كان شيخا صالحا مطرحا للتكليف يعتاد دون غيره من أبناء جنسه استعمال الشد (١) الوبر في عنقه. وكان يقرأ الحديث على الكرسي الموضوع بشمالية جامع حلب ، فإذا رأى شيخنا الموصلي يدرس تحته قرأه تحت الكرسي بمجلس درسه تأدبا معه. وكانت له المنامات الصادقة فيما أخبرني به والدي ، فقد كان يحب والدي ويحبه والدي وبينهما الصداقة التامة. وكانت له العناية برمي النشاب في أيام الشباب ، توفي سنة تسع عشرة أو سنة عشرين وتسعمائة.
وكان أبوه أحد المعدودين بمكتب سوق الصابون بحلب ، وكان واحد من أجداده فيما بلغني معدودا من أرباب الأحوال وعتيقا لقدوة البلاد الحلبية الشيخ العابد محمد بن نبهان الحلبي الجبريني الذي كانت إقامته بجبرين وله بها الزاوية المشهورة وفيها مزاره لوفاته بها سنة أربع وأربعين وسبعمائة. وفيه يقول ابن الوردي كما ذكره الشيخ أبو ذر في تاريخه :
وكنت إذا قابلت جبرين زائرا |
|
يكون لقلبي بالمقابلة الجبر |
كأن بني نبهان يوم وفاته |
|
نجوم سماء خرّ من بينها البدر |
٦٨٤ ـ محمد العريان المجذوب المتوفى سنة ٩١٩
محمد العريان مجذوب معتقد. كان سبب جذبته أنه كان في بداية أمره مسرفا على نفسه ، فشرب ذات يوم خمرا وجرح إنسانا ، فلما جرى دمه هاله ذلك الأمر المحظور الذي ارتكبه كأنه ندم على ما فرط منه وما اجترأ عليه ، فاضطرب عقله وصار يختلط بطائفة المؤذنين بجامع الزكي بحلب ويعمل أعمالهم ، ثم تجرد عن الملبس وأوى إلى قبة من اللبن بين الكروم مجاورة لقبة بها مدفن الولي المعروف بالشيخ بولاد ، وهو عريان لا يستر سوى عورته الغليظة ، وبين يديه كلاب كثيرة يمنعون من ينوي زيارته إلا بإشارة منه ، وإذا أهدى له زائر شيئا من الأكل بادر إلى إطعامهم منه ، وربما منع الناس من الوصول إليه بالحجارة. وكان لا يزال نظيفا وربما وجد عليه آثار الغزاة من جروح وغيرها.
وكان خير بك كافل حلب يعتقده لما أنه قدم يوما والناس محتاجون إلى المطر قدوما
__________________
(١) في بعض النسخ المخطوطة من در الحبب : المشد.