تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

تفسير مقاتل بن سليمان - ج ٤

المؤلف:


المحقق: عبدالله محمود شحاته
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٦٧

[سورة محمد (١)]

سورة محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ مدنية عددها ثمان وثلاثون آية كوفية (٢)

__________________

(١) معظم مقصود السورة :

الشكاية من الكفار فى إعراضهم عن الحق وذكر آداب الحرب والأسرى وحكمهم ، والأمر بالنصرة والإيمان ، وابتلاء الكفار فى العذاب وذكر أنهار الجنة من ماء ولبن وخمر وعسل ، وذكر طعام الكفار وشرابهم وظهور علامة القيامة ، وتخصيص الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بأمره بالخوض فى بحر التوحيد والشكاية من المنافقين ، وتفصيل ذميمات خصالهم وأمر المؤمنين بالطاعة والإحسان ، وذم البخلاء فى الإنفاق ، وبيان استغناء الحق ـ تعالى ، وفقر الخلق فى قوله : (... وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ ...) سورة محمد : ٣٨.

وتسمى سورة محمد ، وسورة القتال.

(٢) فى المصحف : (٤٧) سورة محمد مدنية إلّا آية ١٣ فنزلت فى الطريق أثناء الهجرة وآياتها ٣٨ نزلت بعد سورة الحديد

٤١
٤٢

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(الَّذِينَ كَفَرُوا) بتوحيد الله يعنى كفار مكة (وَصَدُّوا) الناس (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) يقول [١٥٦ ب] منعوا الناس عن دين الله الإسلام (أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) ـ ١ ـ يقول أبطل الله أعمالهم يعنى نفقتهم فى غزاة بدر ومسيرهم ومكرهم أبطل الله ذلك كله فى الآخرة ، «أبطل أعمالهم» (١) التي عملوا فى الدنيا لأنها كانت فى غير إيمان نزلت فى اثنى عشر رجلا من قريش وهم المطعمون من كفار مكة فى مسيرهم إلى قتال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ببدر منهم أبو جهل ، والحارث ابنا هشام ، وشيبة وعتبة ابنا ربيعة ، وأمية وأبى ابنا خلف ، ومنبه ونبيه ابنا الحجاج ، وأبو البختري بن هشام ، وربيعة بن الأسود ، وحكيم بن حزام ، والحارث بن عامر بن نوفل ، ثم (وَالَّذِينَ آمَنُوا) يعنى صدقوا بتوحيد الله (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الصالحة (وَآمَنُوا) يعنى وصدقوا (بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ) ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من القرآن (وَهُوَ الْحَقُ) يعنى القرآن (مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ) يقول محا عنهم (سَيِّئاتِهِمْ) يعنى ذنوبهم الشرك وغيرها بتصديقهم (وَأَصْلَحَ بالَهُمْ) ـ ٢ ـ يقول أصلح بالتوحيد حالهم فى سعة الرزق ، نزلت فى بنى هاشم وبنى المطلب ، ثم رجع إلى الاثنى عشر المطعمين يوم بدر فيها تقديم (ذلِكَ) يقول هذا الإبطال كان (بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) بتوحيد الله (اتَّبَعُوا الْباطِلَ)

__________________

(١) «أبطل أعمالهم» : زيادة اقتضاها السياق.

٤٣

يعنى عبادة الشيطان ، ثم قال : (وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) يعنى صدقوا بتوحيد الله (اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ) يعنى به القران (كَذلِكَ) يقول هكذا (يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ) ـ ٣ ـ حين أضل أعمال الكفار ، وكفر سيئات المؤمنين ، ثم علم المؤمنين كيف يصنعون بالكفار؟ فقال : (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) من مشركي العرب بتوحيد الله ـ تعالى ـ (فَضَرْبَ الرِّقابِ) يعنى الأعناق (حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ) يعنى قهر تموهم بالسيف وظهرتم عليهم (فَشُدُّوا الْوَثاقَ) يعنى الأسر (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ) يعنى عتقا بعد الأسر فيمن عليهم (وَإِمَّا فِداءً) يقول فيفتدي نفسه بماله ليقوى به المسلمون على المشركين ، ثم نسختها آية السيف فى براءة ، وهي قوله : (... فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ...) (١) يعنى مشركي العرب خاصة (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) يعنى ترك الشرك ، حتى لا يكون فى العرب «مشرك» (٢) وأمر ألا يقبل منهم إلا الإسلام (٣) ، ثم استأنف فقال : (ذلِكَ) يقول هذا أمر الله فى المن والفداء.

حدثنا عبد الله ، قال : حدثني أبى ، قال : حدثني الهذيل ، قال : قال مقاتل : إذا أسلمت العرب وضعت الحرب أوزارها ، وقال فى سورة الصف (... فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ) (٤) [١٥٧ أ] بمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حين أسلمت العرب ، فقال : (وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ) يقول لانتقم منهم (وَلكِنْ لِيَبْلُوَا) يعنى يبتلى بقتال الكفار (بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ (٥)

__________________

(١) سورة التوبة : ٥ ، وقد وردت بالأصل «اقتلوا ...» وصوبتها.

(٢) فى أ : «شرك» ، وفى ف : «مشرك».

(٣) فى أ : زيادة : «ويوحد العرب فى ذلك» ، يعنى القتال. وكذلك فى ف.

(٤) سورة الصف : ١٤.

(٥) (بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ) : ساقطة من أ ، ف.

٤٤

وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) يعنى قتلى بدر (فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ) ـ ٤ ـ يعنى لن يبطل أعمالهم الحسنة (سَيَهْدِيهِمْ) إلى الهدى يعنى التوحيد فى القبر (وَيُصْلِحُ بالَهُمْ) ـ ٥ ـ يعنى حالهم فى الآخرة (وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ) ـ ٦ ـ يعنى عرفوا منازلهم فى الجنة ، كما عرفوا منازلهم فى الآخرة ، يذهب كل رجل إلى منزله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ) يقول إن تعينوا الله ورسوله حتى يوحد (يَنْصُرْكُمْ) يقول يعينكم (وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) ـ ٧ ـ للنصر فلا تزول عند الثبات (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ) يعنى فنكسا لهم وخيبة يقال وقحا لهم عند الهزيمة (وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) ـ ٨ ـ يعنى أبطلها (ذلِكَ) الإبطال (بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا) الإيمان ب (ما أَنْزَلَ اللهُ) من القرآن على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يعنى الكفار الذين قتلوا من أهل مكة (فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ) ـ ٩ ـ لأنها لم تكن فى إيمان ، ثم عرف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية ليعتبروا ، فقال : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) يعنى كفار مكة (فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من كفار الأمم الخالية عاد وثمود وقوم لوط (دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ) بألوان العذاب ، ثم قال : (وَلِلْكافِرِينَ) من هذه الأمة (أَمْثالُها) ـ ١٠ ـ يقول مثل عذاب الأمم الخالية (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ) يقول هذا النصر ببدر فى القديم إنما كان بأن الله (مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا) يقول ولى الذين صدقوا بتوحيد الله ـ عزوجل ـ حين نصرهم (وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) ـ ١١ ـ يقول لا ولى لهم فى النصر ، ثم ذكر مستقر المؤمنين والكافرين فى الآخرة ، فقال : (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) يعنى البساتين تجرى من تحتها الأنهار (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ) لا يلتفتون إلى الآخرة (كَما)

٤٥

تَأْكُلُ الْأَنْعامُ) : يقول : ليس «لهم» (١) هم إلا الأكل والشرب فى الدنيا (٢) ، ثم قال : (وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) ـ ١٢ ـ يقول هي مأواهم ، ثم خوفهم ليحذروا فقال (وَكَأَيِّنْ) يقول وكم (مِنْ قَرْيَةٍ) قد مضت فيما خلا كانت (هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً) يعنى أشد بطشا وأكثر عددا (مِنْ قَرْيَتِكَ) يعنى مكة (الَّتِي أَخْرَجَتْكَ) يعنى أهل مكة حين أخرجوا النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ثم رجع إلى الأمم الخالية فى التقديم فقال : (أَهْلَكْناهُمْ) بالعذاب حين كذبوا رسلهم (فَلا ناصِرَ لَهُمْ) ـ ١٣ ـ يقول فلم يكن لهم مانع يمنعهم من العذاب [١٥٧ ب] الذي نزل بهم ، قوله : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) يعنى على بيان من ربه وهو النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) الكفر (وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) ـ ١٤ ـ نزلت فى نفر من قريش ، فى أبى جهل بن هشام ، وأبى حذيفة ابن المغيرة المخزوميين ، فليسا بسواء ، لأن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ مصيره إلى الجنة ، وأبو حذيفة وأبو جهل مخلدان فى النار ، ثم قال : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) الشرك يقول شبة الجنة فى الفضل والخير كشبة النار فى الشدة وألوان العذاب ، ثم ذكر ما أعد لأهل الجنة من الشراب ، وما أعد لأهل النار من الشراب فقال : (فِيها) يعنى فى الجنة (أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ) يقول لا يتغير كما يتغير ماء أهل الدنيا فينتن (وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ) كما يتغير لبن أهل الدنيا عن حاله الأولى فيمخض (وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) لا يصدون عنها ولا يسكرون كخمر الدنيا تجرى لذة للشاربين (وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى) ليس فيه عكر ولا كدر كعسل أهل الدنيا فهذه الأنهار الأربعة تفجر من

__________________

(١) فى أ : «لها» ، وفى ف : «لهم».

(٢) كذا فى أ ، ف.

٤٦

الكوثر إلى سائر أهل الجنة ، قوله : (وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ) لذنوبهم (مِنْ رَبِّهِمْ) فهذا للمتقين الشرك فى الآخرة ، ثم ذكر مستقر الكفار فقال : (كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ) يعنى أبا جهل بن هشام ، وأبا حذيفة المخزوميين وأصحابهما فى النار (وَسُقُوا ماءً حَمِيماً) يعنى شديد الحر الذي قد انتهى حره تستعر عليهم جهنم ، فهي تغلى منذ خلقت السماوات والأرض (فَقَطَّعَ) الماء (أَمْعاءَهُمْ) ـ ١٥ ـ فى الخوف من شدة الحر (وَمِنْهُمْ) يعنى من المنافقين (مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) يعنى إلى حديثك بالقرآن يا محمد (حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ) منهم رفاعة بن زيد ، والحارث بن عمرو ، وحليف بن زهرة ، وذلك أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ خطب يوم الجمعة ، فعاب المنافقين وكانوا فى المسجد ، فكظموا عند النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فلما خرجوا يعنى المنافقين من الجمعة (قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) وهو الهدى ، يعنى القرآن يعنى عبد الله ابن مسعود الهذلي (ما ذا قالَ) محمد : (آنِفاً) وقد سمعوا قول النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فلم يفقهوه ، يقول الله ـ تعالى ـ : (أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) يعنى ختم الله على قلوبهم بالكفر فلا يعقلون الإيمان (وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) ـ ١٦ ـ فى الكفر ، ثم ذكر المؤمنين فقال : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا) من الضلالة (زادَهُمْ هُدىً) بالمحكم الذي نسخ الأمر الأول (وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) ـ ١٧ ـ يقول «وبين لهم التقوى يعنى عملا [١٥٨ أ] بالمحكم حتى عملوا بالمحكم» (١) ثم خوف أهل مكة فقال : (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ)

__________________

(١) ما بين القوسين «......» كذا فى أ ، ف ، والمعنى بين لهم طريق العمل بالمحكم من الآيات حتى عملوا بها قال ـ تعالى ـ : (... مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ ...) سورة آل عمران : ٧.

٤٧

يعنى القيامة (أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً) يعنى فجأة (فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها) يعنى أعلامها يعنى انشقاق القمر وخروج الدجال وخروج النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقد عاينوا هذا كله يقول (فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ) ـ ١٨ ـ فيها تقديم يقول من أين لهم التذكرة والتوبة عند الساعة إذا جاءتهم وقد فرطوا فيها؟ (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ «وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَ) لذنوب المؤمنين والمؤمنات» (١) يعنى المصدقين بتوحيد الله والمصدقات (لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ) يعنى منتشركم بالنهار (وَمَثْواكُمْ) ـ ١٩ ـ يعنى مأواكم بالليل (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا) يعنى صدقوا بالقرآن (لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ) وذلك أن المؤمنين اشتاقوا إلى الوحى فقالوا هلا نزلت سورة؟ يقول الله ـ تعالى ـ : (فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ) يعنى بالمحكمة ما فيها من الحلال والحرام (وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ) وطاعة الله والنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وقول معروف حسن فرح بها المؤمنون ، فيها تقديم ، ثم ذكر المنافقين فذلك قوله : (رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) يعنى الشك فى القرآن منهم عبد الله ابن أبى ، ورفاعة بن زيد ، والحارث بن عمرو (يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) غما وكراهية لنزول القرآن يقول الله ـ تعالى ـ : (فَأَوْلى لَهُمْ) ـ ٢٠ ـ فهذا وعيد («طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) (٢) (. فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ) يعنى جد الأمر عند دقائق الأمور (فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ) فى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وما جاء به (لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) ـ ٢١ ـ من الشرك (فَهَلْ عَسَيْتُمْ) يعنى منافقي اليهود (إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) بالمعاصي

__________________

(١) ما بين القوسين «......». كذا فى أ ، ف ، والآية : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ).

(٢) (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) : ساقط من أ ، ف.

٤٨

(وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) ـ ٢٢ ـ قال وكان بينهم وبين الأنصار قرابة (أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ). فلم يسمعوا الهدى (وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) ـ ٢٣ ـ فلم يبصروا الهدى (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) ، يقول أفلا يسمعون القرآن (أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) ـ ٢٤ ـ يعنى الطبع على القلوب. ثم ذكر اليهود فقال : (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا) عن إيمان بمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بعد المعرفة (عَلى أَدْبارِهِمْ) يعنى أعقابهم كفارا (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى) يعنى أمر النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يبين لهم فى التوراة أنه نبى رسول (الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ) يعنى زين لهم ترك الهدى ، يعنى إيمانا بمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (وَأَمْلى) الله (لَهُمُ) ـ ٢٥ ـ (ذلِكَ) فيها تقديم وأمهل الله لهم حين قالوا : ليس محمد بنبي! فلم يعجل عليهم ، ثم انتقم منهم حين قتل [١٥٨ ب] أهل قريظة ، وأجلى أهل النضير يقول ذلك الذي أصابهم من القتل والجلاء (بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا) يعنى تركوا الإيمان يعنى المنافقين (ما نَزَّلَ اللهُ) من القرآن (سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ) قالت اليهود للمنافقين فى تكذيب بمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهو بعض الأمر قالوا ذلك سرا فيما بينهم ، فذلك قوله : (وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ) ـ ٢٦ ـ يعنى اليهود والمنافقين ، ثم خوفهم فقال : (فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ) يعنى ملك الموت وحده (يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ) ـ ٢٧ ـ عند الموت (ذلِكَ) الضرب الذي أصابهم عند الموت (بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ) من الكفر بالنبي محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ) يقول وتركوا رضوان الله فى إيمان بمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ) ـ ٢٨ ـ التي عملوها فى غير إيمان ثم رجع إلى عبد الله بن أبى ، ورفاعة بن زيد ،

٤٩

والحارث بن عمرو فقال : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) يعنى الشك بالقرآن وهم المنافقون (أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ) ـ ٢٩ ـ يعنى أن لن يظهر الله الغش الذي فى قلوبهم للمؤمنين (وَلَوْ) (١) (نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ) يعنى لأعلمناكهم ، كقوله : (... بِما أَراكَ اللهُ ...) (٢) يعنى بما أعلمك الله (فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ) يعنى بعلامتهم الخبيثة (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) يعنى فى كذبهم عند النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فلم يخف على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ منافق بعد هذه الآية ، ثم رجع إلى المؤمنين أهل التوحيد فقال : (وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ) ـ ٣٠ ـ من الخير والشر (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) بالقتال يعنى لنبتلينكم ـ معشر المسلمين ـ بالقتال (حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ) يعنى كى نرى من يجاهد منكم (وَ) من يصبر من (الصَّابِرِينَ) على أمر الله (وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ) ـ ٣١ ـ يعنى ونختبر أعمالكم ، ثم استأنف (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعنى اليهود (وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) يعنى عن دين الله الإسلام (وَشَاقُّوا الرَّسُولَ) يعنى وعادوا نبى الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ) فى التوراة (الْهُدى) بأنه نبى رسول ، يعنى بالهدى أمر محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ف (لَنْ يَضُرُّوا اللهَ) يقول فلن ينقصوا الله من ملكه وقدرته (شَيْئاً) حين شاقوا الرسول وصدوا الناس عن الإسلام إنما يضرون أنفسهم (وَسَيُحْبِطُ) فى الآخرة (أَعْمالَهُمْ) ـ ٣٢ ـ التي عملوها فى الدنيا (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) وذلك أن أناسا من أعراب بنى أسد بن خزيمة قدموا على

__________________

(١) فى أ : «فلو».

(٢) سورة النساء : ١٠٥.

٥٠

النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بالمدينة ، فقالوا للنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : أتيناك بأهلينا طائعين عفوا بغير قتال وتركنا الأموال والعشائر (١) ، وكل قبيلة [١٥٩ ا] فى العرب قاتلوك حتى أسلموا كرها فلنا عليك حق ، فاعرف ذلك لنا فأنزل تعالى فى الحجرات (... يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ...) إلى آيتين (٢). وأنزل الله ـ تعالى ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ... وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) ـ ٣٣ ـ بالمن ولكن أخلصوها لله ـ تعالى ـ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) بتوحيد الله (وَصَدُّوا) الناس (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) يعنى عن دين الإسلام (ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) ـ ٣٤ ـ وذلك أن المسلم كان يقتل ذا رحمه على الإسلام فقالوا : يا رسول الله ، أين آباؤنا وإخواننا الذين قاتلوا فقتلوا؟ فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : هم فى النار. فقال رجل من القوم : أين والده وهو عدى بن حاتم؟ فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى النار. فولى الرجل وله بكاء فدعاه النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقال مالك؟ فقال : يا نبى الله أجدنى أرحمه وأرثى له ، فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : فإن والدي ووالد إبراهيم ووالدك فى النار فليكن لك أسوة فيّ وفى إبراهيم خليله فذهب بعض وجده. فقال : يا نبى الله ، وأين المحاسن التي كان يعملها؟ قال :

__________________

(١) فى أ : «والعشاير».

(٢) هما الآية ١٧ ، ١٨ من سورة الحجرات ونصهما : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ).

٥١

يخفف الله عنه بها من العذاب فأنزل الله فيهم «إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم» (١).

__________________

(١) نص الآية : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) «سورة محمد : ٣٤».

وعلى فرض صحته (إن أبى وأبيك فى النار) يؤول الأب بجنس الأب البعيد وأهل الفطرة ناجون لقوله ـ تعالى ـ (... وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) سورة الإسراء : ١٥.

ومن الخير عدم إقحام مثل هذه الآثار التي تفهد أن والدي النبي فى النار وهي دعوى لا برهان عليها وعلمها عند الله.

جاء فى كتاب غالية المواعظ ومصباح المتعظ وقبس الواعظ لنعمان آلوسي : ١٢٥» طبعة مطبعة السعادة بمصر : موضوع (ولادته ـ عليه الصلاة والسلام) «فلما كانت أمه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بالأبواء توفيت ، وقد اختلف فى نجاتها والبحث مشهور ، ولقد أحسن الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقي حيث قال :

حسبي الله النبي مزيد فضل

على فضل وكان به رءوفا

فأحيا أمه وكذا أباء

لإيمان به فضلا لطيفا

فسلم فالقديم بذا قدير

وان كان الحديث به ضعيفا

وقد أخرج ابن شاهين فى الناسخ والمنسوخ (مكتبة الأزهر).

عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ نزل إلى الحجون كثيبا حزينا فأقام ما شاء الله ـ عزوجل ـ ثم رجع مسرورا فقلت بيا رسول الله نزلت إلى الحجون كثيبا حزينا فأقمت به ما شاء الله ، ثم رجعت مسرورا فقال : سألت الله ـ عزوجل ـ فأحيا لي أمى فآمنت بى ثم ردها.

قال الحافظ أبو الفضل بن ناصر موضوع. ومحمد بن زياد هو النقاش ليس بثقة.

وأحمد بن يحيى ومحمد بن يحيى مجهولان.

وقال السيوطي : والصواب الحكم عليه بالضعف لا بالوضع ، واستشهد بكلام الحافظ ابن حجر فى لسان الميزان بعد ذكر كلام ابن الجوزي : بأن محمد بن يحيى وأحمد بن يحيى معروفان لا مجهولان.

وقال السهيلي : والله قادر على كل شيء وليس يعجز رحمته وقدرته عن شيء.

٥٢

ثم قال : (فَلا تَهِنُوا) يقول فلا تضعفوا (وَتَدْعُوا) يعنى نبدؤهم بالدعاء (إِلَى السَّلْمِ) يقول فلا تضعفوا وتدعوا العرب إلى الصلح والموادعة (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) يقول وأنتم الغالبون عليهم ، وكان هذا يوم أحد يقول : (وَاللهُ مَعَكُمْ) فى النصر يا معشر المؤمنين لكم (وَلَنْ يَتِرَكُمْ) يقول ولن يبطلكم (أَعْمالَكُمْ) ـ ٣٥ ـ الحسنة (إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا) يقول وإن تصدقوا بالله وحده لا شريك له وتتقوا معاصى الله (يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ) فى الآخرة يعنى جزاءكم فى الآخرة جزاء أعمالكم (وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ) ـ ٣٦ ـ

__________________

وقال القرطبي فى التذكرة لا تعارض بين أحاديث الأبوين ، وأحاديث عدم الإذن فى الاستغفار لأن إحياءهما متأخر عن الاستغفار لهما بدليل أن حديث عائشة فى حجة الوداع ، ولذلك جعله ابن شاهين ناسخا كما ذكر من الأخبار الواردة فى الاستغفار.

وقال الحافظ فتح الدين بن سيد : الناس فى السيرة قد روى أن عبد الله بن عبد المطلب ، وآمنة بنت وهب أبوى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أسلما وأن الله أحياهما له فأمنا به وروى ذلك أيضا فى حق عبد المطلب وهو مخالف لحديث أحمد عن أبى رزين العقيلي.

وأرى من الخير تفويض علم ذلك إلى الله ـ سبحانه ـ وفى الحديث «إن الله سكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تسألوا عنها».

خاصة وإن علم ذلك ليس من أصول الدين ، ولا يترتب عليه أمر ضروري. مع ثقتنا أن رحمة الله واسعة ، وإن الله أعطى نبيه الشفاعة والمقام المحمود يوم القيامة ، ولكننا نمسك عن القول بأن فلانا بخصوصه فى الجنة وأن فلانا بخصوصه فى النار.

ملاحظة :

عرض هذا التفسير على إرادة البحوث والنشر بالأزهر للسماح بطبعه ونشره فقرأ التفسير أساتذة أجلاء من الإدارة فى مدة وجيزة وكانت لهم نظرات ثاقبة وتوجيهات مفيدة ، استفدت منها حقا فى التعليق على هذا الكتاب قبل طبعه ، ورأيت فى هذه الإدارة إخلاص العلماء وتواضعهم واشتغالهم بالعلم وإحاطتهم بفروعه المتعددة ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

وقد أمدنى أساتذة ادارة البحوث والنشر بالنص السابق الذي أخرجه ابن شاهين فى الناسخ والمنسوخ.

٥٣

ثم نزلت بعد (إِنْ يَسْئَلْكُمُوها) يعنى الأموال فنسخت هذه الآية ولا يسألكم أموالكم (١) ، ثم قال : (فَيُحْفِكُمْ) ذلك يعنى كثرة المسألة (تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ) ـ ٣٧ ـ يعنى ما فى قلوبكم من الحب للمال والغش والغل ولكنه فرض عليكم (يَسِيراً) (٢) ، ثم قال : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) معشر المؤمنين (تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا) أموالكم (فِي سَبِيلِ اللهِ) يعنى فى طاعة الله (فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ) بالنفقة فى سبيل الله (وَمَنْ يَبْخَلْ) بالنفقة (فَإِنَّما يَبْخَلُ) بالخير والفضل (عَنْ نَفْسِهِ) فى الآخرة لأنه لو أنفق فى حق الله أعطاه الله الجنة فى الآخرة (وَاللهُ الْغَنِيُ) عما عندكم [١٥٩ ب] من الأموال (وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) إلى ما عنده من الخير والرحمة والبركة (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا) يقول تعرضوا عما افترضت عليكم من حقي (يَسْتَبْدِلْ) بكم (قَوْماً غَيْرَكُمْ) يعنى أمثل منكم وأطوع لله منكم (ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) ـ ٣٨ ـ فى المعاصي بل يكونوا خيرا منكم وأطوع. قوله : (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ) حتى يوحد (يَنْصُرْكُمْ) على عدوكم (وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) فلا تزول «عند» (٣) اللقاء «عن التوحيد» (٤).

قال ، وقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : نصرت بالرعب «مسيرة» (٥) شهر فما ترك التوحيد قوم إلا سقطوا من عين الله وسلط الله عليهم السبي ، (... وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ...) (٦) يعنى الأنصار.

__________________

(١) انظر ما كتبته فى موضوع النسخ عند مقاتل.

(٢) فى أ : «يسير» ، وفى ف : «يسيرا».

(٣) فى أ : «عن» ، وفى ف : «عند».

(٤) فى أ ، ف : «بالتوحيد» والأنسب «عن التوحيد».

(٥) فى أ ، ف : «على مسيرة» ، ولفظ البخاري «مسيرة».

(٦) سورة محمد : ٣٨.

٥٤

سورة الفتح

٥٥
٥٦

(٤٨) سورة الفتح مدنية

وآياتها تسع وعشرون

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ

٥٧

وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٢) وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً (٣) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (٤) لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزاً عَظِيماً (٥) وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (٦) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (٧) إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٨) لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٩) إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (١٠) سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ

٥٨

قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١١) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً (١٢) وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً (١٣) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٤) سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٥) قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٦) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً (١٧) لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ

٥٩

السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (١٨) وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٩) وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٢٠) وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (٢١) وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٢٢) سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً (٢٣) وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (٢٤) هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (٢٥) إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٢٦)

٦٠