أظهره ، لمن وثق به ، وكتمه ثلاث سنين عمن لم يثق به ، ثم آل الأمر إلى أن تعاقدوا على هجرانه و هجران جميع بني هاشم والمحامين عليه لأجله ، فخرجوا إلى الشعب وبقوا فيه ثلاث سنين ، فلو أن قائلاً قال في تلك السنين : لم لا يخرج محمد الله ، فإنه واجب عليه الخروج لغلبة المشركين على المسلمين؟ ما كان يكون جوابنا له إلا أنه بأمر الله تعالى ذكره خرج إلى الشعب حين خرج ، وبإذنه غاب ، ومتى أمره بالظهور والخروج خرج وظهر ؛ لأن النبي عليه بقي في الشعب هذه المدة حتى أوحى الله عزّ وجل إليه أنه قد بعث إرضة على الصحيفة المكتوبة بين قريش في هجران النبي وجميع بني هاشم المودعة عند زمعة ابن الأسود ، فأكلت ما كان فيها من قطيعة رحم ، وتركت ما كان فيها من اسم الله عز وجل . فقام أبو طالب فدخل مكة ، فلما رأته قريش قدروا أنه قد جاء ليسلم
إليهم النبي الله حتى يقتلوه أو يرجعوه عن نبوته ، فاستقبلوه وعظموه ، فلما جلس قال لهم : يا معشر قريش إن ابن أخي محمد لم أجرب عليه كذباً قط ، وإنه قد أخبرني أن ربه أوحى إليه أنه قد بعث على الصحيفة المكتوبة بينكم الإرضة فأكلت ما كان فيها من قطيعة رحم ، وتركت ما كان فيها من أسماء الله عز وجل ، فأخرجوا الصحيفة وفكوها فوجدوها كما قال ، فأمن بعض وبقي بعض على كفره ورجع النبي الله وبنو هاشم إلى مكة .
هكذا الإمام الا إذا أذن الله له في الخروج خرج . وشيء آخر وهو إن الله تعالى ذكره أقدر على أعدائه الكفار من الإمام ، فلو أن قائلاً قال : كم يمهل الله أعداءه ولا يبيدهم وهم يكفرون به ويشركون؟ لكان جوابنا له : إن الله تعالى ذكره لا يخاف الفوت فيعاجلهم
بالعقوبة ، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون، ولا يقال له : لم ولا كيف ،