توفي والده الجمال عنه صغيرا ، فنشأ بعده عفيفا نظيفا ، وطمحت نفسه للرياسة فتفقد ما بقي من تركة أبيه وجد في جمع المال. وذهب إلى القاهرة ليرى بها ما يشهد له باستحقاق النظر على وقف خال أبيه المحبي محمود بن آجا على تربته بالقاهرة وتربته بحلب التي آلت إليه حصة من معرة أخوان (١) ، وصار النظر عليها لأبيه ثم الأرشد فالأرشد من أولاده ، فأكرم مثواه الأمير جانم الحمزاوي لأنه كان مؤاخيا لأبيه ، فشعر به قاسم المغربي وهو يومئذ بالقاهرة فغض عليه لتزوجه ببنت المحبي واستيلائه على أوقاف أبيها وجدها. ثم عاد إلى حلب فتزوج ببنت خوجه روح الله القزويني ، فبذل على يده لبعض الدفتر دارية نحو مائة قبرصي على تولية بيمارستان حماة ، فأعطاه إياها بعد ما شرط عليه لبس الكسوة الرومية بسؤال أبي زوجته إياه في ذلك خفية ، فلبسها وتجمل باللباس الحسن.
وكان شابا لطيفا. وولي النظر على تربة جده بالجبيل الصغير بشرط الواقف ، وتكلم على وقف المحبي وأبيه بحلب ، وشرع في ابتياع أملاك وعقارات ، وأشرف على رياسة في المال عظمى ، فوافته المنية في عنفوان شبابه ، فتوفي سنة تسع وأربعين ودفن بتربة جده (في محلة الجبيلة).
٨٠٩ ـ دوريش بن أبي سوادة المتوفى سنة ٩٤٩
درويش بن قاسم بن محمد بن أبي سوادة الحلبي المعروف بابن أبي سوادة العطار والده.
شاعر سريع النظم كثيرة ، إلا أن بضاعته في النحو مزجاة ، ولذا كان كثيرا ما يغلط في الإعراب إذا قال شعرا أو أنشد لغيره شعرا ، ويعتذر بأنه لم يكن ليسعه ركوب متن العربية لاشتغال باله بكثرة أولاده وعياله. إلا أنه كان يلم بمطالعة شروح البديعيات ونوادر الشعراء وأخبار المتقدمين.
توفي سنة تسع وأربعين.
وكان يذكر أنه من طائفة ينتسبون إلى موقّع الدست بحلب القاضي بهاء الدين علي ابن أبي سوادة الذي أنشأ المنارة المجاورة لزاوية الشيخ عبد الكريم بحلب سنة إحدى وسبعين
__________________
(١) تقع قرب معرة مصرين ، وكانت تدعى مرتحوان.