منه حين الموت تكون كفّارة لبعض هذه التشكيكات ، والله العالم.
(٧)
سيف الدين الآمدي ( ٥٥٦ ـ ٦٢١ هـ )
أبو الحسن علي بن أبي علي بن محمد بن سالم التغلبي ، الفقيه الأُصولي الملقب ب ـ « سيف الدين الآمدي » كان حنبلي المذهب ، وانحدر إلى بغداد وقرأ بها على أبي الفتح نصر بن فتيان الحنبلي ، ثمّ انتقل إلى مذهب الشافعي ، ولما بلغ الدرجة الممتازة انتقل إلى الشام واشتغل بفنون المعقول ، وحفظ منه الكثير وتمهر فيه ، ولم يكن في زمانه أحفظ منه لهذه العلوم ، ثمّ انتقل إلى الديار المصرية ، ثمّ حسده جماعة من فقهاء البلاد وتعصّبوا عليه ونسبوه إلى فساد العقيدة ، وانحلال الطوية والتعطيل ومذهب الفلاسفة والحكماء ، وكتبوا محضراً يتضمن ذلك ووضعوا فيه خطوطهم بما يستباح به الدم ، وهذه شنشنة يعرفها التاريخ من الذين أعدموا العقل وصلبوه وشوهوا صورة الشريعة ، واعتمدوا في كلّ شيء حتى فيما يجب ثبوته قبل ثبوت الشرع ، على الحديث ، ورأوا الاشتغال بالعلوم العقلية كفراً وزندقة فابتلي الآمدي (١) بهؤلاء المتزمّتين ، وقبله الشهرستاني كما عرفت ذلك في ترجمته.
ينقل ابن خلّكان أنّ رجلاً منهم لمّا رأى التحامل وإفراط التعصب على الآمدي كتب في المحضر الذي أعدّوه للسعاية عليه :
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه |
|
فالقوم أعداء له وخصوم |
والله أعلم وكتب : فلان بن فلان.
ولعل الحسد ـ في جميع العصور التي قام فيها هؤلاء بقمع أهل الفكر والعقل وطردهم عن الساحة الإسلامية ـ كان أحد العوامل الباعثة على التكفير والتفسيق ، والقتل والصلب ، وكان هناك عامل آخر أشد تأثيراً في هذه المجالات ، وهو سوء الوعي وقلّة العمق في المخالفين ، إذ لم يعرفوا أنّ الإسلام
ـــــــــــــــــــ
١ ـ الآمدي : منسوب إلى آمد وهي مدينة في ديار بكر.