المهمندارية الكبرى بحلب منك وكان صديقه ، فتوجه إلى الأبواب الشريفة في أربعة عشر يوما ، فلما اجتمع بقايتباي ظهر أن عمه كان من أصدقاء قايتباي قبل السلطنة ، فقرره على وظيفته وألبسه الخلعة ، فلما نزل بها إلى منزله أمر صديقه مهمندار كبير بالأبواب الشريفة عدوه الساعي عليه في وظيفته بأن يمشي معه بين يديه إلى منزله ، فلم يسعه المخالفة ، فلما وصل معه إلى منزلة اقتضت مروءة الناصري إذ تلاشى أمر عدوه وصلحت حاله أن نزع الخلعة وألبسه إياها كأنه لم يدر أنه سعى عليه ، فعند ذلك اهتم العدو بشأنه وأضافه ضيافة حافلة وبسط عذره له ، فيا لها مروءة أجراها المرء على عدوه ا ه.
أقول : وله وقف داخل في دائرة الأوقاف ومرتزقة يرتزقون منه.
٧٩٢ ـ الشيخ عبدو القصيري المتوفى سنة ٩٤٤
عبدو بن سليمان الكردي القصيري الشافعي الصوفي الخلوتي.
قدم حلب مرارا ونزل عند شيخنا البرهان العمادي وغيره. وكان أصله من خينو من قرى القصير ، فتركها مع نضارتها إلى قرية خربة بجبل الأقرع فعمر له بها دارا ، فعمر غيره بها دورا ، واعتزل بها إلى أن ورد عليه ولده الشيخ أحمد وقبل يديه وأظهر التوبة عما كان عليه من عدم الرضى بما عليه أبوه ، فجعله خليفته وانقطع لمجرد العبادة.
وبلغني من بعض الثقاة أنه توجه إلى زيارته فرأى حول داره دواب لا تحصى للزوار وغيرهم ، فحدثته نفسه بأن يشتري لدابته علفا خشية أن تموت بين تلك الدواب الكثيرة عند رجل فقير ، قال : فقدمت على الشيخ فقال لي بديهة : أتخاف عليها من الموت لعدم العلف؟ فعلمت أنه قد كاشفني أو كشف له.
توفي بوطنه سنة أربع وأربعين.
وكان من المجدين في العبادة فوق العادة ، يتعمم هو وأتباعه بالمئزر الأسود ويلبس التاج المضرّب دالات (١). وكان في مريديه كثرة إلا أنها لم تبلغ كثرة مريدي ولده المذكور ولا كان يشتغل في العلوم الظاهرة مثله.
__________________
(١) هذا التاج يلبسه أتباع الطريقة الصوفية المنسوبة إلى إبراهيم بن أدهم ، وهو قطعة قماش ضرب على ظاهرها ما يشبه الدالات.