فكانت وفاته نهار الأربعاء ثاني شوال سنة إحدى وخمسين وتسعمائة عن سبع وسبعين سنة بعد أن نسب إليه أنه يترجى العمر الطبيعي قائلا : إنه لا يموت قبله. وفي وفاته كسرت دكة عظيمة كانت مصنوعة من الخشب الطيب الرائحة المشهور بالشّر بين موضوعة داخل باب داره يعتاد الجلوس عليها.
وكان رحمهالله قد لزم بيته في رفاهية وطيب عيش ، وسلم المسلمون من لسانه ويده ، وانكف عن أمر المناصب العثمانية ، ولم يكد يخرج من بيته غالبا إلا لصلاة الجمعة والعيدين تحت منارة الجامع الأعظم بحلب وشهود بعض الجنائز.
وكان من كلامه إذ كان أحد القضاة الأربعة يقول : أنا ربع الإسلام. ولما قرب إلى الوفاة جس نبض يده بيده الأخرى لأنه كان يلم بعلم الطب ويطالع فيه فقال : متّ ورب الكعبة. ثم كانت وفاته رحمهالله.
٨١٧ ـ محمد بن عبد البر بن الشحنة المتوفى سنة ٩٥١
محمد بن عبد البر بن محمد أقضى القضاة محب الدين ابن قاضي القضاة وشيخ الإسلام سري الدين ابن شيخ مشايخ الإسلام أبي الفضل محب الدين الحلبي محتدا المصري مولدا الحنفي المشهور بابن الشحنة.
ولي نيابة (١) الحكم عند أبيه وهو قاضي الحنفية بالديار المصرية في الدولة الجركسية ، فكانت تعرض عليه المستندات الشرعية فيعرضها على والده ليفوض إلى كل نائب ما يليق به. ثم قدم إلى حلب بعد انقضاء الدولة الجركسية فحصلت لنا به حظوة في الممازحة والمطارحة الشعرية لسرعة نظمه ورقة طبعه. ثم حج وجاور. ثم قدم إلى حلب فكانت وفاته بها ليلة الأحد تاسع شعبان سنة إحدى وخمسين وتسعمائة بين سلام الفجر وأذانه ، ودفن وسط الرواق الشرقي المجاور لتربة موسى الحاجب خارج باب المقام ، ولم يخلف ذكرا فكان كثيرا ما يتمثل بقول الخنساء في أخيها في مرض موته :
__________________
(١) في در الحبب : نقابة.