إن قراءة متمعنة ما بين سطور هذه المناظرة تكشف عن الأفق المعرفي الرحب الذي يتمتع به الإمام الرضا الله، وترشد إلى أن إمامنا الله حاول إصلاح الفكر والمقولات والرؤى الأقطاب أهل الأديان والملل من خلال الحجج القوية المجلجلة التي قرعت آذانهم وأفحمتهم أيما إفحام .. ومن السهل أن نكتشف أن الإمام الله قد اتبع المنهج النقلي مع أهل الكتاب ممثلين بالجائليق النصراني ورأس الجالوت اليهودي ، فقد احتج على أهل التوراة بتوراتهم، وعلى أهل الإنجيل بإنجيلهم ، وعلى أهل الزبور بزبورهم لتكون الحجة عليهم أبلغ ، ولقد وجدنا كيف أن الجائليق رفض الاحتكام إلى نصوص القرآن ، قائلاً منذ البداية : كيف أحاج رجلاً يحتج
على بكتاب أنا منكره ، وينبي لا أؤمن به ؟ لذلك نرى أن الإمام الله وقف معهم على أرض مشتركة من الفهم ، حيث خاطبهم بلغتهم وأورد نصوصاً من كتبهم لا يسعهم إنكارها . وفي جانب آخر يبطل الإمام الله من خلال الحوار العلمي الهادف
مزاعم النصارى في المسيح الله في أنه ابن الله ، تعالى عن ذلك علواً كبيراً، وتغلو في شخصه فتسلب منه صفته البشرية وتمنحه صفة الألوهية ، وإمامنا الرضا الله في الوقت الذي أثبت فيه نبوة نبينا بالدليل النقلي الوارد في الإنجيل عن طريق بشارة المسيح الله الحوارييه بمبعثه من بعده، أبطل بالدليل العقلي عقيدة النصارى في المسيح المتسمة بالغلو والبعيدة كل البعد عن التنزيه الله تعالى ، ففي هذا المجلس الذي هو - بحسب تعبيرنا - بمثابة مؤتمر فكري عالمي ، وجه إمامنا كلامه للجائليق قائلاً: «يا نصراني والله إنا لنؤمن بعيسى الذي أمن بمحمد الله ، وما ننقم على عيساكم شيئاً إلا ضعفه
وقلة صيامه وصلاته .