تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٦٧

لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (٢٧) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً (٢٨) مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (٢٩))

٦١
٦٢

[سورة الفتح (١)]

سورة الفتح مدنية عددها «تسع» (٢) وعشرون آية كوفى (٣)

__________________

(١) معظم مقصود السورة :

وعد الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بالفتح والغفران وإنزال السكينة على أهل الإيمان ، وإبعاد المنافقين بعذاب الجحيم ورعد المؤمنين بنعيم الجنان ، والثناء على سيد المرسلين ، وذكر العهد ، وبيعة الرضوان وذكر ما للمنافقين من الخذلان ، وبيان عذر المعذورين وصدق رؤيا رسول الله ، وتمثيل حال النبي والصحابة بالزرع والزراع فى البهجة والنضارة وحسن الشأن.

وسميت سورة الفتح. لقوله : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) الآية الأولى.

(٢) فى أ : «تسعة والصواب ما ذكرته».

(٣) وفى المصحف : (٤٨) سورة الفتح مدنية نزلت فى الطريق عند الحديبية وآياتها ٢٩ نزلت بعد سورة الجمعة.

٦٣
٦٤

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(إِنَّا فَتَحْنا لَكَ) يوم الحديبية (فَتْحاً مُبِيناً) ـ ١ ـ وذلك أن الله ـ تعالى ـ أنزل بمكة على نبيه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (... وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ...) (١) ففرح كفار مكة بذلك ، وقالوا : واللات والعزى ما أمره وأمرنا عند إلهه الذي يعبده إلا واحد ولو لا أنه ابتدع هذا الأمر من تلقاء نفسه لكان ربه الذي بعثه يخبره بما يفعل به وبمن اتبعه كما فعل بسليمان بن داود ، وبعيسى بن مريم والحواريين ، وكيف أخبرهم بمصيرهم؟ فأما محمد فلا علم له بما يفعل به ولا بنا إن هذا لهو الضلال كل الضلال ، فشق على المسلمين نزول هذه الآية فقال أبو بكر وعمر ـ رضى الله عنهما ـ للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : ألا تخبرنا ما الله فاعل بك؟ فقال : ما أحدث الله إلى أمر بعد. فلما قدم المدينة ، قال عبد الله بن أبى رأس المنافقين : كيف تتبعون رجلا لا يدرى ما يفعل الله به ، ولا بمن اتبعه؟ وضحكوا من المؤمنين وعلم الله ما فى قلوب المؤمنين من الحزن وعلم فرح المشركين من أهل مكة ، وفرح المنافقين من أهل المدينة ، فأنزل الله ـ تعالى ـ بالمدينة بعد ما رجع النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من الحديبية (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ) يعنى قضينا لك (فَتْحاً مُبِيناً) يعنى قضاء بينا ، يعنى الإسلام.

__________________

(١) سورة الأحقاف : ٩.

وفى النسخ خطأ فى النص وصوابه : (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) بينما الثابت فى الأصل «قل ما أدرى ما يفعل بى ولا بكم».

٦٥

(لِيَغْفِرَ) يعنى لكي يغفر (لَكَ اللهُ) بالإسلام (ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ) يعنى ما كان فى الجاهلية (وَما تَأَخَّرَ) يعنى وبعد النبوة (وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) (١) (وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً) ـ ٢ ـ يعنى دينا مستقيما (وَيَنْصُرَكَ اللهُ) يقول ولكي ينصرك الله بالإسلام [١٦٠ ا] على عدوك (نَصْراً عَزِيزاً) ـ ٣ ـ يعنى منيعا فلا تذل فهذا الذي قضى الله له : المغفرة والغنيمة والإسلام والنصر فنسخت هذه الآية قوله : (... وَما «أَدْرِي») (٢) (ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ...) (٣) فأخبر الله ـ تعالى ـ نبيه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بما يفعل به ، فنزلت هذه الآية على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فلما سمع عبد الله بن أبى رأس المنافقين بنزول هذه الآية على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، وأن الله قد غفر له ذنبه ، وأنه يفتح له على عدوه ، ويهديه صراطا مستقيما ، وينصره نصرا عزيزا ، قال لأصحابه : يزعم محمد أن الله غفر له ذنبه ، وينصره على عدوه ، هيهات هيهات لقد بقي له من العدو أكثر وأكثر فأين فارس والروم وهم أكثر عدوا وأشد بأسا وأعز عزيزا؟ ولن يظهر عليهم محمد ، أيظن محمد أنهم مثل هذه العصابة التي قد نزل بين أظهرهم وقد غلبهم بكذبه وأباطيله ، وقد جعل لنفسه مخرجا ، ولا علم له بما يفعل به ولا بمن اتبعه ، إن هذا لهو الخلاف «المبين» (٤). فخرج النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ على أصحابه فقال : لقد نزلت على آية لهى أحب إلىّ مما بين السماء والأرض فقرأ عليهم (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ، لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ...) إلى آخر الآية ، فقال أصحابه :

__________________

(١) (وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) : ساقطة من أ ، ف.

(٢) «أدرى» : ليست فى أ.

(٣) سورة الأحقاف : ٩.

(٤) فى ا : «البين» ، وفى ف : «المبين».

٦٦

هنيئا مريئا ، يا رسول الله ، قد علمنا الآن مالك عند الله ، وما يفعل بك ، فما لنا عند الله وما يفعل بنا ، فنزلت سورة الأحزاب «وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا (١)» يعنى عظيما وهي الجنة وأنزل (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ...) (٢).

(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ) يعنى الطمأنينة (لِيَزْدادُوا) يعنى لكي يزدادوا (إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ) يعنى تصديقا مع تصديقهم الذي أمرهم الله به فى كتابه فيقروا «أن يكتبوا» (٣) باسمك اللهم ، ويقروا أن يكتبوا هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله ، وذلك أنه لما نزل النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بالحديبية «بعثت قريش منهم» (٤) سهيل بن عمرو القرشي وحويطب ابن عبد العزى ، ومكرز بن حفص بن الأحنف على أن يعرضوا على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أن يرجع من عامه ذلك ، على أن تخلى قريش له مكة من العام المقبل ثلاثة أيام ، ففعل ذلك النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وكتبوا بينهم وبينه كتابا فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لعلى بن أبى طالب ـ عليه‌السلام ـ : اكتب بيننا كتابا : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم. فقال سهيل بن عمرو وأصحابه : ما نعرف هذا ، ولكن اكتب ما نعرف باسمك اللهم. فهم أصحاب النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ألا يقروا بذلك ، فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لعلى عليه‌السلام ـ :

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٤٧.

(٢) فى أ ، ف ، ل ، اضطراب ، فقد فسروا الآية ، ثم الآية ٦ ، ثم الآية ٤ من سورة الفتح. وقد أعدت ترتيب الآيات ، وترتيب تفسيرها.

(٣) فى أ : «أن اكتبوا».

(٤) كذا فى أ ، ف ، ل ، والأنسب «جماعة منهم» ، أو «بعثت قريش ثلاثة هم».

٦٧

اكتب ما يقولون ، فكتب : باسمك اللهم. ثم قال : اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله أهل مكة. فقال سهيل بن عمرو وأصحابه : لقد ظلمناك إن علمنا أنك رسول الله ونمنعك ونردك عن بيته ، ولا نكتب هذا. ولكن اكتب الذي نعرف : هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله أهل مكة. فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : يا على ، اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله ، وأنا أشهد أنى رسول الله ، وأنا محمد بن عبد الله. فهم المسلمون ألا يقروا أن يكتبوا هذا ما صالح عليه محمد ابن عبد الله. فأنزل الله السكينة يعنى الطمأنينة عليهم. فذلك قوله : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ) أن يقروا لقريش حتى يكتبوا باسمك اللهم ... إلى آخر القصة ، وأنزل فى قول أهل مكة لا نعرف أنك رسول الله ولو علمنا ذلك لقد ظلمناك حين نمنعك عن بيته.

(... وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) (١) أن محمد رسول الله فلا شاهد أفضل منه (٢).

(وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) (٣) ـ ٤ ـ عليما بخلقه ، حكيما فى أمره (٤) (لِيُدْخِلَ) (٥) (الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) يعنى لكي يدخل المؤمنين والمؤمنات بالإسلام (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) من تحت البساتين (خالِدِينَ فِيها) لا يموتون (وَ) لكي (يُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) يعنى يمحو عنهم ذنوبهم (وَكانَ ذلِكَ) الخير (عِنْدَ اللهِ فَوْزاً عَظِيماً) ـ ٥ ـ فأخبر الله ـ تعالى ـ نبيه «بما» (٦) يفعل بالمؤمنين ، فانطلق عبد الله بن أبى رأس المنافقين فى نفر

__________________

(١) سورة الفتح : ٢٨.

(٢) نهاية تفسير الآية ٤ ، وقد ذكرت فى ورقة [١٦٠ ب].

(٣) تكملة الآية ٤ وهو ساقط من التفسير.

(٤) فى آخر صفحة [١٦٠ أ] ، أى من مكان آخر.

(٥) تفسير الآية ٥ وقد ذكرت فى ورقة [١٦٠].

(٦) فى أ : «ما».

٦٨

معه إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقالوا : ما لنا عند الله؟ فنزلت (بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) (١) يعنى وجيعا (وَيُعَذِّبَ) يعنى ولكي يعذب (الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ) من أهل المدينة عبد الله بن أبى وأصحابه (وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ) يعنى من أهل مكة (الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ) وكان ظنهم حين قالوا : واللات والعزى ما نحن وهو عند الله إلا بمنزلة واحدة ، وأن محمد الا ينصر فبئس حين ما ظنوا. يقول الله (عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ) فى الآخرة (جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً) ـ ٦ ـ يعنى وبئس المصير ، وأنزل الله ـ تعالى ـ فى قول عبد الله بن أبى حين قال : فأين أهل فارس والروم؟ (وَلِلَّهِ جُنُودُ) [١٦٠ ب] (٢) (السَّماواتِ) يعنى الملائكة (وَالْأَرْضِ) يعنى المؤمنين فهؤلاء أكثر من فارس والروم (وَكانَ اللهُ عَزِيزاً) فى ملكه (حَكِيماً) ـ ٧ ـ فى أمره فحكم النصر للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وأنزل فى قول عبد الله بن أبى (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) أى محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وحده (إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (٣) يقول أقوى وأعز من أهل فارس والروم لقول عبد الله بن أبى هم أشد بأسا وأعز عزيزا [١٦١ ا] (٤) (إِنَّا أَرْسَلْناكَ) يا محمد إلى هذه الأمة (شاهِداً) عليها بالرسالة (وَ) أرسلناك

__________________

(١) سورة النساء : ١٣٨.

(٢) هكذا نجد أول ورقة [١٦٠ ب] رغم أنى نقلت آخرها قبل أولها حتى أرتب تفسير الآيات كما وردت فى المصحف لأن النسخ ذكرت تفسير الآيات ٥ ، ٦ ، ٧ قبل تفسير الآية ٤ فأصلحت هذا الخطأ.

(٣) سورة المجادلة : ٢١ ، وقد وردت بالنسخ «... إنى لقوى عزيز».

(٤) السطر الثاني من ورقة [١٦١ ا] لأن السطر الأول يتبع آية قادمة وقد ذكر فى «ف» عند هذه الآية وهي قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ ...) .. الآية ١٠.

٦٩

(مُبَشِّراً) بالنصر فى الدنيا والجنة فى الآخرة (وَنَذِيراً) ـ ٨ ـ من النار (لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ) يعنى لتصدقوا بالله أنه واحد لا شريك له (وَرَسُولِهِ) محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (وَتُعَزِّرُوهُ) يعنى تنصروه وتعاونوه على أمره كله (وَتُوَقِّرُوهُ) يعنى وتعظموا النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) ـ ٩ ـ يعنى وتصلوا لله بالغداة والعشى ، وتعزروه مثل قوله فى الأعراف (... فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ ...) (١).

«ولما قال المسلمون للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : إنا نخشى ألا يفي المشركون بشرطهم فعند ذلك تبايعوا على أن يقاتلوا ولا يفروا يقول : الله رضى عنهم ببيعتهم (٢)».

(إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ) يوم الحديبية تحت الشجرة فى الحرم وهي بيعة الرضوان ، كان المسلمون يومئذ ألفا وأربعمائة رجل ، فبايعوا النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ على أن يقاتلوا ولا يفروا من العدو ، فقال : (إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ) بالوفاء لهم بما وعدهم من الخير (فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) حين قالوا النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إنا نبايعك على ألا نفر ونقاتل فأعرف لنا ذلك ، (فَمَنْ نَكَثَ) البيعة (فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ) من البيعة (فَسَيُؤْتِيهِ) فى الآخرة (أَجْراً) يعنى جزاء (عَظِيماً) ـ ١٠ ـ يعنى فى الجنة نصيبا وافرا (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ) مخافة القتال وهم مزينة وجهينة وأسلم وغفار وأشجع (شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا) فى التخلف وكانت منازلهم

__________________

(١) سورة الأعراف : ١٥٧.

(٢) ما بين القوسين «...» : من ف ، وهي في أفى مكان آخر ، قبل تفسير الآية ٨.

٧٠

بين مكة والمدينة (فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ «بِأَلْسِنَتِهِمْ») (١) يعنى يتكلمون بألسنتهم (ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) من أمر الاستغفار لا يبالون استغفر لهم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أم لا (قُلْ) لهم يا محمد : (فَمَنْ يَمْلِكُ) يعنى فمن يقدر (لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً) نظيرها فى الأحزاب (٢) (إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا) يعنى الهزيمة (أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً) يعنى الفتح والنصر يعنى حين يقول : فمن يملك دفع الضر عنكم ، أو منع النفع غير الله بل الله يملك ذلك كله ، ثم استأنف (بَلْ كانَ اللهُ بِما «تَعْمَلُونَ») (٣) (خَبِيراً) ـ ١١ ـ «فى تخلفكم (٤)» وقولكم إن محمدا وأصحابه كلفوا شيئا لا يطيقونه ، ولا يرجعون أبدا ، وذلك أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ مر بهم فاستنفرهم ، فقال بعضهم لبعض : إن محمدا وأصحابه أكلة رأس لأهل مكة لا يرجع هو وأصحابه أبدا فأين تذهبون؟ أتقتلون أنفسكم؟ انتظروا حتى تنظروا ما يكون من أمره ، فأنزل الله ـ عزوجل ـ لقولهم له قالوا : («شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا» بَلْ) منعكم من السير أنكم (ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ) يقول أن لن يرجع الرسول (وَالْمُؤْمِنُونَ) من الحديبية (إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً) [١٦١ ب] (وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ) يقول فبئس ما ظنوا ظن السوء حين زين لهم فى قلوبهم واياسهم أن محمدا وأصحابه لا يرجعون أبدا نظيرها فى الأحزاب (... وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا) (٥) يعنى الإياسة من النصير ، فقال الله ـ تعالى ـ : (وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً) ـ ١٢ ـ يعنى هلكى بلغة عمان ، مثل قوله : (... وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ) (٦) أى دار الهلاك

__________________

(١) فى الأصل : بأفواههم.

(٢) فى أ : «يعملون».

(٣) يشير إلى الآية ٥٢ من سورة الأحزاب (... إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ ...).

(٤) فى أ : «فى تخلفهم».

(٥) فى سورة الأحزاب : ١٠.

(٦) سورة إبراهيم : ٢٨.

٧١

ومثل قوله : (... تِجارَةً لَنْ تَبُورَ) (١) يعنى لن تهلك (وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ) يعنى بصدق بتوحيد الله (وَرَسُولِهِ) (٢) محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (فَإِنَّا أَعْتَدْنا) فى الآخرة (لِلْكافِرِينَ سَعِيراً) ـ ١٣ ـ يعنى وقودا ، فعظم نفسه وأخبر أنه غنى عن عباده ، فقال : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللهُ غَفُوراً) لذنوب المؤمنين (رَحِيماً) ـ ١٤ ـ بهم (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ) عن الحديبية مخافة القتل (إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها) يعنى غنائم خيبر (ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ) إلى خيبر ، وكان الله ـ تعالى ـ وعد نبيه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بالحديبية أن يفتح عليه خيبر ، «ونهاه عن أن يسير» (٣) معه أحد من المتخلفين فلما رجع النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من الحديبية يريد خيبر قال المخلفون : ذرونا نتبعكم فنصيب معكم من الغنائم. فقال الله ـ تعالى ـ : (يُرِيدُونَ أَنْ «يُبَدِّلُوا») (٤) (كَلامَ اللهِ) يعنى أن «يغيروا» كلام الله الذي أمر النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، «وهو» (٥) ألا يسير معه أحد منهم (قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ) يعنى هكذا (قالَ اللهُ) بالحديبية (مِنْ قَبْلُ) خيبر أن لا تتبغونا (فَسَيَقُولُونَ) (٦) للمؤمنين إن الله لم ينهكم (بَلْ تَحْسُدُونَنا) بل منعكم الحسد أن نصيب معكم الغنائم ، ثم قال : (بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ) النهى من الله (إِلَّا قَلِيلاً) ـ ١٥ ـ منهم ، ثم قال : (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ) عن الحديبية مخافة القتل (سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) يعنى أهل اليمامة يعنى بنى حنيفة : مسيلمة بن حبيب الكذاب الحنفي وقومه ،

__________________

(١) سورة فاطر : ٢٩.

(٢) فى أ : «وبرسوله».

(٣) فى أ : «ونهاه أن يسير».

(٤) فى الأصل : «يغيروا».

(٥) «وهو» : زيادة اقتضاها السياق.

(٦) فى أزيادة : «فسيقولون».

٧٢

دعاهم أبو بكر ـ رضى الله عنه ـ إلى قتال أهل اليمامة يعنى هؤلاء الأحياء الخمسة جهينة ومزينة وأشجع وغفار وأسلم (تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا) أبا بكر إذا دعاكم إلى قتالهم (يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً) فى الآخرة يعنى جزاء كريما فى الجنة (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا) يعنى تعرضوا عن قتال أهل اليمامة (كَما تَوَلَّيْتُمْ) يعنى كما أعرضتم (مِنْ قَبْلُ) عن قتال الكفار يوم الحديبية (يُعَذِّبْكُمْ) الله فى الآخرة (عَذاباً أَلِيماً) ـ ١٦ ـ يعنى وجيعا.

حدثنا [١٦٢ أ] عبد الله ، قال : حدثني أبى عن الهذيل ، قال : قال مقاتل : خلافة أبى بكر ـ رضى الله عنه ـ فى هذه الآية مؤكدة ، ثم عذر أهل الزمانة فقال : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) فى تخلفهم عن الحديبية ، يقول من تخلف عن الحديبية من هؤلاء المعذورين فمن شاء منهم أن يسير معكم فليسر (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ) فى الغزو (يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَ) يعنى يعرض عن طاعتهما فى التخلف من غير عذر (يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً) ـ ١٧ ـ يعنى وجيعا (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) بالحديبية يقول رضى ببيعتهم إياك (فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ) من الكراهية للبيعة على أن يقاتلوا ولا يفروا فى أمر البيعة (فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ) (١) (وَأَثابَهُمْ) يعنى وأعطاهم (فَتْحاً قَرِيباً) ـ ١٨ ـ يعنى مغانم خيبر (وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللهُ عَزِيزاً) يعنى منيعا (حَكِيماً) ـ ١٩ ـ فى أمره فحكم على أهل خيبر القتل والسبي ، ثم قال : (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها) مع النبي ـ صلى

__________________

(١) (فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ) : ساقطة من أ.

٧٣

الله عليه وسلم ـ ومن بعده إلى يوم القيامة (فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ) يعنى غنيمة خيبر (وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ) يعنى خلفاء أهل خيبر أسد وغطفان جاءوا لينصروا أهل خيبر ، وذلك أن مالك بن عوف النضري ، وعيينة بن حصن الفزاري ومن معهما من أسد وغطفان جاءوا لينصروا أهل خيبر فقذف الله فى قلوبهم الرعب ، فانصرفوا عنهم ، فذلك قوله : (وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ) يعنى أسد وغطفان (وَلِتَكُونَ) يعنى ولكي تكون هزيمتهم من غير قتال (آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً) ـ ٢٠ ـ يعنى تزدادون بالإسلام تصديقا مما ترون من عدة الله فى القرآن من الفتح والغنيمة كما قال نظيرها فى المدثر (... وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً ...) (١) يعنى تصديقا بمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وبما جاء به فى خزنة جهنم ، قوله : (وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها) يعنى قوى فارس والروم وغيرها (قَدْ أَحاطَ اللهُ) علمه (بِها) أن يفتحها على يدي المؤمنين (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) من القرى (قَدِيراً) ـ ٢١ ـ على فتحها قال : (وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ) منهزمين (ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) ـ ٢٢ ـ يعنى ولا مانعا يمنعهم من الهزيمة يقول كذلك كان («سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ) [١٦٢ ب] (مِنْ قَبْلُ») (٢) كفار مكة حين هزموا ببدر فهؤلاء بمنزلتهم (٣) (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً)

__________________

(١) سورة المدثر : ٣١.

(٢) ورد هذا الجزء من الآية فى الأصل : (سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ) فأصلحته طبقا للآية فى المصحف.

(٣) فى أسطر مكرر وهو السطر الآتي : يعنى كفار مكة حين هزموا ببدر فهؤلاء بمنزلتهم (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) منهزمين يعنى كفار مكة.

٧٤

ـ ٢٣ ـ يعنى تحويلا ، ثم قال : (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ) يعنى كفار مكة يوم الحديبية (بِبَطْنِ مَكَّةَ) يوم الحديبية يعنى ببطن أرض مكة كلها والحرم كله مكة (مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ) وقد كانوا خرجوا يقاتلون النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فهزمهم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بالطعن والنبل حتى أدخلهم بيوت مكة (وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً) ـ ٢٤ ـ ثم قال : (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعنى كفار مكة (وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أن تطوفوا به (وَ) صدوا (الْهَدْيَ) فى عمرتكم يوم الحديبية (مَعْكُوفاً) يعنى محبوسا وكان النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهدى عام الحديبية فى عمرته مائة بدنة ويقال سبعين بدنة فمنعوه (أَنْ يَبْلُغَ) الهدى (مَحِلَّهُ) يعنى منحره ، ثم قال : (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ) أنهم مؤمنون (أَنْ تَطَؤُهُمْ) بالقتل بغير علم تعلمونه منهم (فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ «بِغَيْرِ عِلْمٍ») (١) يعنى فينالكم من قتلهم عنت فيها تقديم ، لأدخلكم من عامكم هذا مكة (لِيُدْخِلَ) (٢) لكي يدخل (اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ) منهم عياش بن أبى ربيعة ، وأبو جندل ابن سهيل بن عمرو ، والوليد بن الوليد بن المغيرة ، وسلمة بن هشام بن المغيرة ، كلهم من قريش وعبد الله بن أسد الثقفي يقول : (لَوْ تَزَيَّلُوا) يقول لو اعتزل «المؤمنون (٣)» الذين بمكة من كفارهم (لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ) يعنى كفار مكة (عَذاباً أَلِيماً) ـ ٢٥ ـ يعنى وجيعا وهو القتل بالسيف ، قوله : (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا) من أهل مكة (فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ) وذلك

__________________

(١) (بِغَيْرِ عِلْمٍ) : ساقطة من أ.

(٢) فى أ : «لكي يدخل».

(٣) فى الأصل : «المؤمنين».

٧٥

أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قدم عام الحديبية فى ذى القعدة معتمرا ومعه الهدى ، فقال كفار مكة : قتل آباءنا وإخواننا ثم أتانا يدخل علينا فى منازلنا ونساءنا ، وتقول العرب : إنه دخل على رغم آنافنا ، والله لا يدخلها أبدا علينا ، فتلك الحمية التي فى قلوبهم (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ) (١) يعنى أمة محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (كَلِمَةَ التَّقْوى) يعنى كلمة الإخلاص وهي ـ لا إله إلا الله ـ (وَكانُوا أَحَقَّ بِها) من كفار مكة (وَ) كانوا (أَهْلَها) فى علم الله ـ عزوجل ـ (وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) ـ ٢٦ ـ بأنهم كانوا أهل التوحيد فى علم الله ـ عزوجل ـ.

قوله : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِ) وذلك أن الله ـ عزوجل ـ أرى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى المنام وهو بالمدينة قبل أن يخرج إلى الحديبية أنه وأصحابه حلقوا وقصروا ، فأخبر النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بذلك أصحابه ففرحوا واستبشروا وحسبوا أنهم داخلوه [١٦٣ أ] فى عامهم ذلك ، وقالوا : إن رؤيا النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حق. فردهم الله ـ عزوجل ـ عن دخول المسجد الحرام إلى غنيمة خيبر ، فقال المنافقون عبد الله بن أبى ، وعبد الله بن رسل ، ورفاعة ابن التابوه : والله ، ما حلقنا ولا قصرنا ولا رأينا المسجد الحرام. فأنزل الله ـ تعالى ـ («لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ» لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) يعنى العام المقبل (إِنْ شاءَ اللهُ) يستثنى على نفسه مثل قوله : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى ، إِلَّا ما شاءَ اللهُ) «(٢)» ويكون ذلك «تأديبا للمؤمنين» (٣) ألا يتركوا الاستثناء ، فى رد المشيئة

__________________

(١ ، ٢) سورة الأعلى : ٦ ـ ٧.

(٣) فى أ : «تأديب المؤمنين» والورقة ساقطة من ف.

٧٦

إلى الله ـ تعالى ـ (آمِنِينَ) من العدو (مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ) من أشعاركم (لا تَخافُونَ) عدوكم (فَعَلِمَ) الله أنه يفتح عليهم خيبر قبل ذلك «فعلم» (ما لَمْ تَعْلَمُوا) فذلك قوله : (فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ) يعنى قبل ذلك الحلق والتقصير (فَتْحاً قَرِيباً) ـ ٢٧ ـ يعنى غنيمة خيبر وفتحها ، فلما كان فى العام المقبل بعد ما رجع من خيبر أدخله الله هو وأصحابه المسجد الحرام ، فأقاموا «بمكة» (١) ثلاثة أيام فحلقوا وقصروا تصديق رؤيا النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ. (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ «رَسُولَهُ) محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (بِالْهُدى) من الضلالة» (٢) (وَدِينِ الْحَقِ) يعنى دين الإسلام لأن كل دين باطل غير الإسلام (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) يعنى على ملة أهل الأديان كلها ، ففعل الله ذلك به حتى قتلوا وأقروا بالخراج ، وظهر الإسلام على أهل كل دين (... وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (٣) يعنى العرب ، ثم قال (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) ـ ٢٨ ـ فلا شاهد أفضل من الله ـ تعالى ـ بأن محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ رسول الله ، فلما كتبوا الكتاب يوم الحديبية ، وكان كتبه على بن أبى طالب ـ عليه‌السلام ـ فقال سهيل بن عمرو وحو يطب بن عبد العزى : لا نعرف أنك رسول الله ، ولو عرفنا ذلك لقد ظلمناك إذا حين نمنعك عن دخول بيته. فلما أنكروا أنه رسول الله ، أنزل الله ـ تعالى ـ (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى) من الضلال (وَدِينِ الْحَقِّ ...) إلى آخر السورة ، ثم قال ـ تعالى ـ للذين أنكروا أنه رسول

__________________

(١) فى أ : «بها».

(٢) فى أ : (رَسُولَهُ بِالْهُدى) محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من الضلالة» ، وفى ف : «(بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ) من الضلالة».

(٣) سورة الصف : ٩.

٧٧

الله : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ) من المؤمنين (أَشِدَّاءُ) يعنى غلظاء (عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) يقول متوادين بعضهم لبعض (تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً) يقول إذا رأيتهم تعرف أنهم أهل ركوع وسجود فى الصلوات (يَبْتَغُونَ فَضْلاً) يعنى رزقا (مِنَ اللهِ وَرِضْواناً) يعنى يطلبون رضى ربهم (سِيماهُمْ) يعنى علامتهم (فِي وُجُوهِهِمْ) الهدى والسمت الحسن (مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) يعنى من أثر الصلاة (ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ) يقول ذلك الذي ذكر من نعت أمة محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى التوراة ، ثم ذكر نعتهم فى الإنجيل فقال : (وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ) يعنى الحلقة وهو النبت الواحد فى أول ما يخرج (فَآزَرَهُ) يعنى فأعانه أصحابه يعنى «الوابلة» (١) التي تنبت حول الساق فآزره كما آزر «الحلقة (٢) [١٦٣ ب] والوابلة» بعضه بعضا فأما شطأه فهو محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ خرج وحده كما خرج النبت وحده ، وأما الوابلة التي تنبت حول الشطأة فاجتمعت فهم المؤمنون كانوا فى قلة كما كان أول الزرع دقيقا ، ثم زاد نبت الزرع فغلظ فآزره (فَاسْتَغْلَظَ) كما آزر المؤمنون بعضهم بعضا حتى إذا استغلظوا واستووا على أمرهم كما استغلظ هذا الزرع (فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) فكما يعجب الزراع حسن زرعه حين استوى قائما على سوقه ، فكذلك يغيظ الكفار كثرة المؤمنين واجتماعهم ، ثم قال : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) يعنى صدقوا (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) من الأعمال (مِنْهُمْ مَغْفِرَةً) لذنوبهم (وَأَجْراً عَظِيماً) ـ ٢٩ ـ يعنى به الجنة.

حدثنا عبد الله قال : حدثني أبى قال : قال الهذيل عن محمد بن إسحاق : قال : المعرة. الدية. ويقال الشين.

__________________

(١) كذا فى أ ، ف : «الوابلة».

(٢) فى أ : «الحلقة الوابلة» ، وفى ف : «الحقلة والوابلة».

٧٨

سورة الحجرات

٧٩
٨٠