلق السماء والأرض ، وتحقيق هول القيامة ، وبيان حال من آثر الدنيا ، والخبر عن حال أهل الخوف ، واستعجال الكافرين بالقيامة وتعجبهم منها فى حال البعث فى قوله : (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها) سورة النازعات : ٤٦.

(٢) فى أ ، «سنة» ، والصواب : «ست».

(٣) فى المصحف : (٧٩) سورة النازعات مكية وآياتها ٤٦ نزلت بعد سورة النبأ.

٥٧١
٥٧٢

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

قوله : (وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً) ـ ١ ـ فهو ملك الموت وحده ، ينزع روح الكافر حتى إذا بلغ ترقوته غرقه فى حلقه ، فيعذبه فى حياته قبل أن يميته ، ثم ينشطها من حلقه كما ينشط السفود الكثير الشعث من الصوف فينشط روح الكافر من قدمه إلى حلقه مثل الصوف المبلول ، فذلك قوله : (وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً) ـ ٢ ـ فهو ملك الموت فيخرج نفسه من حلقه ومعها العروق «كالغريق (١)» من الماء ، وأما قوله : (وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً) ـ ٣ ـ وهو ـ ملك الموت ـ وحده ، وهي روح المؤمن ولكن قال فى التقديم : (فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً) ثم «السابحات سبحا» (٢) تقبض روح المؤمن كالسابح فى الماء لا يهوله الماء يقول «تستبق (٣)» الملائكة أرواحهم فى حريرة بيضاء من حرير الجنة. يسبقون بها ملائكة الرحمة ، ووجوههم مثل الشمس عليهم تاج من نور ضاحكين مستبشرين طيبين ، فذلك قوله : («... (تَتَوَفَّاهُمُ) (٤) () الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ) (٥) ...» [٢٢٧ أ] ، قال : (وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً) يقول تسبح الملائكة فى السموات لا تحجب روحه

__________________

(١) فى أ : «كالعروق» ، وفى ف : «كالغريق».

(٢) كذا فى أ ، ف : ولعل المعنى فيما تقدم من السور ذكر (فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً) ، ثم (السَّابِحاتِ سَبْحاً).

(٣) فى أ : «تسبق» ، وفى ف : «تستبق».

(٤) (تَتَوَفَّاهُمُ) : زيادة فى أ : وليست فى ف.

(٥) سورة النحل : ٣٢.

٥٧٣

فى السماء حتى يبلغ به الملك عند سدرة المنتهى عندها مأوى أرواح المؤمنين ، فأما الكافر فإنه أول ما ينزل الملك الروح من جسده ، «فتستبق (١)» ملائكة الغضب وجوههم مثل «الجمر (٢)» ، وأعينهم مثل البرق غضاب ، حرهم أشد من حر النار فتوضع روحه على جمر مثل الكبريت ، فيضعون روحه عليه ، وتقلب روحه عليه ، مثل السمك «على الطابق (٣)» ، ولا تفتح له أبواب السماء فيهبط به الملك حتى يضعه فى سجين وهي الأرض السفلى تحت «خد (٤)» إبليس.

هذا معنى (فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً) ـ ٤ ـ ، وأما قوله ـ تعالى ـ : (فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) ـ ٥ ـ فهم الملائكة منهم الخزان الذين يكونون مع الرياح ، ومع المطر ، ومع الكواكب ، ومع الشمس والقمر ، ومع الإنس والجن ، فكذلك هم ، ويقال جبريل ، وميكائيل ، وملك الموت ـ عليهم‌السلام ـ الذين يدبرون أمر الله ـ تعالى ـ فى عباده وبلاده ، وبأمره.

وأما قوله ـ تعالى ـ : (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ) ـ ٦ ـ وهي النفخة الأولى وإنما سميت الراجفة لأنها تميت الخلق كلهم ، كقوله : («فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) (٥) ...» يعنى الموت ، من فوق سبع سموات من عند العرش فيموت الخلق كلهم.

__________________

(١) فى أ : «فيستبقون» ، وفى ف : «فتستبق».

(٢) فى أ : «الجمر» ، وفى ف : «الحمير».

(٣) كذا فى أ ، ف ، «على الطابق» ، والمراد كما يشوى السمك على النار.

(٤) فى أ : «جد» ، وفى ف : «خد».

(٥) سورة الأعراف : ٧٨ وفيها (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) ، كما وردت فى سورة الأعراف : ٩١ ، وتمامها (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) ، وفى سورة العنكبوت : ٣٧ ، وتمامها : (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ).

٥٧٤

(تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ) ـ ٧ ـ وهي النفخة الثانية أردفت النفخة الأولى بينهما أربعون سنة ، أسمعت الخلائق وهي عند صخرة بيت المقدس ، وذلك أنه ينزل إسرافيل ، وترتفع أروح الكفار من تحت الأرض السفلى إلى واد يقال له برهوت وهو بحضرموت وهو كأشر واد فى الأرض ، وتنزل أرواح المؤمنين من فوق سبع سموات إلى واد يقال له الجابية وهو بالشام ، وهو خير واد فى الأرض فيأخذ هؤلاء وهؤلاء جميعها إسرافيل فيجعلهم فى القرن وهو الصور فينفخ فيه ، فيقول أيتها العظام البالية ، وأيتها العروق المنقطعة ، وأيتها اللحوم المتمزقة ، اخرجوا من قبوركم لتجازوا بأعمالكم. ثم قال : (قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ) ـ ٨ ـ يعنى خائفة (أَبْصارُها خاشِعَةٌ) ـ ٩ ـ يعنى ذليلة مما رأت عند معاينة النار ، فخضعت ، كقوله : «... خاشعين من الذل ...» (١) مما ترى من العجائب ومما ترى من أمر الآخرة.

ثم أخبر الله ـ عزوجل ـ عن كفار مكة فقال : (يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ) ـ ١٠ ـ تعجبا منها ، فيها تقديم. يقولون أإنا لراجعون على أقدامنا «إلى الحياة (٢)» بعد الموت ، وهذا قول كفار مكة (أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً) ـ ١١ ـ يعنى بالية ، أى : أنا لا نبعث خلقا كما كنا ، (قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ) ـ ١٢ ـ قالوا إن بعثنا بعد الموت إنّا إذا لخاسرون يعنى هالكون ، ثم قال الله ـ تبارك وتعالى ـ لمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ) ـ ١٣ ـ يقول [٢٢٧ ب] فإنما هي صيحة

__________________

(١) سورة الشورى : ٤٥.

(٢) فى أ : «إلى هذه الدنيا» ، وفى ف : «إلى الحياة».

٥٧٥

واحدة من إسرافيل ـ عليه‌السلام ـ فيسمعونها وهم فى بطن الأرض أمواتا «لا يثنيها (١)» (فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) ـ ١٤ ـ يعنى الأرض الجديدة التي تبسط على هذه الأرض ، فيسلها الله ـ عزوجل ـ من تحتها كما يسل الثوب الخلق البالي ، فذلك قوله : (فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) يقول بالأرض الأخرى واسمها الساهرة.

قوله : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى) ـ ١٥ ـ قبل هذا (إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ) يقول بالوادي المطهر اسمه (طُوىً) ـ ١٦ ـ لأن الله ـ عزوجل ـ طوى عليه القدس ، وكان نداؤه إياه أنه قال : يا موسى فناداه من الشجرة ، وهي «الشمران (٢)» ، فقال : يا موسى إنى أنا ربك ، يا موسى (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) ـ ١٧ ـ يقول إنه قد بلغ من طغيانه أنه عبد ، «وفى قراءة ابن مسعود (٣)» «طغى» لأنه لم يعبد صنما قط ولكنه دعا الناس إلى عبادته ، فذلك قوله : (إِنَّهُ طَغى) (٤) (فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى) ـ ١٨ ـ يقول هل لك أن تصلح ما قد أفسدت ، يقول وأدعوك لتوحيد الله (وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ) إلى عظمته (فَتَخْشى) ـ ١٩ ـ يخبر الله ـ عزوجل ـ محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بخبره ، قال له فرعون : وما هي؟ قال : (فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى) ـ ٢٠ ـ وهي اليد والعصا أخرج يده بيضاء لها شعاع كشعاع الشمس يغشى البصر ، فكانت اليد أعظم وأعجب من العصا من غير سوء يعنى

__________________

(١) «لا يثنيها» : من ف ، وليست فى أ.

(٢) فى أ : «السمران». وفى ف : «الشمران».

(٣) «وفى قراءة ابن مسعود» : من ف ، وفى أ : «وفى قوله».

(٤) فى حاشية أ : «اختلفوا هل عبد فرعون صنما ، أو شيئا كان فى عنقه ، أو غير ذلك ، أو لم يعبد شيئا».

٥٧٦

من غير برص ، قال : (فَكَذَّبَ وَعَصى) ـ ٢١ ـ وزعم أنه ليس من الله ـ عزوجل ـ «وعصى» فقال : إنه سحر ، «وعصى» أيضا يعنى استعصى عن الإيمان ، قال : (ثُمَّ أَدْبَرَ) عن الحق (يَسْعى) ـ ٢٢ ـ يعنى فى جمع السحرة فهو قوله : «... فَجَمَعَ كَيْدَهُ (١) ...» ثم أتى بهم (فَحَشَرَ فَنادى) ـ ٢٣ ـ يقول حشر القبط (فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) ـ ٢٤ ـ وذلك أن موسى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال لفرعون : لك ملكك فلا يزول ، ولك شبابك فلا تهرم ، ولك الجنة إذا مت ، على أن يقول ربى الله وأنا أعبده. فقال فرعون : إنك لعاجز ، «بينا (٢)» يكون الرجل ربا يعبد حتى يكون له رب ، فقال ـ فرعون ـ : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) يقول ليس لي رب فوقى ، فذلك الأعلى (فَأَخَذَهُ اللهُ) بعقوبة قوله : (نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى) ـ ٢٥ ـ وكان بينهما أربعين سنة ، الأولى قوله : «... ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي (٣) ...» ، والآخرة قوله (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) ثم قال : (إِنَّ فِي ذلِكَ) يقول إن فى هلاك فرعون وقومه (لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى) ـ ٢٦ ـ يعنى لمن يذكر الله ـ تعالى ـ يقول لمن يخشى عقوبة الله ـ تعالى ـ ، مثل ما فعل بآل فرعون فلا يشرك ، يخوف كفار مكة لئلا يكذبوا محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فيجازيهم مثل ما حل بقوم فرعون من العذاب ، ثم قال : يا معشر العرب ، (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها) ـ ٢٧ ـ يقول أنتم أشد قوة من السماء [٢٨ أ] لأنه قال :

__________________

(١) سورة طه : ٦٠.

(٢) فى أ : «بين».

(٣) سورة القصص : ٣٨.

تفسير مقاتل بن سليمان ج ٤ ـ م ٣٧.

٥٧٧

«إذا السماء انفطرت» (١) ، «وإذا السماء انشقت» (٢) يقول فما حالكم أنتم ، يا بنى آدم ، «وأنتم أضعف (٣)» من السماء؟ ثم قال : «بناها» (رَفَعَ سَمْكَها) يعنى طولها مسيرة خمسمائة عام (فَسَوَّاها) ـ ٢٨ ـ ليس فيها خلل ، قوله : (وَأَغْطَشَ) يقول وأظلم (لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها) ـ ٢٩ ـ يعنى وأبرز يقول ، وأخرج شمسها ، وإنما «صارت مؤنثة (٤)» لأن ظلمة الليل فى السموات ، وظلمة الليل من السماء تجيء ، قال : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) ـ ٣٠ ـ يقول بعد بناء السماء ، بسطها من تحت الكعبة مسيرة خمسمائة عام ، ثم قال : (أَخْرَجَ مِنْها ماءَها «وَمَرْعاها») (٥) ـ ٣١ ـ يقول بحورها ونباتها لأن النبات والماء يكونان من الأرض (وَالْجِبالَ أَرْساها) ـ ٣٢ ـ يقول أوتدها فى الأرض لئلا تزول ، فاستقرت بأهلها ، ثم رجع إلى «مرعاها (٦)» فقال ، فيها ، (مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ) ـ ٣٣ ـ يقول معيشة لكم ولمواشيكم (فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى) ـ ٣٤ ـ يعنى العظمى ، وهي النفخة الآخرة من بيت المقدس ، فذلك الطامة الكبرى وهي يوم القيامة.

قال الهذيل : (أَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها) إنما صارت مؤنثة لأن ظلمة الليل والشمس فى السماء «مؤنثة (٧)» قال وقال شاعر همذان يوم اليرموك :

__________________

(١) سورة الانفطار : ١.

(٢) سورة الانشقاق : ١.

(٣) «وأنتم أضعف» : ليست فى أ ، وهي من ف.

(٤) فى أ ، «صارت مؤنثة» ، وفى ف : «فى السموات».

(٥) (وَمَرْعاها) : ساقطة من الأصل.

(٦) سقط تفسير الآية (٣١) من (أ) ، وكذلك الآية (٣٢) مع تفسيرها ساقط من (أ) أى من كلمة (مرعاها) فى الآية (٣١) إلى كلمة «مرعاها» التالية ساقط من (أ) وهو من ف.

(٧) «مؤنثة» : زيادة للتوضيح.

٥٧٨

أقدم «أبادهم (١)» على الأساوره

ولا تغرنك أكف بادره

وإنما «قصرك (٢)» «ترب (٣)» الساهرة

ثم ترد بعدها فى الحافرة

من بعد ما كنت عظاما ناخره

قال : وفى قوله : (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ) يعنى فى الخلق الأول من غير أب ، (وَيَوْمَ أَمُوتُ) من ضغطة القبر ، «ويوم أبعث حيا» (٤) بالحجة على من قال إنى رب.

ثم نعت الطامة فقال : («يَوْمَ) (٥) (» يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى) ـ ٣٥ ـ يعنى يتذكر ما عمل فى الدنيا من الشر ، يجزى به فى ذلك اليوم (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى) ـ ٣٦ ـ لأن الخلق يومئذ يبصرونها فمن كان منها أعمى فى الدنيا؟ فهو يومئذ يبصر قال : (فَأَمَّا مَنْ طَغى) ـ ٣٧ ـ (وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا) ـ ٣٨ ـ نزلت هذه الآية فى النضر بن الحارث بن علقمة ابن كلدة ، وفى حبيب بن عبد ياليل ، وأمية بن خلف الجمحي ، «عتبة (٦)» «وعتيبة (٧)» ابني أبى لهب ، فهؤلاء كفار ومنهم مصعب «وأبو الدوم (٨)» ابنا عمير ، وذلك أنهم وجدوا جزورا فى البرية ، ضلت من الأعراب فنحروها

__________________

(١) فى أ : «أحاميهم» ، وفى ف : «أبادهم».

(٢) فى أ : «قصرت» ، وفى ف : «قصرك».

(٣) فى أ : «ترب» ، وفى ف : «ترك».

(٤) سورة مريم : ٣٣.

(٥) فى أ : «يومئذ».

(٦) فى أ : «وعقبة» ، وفى ف : «وعقبة».

(٧) فى أ ، ف : «وعيينة».

(٨) فى أ : «وأبى الدوم» ، وفى ف : «وأبا الدوم».

٥٧٩

وجعلوا يقتسمونها بينهم «فأصاب مصعب وأبو الدوم سهمين (١)» ، ثم إن مصعب ذكر مقامه بين يدي رب العالمين ، فخاف أن يحاسبه الله ـ تعالى ـ يوم القيامة ، فقال : إن سهمي وسهم أخى هو لكم ، فقال له عند ذلك أمية بن خلف : ولم؟ قال : إنى أخاف أن يحاسبني الله به. فقال له أمية بن خلف : هاته وأنا أحمل عنك هذا الوزر عند إلهك فى الآخرة «وفشت تلك (٢)» المقالة فى قريش فى أمر مصعب [٢٢٨ ب] فأنزل ـ الله تعالى ـ : (فَأَمَّا مَنْ طَغى) الثابت على الشرك ، وآثر الحياة الدنيا على الآخرة ، ولم يخف الله ولا حسابه فأكل الحرام ، (فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى) ـ ٣٩ ـ ثم ذكر مصعب ـ قتل يوم أحد (٣) ـ وأبا الدوم ابني عمير بن هشام بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصى ، فقال : (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) يقول مقام ذلك اليوم بين يدي ربه (وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى) ـ ٤٠ ـ يقول قدر على معصيته فانتهى عنها مخافة حساب ذلك اليوم (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) ـ ٤١ ـ نظيرها فى النجم (٤) فخرج رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عند ذلك فقرأها عليهم ، فقالوا : متى هذا اليوم يا محمد؟ فأنزل الله ـ عزوجل ـ (يَسْئَلُونَكَ) يعنى كفار مكة (عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها) ـ ٤٢ ـ فأجاب الله ـ عزوجل ـ النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى النمل فقال : «قل لا يعلم من فى السموات

__________________

(١) فى ف : «فأصاب مصعب وأبا الدوم سهمان».

وفى أ : «صار لمصعب وأبى الدوم سهمان» ، وفيه خطأ نحوي.

(٢) فى أ : «وفشا ذلك» ، وفى ف : «وفشا تلك».

(٣) جملة اعتراضية تفيد أن مصعب بن عمير قتل يوم أحد.

(٤) سورة النجم : ١٥ ، وقد وردت فى الأصول الرحمن.

٥٨٠